تقارير وملفات إضافية

تعهَّد بهزيمة “اليسار المتطرف” وتحدى الصين.. لماذا يبدو ترامب واثقاً بالفوز؟

تواجه الولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعاً قياسياً في إصابات وباء كورونا ومظاهرات عارمة ضد العنصرية وانخفاضاً حاداً في الاقتصاد، وواحدة فقط من هذه الأزمات كفيلة بإيقاع ضرر كبير بفرص الرئيس دونالد ترامب للفوز بفترة ثانية، فلماذا يبدو الرجل واثقاً بالفوز؟ وما هي أدواته التي يراهن عليها؟

السبت 4 يوليو/ تموز هو “عيد الاستقلال”، وهو عطلة فيدرالية تحتفل بها جميع الولايات الأمريكية؛ إحياءً لذكرى توقيع وثيقة الاستقلال عن الاحتلال البريطاني وذلك منذ عام 1776، ويحيي الأمريكيون عيد الاستقلال من خلال المسيرات والألعاب النارية والكرنفالات والمعارض والحفلات ومباريات البيسبول، ويلقي الرئيس خطاباً للأمة بهذه المناسبة.

وفي ظل تفشي وباء كورونا شديد العدوى وفي ظل كون أمريكا الدولةَ الأكثر معاناة من الوباء سواء من حيث عدد الضحايا أو الإصابات، من الطبيعي أن تتأثر تلك الاحتفالات أو حتى يتم إلغاؤها تماماً، لكن ذلك لم يحدث، على الرغم من تسجيل أرقام قياسية من الإصابات، فيما يبدو أنه عودة مقلقة لسرعة انتشار الفيروس القاتل.

اقترب عدد الإصابات المسجلة في الولايات المتحدة، صباح الأحد 5 يوليو/تموز، من ثلاثة ملايين (مليونين و954 ألفاً)، وشهدت الأيام الأربعة الماضية تخطي الحصيلة اليومية للإصابات المسجلة حاجز خمسين ألفاً، كما تخطى عدد الوفيات 132 ألفاً. ورغم أن الحصيلة اليومية للقتلى انخفضت بشكل ملحوظ مقارنة بالإصابات المسجلة، فإن أكثر من 600 أمريكي يفقدون حياتهم في المتوسط بشكل يومي، وسط تحذيرات من خبير الأوبئة الأول أنطوني فوتشي، من أن الحصيلة اليومية للإصابات قد تتخطى 100 ألف قبل حلول سبتمبر/أيلول المقبل.

“لقد أجرينا فحوصات كورونا لنحو 40 مليون شخص، وبهذه الطريقة اكتشفنا حالات الإصابة -99% منها غير ضار بالمرة- وهذه النتائج لا توجد بأي بلد آخر في العالم، لأنه لا يوجد بلد آخر بالعالم يجري هذا العدد الهائل من الفحوصات. لا أحد آخر يقارَن بنا وليس فقط من حيث العدد، بل من حيث جودة الرعاية الصحية”، وجَّه ترامب هذه الكلمات للأمريكيين عبر شاشات التلفزيون من الحديقة المفتوحة في البيت الأبيض، وسط حضور من مناصريه.

ووجَّه سهامه نحو الصين -كما هو متوقع- قائلاً: “لابد أن تتم محاسبة الصين” (بسبب انتشار الوباء)، كما كرر تأكيداته بأن الولايات المتحدة سيكون لديها “لقاح ضد كورونا قبل نهاية العام الجاري بفترة طويلة”.

ترامب بالطبع لم يقدم دليلاً على كلامه -وهذا ليس غريباً أو جديداً- رغم أن المؤشرات والحقائق تناقض تصريحاته، لكن هذا ليس مهماً بالنسبة للجمهور الذي يستهدفه ترامب برسالته؛ فقاعدة ترامب الانتخابية هم اليمين المتطرف من البيض الأمريكيين ونواتهم الصلبة هي المسيحيون الإنجيليون، وهؤلاء هم من وضعوا الرجل على مقعد الرئاسة قبل أربع سنوات، في مفاجأة لم يتوقعها أحد.

هذه القاعدة الانتخابية هي الشغل الشاغل لترامب وحولها تدور خطاباته ورسائله، وقبل شهر رمضان الماضي كانت لترامب تصريحات بشأن المسلمين ربما لم يتوقف عندها أحد، حين قال الرئيس الأمريكي إنه يعتقد أنهم (في إشارة إلى السلطات ببلاده) “يلاحقون الكنائس المسيحية لكنهم لا يميلون إلى ملاحقة المساجد”، في معرض حديثه عن ضرورة تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي على المسلمين في أمريكا بنفس “صرامة” تطبيقها على المسيحيين.

تصريحات ترامب بالطبع لا علاقة لها بالواقع ولا توجد أدلة تؤيدها؛ فقد توفي وقتها قسٌّ في فيرجينيا بعد أن واصل إلقاء العظات، متجاهلاً قواعد الحجر المنزلي إثر إصابته بوباء كوفيد-19، كما تم توقيف اثنين من قساوسة كنيستين كبيرتين في فلوريدا ولويزيانا بجنحة مخالفة أوامر الحجر المنزلي، لكن ترامب قال: “الديانة المسيحية تعامَل بشكل مختلف كثيراً عن الماضي”، وتابع: “أعتقد أنها تُعامَل بشكل غير عادل جداً”. 

ونعود لخطاب “عيد الاستقلال” لنجد ترامب قد استهله بالحديث عن الاحتجاجات العارمة التي تجتاح أمريكا وانطلقت منها إلى أوروبا وكندا وأستراليا، بعد مقتل جورج فلويد المواطن الأمريكي من أصل إفريقي على يد رجل شرطة أبيض، مما أشعل قضية العنصرية من جديد وأصبحت حركة “حياة السود مهمة” حركة عالمية، فكيف كان تناول ترامب لهذه الأزمة؟

“الأبطال الأمريكيون هزموا النازيين والفاشيين والشيوعيين وأنقذوا القيم الأمريكية وحموا مبادئنا وطاردوا الإرهابيين إلى أطراف الأرض. ونحن الآن بصدد هزيمة اليسار المتطرف والماركسيين والفوضويين والمحرضين واللصوص، والناس الذين في كثير من الأحيان لا يملكون أدنى فكرة عما يفعلون”.

الرئيس الجمهوري اليميني يصوّر نفسه على أنه بطل أمريكي يسعى لهزيمة خصمه الديمقراطي جو بايدن الذي يمثل “اليسار المتطرف والماركسيين والفوضويين”، وهو تأكيد للرسالة نفسها الموجهة للقاعدة الانتخابية نفسها، فبالنسبة لساكن البيت الأبيض العنصرية جزء رئيسي من تاريخ البلاد، والتنكر لرموزها الآن تنكُّر لذلك التاريخ.

ماضينا ليس عبئاً علينا كي نتخلص منه. لن نسمح أبداً لغوغائيين غاضبين أن يحطموا تماثيلنا أو أن يمحوا تاريخنا أو أن يشوهوا عقول أطفالنا أو يعتدون على حرياتنا. سوف نحمي قيمنا وعاداتنا وأعرافنا ومعتقداتنا”.

المنتقدون لترامب يتهمونه بتعميق العنصرية والانقسام داخل المجتمع الأمريكي وبالتحريض على العنف ضد المتظاهرين المنادين بالمساواة، في الوقت الذي يحتّم عليه دوره كرئيس للولايات المتحدة في وقت أزمات خطيرة ومتشعبة، أن تكون خطاباته موجهة للجميع وتدعو إلى الوحدة والتكاتف، وهو العكس تماماً مما يفعله الرئيس الجمهوري المثير للجدل.

وفي الوقت الذي كان ترامب يوجه فيه خطابه لقاعدته الانتخابية، كان محتجون سلميون يدعون إلى المساواة العرقية، على بُعد خطوات من المكان الذي كان يتحدث فيه، ويسيرون في شوارع مغلقة حول البيت الأبيض وساحة “بلاك لايفز ماتر-حياة السود مهمة” ونصب لنكولن التذكاري.

وكان ترامب يشير إلى قيام بعض المحتجين بإزالة تماثيل لزعماء الكونفدرالية ورموز أخرى لتراث أمريكا من العبودية، وقال الرئيس إن “هناك دائماً من يسعون للكذب بشأن الماضي؛ من أجل كسب السلطة في الوقت الحالي، الذين يكذبون بشأن تاريخنا، الذين يريدوننا أن نخجل ممن نكون نحن”، مضيفاً: “الهدف هو التدمير”.

بدا ترامب أمس في خطابه أكثر هدوءاً وثقة بصورة لافتة، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تُظهر تأخُّره بفارق كبير عن بايدن، وعلى الرغم من الضرر الكبير الذي لحِق بساكن البيت الأبيض بعد صدور كتاب مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون، الذي كشف كثيراً من الأسرار المتعلقة بكيفية اتخاذ القرار داخل دائرة ترامب المقربة.

ويرى بعض المراقبين المحايدين أنه من المستحيل التنبؤ بنتيجة الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالت من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حتى لو أظهرت استطلاعات الرأي أن بايدن سيحقق فوزاً ساحقاً، وذلك لعدة أسباب، أبرزها أن الأمر نفسه كان بالصورة نفسها تقريباً في الانتخابات الماضية التي حقق فيها ترامب فوزاً غير متوقع وعكْس استطلاعات الرأي، على حساب هيلاري كلينتون، التي يرى كثيرون أنها تتمتع بسمات شخصية أفضل كثيراً من بايدن.

وعلى المستوى الإعلامي، يوجه ترامب دائماً سهام النقد الحاد إلى غالبية وسائل الإعلام -باستثناء شبكة فوكس نيوز اليمينية والمؤيدة له على طول الخط- مُطلِقاً عليها “الميديا الكاذبة والمضللة”؛ ومن ثم فإن تأثير تلك الوسائل الإعلامية على قاعدة ترامب الانتخابية يبدو ضعيفاً على أقل تقدير.

ومع تبقِّي أقل من أربعة أشهر على يوم التصويت، تظل الأمور مفتوحة على جميع السيناريوهات، والمؤكد أن ترامب اليوم كمرشح قد اكتسب خبرة لم يكن يمتلكها قبل أربع سنوات، والسؤال هو: هل تصبُّ تلك الخبرات بمصلحته أم تكون سبباً في هزيمته؟

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى