منوعات

تحولات مزلزلة.. نهاية المكاتب كما نعرفها وانقلاب على المساحات المفتوحة

إذا عدت إلى مكتبك بعد نهاية جائحة فيروس كورونا الجديد، فحينها ستلحظ على الأرجح بعض التغييرات التي ستشكل نهاية المكاتب كما نعرفها.

فبمجرد دخولك إلى المبنى،
ربما تفتح الأبواب تلقائياً، حتى لا تضطر إلى لمس المقابض. وقبل أن تدخل المصعد،
ربما ستخبر المصعد بالطابق الذي تريده بدلاً من الضغط على الأزرار الكثيرة
الموجودة داخله. وحين تصل إلى طابقك، يمكن أن تدخل غرفةً مليئة بالفواصل والمكاتب
المتباعدة، بدلاً من مخططات المكاتب المكشوفة المكتظة التي اعتدتها. وفي المناطق
المشتركة، مثل قاعات الاجتماعات والمطابخ، توقع أن ترى عدداً أقل من الكراسي
وتوثيقاً لآخر مرة جرى خلالها تنظيف المكان.

هذا كله طبعاً بافتراض أنك
ستعود إلى مكتبك القديم مستقبلاً. فنظراً لتأثير فيروس كورونا الكبير على الاقتصاد
والقوى العاملة؛ قد لا يمتلك البعض وظائف حتى يعودوا إليها!

بينما سيواصل بعض من احتفظوا
بوظائفهم حتى الآن العمل من المنزل بشكلٍ دائم، سيختار بعض أصحاب الأعمال تقليص
عقود إيجارهم أو البحث عن مساحات مكتبية أكثر مرونة بدلاً من عقود الإيجار
الطويلة. 

وبحسب ما نشره موقع Vox، ربما لن تعود مساحات العمل المشترك كما كانت في الماضي، بالتزامن
مع تخليها عن الطاولات والمساحات المشتركة، من أجل مناطق خاصةٍ أكثر صحية وأقل
ربحية.

وعديد من هذه التعديلات على تصميم المكتب هي في الواقع مجرد تسارع للاتجاهات التي تبنتها العقارات، وهي اتجاهات ظهرت قبل الجائحة بوقتٍ طويل. ولكن كما تحولت السياسات المتعلقة بالخدمات الصحية عن بعد، فسوف تجبرنا أزمة فيروس الكورونا أو كوفيد-19 على إدخال تغييرات سريعة ودائمة على العقارات التجارية وثقافة العمل نفسه. ولن تعود المكاتب كما نعرفها إلى سابق عهدها على الإطلاق.

بحسب تقريرٍ جديد أصدره معهد
ماساتشوستس للتكنولوجيا، فإن 34% من الأشخاص يستطيعون العمل من المنزل.

وتمثل هذه الأرقام الجديدة
تحولاً مزلزلاً في ثقافة العمل. فقبل الجائحة، ظلت نسبة الأشخاص الذين يعملون من
المنزل بانتظام لنصف الوقت على الأقل ثابتةً عند نحو 4% من إجمالي القوى العاملة
الأمريكية. 

ورغم ذلك، فإن اتجاه العمل من
المنزل هذا اكتسب زخماً تدريجياً في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع استيعاب
التكنولوجيا وثقافات الشركات لهذا الاتجاه. 

لذا فمن المرجح أن كثيراً ممن
يعملون من المنزل الآن لأول مرة، سيواصلون فعل ذلك بعد انحسار الجائحة.

وتنبأت رئيسة شركة Global
Workplace Analytics الاستشارية كيت ليستر والتي تجري حالياً استبياناً حول المشاركة
في العمل من المنزل، بأن 30% من الأشخاص سيعملون من المنزل عدة أيام في الأسبوع
بغضون بضع سنوات. 

وأضافت أن هناك طلباً مكبوتاً
من الموظفين للحصول على مرونةٍ أكبر بين العمل والحياة، وأن فيروس كورونا جعل
أصحاب الأعمال يبصرون النور بعد أن باتوا هم أنفسهم مضطرين إلى العمل من المنزل.

ولكن الأمر أكبر من رغبات
أصحاب الأعمال والموظفين بالطبع. إذ إن الأثر الاقتصادي للجائحة سيجبر كثيراً من
أصحاب الأعمال على خفض النفقات. 

ولا شك في أن خفض الشركات
لالتزامات الإيجار عن طريق السماح للموظفين بالعمل من المنزل يمثل حلاً سهلاً، وهو
الحل الأخف وطأةً من تسريحهم.

علاوةً على ذلك، فإن ضرورة
العمل من المنزل التي فرضتها الجائحة دفعت عديداً من أصحاب الأعمال والموظفين إلى
إنفاق المال على شراء التكنولوجيا الجديدة، مثل اشتراكات مؤتمرات الفيديو والمعدات
الجديدة.

العمل من المنزل طوال الوقت
لا يناسب الجميع، إذ سيرغب كثيرون في العودة إلى مكاتبهم. ولكن في ظل استمرار
الأزمة الصحية، سيتعين تعديل المساحات المكتبية على الأرجح، حتى يشعر الناس
بالأمان في أثناء وجودهم فيها. 

وهذا يعني الانقلاب على
المكاتب المفتوحة.

وطوال سنوات، تراجع مقدار
الخصوصية للموظفين بالتزامن مع تبني الشركات مخططات المكاتب المفتوحة الموجودة في
كل مكان والمكروهة عادةً. 

وفعلياً، هذا يعني مساحات
مكتبية رائعة المظهر تستطيع داخلها رؤية زملائك، ولكن من دون فصلٍ بين جراثيمك
وجراثيمهم. 

وقبل المكاتب المفتوحة، كانت
المكاتب تحتوي على مكاتب مغلقة، أو على الأقل مقصورات تقسم المساحات الأكبر وتمنح
الموظفين مظهر الخصوصية.

في أعقاب الركود الاقتصادي
الأخير، كانت الشركات تحاول إنجاز الأعمال على مساحةٍ أصغر، أي تكديس مزيد من
الناس داخل المساحات المكتبية المفتوحة، وهي الممارسة التي تعرف باسم
“التكثيف”.

وقالت جانيت بوغو ماكلورين:
“لكن ممارسة التكثيف ستتلقى ضربةً قوية. وسنتحول إلى السؤال التالي: كيف ننهي
التكثيف لنخلق التباعد الجسدي الذي يجب أن نطبقه الآن؟”.

وهذا قد يعني مزيداً من
المساحات الخاصة والمكاتب الشخصية للأفراد. 

وبدلاً من تصميم المكاتب
ليواجه بعضها بعضاً، أو يكون بعضها بجوار بعض، ربما نجلس الآن وراء ظهور زملائنا
مع وجود مسافةٍ فاصلة أكبر. 

وربما تحتوي قاعات المؤتمرات التي تتسع لـ10 أفراد عادةً على 5 كراسي فقط. كما نتوقع مساحات أكبر وخيارات جلوس أقل في المناطق المشتركة مثل المطبخ.

وربما يكون الأمر الأكثر
أهمية، رغم قلة وضوحه، هو تنظيف المكاتب. 

وتعمل الرابطة الدولية لإدارة
المرافق حالياً بالتعاون مع المنظمات الأخرى، المتخصصة في التنظيف والتهوية وغيرها
من المجالات، من أجل وضع إرشادات وبروتوكولات لمشغلي المباني حول العالم.

ويمكن أن يشمل هذا الجهد كل
شيء، بدءاً من أنظمة تنقية الهواء عالية الجودة وصولاً إلى المنظفات الأكثر قوة. 

وسيتعين علينا التعامل مع
الأسطح كافة -وضمن ذلك مقابض الأبواب، ومفاتيح الإضاءة، وأسطح المناضد، وأزرار
آلات التصوير، والأجهزة السمعية-البصرية، وماكينات صنع القهوة، وغيرها. 

وترى كريستين كافاتيو،
الرئيسة التنفيذية لشركة Cuningham Group المعمارية، أن التحول قد يشمل إضافة أشياء
مثل التركيبات النحاسية، والنسيج الذي يحتفظ بعددٍ أقل من الجراثيم ليسهل تنظيفه،
ومساحة أكبر في المطابخ والحمامات، علاوةً على الاهتمام بمدى تناثر السوائل. 

كما يمكن أن تستخدم بعض
الشركات الإضاءة فوق البنفسجية لتطهير المكاتب ليلاً وقاعات الاجتماعات بعد كل
اجتماع، وهي الممارسة الشائعة بدرجةٍ متزايدة في المستشفيات.

وقد يتم اللجوء إلى تكنولوجيا
الصوت أكثر؛ فتقنيات مثل Amazon Alexa for Business (أمازون أليكسا للشركات)
تنهي الحاجة إلى ضغط الأزرار باليد أو لمس الأسطح داخل المكتب. 

وأوضح بريت كينسيلا، المؤسس
والرئيس التنفيذي في شركة Voicebot.ai للإعلام الصوتي: “توجد تكنولوجيا الصوت
في المستودعات اليوم، ولكن يندر استخدامها بالمكاتب. وهذا سيتغير بكل تأكيد”.

ومن الحتمي أن تكون الوسيلة
الأكثر منطقية لمنع انتشار الجراثيم داخل المكتب تأتي على الأرجح عن طريق تقليل
أعداد الأشخاص الذين يسمح لهم باستخدام المكتب في الوقت ذاته. 

وبدلاً من السماح للجميع
بالعمل داخل المكتب من التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، ربما سترغب الشركات في
تقسيم الدوامات لتخفيف الازدحام. وستكون العملية الأولية لإعادة الموظفين إلى
العمل صعبةً في البداية على أقل تقدير.

هناك اتجاهان متداخلان
سيؤثران على ما إذا كان فيروس كورونا سيؤدي إلى انخفاضٍ واضح في الطلب على
المساحات المكتبية أم لا.

أولهما أن قلة الموظفين الذين
يذهبون إلى المكتب، نتيجة تسريح العاملين أو زيادة العمل من المنزل، قد تعني تقليل
الحاجة إلى المساحات المكتبية.

والاتجاه الثاني هو
بروتوكولات الأمان التي تتطلب وجود مسافةٍ فاصلة بين الناس لا تقل عن 1.8 متر، مما
قد يضر أكثر بالطلب على المساحات المكتبية، حتى لا يتكدس العاملون هناك بالدرجة
نفسها المعتادة في السابق.

وبغض النظر عن التغيير الذي
سيطرأ على الطلب بزيادة أو نقصان الأمتار المربعة، فإن فيروس كورونا سيؤثر على
الأرجح في نوعية المساحات التي يبحث عنها الناس. 

فمثلاً، من المنتظر أن تكون
المساحات الخاصة -التي تحد من انتشار الجراثيم- أكثر شعبية. وفي حين ستحتفظ قاعات
الاجتماعات بأهميتها، ستدرس الشركات على الأرجح أنواعاً أخرى من قاعات الاجتماعات
(أو حتى ما إذا كان ضرورياً عقد الاجتماع بصفةٍ شخصية من الأساس). 

لذا بالنسبة لمن سيعودون إلى
وظائفهم المكتبية في أعقاب فيروس كورونا، فإن المكتب سيبدو مختلفاً دون شك،
وملائماً لمستقبلٍ مختلف. ونأمل أن يعني ذلك كونها أكثر أماناً في الوقت ذاته.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى