آخر الأخبارتقارير وملفات

بعد دورها في مقتل 800 ألف شخص فرنسا تتيح وثائق الإبادة الجماعية في رواندا

جرائم لاتسقط بالتقادم

تقرير بقلم الخبير السياسى والإقتصادى

د.صلاح الدوبى 

الأمين العام لمنظمة اعلاميون حول العالم

ورئيس فرع منظمة اعلاميون حول العالم 

رئيس حزب الشعب المصرى 

جنيف – سويسرا

عرفت رواند، تلك الجمهورية الإفريقية الواقعة بمنطقة البحيرات العظمى، بداية شهر أبريل/نيسان 1994، حربًا أهلية إثر سقوط طائرة كانت تقل الرئيس الرواندي آنذاك جوفينال هابياريمانا ونظيره البوروندي سيبريان نتارياميرا ومقتل جميع من كانوا على متنها، حيث ألقى حينها متشددو الهوتو باللائمة على جماعة الجبهة الوطنية التي تتشكل من أقلية التوتسي، وبدأوا على الفور حملة منظمة للقتل.

في تلك الليلة، بدأت مليشيات قبيلة الهوتو التي تشكل 84% من السكان، حملة تطهير عرقية واسعة لقبيلة التوتسي التي تشكل 15% من السكان، حيث سُلمت قوائم بالغة التنظيم بأسماء خصوم الحكومة المكونة من الهوتو إلى المليشيات المسلحة الذين ذهبوا وقتلوهم إلى جانب قتل جميع أفراد أسرهم.

في تلك الفترة، ولمدة مئة يوم، قتل الجيران جيرانهم كما قتل بعض الأزواج زوجاتهم المنتميات للتوتسي وقيل لهم إن رفضوا فسوف يقتلون، وكانت بطاقات الهوية الشخصية في ذلك الوقت تتضمن الانتماء العرقي، ومن ثم أنشأت المليشيات نقاط تفتيش في الطرق حيث كان يجري قتل التوتسي.

نهاية هذه الإبادة، جاءت في أعقاب سيطرة بول كاغامي الرئيس الحاليّ وقائد الجبهة الوطنية التي تكونت من نحو 4 آلاف مقاتل معظمهم من التوتسي الذين تربوا في المنفى، على البلاد في يوليو/تموز 1994، وهروب أعضاء الحكومة الانتقالية.

ويظل الولوج إلى الملفات والوثائق الخاصة بالدور الفرنسي في أحداث رواندا، حتى اليوم ممنوعًا بسبب القيود القانونية والإدارية رغم القرار السياسي الذي اتخذه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند سنة 2015، وكانت رواندا قد طالبت بفتح الأرشيفات السرية المتعلقة بتلك المرحلة، لكن دون تجاوب من الحكومة الفرنسية.

اتهامات رواندية لفرنسا بالتواطؤ في الإبادة الجماعية

لطالما اتهمت رواندا فرنسا بالتواطؤ في الإبادة الجماعية بدعمها نظام الهوتو، وتدريبها جنود وعناصر الميليشيا الذين قاموا بأعمال القتل، ففي سنة 2017، نشرت الحكومة الرواندية تقريرًا صادرًا عن شركة المحاماة الأمريكية كونينغهام ليفى موسى، الذي كلفته الحكومة الرواندية بإجراء تحقيق عن دور المسؤولين الفرنسيين وإسهامهم في تسليح وتوفير ملاذ آمن للروانديين الذين ارتكبوا الإبادة الجماعية.

وبحث التقرير في المعلومات والشهادات المباشرة لشهود العيان التي كانت مطروحة للجماهير، وكانت نتيجته أن المسؤولين الفرنسيين قدموا ملاذًا لمشتبه بهم في الإبادة الجماعية، وسمحوا للمسؤولين بالاجتماع في السفارة الفرنسية بالعاصمة الرواندية كيغالى، حيث بدأوا بتشكيل الحكومة المؤقتة التي حكمت البلاد خلال عمليات القتل الجماعي.

تقول الحكومة الرواندية إن لديها معلومات، معظمها من مصادر فرنسية، تثبت وتظهر كيفية مشاركة ودعم الحكومة والمسؤولين الفرنسيين، قبل وفي أثناء وبعد الإبادة الجماعية، للحكومة التي ارتكبت هذه الإبادة الجماعية بحق الروانديين.

وفي سنة 2016، نشرت رواندا قائمة تضم أسماء 22 من كبار ضباط الجيش الفرنسي المتهمين بالمساعدة في تخطيط وتنفيذ عمليات القتل، من بين هؤلاء الجنرال جاك لانكساد رئيس الأركان السابق للجيش الفرنسي والجنرال جان كلود لافوركاد قائد قوة “توركواز” التي نشرت في رواندا بتفويض من الأمم المتحدة في 22 من يونيو/حزيران 1994.

في شهر أبريل/نيسان 2018، نشر ضابط سابق في الجيش الفرنسي، هو غيوم أنسيل، كتابًا تحت عنوان “رواندا، نهاية الصمت” بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتلك الأحداث، تحدث فيه كشاهد عيان قضى 50 يومًا ضمن البعثة العسكرية الفرنسية في كيغالي، التي كانت تسمى “عملية توركواز”، واتهم أنسيل باريس بالتورط في الإبادة الجماعية التي طالت قبيلة التوتسي، ودعم حزب الجبهة الوطنية الرواندية الذي كان يقود البلاد وقتها، وتسليح منفذي المجازر، بل ولعب دور في عدم تقديم الجناة أمام العدالة.

وكشف أنسيل في شهادته أن باريس لم تضع الجنود الفرنسيين الذين أرسلتهم إلى رواندا في الصورة الحقيقية للأوضاع في البلاد، وهو ما يخالف الأعراف الجارية في الجيش الفرنسي، حسب تعبيره، بل اكتفت بتذكيرهم بأنهم ذاهبون في مهمة إنسانية، لكنهم اكتشفوا خلال وجودهم هناك أن التعليمات العسكرية التي كانت تعطى لهم كان الهدف الخفي منها هو الحيلولة دون سقوط الحكومة التي كانت تقودها الجبهة الوطنية الرواندية، ومنع انتصار أقلية التوتسي، وهو ما يعني – حسب إفادته – السماح باستمرار المجازر.

وُصف دور فرنسا قبل وأثناء الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 بـ”الفشل الذريع” الذي ينبغي أن تقر به البلاد، بحسب ما قال المؤلف الرئيسي للتقرير الذي كلف بإعداده الرئيس إيمانويل ماكرون، بينما توشك البلاد على فتح سجلاتها الخاصة بتلك الفترة للعامة، وفق ما ذكرته صحيفة The Washington Post الأمريكية، الثلاثاء 6 أبريل/نيسان 2021.

خلص التقرير الذي نُشر في مارس/آذار 2021 إلى أن السلطات الفرنسية غضت الطرف عن التحضيرات للمذبحة بينما كانت تدعم الحكومة الرواندية “العنصرية” و”العنيفة” بقيادة الرئيس جوفينال هابياريمانا آنذاك، ثم كان رد فعلها بالغ البطء في تقدير حجم عمليات القتل الواقعة.

لكن التقرير الفرنسي برأ السلطات من تهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية في رواندا التي أودت بحياة 800 ألف شخص، معظمهم من شعب التوتسي ومن الهوتو الذين حاولوا حمايتهم.

دور فرنسا في الإبادة الجماعية في رواندا

https://www.youtube.com/watch?v=MBOVJYQUhog

كان قرار ماكرون بتكليف إعداد التقرير -وفتح السجلات أمام للجمهور- جزءاً من جهوده لمواجهة السلطات الفرنسية بشكل أشمل في دورها في الإبادة الجماعية في رواندا، وتحسين العلاقات مع رواندا، بما في ذلك تخصيص يوم 7 أبريل/نيسان، وهو اليوم الذي بدأت فيه المذبحة، لتخليد ذكرى المذبحة سنوياً. وفي حين تأخرت هذه الخطوات للغاية، إلا أنها قد تساعد في مصالحة البلدين أخيراً.

نقلت وكالة AP الأمريكية عن المؤرخ فنسنت دوكلرت، الذي قاد اللجنة التي درست أفعال فرنسا في رواندا بين العامين 1990 و1994، قوله: “على مدار 30 عاماً، كان السجال حول الإبادة الجماعية في رواندا مليئاً بالأكاذيب والعنف والخداع والتهديدات والمحاكمات. كان ذلك جواً خانقاً“.

قال دوكلرت إنه كان من المهم الإقرار بدور فرنسا كما هو: “فشل ذريع”. وأضاف: “علينا قول الحقيقة. ونأمل أن تتيح الحقيقة لفرنسا فرصة إجراء حوار ومصالحة مع رواندا وإفريقيا“.

وثائق سرية ستكون متاحة لعموم الشعب

قال ماكرون في بيان له إن التقرير يُعد “خطوة كبرى للأمام” تجاه فهم ما قامت به فرنسا في رواندا.

ستُتاح حوالي 8 آلاف من وثائق المحفوظات التي فحصتها اللجنة على مدار عامين، منها بعض الوثائق التي كانت سرية قبل ذلك، أمام عامة الشعب بداية من يوم الأربعاء 7 أبريل/نيسان 2021، في الذكرى الـ27 لبداية الإبادة الجماعية في رواندا.

قال دوكلرت إن الوثائق -ومعظمها من مقر الرئاسة الفرنسي ومكتب رئيس الوزراء- تُثبت كيف تشارك فرنسوا ميتران، الرئيس الفرنسي وقتها، والمجموعة الصغيرة المحيطة به من الدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين، آراءً موروثة من العصور الاستعمارية، ومنها الرغبة في الحفاظ على نفوذهم في بلد يتحدث الفرنسية، وهو ما جعلهم يواصلون دعم هابياريمانا على الرغم من العلامات التحذيرية، بما في ذلك فترة تسلم الأسلحة والتدريب العسكري في السنوات التي سبقت المذبحة.

دعم فرنسا التصنيف العرقي والتطرف

أكد دوكلرت على أنه: “بدلاً من دعم عملية الديمقراطية وإحلال السلام في رواندا، دعمت السلطات الفرنسية في رواندا التصنيف العرقي والتطرف الذي مارسته حكومة هابياريمانا“.

فيما انتقد التقرير أيضاً “السياسية السلبية” لفرنسا في أشد فترات المذبحة وطأة في الفترة ما بين أبريل/نيسان ومايو/أيار عام 1994.

كما أشار دوكلرت: “كان ذلك تضييعاً سيئاً للفرص. إذ في عام 1994، كان ثمة احتمال أن تتوقف المذبحة، لكن ذلك لم يحدث. وتتحمل فرنسا والعالم قدراً كبيراً من الذنب في ذلك“.

لكنهم تدخلوا في النهاية. وذلك في العملية العسكرية “تركواز” التي قادتها فرنسا بدعم من الأمم المتحدة في 22 يونيو/حزيران.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى