آخر الأخبارتحليلات

المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب

بقلم المحلل السياسى

شوقي محمود
فيينا – النمسا
الثلاثاء 14 يوليو 2020
مخططات إرهابية استهدفت عواصم أوروبية (فيينا وبرلين وبروكسيل وباريس وكوبنهاجن) عاصرت فصولها، وتابعت مجريات أحداثها…
أتحدث هنا عن الإرهاب الإيراني والهندي في أوروبا… هذا الإرهاب الأسود كشف نفاق السياسيين الأوروبيين، والمعايير المزدوجة فيما يسمي “مكافحة الإرهاب”!!
سياسة إيران بين العصا والجزرة!!
تعتمد إيران في تعاملها مع الدول بسياسة العصا والجزرة، فتارة التلويح بتحريك أذرعها لاستهداف مصالح خصومها بنشر الإرهاب…. وتارة أخري التلويح بالجزرة ” بيع النفط بأسعار تفضيلية، وبالاتفاقيات الاقتصادية وزيادة حجم التبادل التجاري!!
مطاردة المعارضة في أوروبا!!
سجل إيران الإرهابي حافل، فقد شهدت أوروبا، العديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت المعارضين السياسيين الإيرانيين الذين هربوا من بلادهم بعيداً عن بطش النظام، ومع ذلك طالتهم أذرع المخابرات الإيرانية!!
اغتيال رئيس الحزب الكردستاني الإيراني بفيينا!!
في 13 يوليو 1989 اغتال عملاء المخابرات الإيرانية رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني عبد الرحمن قاسملو Abdul Rahman Qasimlu
واثنين من مرافقيه داخل مقهي بوسط العاصمة النمساوية فيينا، وطاردت الشرطة الجناة، ولكن القتلة فروا إلي السفارة الإيرانية، فحاصرت القوات الأمنية مبني السفارة… ولكن الأمر لم يستمر إلا ساعات قليلة!!
تحت الضغط والتهديد الإيراني، رضخت الحكومة النمساوية، ورفعت الحصار عن السفارة، كما سُمح للقتلة بمغادرة فيينا إلي طهران دون محاكمة!!
اغتيال في برلين تكراراً لسيناريو فيينا!!
بعد 3 سنوات وتحديداً في 17 سبتمبر 1992 كررت المخابرات الإيرانية جريمتها في ألمانيا وقتلت المعارض الإيراني صادق شرفكندي Sadiq Sharafkandi و3 من قادة الأكراد الإيرانيين داخل مطعم “ميكونوس Mykonos في برلين!
وأصدر القضاء الألماني مذكرة دولية عبر الانتربول لاعتقال رئيس المخابرات الإيرانية علي فلاحيان، كما شملت المذكرة كل من المرشد الأعلي للثورة الإيرانية علي خامنئي والرئيس السابق للجمهورية هاشمي رفسنجاني ووزير الخارجية علي أكبر ولاياتي، لأنهم كانوا وراء إصدار الأوامر بتنفيذ عملية اغتيال شرفكندي وزملائه!!
عند ذلك أشهرت إيران العصا، بتحريك الشارع في مظاهرات صاخبة عمت طهران والمدن الإيرانية الرئيسية تطالب بفتوى لإهدار دم القضاة الألمان الذين تجرأوا وأصدرا تلك المذكرة!!
هنا تدخلت دبلوماسية المهانة التي ألقت بأوامر القضاء الألماني في سلة المهملات!!
وتم الاتفاق علي إلغاء مذكرة الاعتقال وكافة الاتهامات ضد المسئولين الإيرانيين، مقابل أن تطلق إيران سراح المهندس الألماني هيلموت شيمكوس Helmut Chemkus المحكوم عليه بالإعدام بتهمة التجسس!!
مخطط إرهابي برعاية دبلوماسية!!
في 2 يوليو 2018 اعتقل زوجين إيرانيين (Amir Sadoni أمير سعدوني 38 عاماً وزوجته Nasimeh Nomeni نسيمة نومين 33 عاماً) وهما يحملان الجنسية البلجيكية، وتم القبض عليهما في بروكسيل، وعثر داخل سيارتهما على 500 جرام من مادة ترياسيتون تريبيروكسايد TATP شديدة الانفجار مع جهاز تفجير!!
وفي اليوم التالي (3 يوليو) اعتقلت الشرطة الألمانية في مدينة “أشافنبورج” دبلوماسي إيراني يدعي أسد الله أسدي Asadollah Assadl يعمل بالسفارة الإيرانية في فيينا منذ عام 2014…وجاء في أمر الاعتقال أن المشتبه به إلتقي بسعدوني وزوجته قبل أيام قليلة في لوكسمبورج وأمرهما بتنفيذ عملية إرهابية في فرنسا وأمدهما بالأسلحة والمتفجرات التي ضبطت معهما!!
وكان المستهدف في العملية الإرهابية مؤتمر سنوي ترعاه منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة المسلحة Organization of the People’s Mujahedin
وعقد المؤتمرفي 7 يوليو 2018 بمدينة فيليبينت Villepinte الفرنسية وحضرة أكثرمن
25 ألف شخص، بالإضافة إلي سياسيين من أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا!!
وتم الكشف عن المخطط الإرهابي المذكور بالتعاون بين أجهزة المخابرات في كل من بلجيكا وفرنسا وألمانيا، وخلال حملة أمنية مشتركة عثرت الشرطة علي كميات هائلة من الأسلحة والمتفجرات مخبأة في أماكن مختلفة في البلدان الثلاث…. وتبين أن هذه الأسلحة صناعة إسبانية وتم بيعها لإيران منذ عدة سنوات…. ومن ثم تهريبها إلي أوروبا من خلال الحقائب الدبلوماسية الإيرانية!!
لماذا تغير موقف ألمانيا من الإرهاب الإيراني!!
عدة أسباب وراء الموقف الصارم من جانب الألمان في قضية الدبلوماسي الإيراني المتهم بالإرهاب، وهي:
1) الموقف المتخاذل في قضية مقتل المعارضين الإيرانيين عام 1992 أثار ضجة عارمة ضد الحكومة من المعارضة السياسية والإعلام داخل ألمانيا، وكذلك من الحليف الأمريكي!!
2) المعلومات المتداولة بين أجهزة مخابرات بلجيكا وفرنسا وألمانيا كانت تؤكد أن الدبلوماسي المذكور كان في ألمانيا قبل موعد تنفيذ العملية بأيام قليلة، وعدم القبض عليه يعني تهاون أمني خطير!!
3) وفقاً للمدعي العام الألماني، لم يكن الأسدي شخصاً عادياً بل كان ضابطاً بوزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيراني، ويعمل تحت غطاء دبلوماسي!!
4) إذا لم يتم القبض علي الدبلوماسي الإرهابي، سيتمكن من الهرب إلي إيران، وبالتالي ضياع فرصة ثمينة للقبض علي أهم عنصر في القضية!
5) اعتقال الأسدي كان بناء علي مذكرة اعتقال دولية صادرة من القضاء البلجيكي!
ولهذا قررت النمسا سحب الحصانة الدبلوماسية من الأسدي، وفي 1 أكتوبر وافقت المحكمة الفيدرالية العليا في مدينة “بامبرج” بمقاطعة بافاريا علي تسليم المتهم إلي بلجيكا، وفي 9 أكتوبر تم التسليم بالفعل إلي بروكسيل لمحاكمته مع الزوجين المعتقلين بتهمة التخطيط والشروع بأعمال إرهابية!!
وفي السياق نفسه اعتقلت الشرطة الفرنسية شخص يدعي “مراد” بتهمة التواطؤ في المخطط الإرهابي المذكور!!
اغتيال شهبور بختيار في باريس!!
الإرهاب الإيراني في فرنسا كان هدفه هذه المرة شهبور بختيار -آخر رئيس وزراء في عهد الشاة- الذي اغتيل في 6 أغسطس 1991 داخل بيته في باريس، وقتل معه سكرتيره، علي أيدي 3 من الحرس الثوري الإيراني!!
وكان موقف الحكومة الفرنسية من هذه الجريمة الإرهابية سلبياً للغاية إلي درجة التواطؤ!!
الإرهاب الإيراني يصل إلي الدانمرك
في 30 أكتوبر 2018 أعلن فين بورش أندرسون Finn Porsche Anderson رئيس المخابرات الداخلية الدانمركية إحباط مخطط إيراني لاغتيال 3 معارضين عرب من “حركة تحرير الأحواز” مقيمين بالدانمرك!!
وكإجراء احترازي خشية أن يكون للمخطط الإيراني أبعاد أخرى غير معلومة، قررت السلطات الأمنية إغلاق الحدود مع ألمانيا، وكذلك إغلاق الجسر الرابط بين الدانمرك والسويد وإيقاف حركة القطارات والعبارات بين البلدين، وذلك بعد اعتقال السلطات السويدية مواطن نرويجي من أصل إيراني يوم 21 أكتوبر بتهمة التخطيط لاغتيال المعارضين الثلاثة في كوبنهاجن، وتم تسليم المشتبه به إلى الدانمرك… وقال انديرسن ان المتهم التقط صوراً لمساكن المستهدفين تحضيراً لعملية الاغتيال!!
مسلسل الاغتيالات الإيرانية يتمدد في أوروبا!!
لم تتوقف الاغتيالات الإرهابية الإيرانية، وقتل أكثر من 60 معارضاً لنظام الملالي الإيراني في العديد من المدن الأوروبية!!
وشملت قائمة الاغتيالات كل من: كاظم رجوي في جينيف بسويسرا عام 1990، وفريدون فرخزاد في بون بألمانيا عام 1992، ومحمد حسن نقدي عام 1993 في العاصمة الإيطالية روما، وأحمد مولى عام 2017 في لاهاي بهولندا، وغيرهم كثير!!
انبطاح غربي أمام الصلف الإيراني!!
رغم الممارسات الإرهابية، لم تتخذ الدول الأوروبية أي إجراءات ضد الحكومة الإيرانية أو ضد الجالية الإيرانية بتلك الدول!!
بل شهدت العلاقات بين طهران وكل من فيينا وبرلين وباريس وغيرهم، تطوراً لافتاً وعلاقات تجارية متعددة!!
كما أن الإيرانيين الذين يعيشون في الغرب يتمتعون بحقوقهم كاملة، بما فيها الحقوق الدينية، وتتلقي مساجد ومدارس الشيعة المساعدات المادية والعينية من إيران دون أي عوائق….
ولهذا فإن قانون الإسلام الجديد neue Islamgesetz الصادر عن الحكومة النمساوية عام 2015 لا يطبق علي الشيعة، إنما يستهدف المسلمين السنة فقط!!
هذا القانون العنصري يلغي كثير من الحقوق الممنوحة للمسلمين المنصوص عليها في قانون الإمبراطورية النمساوية عام 1912، ويمنع أيضاً أي تبرعات للمساجد تأتي من الخارج، بالإضافة إلي التضييق علي المدارس وروضات الأطفال الإسلامية!!
إرهاب علي الطريقة الهندية في العاصمة النمساوية!!
في 24 مايو 2009 تعرض أحد معابد السيخ في مدينة فيينا لهجوم إرهابي، أثناء احتفال أقيم بالمعبد بمناسبة زيارة اثنين من قادة الطائفة السيخية إلي النمسا، وحضره أكثر من 350 من الرجال والنساء والأطفال!!
واندس بين الحضور 6 إرهابيين منشقين عن طائفة السيخ، وفجأة أطلقوا وابلاً من الرصاص من أسلحتهم الأوتوماتيكية، مستهدفين بصفة خاصة الضيفين الزائرين، فقتل أحدهما وأصيب الآخر بجروح خطيرة!!
وألقت الشرطة القبض علي الإرهابيين الستة، وفي 27 سبتمبر 2010 قضت محكمة الجنايات الاتحادية بالعاصمة بالسجن المؤبد علي اثنين من الإرهابيين باعتبارهما الفاعلين الرئيسين، وبالسجن مابين 18 و17 عاماً علي الأربعة الأخرين لدورهما في الدعم اللوجيستي للعملية
والجدير بالذكر أن الحكومة النمساوية لم تستغل هذه العملية الإرهابية لتضيق الخناق علي طائفة السيخ، بسن قوانين عنصرية تحد من حقوقهم الدينية تحت مسمي “مكافحة التطرف”….. كما تفعل مع المسلمين!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى