ثقافة وادب

المنظمة الصهيونية التي حاولت التحالف مع هتلر، ماذا تعرف عن “عصابة شتيرن”؟

لم يترددوا بوصف أنفسهم بالـ”إرهابيين”، نفذوا العديد من الاغتيالات، وشاركوا في العديد من الأعمال الإرهابية أبرزها مذبحة دير ياسين، انشقوا عن أشهر الجماعات الصهيونية المسلحة وشكلوا تنظيماً خاصاً بهم سعى للتحالف مع هتلر، وألمانيا النازية، لتشكيل دولة “إسرائيل الفاشية” نحن نتحدث عن منظمة  “لوحمي حيروت يسرائيل” أو “ليحي” التي ربما لم يسمع عنها كثيرون.

فمن هؤلاء الذين كانوا سيضعون أيديهم بأيدي هتلر الذي أباد يهود ألمانيا في محارق جماعية؟ فلنتعرف على قصتهم مثلما رواها الكاتب والمؤرخ مورغان دان في موقع All That’s Interesting الأمريكي.

في النصف الأول من القرن العشرين، بدأت العديد من المجموعات بالعمل لإقامة دولة لليهود في فلسطين، ولعل أبرز النشطاء في هذا المجال أولئك الذين أسسوا الحركة الصهيونية، داعين اليهود حول العالم إلى الهجرة والاستيطان في أرض فلسطين.

ضمت الحركة الصهيونية العديد من الفصائل، إلا أن أكثرها تطرفاً على الإطلاق، كانت منظمة “لوحمي حيروت يسرائيل” أو “المحاربون من أجل إسرائيل” أو “ليحي” اختصاراً.

كان ذلك في العام 1940،عندما أسس البولندي أبراهام “يائير” شتيرن منظمة عسكرية صهيونية تحت اسم “المحاربون من أجل إسرائيل” وقد عرفت على نطاق واسع باسم “عصابة شتيرن”.

تعهد أفراد التنظيم ألا يُوقِفهم شيء في سبيل تحقيق رؤيتهم، كانوا يصفون أنفسهم بـ”الإرهابيين”، وينفذون مآربهم عن طريق الاغتيالات والتفجيرات، وقد وصل بهم الحد إلى فعل ما لم يكن يخطر ببال أحد من الصهاينة: التحالف مع ألمانيا النازية لتأسيس دولة إسرائيلية فاشية.

قبل زمن طويل من تأسيس شتيرن لمجموعته، كان الصهاينة المسلحون يكافحون من أجل الاستقلال عن الصهاينة الأكثر براغماتية تحت إشراف الناشط السياسي روسيّ المولد زئيف جابوتينسكي.

ساعد جابوتينسكي أيضاً في تأسيس منظمة “إرغون”، وهي مجموعة إرهابية متطرفة سعت لطرد البريطانيين من فلسطين.

ووصلت الاضطرابات ذروتها عام 1939، حين قررت بريطانيا تقييد هجرة اليهود إلى فلسطين عقب “مؤتمر لندن”، على أن تخضع فلسطين لحكومة تمثيلية تشمل اليهود والعرب خلال السنوات الـ10 المقبلة.

رفض كلٌ من العرب واليهود هذا التعهُّد، باعتباره خيانة للوعود السابقة التي قطعتها بريطانيا لكلٍ منهما.

لكن حين قرَّرت منظمة إرغون عدم الخروج في ثورة مفتوحة ضد البريطانيين بسبب القرارات التي خرج بها مؤتمر لندن، قرَّر أحد أعضائها أن يسلك مساراً مختلفاً، ومن هنا ولدت “ليحي” على يد أبراهام شتيرن.

وُلِد أبراهام شتيرن عام 1907 في ما أصبح الآن بولندا، وهاجر إلى فلسطين وهو في سن 18 عاماً خلال الهجرة اليهودية الجماعية الثانية إلى فلسطين.

وبحلول عام 1939، كان شتيرن قد صار محارباً متمرساً في إرغون ومجموعات مسلحة أخرى.

وأصبح يعتقد أنَّ بريطانيا هي أكبر أعداء إسرائيل وتُشكِّل التهديد الأكبر لتأسيس دولة يهودية في فلسطين.

وفي حين كان شتيرن يدرك أنَّ هتلر معادٍ للسامية، فإنَّه كان يعتقد كذلك أنَّ “الفوهرر” قد يكون مفيداً في تحقيق رؤيته لإحياء “مملكة إسرائيل” التي تتأسس على مبادئ سلطوية يؤمن بها الزعيم النازي.

وبعد موقف “إرغون” من بريطانيا، قرر شتيرن الانشقاق عن المجموعة ليؤسس مجموعته المسلحة الخاصة التي عرفت باسم “لوحمي حيروت يسرائيل”، والتي كان البريطانيون يشيرون إليهم باسم “عصابة شتيرن”.

وفي حين كان ولاء الصهاينة لقوات الحلفاء المتمثلة ببريطانيا العظمى والولايات المتحدة و16 دولة أخرى، اتجه شتيرن باتجاه معاكس.

فقد تبنى شتيرن فكرة جابوتينسكي عن الهجرة الجماعية للأوروبيين إلى فلسطين وصاغ مقترحاً غريباً: أراد شتيرن نقل كافة اليهود الموجودين تحت الإدارة النازية إلى فلسطين، وأن يجري تسليح 40 ألفاً منهم على الفور وتدريبهم للثورة ضد السلطات البريطانية، في مقابل إعلان ولائه لـ”دول المحور”.

لم يكن هذا المقترح غير منطقي تماماً بالنسبة لشتيرن.

فقد كان يعتقد أنَّ بريطانيا معادية للصهاينة، ويمكن أن يتصور المرء أنَّ هتلر حتى عام 1942 ربما كان سيقبل بإجلاء اليهود إلى خارج إمبراطوريته وحسب بدل إبادتهم بشكل جماعي.

فضلاً عن هذا، بحلول ذلك الوقت، كان يبدو أنَّ النصر سيكون حليف دول المحور التي لا تُقهَر بقبضتها الحديدة التي فرضتها على أوروبا الغربية، وبدا كما لو أنَّها مسألة وقت فقط حتى تسقط بريطانيا في أيديهم أيضاً.

وكان شتيرن يعتقد، خطأً، أنَّ “ليحي” تختار الطرف المنتصر.

قدَّم شتيرن عرضه ثلاث مرات، الأولى للإيطاليين ثُمَّ للألمان عام 1941.

لكن وفق ما هو معلوم، لم تأخذ أي من هاتين الحكومتين الفاشيتين العرض على محمل الجد.

واشتد عزم شتيرن في مواجهة البريطانيين حين عَلِق والده في بولندا.

ظن أنَّ هذا كان بسبب القيود البريطانية على سفر اليهود، ولم يدرك أنَّ ذلك كان في الحقيقة سببه استعداد فرق الموت النازية آنذاك لقتل اليهود البولنديين بالجملة.

ورغم أنّ مهمة ليحي كانت عصيبةً ووحشية، لكنّ أفرادها لم يتجاوزوا الـ200 شخص في وقتٍ واحد، وكانت مُفلسةً دائماً.

لذا لم تكُن خُططها العنيفة تصل إلى مرحلة التنفيذ دائماً، أو كانت تفشل عند تنفيذها.

ففي يناير/كانون الثاني عام 1942 مثلاً، حاول مُسلّحو ليحي سرقة مصرفٍ في تل أبيب، مما أسفر عن مصرع اثنين من المارة اليهود.

وأعقبت ذلك محاولةٌ أخرى في الشهر نفسه لاغتيال القائد البريطاني لإدارة التحقيقات الجنائية.

لكن المحاولة أسفرت عن مصرع ثلاثة من رجال الشرطة، اثنان منهم يهود.

علاوةً على ذلك، كانت الاستخبارات البريطانية آنذاك أقوى بكثير من أن تستطيع منظمة إرهابية صغيرة مثل ليحي النجاح.

 إذ كانت كافة تفاصيل تحرّكاتهم معروفة، لدرجة أنّ البريطانيين اعتقلوا مبعوثاً أرسلته ليحي للقاء الدبلوماسيين الإيطاليين في بيروت.

ورغم احتمالية تفكير الرايخ لفترةٍ وجيزة في إقامة تحالفٍ عجيب مع شتيرن، لكن الأمر لم يكُن ليتعدّى كونه حلماً جميلاً على أيّ حال.

وفي فبراير/شباط عام 1942، قُتِلَ شتيرن -المطلوب حياً أو ميتاً- برصاصةٍ في رأسه وسط ظروفٍ غامضة داخل شقةٍ بتل أبيب. وأُجبِرَت ليحي على مواصلة النضال بدون قيادته المشبوهة.

مع موت شتيرن والقبض على الكثير من أتباعه واختباء الآخرين، دخلت المنظمة في حالة غيبوبة.

ثم هرب عميلان بارزان في المنظمة من الحجز، هما إسحاق شامير وإلياهو جلعادي، وأعادا تأسيس المنظمة سريعاً عن طريق حملة سرقات بنوك، وتفجيرات، واغتيالات، واختطاف لليهود الأثرياء في كافة أنحاء فلسطين.

وفي عام 1944 نجحت ليحي في قتل والتر غينيس، بارون موين الأول وأعلى المسؤولين البريطانيين منصباً في الشرق الأوسط.

واكتسبت ليحي السمعة السيئة التي كانت تتمناها بقتل مسؤولٍ بريطاني رفيع المُستوى، لكنّهم لم يحصدوا تعاطف اليهود، فضلاً عن أنّهم أثاروا غضب الحكومة البريطانية بقيادة ونستون تشرشل.

ومن ثم فجّرت ليحي قطار القاهرة-حيفا، لتقتل نحو 100 شخص وتجرح العشرات.

لكنّهم لم يرتكبوا جريمتهم الأشهر إلّا في أعقاب الحرب.

ففي عام 1947، تدفّق اليهود على فلسطين أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وبدا الوقت مُواتياً تماماً لإنشاء دولة إسرائيل اليهودية.

ولكن حين اقترحت الأمم المتحدة إنشاء دولتين فلسطينيتين منفصلتين لليهود والعرب، ثار غضب إرغون وليحي.

إذ كانت المنظمتان ملتزمتين بتشكيل دولة يهودية خالصة خالية من السكان العرب، لذا تحالفتا معاً.

وفي أبريل/نيسان عام 1948، هجم 120 من مُسلّحي إرغون وليحي على قرية دير ياسين، وذبحوا ما يتراوح بين 100 و250 قروياً وجرحوا 12.

وأكسبت المذبحة المنظمتين كراهيةً واسعة من الجميع، باستثناء أكثر الصهاينة راديكالية.

وعلاوةً على الإدانة الدولية، شكّلت المذبحة مُحفّزاً حيوياً لقرار الأردن بالغزو لتندلع الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1948، والتي انتهت بإنشاء دولة إسرائيل المُستقلة.

اختفت عصابة شتيرن بهدوء في أعقاب حرب 1948، مع خضوع من تبقى من قادتها للمحاكمة رغم محاولات المنظمة أن تتحوّل إلى حزبٍ سياسي مُؤيّد للسوفييت.

أما الأعضاء الذين لم ينضموا إلى جيش الدفاع الإسرائيلي المُشكّل حديثاً، أو يتقاعدوا طواعية؛ فقد انجرفوا مع منظمات أكثر تعصباً واصلت شنّ حملات الاغتيال والتفجير.

وقد أصبح إسحاق شامير، أحد خلفاء شتيرن، لاحقاً رئيس الوزراء السابع لإسرائيل.

واكتسب سمعته لكونه منفتحاً نسبياً على فكرة مساومة الدول العربية المجاورة لإسرائيل.

في حين صارت جيولاه كوهين، مُذيعة الراديو الرئيسية في ليحي، عضوةً بالبرلمان الإسرائيلي (الكنيست). وكانت المُتعصّبة اليمينية المُتشدّدة في الكنيست حتى تقاعدها عام 1992.

وبينما كان أعضاء ليحي ينظرون إلى أنفسهم على أنّهم المُحرِّرون وبُناة الوطن، قضت أفعالهم على أيّ أملٍ في إقامة دولة سلمية، كما أكسبهم العُنف سمعة الإرهابيين المُتشدّدين إلى الأبد.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى