تقارير وملفات إضافية

بعدما أصبحت مهددة بالصواريخ الباليستية.. خيار وحيد أمام أوروبا لمنع تحوُّل ليبيا إلى قاعدة لأكبر أعدائها

بات الوجود الروسي في ليبيا يشكل تهديداً لأوروبا وحلف الناتو بطريقة لم تحدث من قبل حتى خلال الحرب الباردة.

وتشعر الولايات المتحدة بالقلق الشديد منذ كشفها عن إرسال روسيا طائرات إلى ليبيا، وتراها تمهيداً لخطوات روسية أخرى.

واتهم الجيش الأمريكي روسيا بالسعي من أجل الضغط على موطئ قدم استراتيجي على الجناح الجنوبي للناتو على حساب الأرواح البريئة من ليبيا.

وقال البريجادير جنرال جريجوري هادفيلد، نائب مدير المخابرات في القيادة العسكرية الأمريكية بإفريقيا “أفريكوم”، إن “الأمر لا يتعلق بدعم الروس لما وصفه بالجيش الوطني الليبي الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ولا يتعلق الأمر حقاً بكسب الحرب، بل يتعلق بتطوير الروس لمعاقل في ليبيا”.

وأضاف أنَّ وضع روسيا صواريخ في مثل هذا الموقع يشكل مصدر قلق كبير للولايات المتحدة. 

وقال هادفيلد: “إذا حصلت روسيا على موقع دائم في ليبيا، والأسوأ من ذلك، قامت بنشر أنظمة صواريخ بعيدة المدى، فسيكون هذا بمثابة تغيير في قواعد اللعبة بالنسبة لأوروبا والناتو وعديد من الدول الغربية”.

بنى حلف الأطلنطي دفاعاته على مدار عقود، على أن الخطر قادم من الشرق، وضمن ذلك توزيع الجيوش والمطارات وقواعد الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي، على هذا الأساس.

اليوم يغير الروس جغرافيا الصراع مع الناتو ويأتونه من خاصرته الجنوبية في ليبيا.

ولكن بينما يدرك الأوروبيون هذا الخطر يبدو أن هناك دولة تقع في قلب أوروبا لا تأبه به.

إذ يركز الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على الخطر التركي، منتقداً ما يصفه بسلوك أنقرة العدواني في ليبيا؛ وهو الأمر الذي دفع الحكومة التركية إلى تذكيره بدور بلاده في دعم حفتر الذي يهاجم طرابلس لمدة عام، حيث كانت القذائف تتساقط على العاصمة الليبية، بينما يعقد مؤتمر برلين لتحقيق السلام في هذا البلد العربي.

واليوم أصبح الموضوع محل نزاع بين أعضاء في الناتو، ودول أوروبا، التي أصبحت حائرة بين الموقفين التركي والفرنسي.

فالمعتاد أن دول الحلف وأوروبا تنحاز مع فرنسا ضد أنقرة على الدوام، في ظل انحياز غربي تقليدي ضد تركيا العضوة المسلمة الوحيدة بالناتو.

ولكن في هذه الأزمة تبدو مشكلة فرنسا، هي أن ما تفعله يهدد أمن أوروبا والناتو عبر تحالفها مع روسيا في دعم حفتر، الذي هو مجرد جسر لبوتين للتسلل إلى خاصرة أوروبا الجنوبية.

ونتيجة لذلك فإن مواقف الناتو أوروبا تبدو غير منساقة وراء محاولة ماكرون جعل النزاع الرئيسي حول ليبيا مع تركيا.

اليونان من جانبها، ترى كل شيء من منظور العداء التاريخي لتركيا ولا ترى أي تهديد آخر، أما إيطاليا فهي أقرب إلى موقف تركيا في دعم حكومة الوفاق.

كما ازداد تقارب واشنطن مع تركيا تحديداً في الأزمة الليبية، حيث ترى واشنطن أن الدور التركي موازن للدور الروسي.

في نظر إدارة ترامب، أنقرة يمكنها أن تكون شريكاً بليبيا، إذ ترى الولايات المتحدة أن الدور التركي يتحدى محاولة روسيا إقامة قاعدة على الشواطئ الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، على عتبة أوروبا وحلف شمال الأطلسي.

ومن ثم، لم تعترض واشنطن على تقارب تركيا مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، على الرغم من الدعم الأمريكي السري السابق للجنرال المتمرد خليفة حفتر، وحقيقة أن حلفاء أمريكا العرب، الإمارات ومصر والسعودية، يدعمونه مثلما تفعل إسرائيل.

قال نائب الرئيس التركي، فوات أوكتاي، الجمعة، إن “تركيا والولايات المتحدة يمكنهما معاً إحداث فرق إيجابي [في ليبيا]”.

اتفق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأردوغان، هذا الشهر، على التعاون بشأن ليبيا، على الرغم من أن طبيعة التعاون لا تزال غير واضحة.

وانعكس ذلك على علاقة أمريكا بحكومة الوفاق المعترف بها دولياً.

إذ قال وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، الثلاثاء، إن الهزيمة العسكرية للجنرال الانقلابي خليفة حفتر زادت التوافق مع الولايات المتحدة حول الحل السياسي في ليبيا.

جاء ذلك في تغريدة نشرها على حسابه بـ”تويتر”، غداة اجتماع عقده رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية فائز السراج، مع الجنرال ستيفن تاونسند، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم”، والسفير الأمريكي في طرابلس ريتشارد نورلاند.

وأضاف: “المجتمعون (في إشارة إلى اجتماع الحكومة الليبية مع “أفريكوم” والسفير الأمريكي) اتفقوا على ضرورة إنهاء التدخلات الأجنبية غير الشرعية ودعم سيادة ليبيا ووحدة أراضيها من أي تهديدات خارجية”.

وتابع أن الاجتماع تطرق أيضاً إلى “العمل على تفكيك الميليشيات الخارجة عن القانون؛ لكونها أحد أسباب عدم الاستقرار ودعم جهود الحكومة الليبية”.

ووصف باشاغا اجتماع الحكومة الليبية مع السفير الأمريكي وقيادة “أفريكوم” بـ”الإيجابي”؛ إذ “توافق المجتمعون على دعم جهود الأمن والاستقرار والاقتصاد، وتعزيز العمل المشترك بين الحكومة الليبية والولايات المتحدة”.

بالنسبة لألمانيا الزعيمة الفعلية للاتحاد الأوروبي، فإن ليبيا ليست مهمة إلا من منظور الهجرة ومن منظور أهميتها لدول أوروبية أخرى مثل إيطاليا وفرنسا.

ومن هنا تأتي إشكالية الدور الألماني الذي لم يكن محايداً في ليبيا كما يبدو، إذ بدا أنه يمارس دور شاهد الزور لداعمي حفتر مثل فرنسا والإمارات ومصر، مقابل عدم مراعاة مصالح إيطاليا وتركيا، والأهم أنه لا يساند التسوية الأممية إلا كلامياً فقط.

إذ كان داعمو حفتر يستغلون الجهود الألمانية مثل مؤتمر برلين، لكسب الوقت وإرسال مزيد من السلاح إلى الجنرال المتقاعد، بينما تكتفي برلين بالكلام الدبلوماسي.

واليوم أصبح الوضع معاكساً وتركيا ترسل السلاح إلى حكومة الوفاق، بينما حلفاء حفتر يَشْكُون.

ومن الواضح أن ألمانيا لم تنسَق وراء المواقف الفرنسية الحادة ضد تركيا، ولم يتضمن بيان مشترك صدر عن اجتماع عُقد مؤخراً لوزراء خارجية إيطاليا وفرنسا وألمانيا أي انتقاد لدور أنقرة، بل العكس انتقدت برلين تهديدات الرئيس المصري بالتدخل في ليبيا.

هذه المواقف الألمانية الأكثر توازناً تجاه الدور التركي في ليبيا، ليست حياداً ولا إنصافاً من قِبل ألمانيا، بقدر كونها ناتجة عن عاملين.

الأول: أن ألمانيا تعلم أن حفتر وداعميه يذوقون اليوم ما أذاقوه لحكومة الوفاق وداعميها على مدار سنوات، حينما كانت قذائف المدفعية وقنابل الطائرات تردّ على دعوات التسوية والمطالبة بالاتفاقات سواء الصادرة من الأمم المتحدة او حكومة الوفاق أو داعميها.

الأمر الثاني: أن الدور التركي مهما كانت أضراره المفترضة بالنسبة لأوروبا، فلن يكون أسوأ من نفوذ روسيا، العدو التقليدي لأوروبا، على العتبة الجنوبية لأوروبا.

وقال خبير العلاقات الدولية زور جاسيموف، من جامعة بون الألمانية: “إن الوجود العسكري التركي في ليبيا سيعزز موقفها تجاه الاتحاد الأوروبي بشكل عام وألمانيا بشكل خاص”.

وأضاف أن “المخاوف من تدفق مزيد من اللاجئين لم تكن أقوى مما هي عليه الآن في أوروبا، التي واجهتها بالفعل تحديات شديدة بسبب جائحة فيروس كورونا والركود الاقتصادي”.

وتحدثت ميركل عبر الهاتف مع أردوغان هذا الشهر عن ليبيا، كما سافر وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، إلى أنقرة، يوم الجمعة؛ لإجراء محادثات مع نظيره التركي مفلوت كافوس أوغلو حول تحقيق الاستقرار بالدولة الواقعة في شمال إفريقيا.

ويقول أستاذ العلوم السياسية إلهان أوزغيل، من جامعة أنقرة، إن أردوغان يرى الآن فرصة لتوسيع دور تركيا بصفتها حارسة بوابة الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا.

أنقرة لديها عدد لا يحصى من القضايا التي تتفاوض حولها مع بروكسل، ومنها تجديد الاتحاد الجمركي والسفر من دون تأشيرة.

يقول أوزغيل: “قد لا تروق شخصية أردوغان لبعض القادة الأوروبيين، لكنهم يعلمون أنه يستطيع إبرام صفقة، وأنه يفِي بوعوده بطريقة ما”.

ورغم أن ألمانيا سبق أن انتقدت التدخل العسكري التركي في ليبيا، فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد تتطلع إلى أردوغان؛ للتوصل إلى اتفاق.

أُلغي اجتماع بين وزيري الخارجية الروسي والتركي، دعت إليهما روسيا في 14 يونيو/حزيران 2020؛ لمناقشة الوضع في ليبيا.

 وقال أوزغيل: “الإلغاء جاء من تركيا. إنها قاعدة أي صراع، وعادة ما يكون الطرف الخاسر هو الذي يطلب وقف إطلاق النار. تركيا لا تريد التوقف في ليبيا”.

وأضاف: “لقد أرسلت روسيا طائراتها العسكرية إلى ليبيا، لكننا لم نسمع أنهم استخدموا طائراتهم بفاعلية ضد قوات حكومة الوفاق الوطني. كان يمكن استخدامها بشكل فعال، لكن لم يتم استخدامها”.

وتابع أوزغيل: “يبدو الأمر أشبه بأهمية رمزية؛ إنه خداع أكثر من كونه أداة في القتال”.

قد تكون موسكو مترددة في المخاطرة بعلاقاتها مع تركيا، والتي تحسنت بشكل ملحوظ في السنوات القليلة الماضية، مما أثار جزع شركاء تركيا في الناتو.

يتمتع البلدانِ بعلاقات تجارية قوية ويتعاونان في الحرب الأهلية السورية، على الرغم من دعم الأطراف المتنافسة في الصراع. إن تركيا وروسيا وإيران جزء من عملية أستانا التي تسعى لإنهاء النزاع. بينما توصلت موسكو وأنقرة إلى اتفاق لفرض وقف لإطلاق النار في عفرين، آخر منطقة يسيطر عليها المتمردون.

يقول المراقبون إنه على الرغم من نجاح تركيا في ليبيا، فإنها لا تزال بحاجة إلى التعامل مع موسكو بعناية. يمكن أن تقوض روسيا جهود تركيا الهادفة إلى تحقيق الاستقرار في ليبيا، أو الدفع ضد المصالح التركية بأماكن أخرى.

ومع ذلك، يعتقد جاسيموف أنه من المرجح أن تسود البراغماتية.

وقال إن “تركيا وروسيا ستديران على الأرجح صفقة بليبيا، مثلما فعلتا في سوريا، والواقع أن الخصومة الليبية ستربطهما أكثر”.

وأضاف جاسيموف أن روسيا قد تستوعب مطلب تركيا إنهاء دور حفتر القيادي، كجزء من أي صفقة ليبية.

وأشار إلى أن “الموقف الروسي غير متجانس وديناميكي. حفتر الذي درس في الاتحاد السوفييتي لم يعُد يُعتبر العامل الرئيسي الوحيد لوجود روسيا في ليبيا. موسكو تبحث عن بدائل”.

ومع ذلك، من المرجح أن تكون أي صفقة روسية محدودة، بسبب رغبة تركيا في العمل مع حلفائها الغربيين بليبيا.

وقال أوزغيل: “أنقرة يمكنها عقد صفقة مع موسكو ولكن بشروطها، قد تكون صفقة محدودة مع روسيا على المدى القصير. أي شيء آخر فلن يكون الاتحاد الأوروبي سعيداً أو الولايات المتحدة. ولذا قد تكون هناك صفقة مؤقتة صغيرة مع روسيا”.

فعلياً مواقف فرنسا أصبحت تقوّي الدور الروسي في محاصرة أوروبا.

يمكن أن تحاول ألمانيا دفع الفرنسيين نحو موقف أوروبي مشترك مفيد للطرفين، وبعيداً عن تحالفها الحالي مع الإمارات العربية المتحدة، وهو الأمر الذي يعرّض أوروبا للخطر ويقوّي يد روسيا في شمال إفريقيا، حسب تقرير لمجلس الشؤون الدولية الأوروبي.

يرى التقرير أن ذلك يمكن أن يتم من خلال اقتراح عملي من الأمم المتحدة يدعمه تحالف أوروبي واسع النطاق، ستجد ألمانيا أنه من الأسهل إلى حد كبير، تهدئة المخاوف المصرية والتركية بشأن الصراع الليبي، مع اكتساب الزخم الدولي لإنهاء الحرب الليبية واستئناف عمليتها السياسية.

ولقد وجدت ألمانيا نفسها في وسط دوامة دون مخرج سهل. إن الانسحاب الهادئ من المشهد سيكون كارثياً، وهو ما يمنح جميع الأطراف الخارجية ترخيصاً لتصعيد الحرب، مع عواقب مدمرة.

ففي ضوء عدم الرغبة الأمريكية والألمانية في التورط المباشر بليبيا، فإن السير وراء الخيار الفرنسي معناه تسليم ليبيا إلى روسيا، بينما الخيار التركي سيقلل نفوذ موسكو أو على الأقل سيوازنه.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى