تقارير وملفات إضافية

تركيا وروسيا لا تريدان حفتر، ومصر تبحث عن بديل.. 3 سيناريوهات تحدد مصير ليبيا

تغيرت المعادلة بشكل كبير عقب التدخل التركي الصريح في ليبيا من خلال دعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً ضد ميليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من مصر والإمارات وروسيا، مما تسبب في خسارة حفتر الكثير من المواقع العسكرية لصالح القوات التابعة للوفاق في الغرب.

التدخل التركي في ليبيا منح أنقرة فرصة قوية ودوراً كبيراً في تشكيل المفاوضات للتوصل لحل للأزمة في ليبيا بعد سكوت دولي كبير على خروقات حفتر والانقلاب على المسار السياسي، لكن بعد الدور الكبير للطائرات المسيرة التركية تعالت الأصوات من قِبَل حلفاء حفتر إلى الجلوس على طاولة المفاوضات بعدما كانوا يرفضونها في السابق.

وبحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي، يتزايد الزخم المحيط بالجهود الدبلوماسية لجلب الأطراف المتناحرة في ليبيا، في ظل الانهيار السريع الذي يتعرض له الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في محيط العاصمة طرابلس في مواجهة التدخل التركي المكثف.

وكان فريق حفتر هو أول مَن تواصلت معه الممثلة الخاصة بالإنابة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا ستيفاني ويليامز، ضمن المحادثات بصيغة (5+5) المُتفَق عليها في برلين في يناير/كانون الثاني؛ مما دفع للتفاؤل بأنَّ المفاوضات قد تبدأ قريباً. ومع ذلك، فإنَّ الموجة الدبلوماسية بعيدة عن أن تكون متضافرة؛ مما يعقد السعي لتحقيق هدف مشترك. ففي كل جانب، هناك أنصار للمفاوضات وأنصار لاستمرار الصراع العسكري. وفي المعسكر الشرقي، اضطر حفتر، الذي تهرّب من المفاوضات لفترة طويلة، إلى الخضوع لموقف عقيلة صالح -رئيس برلمان طبرق- الذي يفضل العودة إلى المفاوضات، بعد انتكاسات قواته في ساحة المعركة. أما في معسكر طرابلس (حكومة الوفاق الوطني)، الذي تحول من المدافِع إلى المهاجِم، فأصبحت دعوات “القتال حتى النهاية” أعلى.

وفي مستهل التدخل التركي في نوفمبر/تشرين الثاني الذي غيَّر موازين القوى في ليبيا، أعطت أنقرة الأولوية لمنع سقوط طرابلس؛ ومن ثم حماية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقَّعتها مع حكومة الوفاق الوطني في ذلك الشهر. ومع ذلك، ظهرت رسالتان رئيسيتان من اجتماع سراج وأردوغان هما: رفض مشاركة حفتر في المفاوضات المرتقبة، والتصميم على الاستيلاء على جميع الأراضي التي يسيطر عليها.  

ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حفتر بأنه “انقلابي” يفتقر إلى “القدرة التمثيلية للجلوس على طاولة [المفاوضات]”. من جانبه، قال رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج: “سنواصل نضالنا حتى نقضي على هذا العدو بالكامل… على الرغم من بعض الضغوط للجلوس على طاولة المفاوضات مع مجرم الحرب هذا، فلن نسمح له أبداً بفرصة للتفاوض”.

وأشار الاثنان أيضاً إلى المكاسب الاقتصادية التي تحققت؛ مما عكس ثقتهما في الفوز بالحرب. وقال أردوغان إنَّ التعاون في مجال التنقيب والحفر سيستمر من أجل الاستفادة من الثروات الطبيعية في المياه قبالة سواحل ليبيا، بينما قال السراج إنَّ الشركات التركية ستكون موضع ترحيب في إعادة الإعمار في ليبيا بعد الحرب.

وانعكس التغير في ميزان القوى في القاهرة أيضاً، وكذلك في معسكر شرق ليبيا، الذي يدعو الآن إلى الحوار. إذ أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ومعه حفتر وصالح، إعلان القاهرة الذي دعا إلى وقف إطلاق النار ابتداءً من 8 يونيو/حزيران، وانتخاب مجلس رئاسي، والعودة إلى محادثات جنيف، وانسحاب جميع القوات الأجنبية من ليبيا. وبالنسبة لبعض المراقبين، تمثل هذه الخطوة اعترافاً بالهزيمة، بينما ينظر لها البعض الآخر على أنها مناورة لكسب الوقت للتعافي من هجوم جديد.

وجاء رد قوات طرابلس على الدعوة لوقف إطلاق النار بشن هجوم للسيطرة على سرت، والجفرة وحقول النفط في الجنوب.  

ومع ذلك، سواء التزمت الأطراف المتناحرة في ليبيا بوقف إطلاق النار أم لا، فهي تواجه الخيارات الثلاثة التالية:  

على الرغم من أنَّ مسار الأحداث يفرض التعاون على تركيا وروسيا، لكنهما تفرغان كل ما في جعبتيهما من حِيَل قبل الوصول إلى المفاوضات. إذ تحرص روسيا على الحفاظ على قوة جيش حفتر، على الرغم من فشل دعمها حتى الآن لحفتر في الإتيان بثماره. ويبدو أنها تفسح الطريق أمام تمكين صالح، الذي اقترح في أبريل/نيسان خارطة طريق سياسية، صيغت بمساعدة المستشارين الروس، وتدعو إلى إجراء مفاوضات وإنشاء مجلس رئاسي جديد من ثلاثة أعضاء وحكومة وحدة وطنية جديدة. بعبارة أخرى، تريد روسيا أن يستعيد مجلس النواب، العالق في طبرق منذ عام 2014، نفوذه. وبالتالي فإنَّ إعلان القاهرة يتماشى مع المصالح الروسية.

وما يثير الانتباه أنَّ أحمد معيتيق -أحد الشخصيات الليبية الأقرب إلى تركيا- أشاد بروسيا باعتبارها شريكاً مهماً في تحقيق الاستقرار في ليبيا بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. وقال معيتيق: “ستعمل معنا الدبلوماسية الروسية للحد من هذا التصعيد”. ويبدو أنَّ معسكر طرابلس يعترف بأهمية روسيا في مواجهة فرنسا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي تدين لها بشرعيتها الدولية، وأصبح على استعداد لمنح روسيا امتيازات في قطاع النفط. ويقال إنَّ فرنسا تخطط للحصول على قرار من مجلس الأمن بسحب الشرعية الدولية التي منحتها الأمم المتحدة لحكومة الوفاق الوطني، على الرغم من أنَّ مثل هذا الاحتمال يبدو مستبعداً.

ربما توعّد فايز السراج بالسيطرة على كل ليبيا، ولكن يُعتقَد أنَّ روسيا قد وضعت خطاً لوقف إطلاق النار أو حداً بين الأطراف المتحاربة. فبالاتفاق مع أنقرة، سحبت موسكو مرتزقة شركة فاغنر من جنوب طرابلس. ويبقى أن نرى ما إذا كانت ستتخلى عن الجفرة، مكان انتشارهم الجديد.

وفي أنقرة، يبدو أنَّ التقييمات يزداد اعتمادها على توقع أنَّ توازن القوى في ليبيا قد يتغير فجأة، مع تفكك التحالف الداعم لحفتر وبسط سيطرة حكومة الوفاق الوطني على البلاد بأكملها. ومع ذلك، لا تستبعد التقييمات احتمال أن تبذل مصر والإمارات وروسيا وفرنسا واليونان قصارى جهدها لمنع حدوث مثل هذا السيناريو، الذي من شأنه أن يرجح كفة أنقرة في سباق الطاقة في شرق البحر المتوسط. ولتجنب هزيمة حفتر، هناك احتمال بأن يلجأ الائتلاف المعارض لتعزيز الضغط من أجل وقف إطلاق النار ومحاولة تحويله إلى فرصة للتعافي.

وتُقِّر التقييمات التركية أيضاً بأنه لا توجد قوة أوروبية، بما في ذلك إيطاليا -التي تنحاز حالياً إلى تركيا- ستقبل تماماً بخضوع ليبيا لكامل السيطرة التركية، وحتى الولايات المتحدة ستكون مترددة في دعم مثل هذه النتيجة. وفي الغرب، تتزايد المخاوف بالفعل من أنَّ تكرار السيناريو السوري في ليبيا سيفتح الباب أمام التدخل العسكري المباشر لروسيا. وتشعر فرنسا، على وجه الخصوص، بالغضب من استيلاء تركيا وروسيا على المبادرة في ليبيا.

ومن ثَم، ما الذي تحاول تركيا تحقيقه في ليبيا في نهاية المطاف؟ يبدو أنَّ نقطة التقارب مع روسيا قد ظهرت، التي تتمثل في إحضار قوات طرابلس وطبرق إلى طاولة المفاوضات في سيناريو يشهد استبعاد حفتر، وبالتالي استبعاد الإمارات ومصر وفرنسا من اللعبة. ويمكن اعتبار صالح، الذي تركز روسيا عليه، متحدثاً مقبولاً لأنقرة أيضاً. 

تعتمد صلاحية هذا السيناريو على تزايد عمق الخلاف بين حفتر وصالح. لكن مبادرة القاهرة تُظهِر أنها لن تسمح للصدع بالنمو. وقد يستمر مؤيدو حفتر في وضع خطط جديدة لمواجهة تركيا. ويمكن للاعبين الغربيين تصعيد انخراطهم أيضاً، إدراكاً منهم أنَّ مصالحهم ستتعرض للخطر إذا عززت روسيا وتركيا نفوذيهما في ليبيا، وفي الوقت نفسه سيتنافسون مع بعضهم البعض.

من جانبها، يبدو أنَّ تركيا مُصمَّمة على توسيع نطاق الحرب لحماية اتفاقها مع طرابلس في المناطق البحرية. ومع ذلك، هناك تحذير صعب هنا: لكي تكون الصفقة مقبولة بين أطراف صراع الطاقة في شرق المتوسط​، يجب أن تظل الشواطئ الشرقية جزءاً من ليبيا؛ أي أنه لا ينبغي تقسيم ليبيا. لكن الإصرار على الحرب يزيد من خطر التقسيم.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى