آخر الأخبارالأرشيف

بيريز.. رحيل سفاح الصهاينة الماكر مات الرجل الذي قتل أحلامًا عديدة، ويتَّم أمهات كثيرة.

كل من شارك في سفك دماء الفلسطينيين والعرب بشكل عام من القادة الصهاينة لقي حتفه بعد عذاب وصراع من المرض، كرئيس الوزراء السابق آرئيل شارون، الذي رقد لسنوات في الموت السريري. أما الرئيس الصهيوني السابق شمعون بيريز الذي لقي حتفه فجر اليوم، فقد أصيب بنزيف دماغي قبل أسابيع قليلة، غير أن الرجل التسعيني لم يجدِ معه العلاج نفعًا.

وعلى الرغم مما عُرف عنه عالمياً بأنه رجل سلام فإن بيريز استهل حياته من خلال عصابات “الهاجاناه الصهيونية” (منظمة عسكرية صهيونية استيطانية أُسست في القدس عام 1920)، كما أنه كان مهندس المشروع النووي الإسرائيلي.

بيريز

ويمثل الرجل بالنسبة للعرب قاتل الأطفال في “مجزرة قانا” جنوبي لبنان عام 1986، وأيضا من مهندسي العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

تجنّد بيريز في سن الـ24 في قيادة “الهاجاناه” المسؤولة عن تنفيذ الكثير من الهجمات ضد الفلسطينيين خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين قبل عام 1948، وقد أولي عدّة مهمات خاصة، ولاسيما في مجال القوة البشرية، والمقتنيات العسكرية، والبحوث الأمنية.

جاء بيريز إلى فلسطين عام 1934، مهاجرًا من بولندا التي ولد فيها، لينضم للعصابات الصهيونية، التي كانت ترهب الفلسطينيين، وتغتصب أرضهم “عصابات الهاجانا”، وبحسب المصادر الصهيونية فقد تولى بيريز منصب مدير عام للجيش في عمر التاسعة والعشرين، حيث كان له دور فاعل في الأمن، وبعد ذلك وعلى مدى خمسة عقود في المجال السياسي انتقل من منصبٍ لآخر ما بين المناصب النيابية والوزارية والأمنية، كذلك فإنه الوحيد الذي تولى منصبي رئاسة الوزراء ورئاسة الدولة.

ومنذ قيام الكيان الصهيوني عام 1948، كان شمعون بيريز أحد أهم الأعلام السياسية فيها، وكان له دور في الكثير من المجازر والاعتداءات، فهو من سنَّ مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية، والمسؤول عن مذبحة قانا في جنوب لبنان، التي أدت لمقتل أكثر من 110 من المدنيين الأبرياء.

وكان بيريز معروفًا بخبثه ومكره السياسي، حتى بين خصومه الصهاينة، فقد وصفه إسحق رابين في مذكراته بأنه “دسَّاس لا يكل”، وحتى بين رفاقه في حزبه كانوا يقولون عنه بأنه الرجل الذي لا يعرف الانتصار، حيث كانوا يطلقون عليه فيما بينهم لقب الخاسر. لكن لم ينكر أحدٌ خبثه السياسي؛ فوصفوه بـ”ثعلب السياسة”، وقيل عنه “أعطِ بيرز مكتبًا وسكرتيرة، ليقيم لك مفاعلاً ذريًّا من وراء ظهرك”. وهنا تجدر الإشارة لدوره الرئيسي في تأسيس مفاعل ديمونة النووي.

لم يولد بيريز لعائلة يهودية متشددة، إلا أنه اكتسب تشدده الديني من جده الذي تتلمذ على يده وتعلم منه التلمود، وبدأ مشواره السياسي في سن مبكرة، حيث تم انتخابه سكرتيرًا للحركة العمالية الصهيونية في سن الثامنة عشرة. وكان بيريز يعتبر بن جوريون أباه الروحي، حيث كان بن جوريون يرعاه فترة شبابه، ويرشحه لمناصب مهمة، فعينه عام 1947 في منصب المسؤولية الكاملة عن الأفراد والسلاح والعتاد في المجموعات الصهيونية المتطرفة “الهاجانا”، المعروفة بتاريخها المشؤوم وبالمجازر التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين، والتي كانت بمثابة النواة للجيش الصهيوني، لما لها من جرائم بشعة يشهدها التاريخ.

وأبرم بيريز في بدايات وصوله لسلم السلطة صفقة مع فرنسا؛ لإمداد إسرائيل بطائرات مقاتلة، بجانب فكرته في إنشاء مفاعل ديمونة التي طُبقت فيما بعد، ثم استمر صعوده السياسي في الدولة الحديثة، حتى انتُخب عضوًا في الكنيست عام 1959 عن حزب مابي المنبثق عن الحركة العمالية، تلا ذلك تعيينه نائبًا لوزير الجيش.

وكان لبيريز يد في التخطيط لقصف أهداف أمريكية وبريطانية في مصر عام 1954، والتي كان الهدف منها الضغط على بريطانيا لعدم سحب قواتها من سيناء، لكن الأمر كُشف، واستقال حينها من منصبه، وغادر بن جوريون معه لتأسيس حزب جديد.

أصبح بيريز رئيسًا لحزب التحالف بعد استقالة رابين عام 1977، بعد فضيحة مالية لحقت بزوجة رابين، جعلته يقدم استقالته من منصبه، إلا أنه بقي رئيسًا للوزراء بشكل رسمي، في الوقت الذي كان بيريز يعد الرئيس الفعلي للوزراء حينها. وقاد بيريز التحالف إلى هزيمة في الانتخابات التي اكتسحها حزب الليكود بقيادة مناحم بيجن.

وكان وصف رفاقه له بـ”الخاسر” في محله، فقد لحقت به خمس هزائم انتخابية، كانت تنتهي بحصوله على منصب وزاري كجزء من حكومة ائتلافية. ورغم هذا الوصف، إلا أنه استطاع بمكره أن يجلب اعترافًا فلسطينيًّا بالوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، فأثناء عمله كوزير للخارجية في حكومة رابين، أجرى محادثات سرية مع الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، أدت لإبرام اتفاقية أوسلو عام 1993، والتي بموجبها اعترفت منظمة التحرير بوجود إسرائيل رسميًّا، وبعدها بعام حصل الثلاثة المشاركون في الاتفاقية: ياسر عرفات، وإسحق رابين، وشمعون بيريز، على جائزة نوبل للسلام.

وكان خداعه واضحًا بعدما تحول إلى رجل يدعو للسلام بشكل علني في المحافل الدولية والمناسبات اليهودية، وأظهر نفسه على أنه الرجل الذي يقبل بتنازلات أمام المطالب الفلسطينية. وبعد اغتيال رابين، شغل منصب رئيس الوزراء عام 1995، إلا أنه هُزم في الانتخابات التالية أمام بنيامين نتنياهو، ولم يكمل عامًا في منصبه.

مات الدسَّاسُ الذي لا يكل، وما زالت مشاهد الإجرام التي ترأسها حاضرة في أذهان الناس. سنوات طويلة جثم فيها على صدور الفلسطينيين والعرب، أبرز فيها كلَّ قدراته على التدمير وحياكة المؤامرات. مات الرجل الذي قتل أحلامًا عديدة، ويتَّم أمهات كثيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى