تقارير وملفات إضافية

برغم تهم الفساد.. كيف أمَّن نتنياهو بقاءه على رأس السلطة في إسرائيل؟

بعد أكثر من عام من القتال من أجل بقائه السياسي، حاز بنيامين نتنياهو فترة خامسة غير مسبوقة في رئاسة وزراء إسرائيل، وذلك ضمن اتفاق يضيف مدةً أخرى إلى 11 سنة متتالية قضاها بالفعل في المنصب، وينهي حالة الشلل السياسي التي كانت قد أدت إلى تعطيل العمل في أجزاء كبيرة من الحكومة الإسرائيلية.

بموجب الاتفاق الموقع يوم الإثنين 20 أبريل/نيسان، سيشغل نتنياهو منصب رئيس الوزراء لمدة 18 شهراً قبل أن يتناوب معه بيني غانتس في قيادة البلاد، وهو ما يعني أن الزعيمين سيعملان معاً في حكومة واحدة، وهو أمر كان غانتس قد أقسم ألا يفعله أبداً.

تقول صحيفة Financial Times البريطانية، إنه في النهاية استغرق الأمر من نتنياهو ما يقارب 13 شهراً لإنهاك خصمه. وذلك بعد ثلاثة انتخابات متتالية، حافظ خلالها غانتس، قائد الجيش المتقاعدُ الذي جعل جَلَده وقدرته على الصمود الدعامة الأساسية لحملته، على تحالف انتخابي ناشئ متوحداً خلف هدف واحد، ألا وهو: إقصاء نتنياهو عن منصبه بالاستناد إلى تهم الفساد المرفوعة ضده.

وأخذ غانتس يقولها مراراً وتكراراً، إن نتنياهو غير مؤهل لتولي أي منصب عام، في الوقت الذي تنتهي فيه دورة انتخابية تلو أخرى على نحو غير مسبوق، مفضيةً إلى طريق مسدود، مع عدم تمكن أي منهما من تشكيل ائتلاف من 61 مقعداً برلمانياً، ليصعد إلى سدة الحكم.

على الجانب الآخر، تعطل إصدار ميزانيات الحكومة، وتأخرت المشاريع الجديدة للبنية التحتية، وأصبحت إعادة الانتخابات محلَّ تندُّرٍ، حتى في واشنطن، حيث قال أقرب حليف لنتنياهو، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مازحاً، إن البلاد لا تعرف كيف تختار فائزاً لقيادتها.

لكن بعد ذلك، جاء فيروس كورونا، وهي أزمة غير متوقعة أتت في صالح نتنياهو وعززت نقاط قوته. إذ بوصفه رئيس الوزراء المؤقت للبلاد، خرج نتنياهو في بث شبه يومي، ليتحدث عن عشرات الآلاف من الوفيات إذا لم تأخذ البلاد تعليماته على محمل الجد، وليطالب غانتس بالتخلي عن طموحاته السياسية والانضمام إليه في حكومة وحدة وطنية لمحاربة الفيروس.

وحتى قبل تفشي الفيروس، بدا أن غانتس قد بدأ يتعب من الدورات الانتخابية المستمرة بلا أفق، في حين بدا نتنياهو، وهو المحنك السياسي، نشيطاً، وذلك وفقاً لمقابلات مع ثلاثة أعضاء سابقين في التحالف السياسي لغانتس الذي جرى حلُّه الآن.

وقال مصدرٌ رفض الكشف عن اسمه، للصحيفة البريطانية، إن الوباء وجَّه الضربة القاضية لغانتس، بعد أن أخذت استطلاعات الرأي تشير إلى أن التأييد العام لاستجابة نتنياهو لأزمة كورونا قد يمنحه التفوق في الانتخابات الرابعة. فبحسب المصدر، “كان من الواضح أن بيبي [نتنياهو] سيحوز الفضل كله بوصفه المضحي من أجل الأمة، كأنه مُخلِّصٌ ما، أنقذ الشعب اليهودي من الإبادة”.

ويقول أفيف بوشنسكي، الذي عمل مستشاراً إعلامياً في السابق لنتنياهو، إن “غانتس اعتقد أنه من الأفضل له تحمُّل الإساءات التي سيوجّهها إليه حلفاؤه السابقون، نظير معرفة أنه في غضون عام ونصف العام، سيكون رئيسَ الوزراء؛ ومن ثم سيقود البلاد بالطريقة التي يعتقد أنها يجب أن تُقاد بها”.

إلى ذلك، ينص الاتفاق، المفصل في وثيقة الائتلاف المكونة من 14 صفحة، والتي استغرقت عدة أسابيع من المحادثات المرهقة والمحتدمة أحياناً، على حكومة وحدةٍ مدتها 36 شهراً، والتي يُفترض أن تقضي الأشهر الستة الأولى منها في تركيزٍ على جهود مكافحة فيروس كورونا.

كما سيشغل غانتس منصب نائب رئيس الوزراء لمدة 18 شهراً، وبعد الأشهر الستة الأولى ستتضخم الحكومة الإسرائيلية إلى أكبر حجم في تاريخها، حيث يتقاسم الرجلان غنائم التسوية الصعبة مع حزبيهما، ويعين كل منهما 18 وزيراً.

وعلى الرغم من خطاب التعاون السياسي المرفوع بأن الداعي هو حالة الطوارئ الوطنية التي تواجهها البلاد، فإن كثيرين يرون أن الصفقة دافعها الوحيد مصلحة كلا الجانبين.

ويقول يائير لابيد، الحليف السياسي السابق لغانتس: “هذه أسوأ عملية احتيال في تاريخ هذا البلد”. وعلى النحو نفسه، يقول يوهانان بليسنر، رئيس “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية” وعضو سابق في البرلمان، إن ما أسفرت عنه تلك التسوية لم يكن حكومةَ وحدةٍ وطنية جذرية، وإنما “وقف إطلاق بلَبوسٍ ديمقراطي غير لائق وغير سليم. فقد أنتجت حكومةً مثقلة بعدد كبير من الوزارات دون جدوى، واتفاقات سياسية مرهقة تقوم على هياكل تشريعية مشوهة”.

أمَّا غانتس، فبعد استسلامه لكل مطالب نتنياهو تقريباً، كان تصريحه العام الوحيد، تغريدة تقول: “تجنبنا دورة انتخابية رابعة. سنحمي الديمقراطية. سنحارب فيروس كورونا ونرعى جميع المواطنين الإسرائيليين. لقد باتت لدينا حكومة طوارئ وطنية”.

ومع ذلك، فإن أحد المصادر المطلعة داخل حزب الليكود [حزب نتنياهو] وصف التركيز على حكومة وحدة وطنية تحارب فيروس كورونا بأنه ورقة إنقاذ سياسية طالب بها غانتس، “غانتس كان في حاجة إلى ذلك، وهي في الغالب مسألة قانونية في المقام الأول، ويمكن القول عن أي شيء إنه يتعلق بمكافحة كورونا”.

وحتى فيما يتعلق بمسألة الضم المقترح لمساحات واسعة من الضفة الغربية المحتلة، وهي نقطة شائكة أخرى في المفاوضات بين الطرفين، يقول مصدر آخر مطَّلع، إن “غانتس يريد الضم، ونتنياهو يريد الضم. وكان السؤال دائماً هو: كيف نتحرك؟ لكننا الآن نعرف الإجابة: سيحدث ذلك بالطريقة التي يريدها نتنياهو”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى