اخبار إضافيةالأرشيف

الهجرة النبوية *الفتح الأول في الإسلام*الحلقة الخامسة والأخيرة

بقلم الإعلامى
محمد المصرى التركى
نجمل باختصار كل ماسبق في هذا العنصر الرابع عشر:
 قد يسأل سائل: هل الهجرة خاصة أم عامة ؟
وهل إنتهت أم لا زالت الهجرة ممتدة؟
وما الذي ينبغي علينا أن نطبقه من دروس الهجرة؟؟؟؟
**نقول أولا: الهجرة خاصة وعامة ؛ أما عن خصوصيتها، فالهجرة التي تكلمنا عنها الحلقات الماضية بدأت في العام الثالث عشر من البعثة وإنتهت بالفتح، وكانت خاصة بالرسول صلى الله عليه و سلم وأصحابه رضي الله عنهم و عن آل بيته، ولكن الرسول لم يغلق باب الهجرة العامة ولا الله في كتابه أغلقها و مثال ذلك الحديث الشريف، يقول صلى الله عليه وسلم: ( لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا )
هذا الحديث صحيح، وقد رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة ومن حديث ابن عباس رضي الله عن الجميع.
أيضا توجد هجرة عامة على نفس نمط الهجرة الأولى وأيضا هجرة خاصة بالعبد نفسه!
كيف هذا؟
أما الهجرة العامة  فهي تخص الدعوة والوقوف مع الحق ونصرة دين الله ضد الطغاة الظالمين، فقد تستوجب الهجرة لفترة والإعداد للمواجهة بقوة ولتوعية الناس ؛ فلم يعط الله فرصة للمتخاذلين المستسلمين، بل فتح الباب للتحرف والتحيز لفئة الحق أينما كانت وفي أي وقت وجد فيه الظلم أو حتى الفرار بالدين ؛ فلا مجال للإستسلام للباطل والرضا به بحجة أننا مستضعفون في الأرض لاقوة لنا..!! أو الطاعة بحجة أننا العبد المأمور..!!
 كما يتم قتل المسلمين من أهل الحق اليوم في مصر! ونجد من يرضخ أو يعمل مع الخونة القتلة عملاء الصهيوصليبية في مصر وفي باقي البلدان مثل سوريا و العراق و ليبيا و اليمن… الخ
أيها الأحمق أمامك على الأقل فرصة الفرار بدينك إن لم تنضم لفئة المجاهدين الذين هجروا بلادهم ليواجهوا الباطل بقوة، و بشتى الوسائل..
 لاحجة لك يا من تعبد الظالمين بحجة الإستضعاف..!!
 ولنترك صاحب الظلال يكلمنا في هذه النقطة:
{ إن الذين توفاهم الملآئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولـئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا }[ سورة النساء – الآية 97 ]
وقد تلا هذه الفقرة فقرة أخرى فيها تحذير وتهديد لمن يظلون قاعدين هنالك في دار الكفر وهم قادرون على الهجرة منها بدينهم وعقيدتهم حتى تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا ؛ ثم تلتها فقرة أخرى عن ضمان الله سبحانه لمن يهاجر في سبيله منذ اللحظة التي يخرج فيها من بيته قاصدا الهجرة إلى الله خالصة ؛ عالج فيها كل المخاوف التي تهجس في النفس البشرية وهي تقدم على هذه المخاطرة المحفوفة بالخطر، الكثيرة التكاليف في الوقت ذاته، فالحديث مطرد عن الجهاد والهجرة إلى دار المجاهدين، وأحكام التعامل بين المسلمين في دار الهجرة وبقية الطوائف خارج هذه الدار بما في ذلك المسلمون الذين لم يهاجروا مع أهل الحق…”
ويكمل صاحب الظلال في خواطره عن الهجرة العامة في كل زمان ومن اي مكان فيه ظلم من الطغاة فيقول:
“… ويمضي هذا الحكم إلى آخر الزمان ; متجاوزا تلك الحالة الخاصة التي كان يواجهها النص في تاريخ معين وفي بيئة معينة يمضي حكما عاما ; يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه في أية أرض ; وتمسكه أمواله ومصالحه أو قراباته وصداقاته ; أو إشفاقه من آلام الهجرة ومتاعبها متى كان هناك في الأرض في أي مكان دار للإسلام ; يأمن فيها على دينه ويجهر فيها بعقيدته ويؤدي فيها عباداته ; ويحيا حياة إسلامية في ظل شريعة الله ويستمتع بهذا المستوى الرفيع من الحياة.
أما السياق القرآني فيمضي في معالجة النفوس البشرية ; التي تواجه مشاق الهجرة ومتاعبها ومخاوفها ; وتشفق من التعرض لها وقد عالجها في الآيات السابقة بذلك المشهد المثير للاشمئزاز والخوف معا فهو يعالجها بعد ذلك ببث عوامل الطمأنينة سواء وصل المهاجر إلى وجهته أو مات في طريقه في حالة الهجرة في سبيل الله وبضمان الله للمهاجر منذ ان يخرج من بيته مهاجرا في سبيله ووعده بالسعة والمتنفس في الأرض و المنطلق فلا تضيق به الشعاب والفجاج { و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما }
 إن المنهج الرباني القرآني يعالج في هذه الآية مخاوف النفس المتنوعة ; وهي تواجه مخاطر الهجرة ; في مثل تلك الظروف التي كانت قائمة ; والتي قد تتكرر بذاتها أو بما يشابهها من المخاوف في كل حين وهو يعالج هذه النفس في وضوح وفصاحة ; فلا يكتم عنها شيئا من المخاوف ; ولا يداري عنها شيئا من الأخطار بما في ذلك خطر الموت ولكنه يسكب فيها الطمأنينة بحقائق أخرى وبضمانة الله سبحانه وتعالى فهو أولا: يحدد الهجرة بأنها في سبيل الله، و هذه هي الهجرة المعتبرة في الإسلام فليست هجرة للثراء أو هجرة للنجاة من المتاعب أو هجرة للذائذ والشهوات أو هجرة لأي عرض من أعراض الحياة ؛ ومن يهاجر هذه الهجرة في سبيل الله يجد في الأرض فسحة ومنطلقا، فلا تضيق به الأرض ولا يعدم الحيلة والوسيلة للنجاة وللرزق والحياة ؛ ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة وإنما هو ضعف النفس وحرصها وشحها ; يخيل إليها أن وسائل الحياة والرزق مرهونة بأرض ومقيدة بظروف ومرتبطة بملابسات لو فارقتها لم تجد للحياة سبيلا وهذا التصور الكاذب لحقيقة أسباب الرزق وأسباب الحياة والنجاة ; هو الذي يجعل النفوس تقبل الذل والضيم وتسكت على الفتنة في الدين ; ثم تتعرض لذلك المصير البائس ؛ مصير الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم!
 والله يقرر الحقيقة الموعودة لمن يهاجر في سبيل الله إنه سيجد في أرض الله منطلقا وسيجد فيها سعة وسيجد الله في كل مكان يذهب إليه يحييه ويرزقه وينجيه، ولكن الأجل قد يوافي في أثناء الرحلة والهجرة في سبيل الله والموت كما تقدم في سياق السورة لا علاقة له بالأسباب الظاهرة ; إنما هو حتم محتوم عندما يحين الأجل المرسوم.
2/
الأجل لا يستقدم ولا يستأخر، غير أن النفس البشرية لها تصوراتها ولها تأثراتها بالملابسات الظاهرة والمنهج يراعي هذا ويعالجه فيعطي ضمانة الله بوقوع الأجر على الله منذ الخطوة الأولى من البيت في الهجرة إلى الله ورسوله { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله }
أجره كله، أجر الهجرة والرحلة والوصول إلى دار الإسلام والحياة في دار الإسلام فماذا بعد ضمان الله من ضمان! ومع ضمانة الأجر، التلويح بالمغفرة للذنوب والرحمة في الحساب وهذا فوق الصفقة الأولى ؛ وكان الله غفورا رحيمًا، إنها صفقة رابحة دون شك يقبض فيها المهاجر الثمن كله منذ الخطوة الأولى، خطوة الخروج من البيت مهاجرا إلى الله ورسوله ؛ والموت هو الموت في موعده الذي لا يتأخر والذي لا علاقة له بهجرة أو إقامة، ولو أقام المهاجر ولم يخرج من بيته لجاءه الموت في موعده ولخسر الصفقة الرابحة ؛ فلا أجر ولا مغفرة ولا رحمة، بل هنالك الملائكة تتوفاه ظالما لنفسه! وشتان بين صفقة وصفقة وشتان بين مصير ومصير ” انتهى كلامه يرحمه الله.
وهذا مانبتغي توصيله من فكرة الهجرة العامة ان استوجب الامر، فالهجرة بعزم و قوة و ايمان ثابت وعدم التسليم للظلم والطغاة.
فماذا ستقول لربك يا من سكت؟و يا من شاركت في القتل والظلم فعلا او سكوتا أورضا بما يحدث! ؟
نختم أخي وأختي بالهجرة الخاصة:
ولكي نوضح كيفيتها وأهميتها الضرورية لنا جميعا وللفرد خاصة و هي أهمية تفوق أهمية الهجرة النبوية!
ننبه أولا إلى أن الهجرة بمعنى : الهجر
و الهجر هو ترك شيء محبب إلى النفس إلى شيء غير مرغوب!
 فلو تأملنا هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لوجدناهم تركوا مكة التي يعشقون ترابها وهي وطنهم، إلى وطن غير محبب، بل موطن موبوء! وكذلك كل من يهاجر بعيدا عن وطنه سعيا لنصرة الحق فهو يهجر وطنه العزيز عليه لشيء أعز وهو نصرة الحق .
والهجر: هو البعد والتجافي و في ذلك هجر الناس بعضهم لبعض، فلايحب أحد أن يهجر أخاه و لا رجل أن يهجر زوجه! ولكنه قد يضطر لذلك غضبا أو تأديبا! وفي هذه الأمور: هجر منهي وهجر مطلوب مؤقتا.
 أما هجرتنا الخاصة إلى الله فهي ما نقصد بها: هجر كل مايغضب الله إلى ما يرضيه ؛  وهي هجرة أهم للعبد وللمجتمع من الهجرة الأولى..
 بل ندرس الهجرة الأولى لهذا الهدف، وهو هجرة من المعاصي إلى الطاعات، هجرة من المنهج الوضعي البذيء إلى المنهج الرباني الشامل، والذي أستخلفنا الله في الأرض لنطبقه!
وماضاعت الأمة وضاع منا كل شيء إلا حين هاجرنا من المنهج الرباني إلى المناهج الجاهلية المحاربة لله ولدينه، والتي تغضب الله! ولابد أن يعلم كل فرد أنه مكلف بالهجرة إلى المنهج الرباني ولو وحيدا ؛ كما هاجر رسول الله وحيدا طريدا!
وفي هذه الحالة الواجبة يكون المهاجر متشبها برسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته، وليعلم أن الله سيوفقه رغم صعوبة الهجرة، و ليعلم أن الله كما نجى رسوله الكريم سوف ينجيه كفرد من مكر النفس والشيطان !
ولنلعم جميعا أن الهجرة الفردية هي بداية تكوين المجتمع المسلم كما كان المجتمع المسلم الأول ، فلو هاجر كل فرد وعلم غيره، وكون أسرة مسلمة صحيحة على المنهج ، فسوف نصل يوما إلى المجتمع المسلم الصالح الذي يصبح وقتها مجتمعا تمت هجرته أفرادا وجماعات إلى المنهج الرباني.. وبذلك فقط و وقتها فقط يتحقق الاستخلاف المراد وتعود السيادة والريادة والسعادة لنا..
وفي ذلك يقول الامام الشعراوي رحمه الله: “و لنعلم جميعا أن الله لا يتغير من أجلنا بل الواجب أن نتغير نحن لله، فلن تسعد البشرية وهي بعيدة عن المنهج الرباني ؛ فلو عاشت البشرية سعيدة وهم بعاد عن المنهج الالهي لقالوا بعدنا عن المنهج وعشنا سعداء! ولأصبح المنهج الالهي فيه خطأ حاشا لله، ولكن بالبعد يكون الضنك والشقاء.. ولن يزول الذل والهوان إلا بالعودة الى المنهج الرباني… ،وصدق الامام الشعراوي رحمه الله.
3/
و ملخص القول هو أن السعادة في تحقيق الهجرة الى المنهج الرباني وهجر المنهج الوضعي الشيطاني في المجتمع كله .
ولذلك فمن يتأمل دعوة (الاخوان المسلمون) يجد الامام البنا قد رسخ في دعوته اولا: تحقيق الفرد المسلم ، فالاسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، وأكد أنه لاحكم إسلامي ثابت ولاعودة للخلافة الإسلامية إلا بأن يصبح المجتمع مسلما حقا على المنهج الرباني ويصبح و قد تخلص من جاهليته!
ولذلك يقول الامام الغزالي رحمه الله: لا زلت أقول أن تغيير المجتمعات أصعب من تغيير الحكومات! لأن الحكومات من المجتمع فإن غيرت المجتمع أصبح سهلا تغيير الحكم إلى إسلامي ؛ أما إذا غيرت الحكومة إلى مسلمة ولم يتغير المجتمع فما غيرت شيء! فما غيرت شيء!
وقد رأينا مؤخرا بعد ثورة يناير (جاء الحاكم المسلم الرئيس محمد مرسي) ولكن المجتمع لازال جاهليا! فماذا حدث؟؟
 إنقض العدو الصهيوصليبي عن طريق عملائه في العسكر وباقي مؤسسات الدولة وأطاح بالحاكم الرباني المسلم!
لماذا؟؟
لأنهم يعلمون أن المجتمع لم يهاجر من جاهليته ولا من المنهج الشيطاني إلى المنهج الرباني ؛ فأصبح بين مرحب! وبين صامت لايحرك ساكن! والقلة المؤمنة ما بين من أحرقوا وقتلوا مثل أصحاب الأخدود! أمام مسمع ومرأى المجتمع! و لم يحرك المجتمع ساكنا! لماذا! ؟
لانه لازال مجتمعا جاهليا..!!
 و ما نبتغيه هو أن يتحول المجتمع المسلم إسما من جاهلي الى مجتمع مسلم قولا وعملا….. ،
وذلك بك أنت أيها الفرد، ذكرا كنت أو أنثى ، و لنعلم أن الأمر واجب علينا، و لنعلم أن بسعينا لتغيير أنفسنا فنحن الفائزون.. نجحنا أو لم ننجح! لسبب واحدا: و هو أن كل فرد منا له قيامة خاصة به! فإذا مات العبد قامت قيامته! وإذا قامت قيامتك ولم تقدم ماعليك ولم تهاجر إلى المنهج الرباني! فالحسرة كل الحسرة حتى وإن أصبح المجتمع كله صالحا مانفعك، مادمت لم تهاجر مع من هاجروا إلى ربهم!
والعكس إن لم يهاجر غيرك بفهم وإخلاص إلى ربك وقدمت ماعليك قولا وعملا حتى وإن مت وكل المجتمع على جاهليته ماضرك شيء.. فالفوز كل الفوز لك، لأنك وقتها قدمت ماعليك وهو المراد من رجوعنا دائما إلى الهجرة الكبرى، فسواء هاجرت وحدك أو مع الجماعة فقد تحقق الفتح مرة أخرى بشرط أن تقدم الواجب عليك قدر إستطاعتك وفقط…،
ولنعلم أن الأمر ليس بالصعوبة البالغة بحيث أنه مستحيل حدوثه! فقط علينا أن نعيش كما عاشوا كما يقول صحاب الظلال رحمه الله عن الجماعة المسلمة الاولى:
ولنعلم أن الله  كان يفتح لهم من القرآن آفاقًا من المتاع وآفاقًا من المعرفة ، لم تكن لتفتح عليهم لو أنهم قصدوا إليه بشعور البحث والدراسة والاطلاع ، وكان ييسر لهم العمل ، ويخفف عنهم ثقل التكاليف ، ويخلط القرآن بذواتهم ، ويحوله في نفوسهم وفي حياتهم إلى منهج واقعي ، وإلى ثقافة متحركة لا تبقى داخل الأذهان ولا في بطون الصحائف ، إنّما تتحول آثارًا وأحداثًا تحوِّل خط سير الحياة .
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يقبل عليه بهذه الروح : روح المعرفة المنشئة للعمل .
إنه لم يجئ ليكون كتاب متاع عقلي ،ولا كتاب أدب وفن و لا كتاب قصة وتاريخ – وإن كان هذا كله من محتوياته – إنما جاء ليكون منهاح حياة .
منهاجًا إلهيًّا خالصًا . وكان الله سبحانه يأخذهم بهذا المنهج مفرقًا يتلو بعضه بعضًا “
كنا مع موضوع : الهجرة النبوية**الفتح الأول في الإسلام **
فاللهم إجعلنا من المهاجرين إلى منهجك مع خيار خلقك من الصالحين المصلحين و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المهاجر الأول والرسول الخاتم وخير الخلق اجمعين محمد وعلى آله وصحبه الكرام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته……. ،،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى