تقارير وملفات إضافية

ترامب قال صراحة إنه يريد نفط سوريا، لكن الواقع يقول إن الروس سيحصلون عليه

في 7 فبراير/شباط 2018، في
أثناء حراسة الميليشيات السورية بقيادة الأكراد، تدعمها قوات العمليات الخاصة
الأمريكية، بمنشأة تابعة لشركة Conoco الأمريكية في حقل غاز طبيعي استعادوه من تنظيم الدولة الإسلامية
«داعش»، شاهدت جنوداً عدائيين يحتشدون استعداداً لمعركة ضارية. لكنهم لم
يكونوا عناصر «داعش»، بل جنود نظام الأسد يدعمهم مرتزقة روس. 

ومع بدء القتال، حاصرت المدفعية والدبابات السورية مواقع الأكراد
والأمريكيين؛ مما اضطر هؤلاء الأخيرين لاستدعاء قوة جوية كاسحة. وأمر وزير الدفاع
الأمريكي وقتها جيمس ماتيس بإبادة القوة المعادية، مثلما كشف لاحقاً أمام مجلس
الشيوخ، مضيفاً: «وقد كان». إذ أسفرت هذه المعركة عن قتل 300 من
المهاجمين. وعلى أية حال، انسحبوا ولم يعودوا مرة أخرى، بحسب تقرير لموقع The Daily Beast الأمريكي.

لكن كانت هذه طبيعة الوضع سابقاً، أما اليوم فيتمثل المنطق الواضح
لسياسة إدارة ترامب في إيجاد وسيلة لجعل السوريين والروس يدفعون ثمن حقول النفط
والغاز هذه، ليس بالدم بل بالمال.

منذ وقتٍ طويل، عندما كان دونالد ترامب معروفاً بأنه صاحب كازينو
فاشل ونجم ناشئ في برامج تلفزيون الواقع، تفتّق ذهنه عن فكرة اعتَقَدَ أنها رائعة،
إذا كانت الولايات المتحدة سترسل قوات إلى العراق لإطاحة صدام حسين، فعليها على
الأقل التربح من ذلك. وفي حديث مُشتَّت، في مؤتمر صحفي عُقِد الأحد، 27
أكتوبر/تشرين الأول، عقب الإعلان المهم عن مقتل مُؤسِّس تنظيم «داعش»،
دافع الرئيس ترامب بلهفة إيجابية عن موضوع النفط.

ومستغرقاً في ذكرياته قال ترامب: «إذا قرأت عن
تاريخ دونالد ترامب فستعرف أنني مدني. لم يكن لي أي شأن على الإطلاق بالذهاب إلى
العراق، وكنت ضده تماماً، لكنني اعتدت القول إنهم إذا كانوا سيذهبون إلى هناك… لم
يهتم أحد بما يكفي، ولكن كُتِبَت مقالات عنه، وأنا متأكد من أنكم سمعتم هذه
التصريحات لأنني قلتها أكثر من أي إنسان على وجه الأرض… إذا كانوا سيذهبون إلى
العراق، فليحتفظوا بالنفط، لكن لم يفعلوا ذلك قط، لم يفعلوه قط».

لا يمكن لأي شخص استمعَ إلى كلمة ترامب، يوم الأحد،
أن يغفل عن نوايا الرئيس وخططه، وتحديداً مع إعادة القوات الأمريكية إلى سوريا بعد
أن أمر بانسحابها من هناك في وقت سابق من هذا الشهر، للحفاظ على السيطرة على
العديد من حقول النفط والغاز. فصحيح أنَّ الشرق الأوسط مليء بـ «الرمال
الملطخة بالدماء»، على حد تعبير ترامب، الأسبوع الماضي، لكن هذه الرمال
مغمورة بالنفط أيضاً. ويعتقد ترامب أنه يستطيع من خلال الاحتفاظ بهذه الحقول تحقيق
أرباح، أو على الأقل تمكين إدارته التي تحمل شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مرة
أخرى» من التربح منها.

وبالنسبة لأية حكومة معنية بسيادة القانون، فإنَّ
هذا النوع من العمل غير مقبول، إذ انفجر الجنرال المتقاعد باري مكافري غاضباً على
«تويتر»: «ما الذي أصبحنا عليه… قراصنة؟ إذا هُزِم تنظيم داعش
فإننا نفتقر إلى السلطة التشريعية للبقاء، النفط ملك لسوريا».

من جانبها، قالت ماري إلين أوكونيل، أستاذة القانون
الدولي بجامعة نوتردام الأمريكية ومستشارة قانونية سابقة لشركات نفطية، إنَّ إقامة
الولايات المتحدة حاميات حول حقول النفط في شمال شرقي سوريا «هو ذروة سياسة
خارجة عن القانون، تشمل ترك الباب مفتوحاً أمام عنف مطلق في الشؤون الدولية».

ومنذ يومها، أو تحديداً منذ كلمة ترامب، يسعى وزير
الدفاع الأمريكي مارك إسبر، ورئيس هيئة الأركان الأمريكية الجنرال مارك ميلي،
وآخرون، للتركيز على بعض الأسباب التكميلية لتلك التي اقترحها ترامب للاحتفاظ
بالحقول، وهي أسباب وإن كانت غير قانونية، إلا أنها تتسم بنفس القدر من الفجاجة،
ولا تعبر تعبيراً صارخاً عن الرغبة في التربح من هذه الحقول.

أولاً، منع «داعش» من استعادة المنشآت
النفطية التي احتفظ بها منذ عام 2014 إلى عام 2017، واستخدمها لتمويل عملياته
الضخمة. (وربما يتساءل المراقبون حادو الذكاء: إذا هُزِم تنظيم «داعش»
تماماً كما زعم ترامب منذ شهور، فلماذا هناك مخاوف الآن بشأن شحذ التنظيم قواه
لاستعادة حقول النفط والغاز والاحتفاظ بها؟).

ثانياً، تهدف سياسة حماية النفط إلى مساعدة قوات سوريا الديمقراطية
بقيادة الأكراد، إذ خانهم ترامب في وقت سابق من هذا الشهر في مكالمة هاتفية غير
مدروسة، عندما أعطى الضوء الأخضر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدخول المناطق ذات
الأغلبية الكردية في سوريا بالقرب من الحدود التركية. وأسفر ذلك عن تبنّي سياسة
مترددة بالتراجع عن سحب القوات المترددة وبذل ترامب جهوداً عشوائية لانتزاع
«فوز» من هذا الوضع الفوضوي، الذي نتج بالأساس عن قراره المتعجل. ووفقاً
لوزير الدفاع الأمريكي، يمكن للأكراد استخدام الأموال من حقول النفط والغاز «لتأمين
معسكرات اعتقال داعش، والقيام بعمليات ضدهم من بين أمور أخرى».

لكن لم يكن هذا ما ينتويه ترامب حقيقةً من حديثه في
المؤتمر الصحفي، الأحد، بل ما كان يفكر فيه هو: «دعونا نعقد صفقة»، وهذا
هو ما قاله فعلاً.  

وبحسب الموقع الأمريكي فإنه من الأفضل أن نترك ترامب
هو يتحدث عن نفسه. إذ قال للصحفيين: «كما تعرفون، النفط ذو قيمة كبيرة لأسباب
عديدة. أولاً، شكَّل مصدر تمويل لداعش. وثانياً، سيساعد الأكراد؛ لأنَّ الحقول
أُخِذَت في الأساس منهم، إذ يعتاشون من هذا النفط. وثالثاً، يمكن أن يساعدنا لأنه
ينبغي لنا أن نتمكن من الحصول على بعض النفط أيضاً. وما أعتزم فعله على الأرجح هو
عقد صفقة مع شركة ExxonMobil، أو إحدى كبرى شركاتنا للذهاب إلى هناك وإتمام المهمة مثلما يجب.
والنفط المتاح حالياً ليس كثيراً؛ فالحقول الغنية بالنفط لا تزال لم يُنقَّب عنها،
لكن الموجودة فوق الأرض حالياً لا تحتوي على الكثير من النفط. غالبية المعدات
(النفطية) أطلق عليها النيران ودُمرَت. وشهدت حروباً كثيرة… (لكن ستتمكن شركاتنا
من الذهاب هناك) والتوسع في (تلك) الثروة، لكن لا، نحن نحمي النفط، نحن نؤمِّن
النفط، وهذا لا يمنع أن نبرم صفقة في مرحلة ما».

وفي هذا الصدد، أشارت البروفيسورة ماري إلين إلى أنه
لا يوجد أي أساس قانوني يسمح للولايات المتحدة باستخراج النفط أو بيعه دون موافقة
صريحة من حكومة الأسد. وقالت: «لا يمكن أن يحدث ذلك إلا بموافقة رسمية،
وباتفاق مع الأسد». وبالنسبة للقوات الأمريكية، التي كانت مشروعية عملياتها
في سوريا منذ عام 2014 محلاً للشك، فيُرجح أن تستلزم مواصلة عملها هناك اتفاقية
قاعدية رسمية، وهو ما لن يحدث.

وقالت ماري: «إن كانت لديّ أية نصيحة أوجهها
لشركة Exxon، فهي أن تبتعد عن هذه المنطقة المضطربة والعنيفة». وحذرت من
أنَّ العقود التي وقعتها الشركات الأمريكية بشأن النفط السوري قد «تضر
بسمعتها».

لذا، ففي الوقت الذي تخيم فيه القوات الأمريكية
وحلفاؤها الأكراد في الصحراء، نشرت الولايات المتحدة ما سماه وزير الدفاع إسبر
وحدات آلية، المتمثلة على الأرجح في مركبات مدرعة مضادة للكمائن والألغام (MRAPs)، وعربات القتال المدرعة
من طراز «سترايكر» خفيفة التسليح وسريعة الحركة، على أن تدعمها قوة جوية
أمريكية. ولا تزال ذكرى المعركة مع الروس ونظام الأسد، التي اندلعت في فبراير/شباط
2018، حاضرة في أذهان الجنود الأمريكيين بقوة تكفي لجعلهم يرغبون في تفادي
تكرارها.

وفي هذه الأثناء، صرَّح مسؤولون أمريكيون مطلعون،
لموقع The Daily Beast الأمريكي، بأنَّ جميع النشاطات الأمريكية بالقرب من حقول النفط
ستكون بمثابة «فض اشتباك» مع حكومة الأسد، ليس من خلال الاتصالات
المباشرة معهم، لكن بوساطة روسية.

وعندما تحدث وزير الدفاع إسبر والجنرال ميلي إلى
الصحفيين، يوم الإثنين 28 أكتوبر/تشرين الأول، سألتهم باربرا ستار، من شبكة CNN، صراحةً، عمّا إذا كان
جزءٌ من مهمة القوات الأمريكية في حقول النفط والغاز التابعة لشركة Conoco هي حمايتها من القوات
الروسية والسورية. حاول كل من الوزير والجنرال تجنب الإجابة عن السؤال، لكن في
نهاية المطاف قال إسبر: «الإجابة المختصرة هي نعم. أما الأساس المنطقي فهو
حماية مصدر دخل الأكراد؛ لضمان استمرار عمل سجون اعتقال عناصر داعش».

أو على الأقل لحين التوصل لاتفاقية أفضل.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى