الأرشيفتقارير وملفات

“ترامب” وإدارته اليمنية المتطرفة..قطار يتأهب لدهس ثورات الربيع العربي

برغم وصف بعض المراقبين للاحتجاجات الشعبية في الشارع الأمريكي بأنها تؤشر على بوادر “ربيع أمريكي” إلا أنه محدود التأُثير ولن يؤدي إلى حالة من الانفجار، وبخاصة في ظل قيام ترامب بخطوات للوراء لتهدئة الشارع، وبينما تستمر التظاهرات، تجري بوتيرة متسارعة عملية اختيار الإدارة الأمريكية الجديدة والتي تأتي بعناصر تصنف بأنها الأكثر تشددا، والتي تستهدف القضاء على ما تبقى من ثورات الربيع العربي، وتعلن العداء للإسلاميين والتيارات الإسلامية المعتدلة، بينما يقود واشنطن في المستقبل القريب في يناير القادم تيارات يمنية متطرفة، لم يؤثر فيها احتجاجات الشارع، وبالتالي الربيع الأمريكي الناشيء ضد  ترامب من الصعب أن يحدث تغييرات هيكلية في اختيارات ترامب لإدارته الجديدة أو لسياساته العدائية للثورات العربية والإسلاميين فيها، بل بدأ مبكرا في التنسيق لوأدها وتحجميها.

ترامب

احتجاجات شعبية

برغم وجود احتجاجات شعبية ضد ترامب إلا أن مراقبين يؤكدون أنها من الصعب أن تغير في بناء وهيكلة الإدارة الأمريكية الجديدة الجاري تشكيلها دون أي اهتمام بتظاهرات الشارع.

فقد بدأ ترامب إعداد فريقه الإداري، ويرجح أنهم يمثلون اليمين المتشدد، بينما تتصاعد التظاهرات ضد ترامب في الشارع، حيث نزل آلاف المتظاهرين إلى الشوارع في مدن بمختلف أنحاء الولايات المتحدة وهم يرددون هتافات من بينها “ليس رئيسي”، السبت، للاحتجاج على الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترامب الذي يقولون إنه يهدد حقوقهم المدنية والإنسانية.

وانطلقت أكبر المسيرات في مدن نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو، حيث قال المنظمون إنهم يريدون الحفاظ على الزخم الذي ولدته عدة ليال من الاحتجاجات بعد الفوز المفاجئ لرجل الأعمال الشهير قطب قطاع العقارات، الثلاثاء الماضي.

ومساء السبت، اعتقلت الشرطة 19 شخصا في بورتلاند بولاية أوريغون، التي أصيب فيها متظاهر بطلق ناري في وقت مبكر من السبت.وفي نيويورك، شارك عدة آلاف من المتظاهرين في مسيرة سلمية في شارع “فيفث أفنيو” التجاري، مرورا بواجهات العرض الراقية التي بدأ بعضها في وضع زينة الاحتفال بأعياد الميلاد قبل أن يملأوا الشوارع المجاورة لبرج ترامب، وهي ناطحة سحاب فيها منزل الرئيس المنتخب.

وتسببت إصابة متظاهر في بورتلاند بطلق ناري لم يهدد حياته، السبت، لدى مشاركته في مسيرة عبر جسر موريسون في تنامي المخاوف من اندلاع العنف في المظاهرات، بينما فر المسلح الشاب من موقع الحادث عقب إطلاق النار.

وقالت الشرطة في بورتلاند، إن أربعة أشخاص اعتقلوا في ما يتعلق بالواقعة، ويعتقد أن لهم صلات بعصابات إجرامية.وفي مساء السبت، قالت الشرطة إن بعض المتظاهرين قذفوا زجاجات وهاجموا فريقا لتصوير فيلم. وبدأت الشرطة باعتقال بعض المحتجين عندما رفضوا التفرق.

ومنذ فوز ترامب، أدان المتظاهرون في عدة مدن تعهداته خلال الحملة الانتخابية بتقييد الهجرة وتسجيل المسلمين إضافة إلى اتهامات وجهت إلى نجم تلفزيون الواقع السابق بالتحرش الجنسي بنساء.واعتقل العشرات من المتظاهرين وأصيب عدد قليل من أفراد الشرطة.

واتسمت المظاهرات منذ إعلان نتيجة الانتخابات بالارتجال، ثم نظمت سريعا فيما يتوقع أن تتضخم احتجاجات عطلة نهاية الأسبوع في الولايات المتحدة.وأدان ترامب في البداية الاحتجاجات، وقال إن وسائل الإعلام “حرضت” عليها، لكنه أشاد فيما بعد بالمتظاهرين بسبب “حماستهم لبلدنا العظيم”.

وكانت قد صدمت نتيجة الانتخابات الكثير من الناخبين بعدما توقعت أغلب استطلاعات الرأي فوز منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.

تشكيل الحكومة الجديدة

في مؤشر على قدوم ترامب وإدارته الجديدة برغم الاحتجاجات، ترامب بالفعل يبحث تشكيلته الحكومية وخططه وسط تظاهرات ضده، مع تقديم بعض خطوات بسيطة لتهدئة الشارع وليست جوهرية، فقد بدا الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، أكثر مرونة في مواقفه في اليوم الثاني من استشاراته لتشكيل الحكومة، وسط تواصل التظاهرات ضده في نهاية الأسبوع.

ويحاول ترامب التخفيف من حدة مواقفه في مقابلات صحفية أثناء مشاوراته لتشكيل إدارته، معلنا إمكانية “تعديل” قانون “أوباماكير” للتأمين الصحي الصادر في 2010، بعد أن وعد بإلغائه أثناء الحملة.

فيما يشكل هذا الإعلان واحدة من مفاجآت عدة لدى ترامب، التي بدأت بإعلانه تعيين نائبه مايك بنس على رأس فريق انتقالي، مكلف باختيار أعضاء الإدارة المقبلة، يشمل ثلاثة من أبنائه، ومجموعة شخصيات من الطبقة التقليدية في واشنطن.وأتى هذا التغيير وسط استمرار التظاهرات المناهضة لترامب في شوارع مدن كثيرة لليلة الثالثة على التوالي، حيث عبر المشاركون عن الخوف من حدوث حملات قمع معادية للأجانب أثناء ولايته.

ويعمل ترامب منذ الجمعة مع فريق حملته الانتخابية في مقر إقامته ومكاتبه في برج ترامب في الجادة الخامسة في نيويورك، لبحث المرحلة الانتقالية التي تسبق توليه السلطة في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل.

في مؤشر على إدارة أكثر تحيزا، عيّن ترامب في فريق عمله للمرحلة الانتقالية ثلاثة من أبنائه وصهره جاريد كوشنر، إلى جانب مجموعة من الشخصيات المعروفة من الطبقة السياسية التقليدية التي هاجمها بحدة أثناء الحملة، بينهم رئيس الحزب الجمهوري راينس برايبس، الذي أشارت التكهنات إلى إمكانية تعيينه كبيرا لموظفي البيت الأبيض.

مخاطر الإدارة اليمنية القادمة

لم تمنع الاحتجاجات بالشارع الأمريكي والتي وصفها البعض بـ”ربيع أمريكي” قطار تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة القادمة والتي تهدد في جوهرها ثورات الربيع العربي، وتنذر بإدارة أكثر شراسة في تاريخ الولايات المتحدة، ما جعل مراقبون يطالبون بضرورة تتبع الشخصيات القادمة في حكومة وإدارة ترامب، وبحث مدى خطورتها على الملفات العربية وملف الشرق الأوسط ومدى إمكانية الاستفادة منها أو تجنب كوارثها المحتملة.

من جهته، يرى الكاتب علي حسين باكير، أنه :”لابد أن نراقب وندرس جيدا الشخصيات التي سيختارها ترامب للعمل معه ضمن في فريق إدارته لا سيما في السياسة الخارجية والدفاع والأمن القومي. وبما أنّ الرجل لا يمتلك أي خبرات سياسية أو عسكرية حقيقية فمن الصحيح أن نفترض أنّ هذه الشخصيات ستؤثّر إلى حدّ كبير على قرارات ترامب في المسائل الحسّاسة.”

ستزيد الفوضى

ولفت باكير-في مقال له بعنوان “أجندة ترامب للشرق الأوسط: الفرص والتحديات” بـ”عربي 21 ” إلى أن:”معظم الأسماء المرشحة لهذه المناصب تنتمي إمّا الى معكسر المحافظين الجدد (القديم) أو إلى اليمين المتطرّف، والغالب على مواقف هؤلاء هو: العلاقة الحميمة جدا مع إسرائيل، الموقف المتشدد من إيران، والعداء للإسلام تحت شعار محاربة “الإرهاب”. هذه الثلاثية غير المستقرّة، تحملها معها تحديات وفرص عددية، لكنّها ستزيد على الأرجح من حالة الفوضى التي تعاني منها المنطقة ما لم يتم الانتباه جيدا إلى السياسات التي يتم تطبيقها.”

موقف سلبي من الإسلام

ونبه “باكير” إلى أنه إذا لم يغيّر ترامب من موقفه السلبي من الإسلام ويوازن العلاقة مع إسرائيل من خلال التركيز على حل عادل للقضية الفلسطينية، فإنّ إيران ستستغل هذا الموقف بالتحديد لتجييش الجماعات المتطرفة والشعوب الإسلامية وتعمل على الاستفادة منها لتحمي نفسها ولتزيد من مشاكل الولايات المتّحدة والدول الإقليمية، وهو سيناريو  طبّقته طهران بشكل ممتاز منذ العام 2003 تقريبا وحتى العام 2009.”

منظومة ترامب-الأسد-بوتين-السيسي

ورصد “باكير” أن “السلبيّة الأخرى لدى ترامب فتكمن في أنّه لا يمانع أبدا في الاستعانة بأنظمة مثل الأسد والسيسي وبوتين لمحاربة “داعش” و”القاعدة”. مثل هذا الأمر يعني العودة إلى المربّع الأول، لأنّه يعتبر تجاهلا لجذور المشكلة والأسباب الحقيقية التي أدت إلى ولادة داعش والقاعدة. إذا لم يتغيّر هذا الموقف، فسندخل في دوامة، وستكون الدول الإقليمية هي الخاسر الأكبر، وقد يصبح ترامب عرضة للابتزاز من قبل هذه الأنظمة، ومن يقبل عروضها في مكافحة الإرهاب فقد يقبل كذلك عروض النظام الإيراني كما فعل أوباما.”

تحالف ضد التيارات المعتدلة

الخطير أن “سياسات ترامب قد تدفع أيضا بعض الحلفاء في المنطقة لأن يصطدموا مع بعضهم البعض، أو أن تلغي جهود بعضهم جهود البعض الآخر لا سيما في منطقة الخليج العربي. من الخطر بمكان إذا ما قرر ترامب أن يحارب الجماعات الإسلاميّة التي لا تنتهج العنف أن تنضم إليه بعض دول الخليج، فهذه سياسة عقيمة وسبق وأن تمّ اختبارها أواخر عهد الملك السعودي الراحل عبدالله وأدّت إلى كوارث لا نزال نعاني من تداعياتها حتى اليوم.” بحسب “باكير”.

الحرب على الإخوان المسلمين

تتجه إدارة ترامب إلى شن حرب ضد الإخوان المسلمين العمود الفقري بثورات الربيع العربي، ففي أول تصريح له عقب فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية، قال مستشاره وليد فارس، الأربعاء، إن ترامب سيمرر مشروع اعتبار الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية”.

ونقلت صحيفة “اليوم السابع” عن فارس قوله إن المشروع ظل معلقا داخل الكونغرس لعدة أعوام بسبب عدم تصديق البيت الأبيض عليه، “نظرا لأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان يدعمهم”.

وأضاف فارس، مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط أن “الرئيس الأمريكي الجديد يعتبر جماعة الإخوان من “أخطر الجماعات التي تغذي الفكر الإسلامي الجهادي المتطرف، لذا فهو يسعى لتوجيه ضربة عسكرية للتنظيم الإخواني وليس احتواؤه سياسيا مثلما فعل أوباما وهيلاري كلينتون”.

ضد الإسلاميين ومع الانقلابات والمستبدين

أعلن ترامب أثناء حملته دعمه للأنظمة المستبدة وعلى رأسها نظام السيسي، وكان متوقعا أن يكون الجنرال عبد الفتاح السيسي أول المهنئين، حيث يعادي ترامب كل الإسلاميين والتيارات الإسلامية وثورات الربيع العربي، وأعلن الحرب عليها بالتعاون مع أنظمة بعينها على رأسها السيسي مدشنا تحالف جديد يضم السيسي والأسد ونتنياهو وكل الأنظمة الداعمة للاستبداد ومحاربة الإسلاميين، فقد أعلن ترامب أمام حشد من مؤيديه في ولاية “أوهايو”، أنه سيتعاون مع السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني من أجل مكافحة الإرهاب، واصفا الرجلين بأنهما يتبعان سياسة واضحة رافضة لثقافة الموت التي تتبناها التنظيمات المتطرفة مثل “داعش”.

الربيع العربي “خطيئة كبرى”

في عداء واضح للربيع العربي، قال ترامب إن سماح واشنطن باندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011 كانت الخطيئة الكبرى لإدارة أوباما في الشرق الأوسط، مضيفا “أنه في عام 2009 كانت ليبيا مستقرة، وسوريا تحت السيطرة، ومصر كان يحكمها رئيس علماني حليف للولايات المتحدة، في إشارة إلى مبارك”.

هل يشبه الربيع الأمريكي الربيع العربي

برغم العداء الشديد لترامب للربيع العربي، إلا أن الاحتجاجات ضده قد تنذر ببوادر ربيع أمريكي ضد اليمين المتطرف، من جانبه الكاتب السعودي خالد الدخيل، تساءل في مقال له ” الثورة الأميركية: هل تشبه الربيع العربي؟” مشيرا إلى أنه :”نتيجة الانتخابات الأميركية ستفرض على الأرجح، تصادم الاجتماعي مع السياسي، أي تصادم تطلعات الطبقة العاملة في التغيير، ومعها الطبقة الوسطى، مع الحدود السياسية للرئيس الجديد باعتباره أولاً لا ينتمي لأي منهما، وثانياً لأنه اختار أن يدخل المعترك السياسي من خلال الحزب الجمهوري ومؤسسة الحكم التي يفترض أنها هدف الثورة. بدأت معالم الصدام الأولى بتراجع ترامب مباشرة بعد فوزه عن عدد من الوعود التي كان يرددها أثناء حملته الانتخابية مثل بناء جدار على الحدود مع المكسيك للحد من الهجرة، أو إلغاء برنامج الرعاية الصحية الذي يحسب للرئيس الحالي باراك أوباما، أو ترحيل المهاجرين المسلمين.”

مخارج تجنبه الانفجار

وأضاف “الدخيل” في مقال له بصحيفة الحياة اللندنية:”لن يمضي وقت طويل قبل أن يدرك الذين أوصلوا ترامب للبيت الأبيض بأنه انتهازي استغل إحباطهم من الواقع الاقتصادي لتحقيق أهدافه السياسية على حسابهم. السؤال هل تصل أميركا إلى حال نجحت فيها الطبقات في التعبير عن إحباطها، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها؟ وهل يجد الجميع عندها أنفسهم أمام حال انسداد بين طبقات متمردة، ونظام سياسي لا يستطيع الاستجابة بسهولة لتطلعاتها؟ لن تتحقق في الغالب نبوءة كارل ماركس بأن النظام الرأسمالي سيصل حتماً إلى مرحلة تنفجر عندها تناقضات هذا النظام من الداخل. فلدى هذا النظام الكثير من المرونة والآليات والمؤسسات التي توفر تنفيسات ومخارج عدة تجنبه الانفجار. مهما يكن فإننا أمام أميركا مختلفة عما استقرت عليه بعد الحرب العالمية الثانية، أميركا في حال تحول يميل نحو اليمين لكنه لم يستقر عليه بعد.

تشبه الثورة الأميركية الربيع العربي في شيء واحد، برأيه وهو أنها حتى الآن من دون قيادة فكرية أو سياسية. لكنها تختلف عنه في أنها ثورة طبقة بعينها، وفي أنها تتم في إطار سياسي يملك القدرة على الحوار والتفاوض معها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى