آخر الأخبار

المَطْلَب من الحياة

بقلم الأديب الكاتب

د. محمد سعيد آل تركي

سيدى القارئ المحترم لاتقرأ لهذا الأديب لأنه يخاطب الإنسان الذى خلقه المولى سبحانه وتعالى وفضله عن سائر المخلوقات بالعقل فإذا كنت مازلت تملك عقل فى هذا الزمن العجيب فأنصحك أن تقرأ المقال عدة مرات فسوف تستفيد وتتغير حياتك الى الأفضل.

رئيس التحرير

المَطْلَب من الحياة

لا نتصور أن يعيش الإنسان من دون أن يكون له مطلب أعلى في الحياة، ولا نتصور ألا تدور حياته ومصالحه وعلاقاته حول مطلب قد حدده وارتضاه لنفسه.

المطلب الذي نتناوله هنا والمقصود في حديثنا هو الغاية التي يسعى الإنسان إلى تحقيقها في حياته، والتي بطبيعتها تسيّر كل أهداف الإنسان وأعماله وأقواله ومواقفه بشكل تلقائي. إذن فالغاية التي يعيش من أجلها الإنسان هي مطلبه من الحياة، وهي التي يعيش من أجلها وبحسبها وفي خدمتها.

لا يُشترط أن يكون كل أنسان يمتلك غاية أو مطلباً في الحياة، ولا يُشترط أن يكون المطلب معلوما عند كل إنسان يمتلك مطلبا، أي غاية يعيش من أجلها.

لذا فقد تتضح الغاية عند الإنسان وتتحدد، ومن الطبيعي أن تمثل له المطلب الذي يعيش من أجله في الحياة، وقد تكون الغاية مبهمة عنده وغير محددة، وقد تكون غايته غايةً مُضلّة له ولغيره، وقد تكون الغاية غاية هادية له ولغيره.

يسمو الإنسان وتزيد سعادته كلما تحددت غايته من الحياة واتضحت، وتزداد سعادته كل ما كانت غايته هادية له غير مُضلة، وتتم السعادة له كلما استطاع أن يعيش بهذه الغاية، لا يمنعه منها أحد من قريب أو بعيد (نظام أو حاكم) .

وينحط الإنسان ويشقى كلما كانت غايته في الحياة ومن الحياة مبهمة، يعيش من أجلها ويُفني عمرَه في سبيلها، ويزداد شقاؤه كلما امتد عمُرُه، ويتم شقاؤه عندما يموت وهو لم يكن قد تعرف على غاية محددة له في الحياة، فيكون أقرب شبهاً بالبهائم في عيشه ومماته.

أما إن كانت غاية الإنسان في الحياة معلومة ومحددة، ولكنها غاية مُضلة، فهي خير له من أن يعيش دون غاية معلومة ومحددة، لأن الغاية غير المعلومة ستكون غير محددة ومُضلة في آن واحد، وهذا غاية الشقاء وأسُّه.

الغاية في الدنيا غايتان، لا ثالث لهما عند الإنسان، والتي من خلالهما يسعى لتحقيق سعادته، فالغاية الأولى هي المنفعة التي تترجم فلسفتها بتحقيق أكبر نصيب من المتع الجسدية في الحياة، من الأموال والشهوات، بكافة ألوانها وأنواعها، وفيها تكون نفس الإنسان عنده هي الأهم والأعظم والأجدر بكل خير في هذه الحياة الدنيا، وما دون ذاته ليس لها أي احترام في نفسه أو قيمة أو اعتبار، فتكون هذه الغاية هي عقيدته، وهي موطن سعادته، وهي إلهه، وبها يرسم أهدافه وأعماله وعلاقاتِه ومواقفه، هذه الغاية غالباً أو دائماً ما تكون عند صاحبها رافضة للخضوع لغير هواه، ورافضة بالتالي للإيمان بوجود خالق لهذا الكون بصفته مشرّعاً لحياة الإنسان ومقررا لطريقة عيشه وكسبه وعلاقاته التي تتنافى كثيرا مع فوضوية العلاقات وكسب المال الحرام كما يهوى.

وما الحياة الغربية اليوم في العالم إلا أعظم مثال ودليل على هذه الفكرة التي قد أصبحت هي المطلب الأعظم للإنسان الغربي ولمجتمعاتهم ولدولهم، التي ترفض أصلاً وفرعاً أن يكون للدين أي سبيل في تقرير حياة الإنسان وسلوكه، وجعلت المنفعة والقيمة المادية هي الإله المعبود.

أما الغاية الأخرى فهي في اتجاه آخر تماماً، ومخالفةٌ لما ذكرنا، حيث يسعى الإنسان فيها لتحقيق سعادته من خلال جعل بلوغ رضوان الله سبحانه وتعالى هو الغاية التي يعيش من أجلها وفي ظلها، فيعيش الإنسان راجياً ومستشعراً رضا الله ومحبتِه ورحمتِه في كل فعل يفعله، وفي كل علم يطلبه، وفي كل سلوك يسلكه في الحياة، يقوم به طالما أن هذا يوافق طاعة الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لو كان هذا الفعل يجلب عليه ظاهراً من التكاليف والمشاق ما يستطيع أن يكون في غنى عن فعله، لو كانت غايته غير غايته، ومطلبه من الحياة غير مطلبه.

هذه الغاية هي عقيدة صاحبِها وموطن سعادته، ويرى فيها صاحبها أنها هي المطلب الأعظم، في حياته ودون مماته، وفي دعوته، ويرى أن أموره لا تستقيم إلا بها، وتَفْسُدُ حياتُه بغيرها.

وقد أوجد الإسلام هذا المطلب في نفس كل من يدخل الإسلام ويشهد الشهادتين، حتى بات هذا المطلب ينصهر مع روح كل مسلم بشكل تلقائي، وذلك لأن الدخول في هذه العقيدة يستند إلى الإيمان العقلي المستند إلى الحواس الخمس، والذي لا يدع مجالاً للشك في حقيقة وجود الله وفي أمر رسالته إلى الناس.

إلا أن هذه المطلب الأعظم وهو العيش بدين الله ورسالته، والحكم بما أنزل الله بالكيفية التي أورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بعد وفاته، في صورة دولة خلافة تحكم بما أنزل الله، أصبح هذا المطلب الأعظم عند أكثر المسلمين مغيّباً، بل ولم يعد هو المطلب الأعظم، أو لم يعد المطلب الأدنى، أو لم يعد عند بعضهم حتى هو المطلب أصلاً، بل غلب على المسلمين اليوم المطلب الذي فرضته السعادة بالمفهوم الغربي، الذي يقول بأن يغرف المسلم من المتع الجسدية له ولأبنائه ما يشاء، تاركاً وراء ظهره المطالب الشرعية التي تأمره بطلب العلم الشرعي، والدعوة والعمل لأن يكون الحكم لله وحده لا شريك له، وتاركاً العمل على إنكار ما دون ذلك من الأحكام في عظائم الأمور أو صغائرها.

ولقد تم الإخلال بهذا المطلب، وتم إحراف المسلمين عنه بفضل النجاح الباهر الذي سجله الحكام اليوم الذين لا يحكمون بما أنزل الله في تضليل الشعوب المسلمة، والنجاح الذي سجله كذلك أعوانهم من علماء السوء ومدرسي المدارس بكافة صفوفها، وبفضل دكاترة الجامعات والمثقفين العلمانيين (الكفار)، حيث نجحوا في إحراف المطلب أو إلغائه أو توجيهه عما ذكرنا في عقول أبنائنا، وفي عقول شبابنا وشيبنا.

وبالتالي فقد ساد اليوم المطلب في الحياة التي لا يتحدث إلا عن بلوغ المناصب أو الشهادات العليا، أو تربية الأبناء لدخول الجامعات وحصولهم على الوظائف وتزويجهم، ولا يتحدث إلا عن تجميع الأموال وشراء الأراضي أو البيوت، أو إقامة المشاريع التجارية والاستثمارات، ولا يتحدث إلا عن توفير وسائل الترفيه بجميع أشكالها وألوانها، والسفر إلى المناطق السياحية المختلفة، حتى ينتهي مشهد المسلم مفتخراً بموتٍ هانئ في أحد الفلل أو القصور، أو في أحد الدور، وهو يزفر زفرات الموت الأخيرة ويتفاخر أمام الناس ويُشهدهم بما تركه لأبنائه وزوجه من سيارات وأراضي وأموال ودور وأملاك، أو مناصب وظيفية وشهادات، ويظن بذلك أنه قد حقق لنفسه ولهم أعظم المطالب.

لذلك يجب أن يراجع المسلم غايته في هذه الحياة، ويصحح مطلبه، ويعيد رسم أفعاله وأقواله وحياته بما يتوافق مع المطلب الحقيقي كما أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، وبما يُنجيه من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

قال الله تعالى في سورة هود 15-16

مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ

وقال سبحانه وتعالى في سورة الإسراء 19

وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى