تقارير وملفات إضافية

بعد خفض وجودها العسكري بالخليج.. هل تتجه واشنطن لتسوية مشاكلها مع طهران بالكامل؟

تعتمد الولايات المتحدة منذ عقود على إسرائيل ومجموعة من الأنظمة العربية الاستبدادية، لترسيخ نظام أمني بقيادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتبيّن أنه من الصعب استمرار هذا النظام بعد أن ضَعُف حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيون أو أسقطتهم انتفاضات شعبية على مرّ السنين. وفي الوقت نفسه، فشلت جهود الولايات المتحدة في تغيير المنطقة من خلال التدخل العسكري فشلاً ذريعاً، وفتحت الباب أمام خصوم الولايات المتحدة لاكتساب نفوذ إقليمي، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.

ولكن بإمكان إدارة ترامب إذا أعيد انتخابه أو إدارة جو بايدن حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل أفضل، من خلال التعامل مع جميع القوى الإقليمية، إذ إن هذا سيمكّن الولايات المتحدة من تخليص نفسها من الصراعات الإقليمية ودفع القوى الإقليمية الرئيسية نحو التعاون وتحمل جزء أكبر من عبء ضمان الأمن الإقليمي.

ويبدو أن الإدارة تدرس بالفعل خفض وجودها العسكري بالخليج بشكل أكبر، بعد قرارها بسحب بطاريات صواريخ باتريوت من السعودية إلى جانب عشرات العسكريين الذين وصلوا إلى المملكة في أعقاب سلسلةٍ من الهجمات على المنشآت النفطية السعودية، العام الماضي، حيث استند البنتاغون في قراره هذا إلى تقييمات بعض المسؤولين الذين رأوا أنّ طهران لم تعُد تُمثّل تهديداً مُباشراً للمصالح الاستراتيجية الأمريكية.

ولفهم سبب فشل مسار الضغط الأمريكي والحاجة إلى الدبلوماسية من الآن فصاعداً، من المهم أولاً أن نفهم كيف تحقق إيران مصالحها الإقليمية بتكلفة بسيطة.

يقول الموقع الأمريكي المتخصص في الدراسات الاستراتيجية، المال ليس محرك النفوذ الإيراني في المنطقة. ففي عام 2017، قدم رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية تقريراً مفصلاً بمبالغ التمويل السنوي التي تقدمها إيران للجماعات المعادية لإسرائيل: 75 مليون دولار لحزب الله، و50 مليون دولار لحماس، و70 مليون دولار للجهاد الإسلامي. وهذه المبالغ زهيدة مقارنة بـ5 مليارات دولار شهرياً تنفقها السعودية على حربها في اليمن أو التريليونات التي أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة أنفقتها في المنطقة.

لقد نمّت إيران نفوذها في المنطقة من خلال إقامة علاقات مع الفئات الشعبية المعزولة أيضاً عن النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة: مثل شيعة لبنان والعراق، والفلسطينيين المحتلين من قبل إسرائيل، والمناهضين الأفغان لطالبان (الهزارة والطاجيك والأوزبك)، وأكراد العراق، والزيديين في اليمن، والمسيحيين وغيرهم من الأقليات في العراق وسوريا. والجدير بالذكر أن حلفاء إيران غالباً ما يكونون أطرافاً فاعلة سياسياً واجتماعياً ويتمتعون بالشرعية في مجتمعاتهم.

واستخدمت إيران عمقها الاستراتيجي الإقليمي لإنشاء رادع لنفسها يتماشى مع التهديد الذي تتصوره، وهو أنها تواجه تهديداً بالهجوم من الولايات المتحدة وحليفيها الإقليميين الرئيسيين إسرائيل والسعودية. ويعتمد هذا الرادع على تكنولوجيا الصواريخ وغيرها من أشكال الحرب غير المتكافئة، مثل إمكانات حلفائها. لكن إيران لا تملك القدرة على زرع قوة عسكرية هجومية في المنطقة، مثل نشر أعداد كبيرة من قواتها.

وإيران لا تمثل منافساً خطيراً للولايات المتحدة ولا تهديداً لأي مصالح أمنية قومية أمريكية مهمة. إلا أنها تمثل هاجساً لكثيرين في واشنطن يدعون إلى تصعيد عسكري إلى جانب حملة “الضغط الأقصى”.

يقول الموقع الأمريكي، إنه بات يتعين على الولايات المتحدة أن تتحلى بالمرونة في علاقاتها الإقليمية لتعزيز نفوذها، إذ إن تأثيراً أمريكياً أكثر توازناً في الشرق الأوسط يركز على التعاون المستمر مع جميع القوى الإقليمية سيُحفز هذه الدول على بذل المزيد من الجهد لكسب تأييد الولايات المتحدة. كما أنه سيعيق التدخل الصيني والروسي، ومثل هذه السياسة تتطلب إيجاد طريقة للتسوية مع إيران.

ولبناء الثقة اللازمة لإقامة علاقة بنّاءة مع إيران، يجب على صناع السياسة الأمريكيين التفكير فيما هو أبعد من إعادة تفعيل الاتفاق النووي. فمن الضروري إعادة التفكير في العلاقة، وهو ما يتطلب جهوداً دبلوماسية حثيثة بشأن مجموعة من النزاعات مع إيران.

ولا ريب أن الطريق إلى تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران سيكون شاقاً. والمتشددون في كلا البلدين سيفعلون كل ما في وسعهم لعرقلته، كما اتضح من حملة الضغط القصوى لإدارة ترامب. ومن المحتمل أن ينضم بعض حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين مثل إسرائيل والسعودية إلى هذه المحاولات. ومع ذلك، لطالما رغب العديد من عناصر الحكومة الإيرانية في تحسين العلاقات مع الغرب لتقليل اعتماد البلاد على الصين وروسيا.

بإمكان الإدارة الأمريكية المقبلة أن تتفاوض على التسوية مع إيران وتعزز النفوذ الإقليمي والعالمي للولايات المتحدة. وسيتطلب هذا رأسمال سياسياً كبيراً، لكنه يمكن أن يمكن أن يتحول إلى انتصار سياسي بإنهاء عقود من العداء الأمريكي الإيراني بحل سلمي.

ومن المهم أيضاً ألا يؤثر تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران على الشركاء الإقليميين الرئيسيين للولايات المتحدة ويورثهم شعوراً بالإهمال. بل يمكن لسياسة تنتهجها الولايات المتحدة تأتي فيها الدبلوماسية أولاً في الشرق الأوسط أن تؤدي إلى تعاون إقليمي واستقرار طويل الأمد. وبإمكان الولايات المتحدة استخدام نفوذها الجديد الأكثر فاعلية للمساعدة في التوصل إلى نظام تعاون إقليمي طال التفكير فيه بين إيران والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي الست. ومن الممكن أن يتبع هذا التعاون نموذج منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي نشأت من الجهود الدبلوماسية التي خففت التوترات بين حلف وارسو ودول حلف الناتو.

وسيخفف الحوار المؤسسي بين دول الخليج العبء الأمني الذي تحمله الولايات المتحدة في المنطقة. وسيتوفر لدى السعودية وإيران منتدى للتعبير عن مظالمهما والانخراط في مساع متبادلة لبناء الثقة. وبمرور الوقت، يمكن أن يتوسع هذا الحوار ليشمل التعاون لحل مختلف النزاعات الإقليمية، مثل الحرب في اليمن، وتحميل القوى الإقليمية تأمين الخليج.

التعريف التقليدي للاستراتيجية هو أنها خطة لتحقيق الهدف المنشود من خلال الحد الأدنى من إنفاق الطاقة والموارد. والهدف الحالي لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو إبقاء إيران بشكل دائم في مربع العقوبات، وإعطاء تفويض مطلق لشركاء الولايات المتحدة الإقليميين. وهذه وصفة لتورط لا ينتهي في منطقة استنزفت حياة الأمريكيين ومواردهم لعقود.

إن التصعيد العسكري ضد إيران سيكون ضرباً من التهور، وسيؤدي إلى نتائج عكسية، وسيُسهم في استمرار تورط الولايات المتحدة في مواجهة دائمة مع من تمثل في الأساس دولة ضعيفة لا تشكل تهديداً واضحاً للأمن القومي الأمريكي. ويتعين على الإدارة الأمريكية المقبلة، بدلاً من ذلك، إعادة تقييم الأهداف الأساسية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتطوير استراتيجية تحركها الدبلوماسية، وتمنحها القدرة على معالجة التحديات الملحة في الداخل والخارج.

وربما تكون إدارة ترامب قد بدأت بذلك بالفعل، بعد سحب أنظمة باتريوت المضادة للصواريخ من السعودية، ودراستها بالفعل بخفض قدراتها العسكرية الأخرى داخل المملكة، وهو ما يُمثّل نهاية للحشد العسكري واسع النطاق لمواجهة إيران في الوقت الحالي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى