تقارير وملفات إضافية

تسوية أم تصعيد.. خيارات بوتين وأردوغان لحل أزمة إدلب قليلة، وهذا هو السيناريو المرجح

يمثل لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في موسكو، الذي عقد الخميس 5 مارس/آذار 2020، فرصة بالنسبة للرجلين لتهدئة التوتر الذي يهدد باندلاع أزمة كبيرة بين روسيا وتركيا بسبب سوريا.

وخلال اللقاء قدم بوتين تعازيه لنظيره التركي في مقتل جنود أتراك بإدلب في الآونة الأخيرة.

بوتين الذي كان يتحدث بجانب أردوغان خلال اجتماعهما بالكرملين، قال إن الوضع في محافظة إدلب السورية أصبح متوتراً جداً، مما تطلَّب إجراء محادثات مباشرة بينهما، كما أكد الرئيس الروسي أن الجيش السوري تعرَّض لخسائر فادحة بالفعل، ولذلك من المفيد أن نواصل اللقاءات حتى لا يتكرر هذا الأمر ولا تتضرر العلاقات التركية – الروسية.

وتدور تساؤلات حول قدرة الرجلين على حل الخلاف بينهما حول إدلب، هذه المحافظة السورية التي أفسدت تراكماً لافتاً في علاقة البلدين، وأعادت التوتر بينهما إلى مستوى غير مسبوق منذ سنوات.

لكن البلدين سبق أن تخطّيا أزماتٍ لا تقل سوءاً.

فلقد تفاوضا على طريق للخروج من الصراع في الماضي، لاسيما عندما أسقطت تركيا طائرةً مقاتلةً روسيةً على شمالي سوريا في عام 2015. 

ومنذ ذلك الوقت، تقارب أردوغان مع بوتين، بعد أن شعر الرئيس التركي أن الدول الغربية لم تقف إلى جانب تركيا كما ينبغي، خلال الأزمة التي وقعت في السابق مع موسكو بسبب سوريا، بل إن بعض دول حلف الناتو سحبت في ذروة الأزمة صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ من تركيا، كما رفض أوباما بيع هذه الصواريخ لأنقرة رغم حاجتها إليها، وهو ما أقرّ به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وبعد ذلك، أطلقت روسيا وتركيا بالتعاون مع إيران مسارَي أستانا وسوتشي، لتسوية الأزمة السورية بعيداً عن الغرب.

لكن التعاون سرعان ما امتدّ إلى مجالات أخرى غير سوريا.

ومن أبرز المجالات التي يتعاون فيها البلدان خط أنابيب TurkStream بقيمة 12 مليار دولار، والذي افتتحه الزعيمان في وقت سابق من هذا العام، لنقل الغاز الطبيعي الروسي إلى جنوب أوروبا عبر تركيا. 

وفي المجال العسكري تحدّت تركيا حلفاءها في الناتو، من خلال شراء نظام الدفاع الجوي الروسي المتقدم S-400.

كما لمّح البلدان إلى إمكانية شراء تركيا لطائرات سوخوي 35 الروسية، وكذلك طائرات سوخوي 57 الشبحية الشهيرة، بدلاً من طائرات إف 35، التي خرجت تركيا من برنامجها بسبب الاعتراض الأمريكي على شراء صواريخ S-400.

وركب أردوغان الطائرة سوخوي 57 درة التاج الروسي، خلال زيارته معرض «ماكس-2019» للطيران بموسكو، وقال له بوتين: يمكنكم شراء هذه الطائرة.

لإدارة خلافاتهما حول سوريا، اتّفق الطرفان في اجتماع عُقد في سوتشي، روسيا، في أواخر عام 2018، على إنشاء منطقة عازلة في إدلب، والتي ستكون محظورة على القوات السورية، في حين أن تركيا ستحمي حوالي 3 ملايين لاجئ فرّوا من المناطق التي يسيطر عليها الثوار بسوريا، والتي اجتاحها الجيش السوري.

كانت الخطة أن تقوم كل من تركيا وروسيا بالإشراف المشترك على وقف إطلاق النار، بينما تستخدم تركيا سلطتها لفصل المتمردين الجهاديين، وخاصة أولئك المرتبطين بالقاعدة، عن المدنيين والمعارضة المعتدلة المناهضة للأسد، استعداداً لتسوية سلمية في النهاية وإعادة دمج المحافظة في سوريا.

في الشهرين الماضيين، صعّدت سوريا من العمليات العسكرية بدعم جوي روسي، بهدف الاستيلاء على الأراضي والسيطرة على طريقين رئيسيين حيويين.

في الأيام الأخيرة عزَّزت روسيا قواتها في سوريا، وقالت إن أربع سفن حربية مسلحة بصواريخ كروز Kalibr ستنضم إلى أسطولها في شرق البحر المتوسط. 

لقد تسبّب الهجوم فيما تسميه الأمم المتحدة كارثة إنسانية، حيث تم دفع مئات الآلاف من اللاجئين تجاه الحدود التركية دون أي مكان يذهبون إليه، وهددت تركيا بإطلاق هجوم عسكري كبير لرد القوات السورية.

يقول أندريه كورتونوف، رئيس مجلس الشؤون الدولية الروسي: “إن أردوغان يرى أنه مادام الأسد باقياً في السلطة فإن سكان إدلب لن يكونوا على استعداد للعودة إلى سوريا، وسيكون من واجب تركيا حمايتهم”، وفي المقابل فإن الأسد يريد السيطرة على المناطق الخاضعة للمعارضة، وقدرة روسيا على السيطرة عليه ليست يقينية.

يبدو أن تخاذل  الناتو والغرب، ولاسيما الولايات المتحدة، كان السبب الأول في التقارب الروسي التركي الذي حدث في 2015 و2016.

وحتى الآن الدعم الدبلوماسي الذي يتلقاه أردوغان من واشنطن لا يكفي تركيا، ولا يتواكب مع مكانتها كعضو هام في الناتو.

طالبت تركيا الولايات المتحدة بتزويدها بصواريخ باتريوت، ولكن ويبدو أن واشنطن التي كانت تلوم تركيا على شرائها صواريخ إس 400 غير راغبة في تقديم باتريوت لأنقرة.

إذ يثبت الغرب مجدداً لتركيا أنه لا يمكن الاعتماد عليه.

 وفي اجتماعه مع أردوغان، على هامش قمة مجموعة العشرين في اليابان، العام الماضي، انتقد ترامب عزوف إدارة أوباما عن بيع صواريخ باتريوت إلى تركيا في عام 2013، قائلاً إن تركيا لم تعامل معاملة عادلة بصفتها عضواً في الناتو. “لذلك يجب أن أخبركم أن أردوغان عضو في حلف شمال الأطلسي، وهو صديق، وبالتالي عليك أن تعامله بنزاهة”.

وأضاف ترامب: “إن إدارة أوباما لم يسمحوا لتركيا بشراء الصاروخ الذي أرادوا شراءه وهو باتريوت. وبعد أن اتجهت تركيا للبديل، يقولون الآن إننا سنبيعك باتريوت”.

ويبدو أن ترامب يكرر الخطأ نفسه، إذ قال موقع Middle East Eye البريطاني، الإثنين 2 مارس/آذار 2020، إنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أبلغ نظيره التركي رجب طيب أردوغان، بأنَّ واشنطن ستضغط على دول حلف شمال الأطلسي، لمد تركيا بأنظمة صواريخ باتريوت، لكن ترامب رفض تقديم مساعدة عسكرية مباشرة في مدينة إدلب السورية.   

موقف الغرب واستمراره في مساندة تركيا العضو البارز في حلف الناتو سيكون له تأثير كبير على طريقة معالجة تركيا للخلاف مع روسيا.

حتى الآن لا تبدو أنقرة راضية عن الموقف الغربي، وقد ردّت أنقرة بفتح الباب أمام اللاجئين للهجرة إلى أوروبا.

وفقاً لتقارير في تركيا، يتجمع عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في المعابر والموانئ البحرية، في انتظار التوجه إلى اليونان. 

قال أردوغان إنه أمر بفتح بوابات البلاد إلى أن يلبي الاتحاد الأوروبي التزاماته بإضافة حوالي 3.5 مليار دولار لتمويل إقامة اللاجئين في تركيا، بالإضافة إلى حوالي 6 مليارات دولار تلقتها تركيا بالفعل.

وهكذا تسبب المسألة السورية ضغطاً على الجميع، وفقاً لما ورد في تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية.

أظهر أردوغان بعض المرونة المثيرة للإعجاب في الماضي، حسب وصف الصحيفة يبدو أنه سيحتاج إلى إظهار هذه المرونة مرة أخرى.

وقال أردوغان، الأربعاء، إنه يأمل أن يتم التوصل بسرعة لوقف لإطلاق النار في إدلب.

من جهته، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحفيين، الأربعاء، إن الرئيسين سيناقشان أسباب الأزمة وتداعيتها، و”تدابير مشتركة” يمكن أن يتفقا عليها لنزع فتيل التوتر.

وقال دبلوماسي غربي لوكالة فرانس برس “قد يتم الإعلان عن وقف لإطلاق النار بعد المحادثات بين بوتين وأردوغان، لكنه سيكون صورياً”.

يقول فيودور لوكيانوف، رئيس تحرير مجلة “روسيا للشؤون العالمية”، وهي مجلة رائدة في السياسة الخارجية ومقرها موسكو، إن روسيا وتركيا تحتاجان إلى بعضهما البعض، حتى إذا اصطدمت أهدافهما. “لا يمكن لأي منهما تحقيق أي شيء دون الآخر، وهذا هو السبب في أنهما يصنعان بانتظام هذه الحلول “التي لا تحل شيئاً غير أنها تؤدي مع مرور الوقت إلى أزمات أسوأ”.

ويقول الخبراء إن بوتين لا يبحث عن مواجهة كاملة مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، ولكنه لا يريد التراجع.

وخلال اللقاء بدا الرئيسان يحرصان على عدم التصعيد، ولكن دون مؤشرات على حل نهائي للخلاف بينهما حول إدلب مع محاول عزل هذا الخلاف عن باقي الملفات الرئيسية بين البلدين.

إذ قال بوتين “من المفيد أن نواصل اللقاءات حتى لا يتكرر هذا الأمر ولا تتضرر العلاقات التركية – الروسية.

وقال الرئيس التركي أردوغان إن العلاقات التركية – الروسية تعيش ذروتها منذ فترة في المجالات الدفاعية ونعمل على تطويرها أكثر، أملاً أن تؤدي القرارات التي سيتمخض عنها اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تخفيف الوضع في منطقة إدلب.

ورغم التصعيد الأخير، فإن حجم المصالح السياسية والاقتصادية بين البلدين توسع في السنوات الماضية.

حققت روسيا مكاسب كثيرة من علاقتها مع تركيا، بشق صفّ حلف الناتو، أو بتحول تركيا لشريك مهم في شبكة الغاز الروسية.

يأتي هذا التقدم في العلاقات الروسية التركية، في وقت تعاني فيه موسكو من شبه عزلة في الغرب، وفرض عقوبات عليها جراء تورطها في الأزمة الأوكرانية.

وظهرت دعوات في الغرب لفرض مزيد من العقوبات على موسكو بسبب أزمة إدلب.

في المقابل فإن أنقرة اشترت نظام أس 400 من روسيا، وأصبحت أكثر استغناء عن تحكمات أوروبا عبر علاقتها مع موسكو، وبات التنسيق الروسي التركي عنصراً مهماً في السياسة الخارجية التركية.

فهل يكون التصعيد بين البلدين في إدلب مجرد رفع لسقف شروط التفاوض قبل القمة، أم أن سقف التصعيد أصبح أكبر من أن يتم تخفيضه؟، هذا ما سيظهر من الأوضاع الميدانية بعد القمة.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى