آخر الأخبارالأرشيف

انهيار الجنيه المصري أمام الدولار.. هل سياسات “بلحة” الفاشلة هى السبب ؟ ام تراجُع السياحة والمضاربات ومشروع القناة هي الأسباب ؟

دخل الجنيه المصري في نفق مظلم، وانزلق نحو تدهور مستمر، فيما تتسع الهوة سريعاً بين سعر الصرف الرسمي، والسعر في السوق السوداء، في تعبير واضح عن أزمة اقتصادية خانقة لا يعلم الكثيرون معناها، ولا يعلم معظم الناس «الغلابة» في مصر إلى أين ستؤدي بهم، في الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة ككرة الثلج مهددة بكارثة اجتماعية ومعيشية في حال استمرت الأوضاع على حالها.

خراب

اضطر البنك المركزي المصري لخفض سعر الجنيه أمام الدولار الأمريكي، بواقع 1.12 جنيه، ليصبح الدولار بـ8.85 جنيه كسعر رسمي، وهو الأدنى في تاريخ البلاد منذ ما قبل عهد الملك فاروق، بل هو الأدنى على الإطلاق منذ عهد الفراعنة، ومنذ ما قبل اكتشاف الولايات المتحدة الأمريكية ودولارها الأخضر!
في السوق السوداء تجاوز سعر الدولار مستوى 15,50 جنيه، حيث يواصل الجنيه التدهور، وهذا السعر هو السعر الحقيقي للدولار أمام الجنيه، بسبب أنه «سعر السوق»، أي القيمة السوقية العادلة والطبيعية للجنيه، أما السعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي فلا معنى له بسبب أن البنك المركزي غير قادر أصلاً على تزويد المصريين بدولارات أمريكية مقابل جنيهاتهم، لا بهذا السعر ولا بغيره. ثمة العديد من الأسباب لانهيار الجنيه، ولأزمة الاقتصاد المصري، وقد استعرضناها طوال الأسابيع والشهور الماضية عبر العديد مقالات، والمستويات الراهنة لسعر صرف الجنيه كانت متوقعة منذ العام الماضي، بل كانت نتيجة حتمية للبيانات المتوافرة عن الاقتصاد في مصر، لكن السؤال المهم اليوم، هو ماذا يعني انهيار الجنيه؟ وما تداعيات هذا الانهيار على الغلابة المنهكين والمتعبين من ذوي الدخل المحدود والحيل المهدود في مصر؟

ارتفاع غير مسبوق فى حجم الدين المحلى والخارجي.. والاحتياطي أصبح سالب 3مليار دولار والعامل الأساسي في الأزمة ضعف الحكومة وغياب المحاسبة.. وتوقعات بزيادة الدين المحلى للإجمالي إلى 150%  من الناتج المحلي .

وبحسب الأرقام والإحصائيات الرسمية المحلية والدولية، فإن نظام ” بلحة” الحالى يقود الاقتصاد المصرى لحافة  الهاوية وتحميل الأجيال القادمة أعباء مالية وأزمات اقتصادية  تمنع تطوره, وتضعه فى معزل عن العالم والمؤسسات الدولية التى ستمتنع عن مساعدة الدولة لتفاقم مشكلاتها وعجزها عن سداد ديونها الخارجية، التى وصلت حتى الآن إلى 78 مليار  بعد  اضافة القرض الروسى البالغ نحو 25 مليار دولار بدون فوائد سدادة، فى حين بلغت قيمة العجز المحلى 3 ترليونات جنيه متخطيًا قيمة الناتج المحلى.

الانهيار السريع في قيمة العملة المصرية أمام الدولار من 9 جنيهات وحتى 13 جنيهاً في أقل من عام كانت له بوادر ومؤشرات ظهرت جلية منذ الأيام اللاحقة على إعلان المجلس العسكري في مصر الذي تولى مقاليد الدولة عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن تراجع الاحتياطي النقدي للبلاد من 36 مليار دولار إلى 19 ملياراً ثم إلى 15 ملياراً مع بداية تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي.

تراجع الاحتياطي النقدي من الدولار، عزز انخفاض قيمة الجنيه المصري من 5.88 جنيه لكل دولار، إلى نحو 7,05 جنيه لكل دولار، بنهاية 2013.

وتراجع الجنيه تحت وطأة المزيد من تراجع موارد مصر من العملة الصعبة خلال العامين الماضيين، فقد فقدت السياحة التي تمثل المورد الأكبر للدولار حوالى 40,5% من عائداتها التي أصبحت 3,3 مليار دولار عن الفترة المالية من -يوليو إلى مارس بالعام المالي 2015-2016- مقابل 5,5 مليار دولار عن الفترة ذاتها من العام المالي السابق، وفق آخر بيان للبنك المركزي المصري.

البيان كشف عن تراجع الصادرات السلعية التي تمثل مورداً مهماً للعملة الصعبة في مصر إلى 13,4 مليار دولار مقابل 17,1 مليار دولار بخسارة نحو 3,7 مليار دولار، فيما سجلت التحويلات الدولارية السلعية والنقدية تراجعاً واضحاً فسجلت 12,4 مليار دولار فقط مقابل 16,9 مليار دولار.

سيسو

أعباء ترعة قناة السويس

أنفقت الحكومة على مشروع توسعة القناة ما تم جمعه محلياً من شهادات قُدرت حينها بنحو 64 مليار جنيه، واقترضت نحو 850 مليون دولار، وبحسب تصريحات مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، فإن التكلفة الإجمالية للقناة بلغت 4 مليارات دولار بالإضافة إلى 4 مليارات دولار أخرى لإنشاء 6 أنفاق أسفلها، وهو الأمر الذي جعل الحكومة المصرية تستخدم عائدات القناة الدولارية التي كانت تسهم بشكل حيوي في الاحتياطي النقدي المصري من العملة الصعبة في عمليات إنشاء التفريعة الجديدة وسداد كلفتها.

10 مليارات دولار صفقات سلاح

شكلت صفقات السلاح عبئاً من أعباء الانفاق واستهلاك العملة الصعبة في مصر، فبحسب تقارير رسمية وغير رسمية أنفقت مصر على التسليح خلال العامين الماضيين نحو 10 مليارات دولار، منها نحو 600 مليون دولار لشراء حاملة الطائرات الروسية (ميسترال)، إلى جانب 2,5 مليار دولار لشراء 24 طائرة فرنسية من طراز (رافال)، فضلاً عن اتفاقيات لتحسين طائرات “ميراج 2000″ و”ميراج 5” الموجودة لدى الجيش المصري، بالإضافة إلى تجهيزات تتعلق بالملاحةا لجوية، والحرب الآلية، وأجهزة رادار محسنة.

اين اختفت المعونات الخليجية؟

نظمت مصر العديد من المؤتمرات لجذب الاستثمارات الأجنبية تحسيناً للأوضاع الاستثمارية المتأخرة بعد أحداث 3 يوليو 2013، وقدمت بعض دول الخليج كالسعودية والكويت والإمارات والبحرين وسلطنة عمان، معونات ومنحاً عينية في صورة مواد بترولية ونقدية أيضاً، بالإضافة إلى ودائع دولارية بالبنك المركزي، وذلك لتعزيز احتياطي مصر من الدولار.

وذكر بيان للبنك المركزي المصري أرسله للجنة الاقتصادية بمجلس النواب، أن مصر تلقت مساعدات منذ عام 2011 بلغت نحو 29 مليار دولار، لكن كل هذه المليارات والمعونات العينية والودائع لم تساعد الجنيه المصري على النهوض من عثرته خاصة في ظل التشكك في عمليات إنفاق هذه المساعدات وأين ذهبت ؟،.

السؤال المهم اليوم، هو ماذا يعني انهيار الجنيه؟ وما تداعيات هذا الانهيار على الغلابة المنهكين والمتعبين

ارتفاع أسعار السلع الأساسية يؤدي بالضرورة إلى اتساع رقعة الفقر، وزيادة نسبة الفقراء، وتقلص الطبقة المتوسطة التي تنتقل أعداد كبيرة من أبنائها إلى طبقة الفقراء المعوزين، وفي الوقت ذاته يزداد الأثرياء ثراء، لأنهم الوحيدون الذين يتنعمون بإيداع أموالهم في البنوك الخارجية، ولا يتأثرون بكوارث الداخل ولا مصائبه، وإنما فقط يستفيدون من السوق الضخمة التي يشكلها هؤلاء المستهلكون الفقراء. وفي بلد مثل مصر يرقد أكثر من 26.3٪ من سكانه تحت خط الفقر (إحصائية رسمية) ويعيش أكثر من ثلاثة ملايين منهم في المقابر، فإن ارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية سيؤدي إلى ارتفاع هذه النسبة، وقد يصبح بسهولة نصف المصريين تحت خط الفقر!.

إن انهيار الجنيه المصري يعبر عن أزمة عميقة وخطيرة، وهي أزمة تمس الفقراء و»الغلابة» في مصر، ويمكن أن تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية جديدة، وانتكاسة للطبقة المتوسطة، أما «إبر المسكنات» التي كان الاقتصاد المصري يتعاطاها عبر منح وودائع خليجية فلا يمكن أن تكون حلاً للأزمة، حــــيث أن الحل الوحيد لأزمة اقتصاد مصر هــــو برنامج إصلاح شامل يقوم على استئصال الفساد وإعادة الحـــياة المدنية للبلاد، بما يتيح للاقتصاد أن يعمل بقواعده وأصوله الطبيعية، كاقتصاد حر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى