آخر الأخبارالأرشيف

بين جنون العظمة واليأس وأتباع مصابين بالعمى .. هل “السيسي”حقا مختل؟

«ربنا خلقني طبيب …طبيب قادر على تشخيص الحالة … أنا أعلم الحقيقة وأراها. اسمعوا مني. حتى في العالم الآن، جميعهم يقولون اسمعوا له …».
هذا الرئيس المصري، «عبد الفتاح السيسي»، متحدثا عن حكمته التي لم يسبق لها مثيل والقدرات الخاصة التي يمتلكها. ويتابع بأن يصف نفسه بأنه «طبيب لعدد من السياسيين في العالم، المثقفين والخبراء وسائل الإعلام، وإذا أردت أعظم الفلاسفة في العالم». كما انه يستطيع التنبؤ بمستقبل مصر، وفقا لأحلام يراها في الليل.

المختل
إذا كان «السيسي» يرى نفسه محط اهتمام قادة العالم والفلاسفة، يمكن للمرء أن يتخيل الورطة التي يعيشها شعبه. لم ينجح «السيسي» أبدا، في أي من خطاباته، في تجنيب جمهوره الحديث الذاتي المبالغ فيه أو التسلط الأبوي. وتأتي هذه الخطب عادة بعد الأزمات التي تتطلب تدابير وإجراءات طارئة سياسية أو اقتصادية.
هذا العام كانت هناك العديد من المناقشات الساخنة حول ما إذا كان ينبغي تسليم جزيرتين في البحر الأحمر إلى السعودية. وحكى «السيسي» في واحدة من خطبه قصة قبل النوم لوالدته التي نصحته بعدم حسد ممتلكات الآخرين. هل هذا يساعد بأي حال من الأحوال في تفهم الناس تسليم قطعة من بلادهم إلى بلد آخر؟
في وقت سابق من هذا العام، في حين كان يلقي خطابا عن التقشف وتدهور الأوضاع الاقتصادية، أكد أنه إذا كان يمكن بيعه لصالح البلاد، فإنه يعرض نفسه للبيع. وفي نفس الخطاب، زجر الجمهور بوقاحة للاستماع إليه فقط.
يتحدث «السيسي» عن نفسه، أحلامه والقدرات الخاصة به، ويستدعي أشياء مثل قوى الشر، فيما يبدو وكأنها عبارات من بعض الأفلام الخيالية. الناس تتفاعل في البداية مع النكات والسخرية، ولكن بعد رؤية كيف يتدهور الاقتصاد المصري، يدرك الكثير منهم أنها ليست مزحة.
الذي يحير بدرجة كبيرة هو القبول العام، والدعم الذي يحظى به بين مؤيديه. هل هذا بسبب الكاريزما؟ يمكن أن يكون حقا هناك حكمة غير مسبوقة تبقي جمهور «السيسي» من مدمني المخدرات داعمين له بطريقة أو بأخرى؟ لست أزعم غياب المعارضة المتزايدة، وإنما أحاول تفكيك كيف يمضي بثقة أكبر في سرد قصص من «الحكمة»، بينما لا يزال يحافظ على قبول الجمهور في كل مرة يقرر فيها أن يتخذ خطوة أخرى.
لماذا لا يوجد بين مؤيديه، سواء بين النخبة أو الجمهور، من يراجع هذا الجنون؟ وما هو العقد الذي يجمع بين زعيم مصاب بجنون العظمة وأتباع مصابين بالعمى؟
رعاية جنون العظمة
من الصعب أن نصدق أن «السيسي، هو الزعيم الاستثنائي و الاستراتيجي الذي حشد الملايين في دعمه، بينما هو لا يعرف ماذا يفعل. لقد قاد انقلابا ناجحا ضد واحدة من المجموعات السياسية الأكثر رسوخا في المنطقة، جماعة الإخوان المسلمين، واستطاع خلال فترة قصيرة جدا من الزمن، قمع ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
يبدو ذلك محيرا من الخارج، ولكن في سياق المواقف العسكرية، يدرك المرء أنه ليس استثناء.
لم يمض وقت طويل قبل أن يدعي جنرال عسكري أنه عثر على علاج لمرض الإيدز والتهاب الكبد الوبائي C، وكل ذلك بموافقة المؤسسة العسكرية. وعلى مستوى مماثل من العبث، تحدث جنرال عسكري آخر عن تكتيكات الحرب الوقائية المخططة بشكل طبيعي في حالة شن هجمات نووية من (إسرائيل). وكانت الفكرة أن مصر المباركة من الرياح الشمالية الغربية إذا هوجمت من قبل (إسرائيل) فإن الرياح سوف تدير الصواريخ نحو (إسرائيل). نعم، قيل هذا في الواقع، بقناعة تامة وضمير مرتاح.
تحدث نفس الجنرال أيضا أنه خاض معركة ضارية في واحدة من المهمات العسكرية له، والتي كانت عبارة عن مطاردة للفئران. ومن ثم يرى المرء أن هناك ظاهرة تربط كل هؤلاء الناس وهي : «جنون العظمة». حقيقة أن كلا من هذه الحوادث، من بين أمور أخرى، قد سجلت تدفقا للجمهور لرؤيتها يعني أنها ليست استثناء، وأنها لا تسبب العار للمؤسسة العسكرية. ما يحدث تماما هو العكس.
واحدة من السمات الرئيسية للمؤسسات العسكرية هي الهرمية، بمعنى أن الأمور تسير من أعلى إلى أسفل. إذا خدم أحد في الجيش لفترات طويلة من الزمن، فمن المحتمل جدا أن يفقد الشعور بوجود رأي آخر، أو أنه ربما يكون مخطئا أو يتم انتقاده.
في الجيش، إذا لم تقم بتحية الكبار، سوف يتم استجوابك وربما حتى معاقبتك. وإذا لم تطع الأوامر، أنت بالتأكيد سوف تعاقب. وأنا أتكلم عن أوامر تافهة للغاية أشد سخافة. بعد فترات طويلة من العمل في بيئة «نعم يا سيدي» يتم تسلق السلم العسكري. إنه من الأسلم أن نفترض، نظرا لقدرة الإنسان على التكيف،أنه يمكن للمرء أن ينسى شعور أن يكون مخطئا، وهذا ما يضعه على عتبة جنون العظمة.
وتتكثف المشكلة مع عدم وجود أي نوع من المرجعية العلمية، وتدهور التعليم على مدى عقود، وارتفاع الجهل. حيث يكون المصدر الوحيد لما هو حق هي كلمات الجنرال بشكل عام، ناهيك عن الرئيس، الذي يمكنه التحدث ومحاضرة المرؤوسين حول أي موضوع في أي مجال. ولا ينبغي للمرء أن يجرؤ أن ينتقد أي مسؤول في الجيش، حيث من المرجح أن يتهم بالخيانة لو فعل، وبالعقاب لو كان من داخل المؤسسة العسكرية.
على سبيل المثال، هناك عصام حجي، وهو عالم مصري في ناسا، انتقد «اختراع» جهاز الإيدز من قبل جنرال عسكري لعدم قيامه على منهجية علمية. بعدها اتهم «حجي» بالخيانة، وتضليل الرأي العام، والتآمر ضد بلده.
يمكنك أن تتخيل ماذا يمكن أن يحدث بعد هذا الجهل المطلق.
الجمهور اليائس
يتلفظ بهذا الهراء غير المقنع شخصيات نخبوية من السياسيين، الإعلاميين، المشاهير. ويتم دعم القيادة السياسية في مصر من قبل هؤلاء لسببين رئيسيين. أولا، لأنهم افتراضيا أقل تأثرا بالقرارات الاجتماعية والاقتصادية السلبية للدولة. ثانيا، أنهم أكثر عرضة للاستفادة من خدمة القيادة الحاكمة.
ماذا عن رجل مصري أو امرأة عادية؟ ما الذي يجعل المصريين معلقين بهذا الوضع؟ هم يدفعون الثمن مع كل قرار يتخذ. هل هم منومين بطريقة أو بأخرى من قبل حكمة غير مسبوقة من زعيمهم؟ أم أنهم لا يؤمنون حقا بما هو معروض عليهم؟
وأظن أن السر يكمن في وصفة من الأمل واليأس. أحيانا في خضم اليأس من التغيير، يتعلق الإنسان بأي بادرة أمل، حتى لو كان أملا كاذبا. وهذا التمني غير العقلاني معلق على أي شيء، أو أي شخص يعد بغد أفضل. ويصبح غدا كناية عن الوقت الذي قد لا يأتي أبدا. إنهم تقريبا لا يهمهم، طالما يتم تجديد الوعد في صباح اليوم التالي.
بعد ثورة واعدة، خمس حكومات، وسباق الانتخابات البرلمانية والرئاسية (مع كل هذا الجدل حول شرعية كل منها)، ومع الكثير من الأمل، يبدو أن الناس شعروا بالتعب من الثورة ضد الواقع الاجتماعي القبيح.
الخلاصة
من خلال تشويه صورة كل من يتكلم ضد الدولة، فإن الدولة صارت تمتلك حصرا الحق في تحديد من هم الصالحون. ومن خلال رفع مقولة أنهما في خطر وتقوم «بمحاربة الإرهاب»، فإن الدولة المصرية، تقوم حتى الآن، بقمع الآلاف في السجون، وتتجاهل أي استجواب عام حول الوعود المزعومة الخاصة بها.
على سبيل المثال، في أغسطس/آب الماضي وتعليقا على الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، قرر اللواء «كمال عامر» نيابة عن الشعب أن الارتفاع في الأسعار كان تكلفة معقولة جدا لسلامة وأمن دولة «السيسي». ليس هذا من المستغرب، فتكلفة «التفكير» في معارضة الدولة هي: السجن السياسي، حالات الاختفاء القسري، وأمور أخرى.
وهكذا، فقد شيدت الدولة المصرية ما يشبه الدائرة المغلقة لتيئيس الناس وصرفهم عاطفيا.
يذكرنا هذا بقول وصف «كارل ماركس» عن الدين بأنه «أفيون الشعوب». وأود أن أقول أن هذا «الأمل الكاذب» أصبح يمثل الأفيون والموت البطيء لتطلعات الشعب لغد أفضل. سوف يبقى الشعب خائفا من المجهول حتى يواجه هذا الواقع، الذي يقوده أمل كاذب.
المصدر | أوبن ديموكراسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى