الأرشيف

تجديد الخطاب الدينى وفصل القرآن عن السنة من مولانا عبد الفتاح شيخ الطريقة السيساوية

تقرير بقلم الإعلامى الكبير
الدكتور صلاح الدوبى
رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم” فرع جنيف- سويسرا
رئيس اتحاد الشعب المصرى
“عضو مؤسس في المجلس الثوري المصري”
القرآن الكريم يشتمل على آيات مجملة، ولا بد للعمل بها من شرح يُبيِّنها ويوضحها ويفسرها، وكذلك أخرى عامة ومطلقة تحتاج إلى بيانٍ يُظْهِر ما خُصَّت وقُيِّدت به هذه الآيات، ولا بد أن يكون هذا الشرح والبيان من عند الله تعالى؛ فهو الذي كلَّف العباد، وهو العليم بالمراد من كتابه، فلا اطلاع لغيره عليه.
وهذا الشرح والبيان هو السنة التي نزل بها الوحي ابتداء، أو أقرَّ اللهُ رسولَه عليها؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنِّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44]، وقد بيَّن ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: ((أَلا إِنِّي أُوتِيتُ الكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ)). [أخرجه أبو داود وغيره].وأخرج مالك في الموطأ بلاغًا، ووصله الحاكم في لاالمستدرك، والبيهقي في الكبرى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: ((قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كَتِابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ)).
وقد زكَّاه الله -في أقواله وأفعاله- في كتابه بقوله: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى* إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3- 4].فلا انفكاك للقرآن عن السنة، ولا يمكن الفصل بينهما؛ لأنها بيانه وشرحه وتوضيحه، فكل ما وصل إلينا من الدين إنما هو عن طريق سيدنا محمَّد -صلى الله عليه وسلم- وفي مقدمة ذلك القرآن نفسه، فإن قرآنية القرآن لم تثبت لدينا إلا بواسطة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في ذم هؤلاء الضالين المفسدين فيما رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، وابن ماجه واللفظ له: ((يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي، فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِثْلَ الَّذِي حَرَّمَ اللهُ)).
وخرج علينا منذ أيام  قائد الإنقلاب وشيخ الطريقة السيساوية زاعما الاكتفاء بالقرآن وعدم الاحتياج للسنة النبوية؟ بل زعم أن الاستغناء عن السنة يرفع الخلاف بين المسلمين في الأحكام.

تثير دعوة عبد الفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني الذى هو خارج دائرة اختصاصه وجهله الواضح بصلب الدين ومنهجه وتكرارها في أكثر من مناسبة تساؤلات عديدة عن أهدافه من هذه الدعوة والأشخاص أو المؤسسات المناط بها تجديد هذا الخطاب.
ألم يصبح السيسي هو الرئيس المؤمن المؤصل لثورة التصحيح الديني بنظر الشيوخ المؤيدين له؟ ومن يدعو عليه يصاب بالشلل وتحط عليه المصائب؟ أم إنه عدو المساجد؟ ألم يؤمم المؤسسة الدينية ويمنع كبار الدعاة من الإمامة والخطابة؟ ألم يضعهم تحت الرقابة ويمنعهم من السفر؟
السيسي بدعوته لتجديد الخطاب الديني، أولها توجيه رسالة للخارج بعد الانقلاب على الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين هدفها تخويف هذا الخارج من الجماعة والإسلاميين، خاصة في ظل تحالفه مع إسرائيل، حسب قوله.
كما أنه يستهدف السيطرة على المنصات الدينية، سواء الأزهر الشريف أو الكنيسة، وهو ما يمكن تفسيره بتأكيد السيسي على أن الرئيس هو المسؤول عن دين المواطنين.
بالإضافة الى محاولته جر الإسلاميين لمعركة دينية مع السيسي تغطي على الخلاف الرئيسي وهو سياسي وليس دينيا
استطاع السيسى من جمع أكبر قدْر ممكن من المتخلفين والسفهاء والجاهلين وأنصاف الأميين والمنافقين والغثيانيين والمطبلين والحشاشين والقاتيين، وإطلاقهم في الفضاء والمطابع ليحمل كل منهم لقب إعلامي أو مذيع أو مُحاور.
هل تتصور قارئى العزيز ان الشعب المصرى يخاف من خيال الرئيس السيسي حتى لو مرمط باللغة والمنطق والموضوعية والحق كل مشاكل الوطن، وكلما سألت مصريا زعم أن يدَ السلطة طويلة، وأن الرئيس يقرأ أحلامه ويدعم كوابيسه، لذا فهو ينتظر يد الله لينقذ مصر وشعبها بفضل الدعاء المستمر  الذى تتوارثه الأجيال وغراب البين قابع على كرسى الرياسة وعلى رقاب المصريين.
حتى لو ضربت رأسك في جدار منزلك قبل الصباح وفي المساء، وطالبت بالافراج عن المظلومين، حتى لو صرخت من غلاء الأسعار، وغضبت لسفاهة التبذير السلطوي، ومِتْ جوعا أو فقرًا أو مرضا، فالسيسى يعرف أن ضعفه ونُبله وإيمانه في الإنصات لمطالب الشعب، لذا فيزداد إذلاله إياك؛ ويمُنّ عليك بأنك لست في سوريا وليبيا والعراق واليمن.
ألا تعلم يأاخى أن أحفادك وأولادهم مدينون بقروض ستعذبهم لقرن أو قرنين قادمين، لكن بلادةً وبرودة ورعبــًـا وذُعرا وخوفا وطاعة ومسكنة أطبقت على الوطن، فالمركب لا تغرق، إنما يتبرع الراكبون بالهروب منها، سواء للخارج أو لأحلام اليقظة أو لــ صندوق تحيا مصر حتى تتركك السلطة تأكل من فتاتها.
حتى لو وقف السيسي قبل بِدْء خطاب له أمام حشد ضخم من ضباط الجيش والشرطة والقضاة والمحامين والأكاديميين والمثقفين والمسؤولين والمحافظين ؛ وبدأ بالبصق في وجوههم، فهل سيُقابــَـل باحتجاج أو تذمر أو عتاب؟ سترى الجميع يصفقون طالبين المزيد.
لقد هجر المصريون الكتاب والكلمة المقروءة ومصادر المعرفة، وكرهوا الحديث عن الثورات والغضب والاحتجاجات والدفاع عن كرامة الشعوب، وأبسط الإيمان التعاطف مع المحرومين من حرياتهم!
مصر تمر الآن بمرحلة لذة العبودية، ومتعة الخضوع، والتخدير من مذاهب الصوفية، ومشاعر الخيلاء الفارغة التي تحملها قبضة عبد الفتاح واسرته في تحيا مصر!
مصر تعيش على أمجاد الماضي بالتسوّل لخنوع أجيال قادمة ستسدد قروضا .. بنىَ بها هذا القزم الغير متعلم مشروعات مثقوبة جيوبها ليأكل الفاسدون.
مصر أعطت ظهرها للسيسى يكربجه كيفما يشاء، فالمثقفون وهم روح وصوت الأمة يبول أكثرهم على ملابسهم الداخلية إذا عرفوا أن ألسنتهم أو أقلامهم ستجلب عليهم نظرة غضب السيسى.

أعود إلى سؤالي وهو بداية الموضوع: كيف تمكن عهد القزم السيسي من تجميع قطعان النعاج في الإعلام، وهشّ عليها بعصاه فإذا هي تخر أو تبرك على الأرض قبل أن يلمسها لسانه او نظرة من عينية العوجاء.
بينما اتجول فى شوارع القاهرة أكتب كلمات الغضب تلك كأنني أتجول بين القبور، فلن يسمعني أحد، ولا يذرف الموتىَ دمعة حزن واحدة، والقراءة أضحت آخر اهتمامات المصريين.
من يظن أنه أكثر مني حزنا على مصر وشعبها الذليل فاليصيح بسبب إلى السماء، ثم ليقطع فالمصريون صامتون خانعون، ومن في القبور أكثر منهم ضجيجا واحتجاجا وغضبا!
يكره مصر كراهية شديدة، ويبغض شعبها، ويحتقر فقراءَها فيفرّغ جيوبهم، ويتلذذ بتعذيب أبنائهم الشباب في معتقلاته وبدون محاكمة، ويحكمهم بقوانين الطواريء، ويبيع أرضَهم وجُزرَهم، ويفرط في ثرواتهم، ويهمل التعليم، ويجعل العلاج والدواء شبه مستحيل، وينزل بمصر إلى المستنقع، ويُصغّر القيادة في كل المؤتمرات، ويتحالف مع من يدفع أكثر، ويصنع ثقافة التسوّل، ويختار أجهل المصريين في مؤسسات الدولة، ويتبنى أحقر وأقذر وأحط الإعلاميين فهم خط الدفاع عنه، ويرفض مصارحة الشعب بمعارك الإرهاب في سيناء لئلا يعرف الناس خسائر مصر، ولا يكترث للسياحة، ويزدري المثقفين، ويُنزل الرعب في قلوب أصحاب القلم، ويجعل المغيـَّـبين الجهلاء من رجال الدين في الصفوف الأولى، وهو لا يستطيع تركيب جملة واحدة سليمة، ويُعادي الكتاب، ويعطي ابطال وزارة الداخلية الجبناء مساحة من حرية اضطهاد الشعب المصرى رجاله ونساءه كما لم يفعل ديكتاتور من قبل، ومريض نفسي في جدول بين السادية والمسكنة، ويرفع من شأن القضاة الفاسدين، ويجعل الدولة في قبضة اللواءات اصحاب الكروش المنتفخة،
السيسي هدية ابليس لإسرائيل ولكل جيران مصر الطامعين في حدودها وثرواتها ومياهها وجُزُرها.
لم يكره حاكم مصري شعبه منذ عهد الفراعنة كما يفعل السيسي الفقير الى الثقافة والتعليم.
أعترف بأنه نجح بفضل قلوبنا المرتعدة والهشة، وخوفنا على لقمة العيش، وعدم اكتراثنا لمستقبل مظلم مدين بعشرات المليارات نورثها أحفادنا.
أعترف بأن الصمت كُفر بالله وبالوطن وبأهلنا!
الكلمة المكتوبة التي أنزلها الله على ألسنة المؤمنين والمثقفين والعلماء وهي خلاصة آلاف السنين من حضارة المصريين أصبحت نفايات يتلفظها الوصوليون والجبناء.
السيسي يذبح وطنا والشعب يصفق لعملية الذبح!
المصريون لم يعودوا قادرين على الدفاع عن فلذات أكبادهم أو آبائهم أو معلميهم أو زملائهم أو جيرانهم فالشيطان فى كل مكان في القصر والمحكمة والبرلمان والمسجد والكنيسة والمدرسة والجامعة والشارع ويمكنك ان تجده تحت سريرك فى غرفة نومك!
استحلفكم بالله أن تغضبوا هذه المرة فربما يكون لنا مكان بين البشر .

إن كل من يحاول الآن ايجاد مبرر أو الدفاع الضمني عن مصاص الدماء الدموي المتخلف أو التعلل بحجة عدم وجود بديل أو الخوف من المستقبل المجهول هو شريك معه في كل جرائمه.
ولماذا لا تتم دعوة العاطلين عن العمل لمظاهرة احتجاج في ميدان التحرير، وهم إثنا عشر مليون لن يخسروا شيئا، ولو حضر منهم خمسون ألفا فإن السيسى سيلوذ بالفرار مع زوجته وبصحبه ابناءه وما سَهَلَ حَمْلُه من كنوز الوطن؟
ولماذا لا تتم الدعوة للفقراء وغير القادرين على العلاج والدواء، وهؤلاء لو اجتمع منهم عشرة بالمئة في ميدان التحرير لما أمكن لكل رجال أمن السيسى الورقى أن يتحركوا من مواقعهم شبرا واحدا؟
هل سمعت عن مصري واحد لم تكمم فاه تلك العادةُ، فرأى المشهدَ المصري من الخارج ثم في الداخل، ثم من الخارج مرة أخرى؟
إن تكن رأيتَه فقد يصف لك أكثر مَشاهد أم الدنيا في عصرها الحديث حزنا وكَمَدا وأسفا لأن عهد السيسى الخسيسى قام بحرب ناجحة على كل الجبهات ضد أرض وشعب مصر، فاستدعي قيَّماً خسيسة، وجعل التسول والفهلوة أمورا يجب ان تكون عادية، وقَرّبَ إليه لصوصا ومحتالين ونصّابين، وترك الكيف والمخدرات تتسلل إلى المدارس والجامعات وتُخرج للطالب لسانَها من دفتر المحاضرات.
كره المصريون الكتابَ والثقافةَ والعلومَ الانسانيةَ، وأدخلهم عهدُ السيسى في دائرة الاستغلال المتوالي، أيّ تسمح لسائق التاكسي أن يستغفلك، ويذهب هو لطبيب الأسنان فيفرّغ جيبه من يوميته ولا مانع من تخدير موضعي في الفم ملوث بفيروس، ويحتال المُدَرّس الخصوصي على جيب طبيب الأسنان، ولكن المُدَرّسَ الخصوصي يقف خارج غرفة العمليات في المستشفى في انتظار خروج ابنته، ولا يعرف أن استنزافه ماديا ومعنويا قد بدأ، وهكذا تستمر الحياة فى مصر.
دائرة لا تنتهي صَنَعَها رجلٌ، ثم أكملها نظامٌ، وهي أشرس حرب في تاريخ مصر يشنها حاكمٌ ضد مواطنيه، لأنه عبث بكل أزرار النفس، حتى الأخلاق الدينية قام بتسطيحها فاغفلت الرسالاتِ السماويةَ لتضع مكانها قشورا تحيط بالنفس التي تم تخريبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى