اقتصادالأرشيف

تلاعب الحكومة المصرية فى عهد عبد الفتاح السيسى بأرقام الدين ومؤشرات الاقتصاد

بقلم الخبير الإقتصادى والسياسى

دكتور صلاح الدوبى
رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم” فرع جنيف- سويسرا
رئيس اتحاد الشعب المصرى
“عضو مؤسس في المجلس الثوري المصري”

لا يوجد حصر دقيق أو بيانات رسمية لقضايا الفساد أو حجم الأموال التي أهدرت وضاعت على الاقتصاد المصري نتيجة الفساد، فقد صدرت آخر البيانات الرسمية عام 2015 عن المستشار هشام جنينه الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات والذي صرح بأن تكلفة الفساد في مصر تتجاوز 600 مليار جنيه وحكم عليه بالسجن خمس سنوات مكافئة لأمانته ما أثار جدلا واسعا وقتها، إلا أن هناك تقارير دولية وجهودا لبعض منظمات المجتمع المدني المعنية بالشفافية لمحاولة حصر قضايا الفساد وحجمه.

تلك التصريحات أثارت غضب أجهزة الدولة، وأصدرت الرئاسة المصرية قرارا في خضم هذا الجدل بإعفائه من منصبه.

وجرى التحقيق مع رئيس الجهاز السابق بتهم من بينها أن ما قاله عن الفساد “من شأنه تعريض السلم العام للخطر وإضعاف هيبة الدولة والثقة في مؤسساتها”.

ومنذ اسبوع تباهى بعض الشباب، على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، بقبولهم في كلية الشرطة من خلال وساطة أقاربهم من أعضاء البرلمان أو من ذوي المناصب في الدولة. وذكرت تقارير صحفية عن قبول 40 طالبا في الدفعة الجديدة في كلية الشرطة من أبناء النواب وأقاربهم.

ومن حق خريجي كلية الشرطة أن ينضمون بعد ذلك إلى السلك القضائي، فضلا عن تعيين الكثير من أبناء القضاة واستبعاد بعض المتفوقين في كليات الحقوق، في حين تتكرر مظاهرات بعض الحاصلين على درجتي الماجستير والدكتوراه في مصر للمطالبة بتوظيفهم. 

بالتزامن مع صدور تقرير للبنك الدولي قال فيه نسبة الدين الخارجي لمصر تجاوزت 106 مليارات دولار، أعلنت الحكومة المصرية أن العام المالي 2021/ 2022، سيشهد انخفاض نسبة الدين الحكومي للناتج المحلي إلى أقل مما كان عليه قبل 2011.

وقالت الحكومة، في بيان صادر عن وزارة المالية، السبت، إنها نجحت في خفض نسبة الدين الحكومي للناتج المحلي من 108% نهاية يونيو 2017 إلى 98% نهاية يونيو 2018، ثم 90.5% نهاية يونيو 2019، ومن المستهدف أن تكون 82.5% نهاية يونيو 2020، وتُصبح 77.5% نهاية يونيو 2022.

والأسبوع الماضي، قال وزير المالية المصري، محمد معيط، إنه “خلال عامين سنقضي على الدين نهائيا، ونُسلم مصر آمنة إلى من يأتي بعدنا”، لافتا إلى أن نسبة ديون مصر إلى الناتج المحلي وصلت منذ عامين إلى 108 بالمئة، وانخفضت الآن إلى 90.5 بالمئة.

ووفقا لتقرير البنك الدولي، زاد الدين الخارجي، بنحو 18 مليار دولار خلال العام الماضي، وزاد خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام المالي الجاري بنحو 9.6 مليارات دولار، وهو ما يعني أن المستوى الحالى للدين الخارجي في مصر عند 106 مليارات دولار أعلى من توقعات صندوق النقد الدولي التي حددته عند 104.4 مليارات دولار بنهاية يونيو 2019.

لى امتداد السنوات الثلاث الماضية، ارتفعت ديون مصر الخارجية إلى عنان السماء. وبينما عاد تخفيض قيمة الجنيه المصري بأرباح طائلة على تجار العملات الدوليين، فإن ظروف المعيشة لمعظم الناس في البلاد تدهورت.

وكان صندوق النقد الدولي يأمل في أن برنامجه التقشفي، وبشكل خاص تخفيض قيمة العملة في عام 2016، سيؤدي إلى نمو سريع في الصادرات. إلا أن النمو الكبير الوحيد في الصادرات جاء من قطاع الغاز الذي لا يخلق سوى القليل من فرص العمل.

ورغم أن أوضاع مصر المالية ربما تكون قد تحسنت في بعض القطاعات، إلا أن البلاد مازالت تحدق بها الأخطار على المدى الأبعد. ولا أدل على ذلك من أن الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019 شهدت تقريباً تضاعف العجز في الحسابات الجارية.

وطبقاً لجيسون توفيه، الخبير الاقتصادي في شؤون الأسواق الصاعدة لدى مؤسسة كابيتول إيكونوميكس، فإن هناك العديد من الأسباب التي تبعث على التشاؤم في ما يتعلق بوضع الاقتصاد المصري على المدى البعيد.

يقول ضارباً المثل بخمول إنتاجية الاقتصاد المصري: “لا تزال العديد من القيود البنيوية التي تواجه الاقتصاد موجودة على حالها وسوف يكون التغلب عليها أمراً في غاية الصعوبة”.هؤلاء المستفيدون من قرض صندوق النقد الدولي لمصر

فالتضخم الذي وصل ذروته متجاوزاً ثلاثين بالمائة في عام 2017 أمكن خفضه إلى 9.4 بالمائة. كما أن البطالة تراجعت من مستواها المرتفع عند 12 بالمائة تقريباً لتصل إلى 8.1 بالمائة.

إلا أن المشاركة العمالية – أي النسبة المئوية للسكان الذين يشكلون جزءاً من القوة العاملة – انخفضت، بما يؤشر على ارتفاع نسبة البطالة على المدى البعيد.

وكان البنك الدولي قد نشر في شهر يوليو/ تموز تقييماً لمسار مصر، ولاحظ أن تخفيض قيمة العملة لم يؤد إلى نمو في الصادرات غير النفطية، وأن مصر بحاجة لتحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي أعلى بكثير من المعدل المتوقع حالياً ونسبته 5.5 بالمائة حتى تتمكن من توفير فرص عمل تتناسب مع النمو السكاني.

وكشف تحليل البنك الدول أنه بينما قامت الحكومة بتقليص مجمل الإنفاق الحكومي، فقد أقدمت على تخفيض الإنفاق على قطاعات الصحة والتعليم إلى نسبة 1.6 بالمائة ونسبة 2.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو دون المستويات التي يشترطها الدستور المصري.

يقول توفيه: “لا تبدو الحكومة ملتزمة بالإصلاحات البنيوية المطلوبة لإحداث تحسن بارز في فرص مصر على المدى البعيد، مثل زيادة الاستثمار الإجمالي في الاقتصاد”.

بينما حقق التجار أرباحاً جيدة بسبب تخفيض قيمة الجنيه، شهد معظم المصريين تراجعاً كبيراً في مستويات معيشتهم نتيجة للإجراءات التي اشترط صندوق النقد الدولي اتخاذها.

والآن بات نصف السكان تقريباً – أي ما تعداده أقل قليلاً من خمسين مليون نسمة – يعيشون في حالة من الفقر أو قريباً منها، وهي الحالة التي يعرفها البنك الدولي بأنها العيش على 1.9 دولار في اليوم الواحد. ومنذ عام 2011، ارتفعت النسبة المئوية للمصريين الذين يعيشون دون خط الفقر من 25.2 بالمائة إلى 32.5 بالمائة.

وبالمجمل، رأي معظم المصريين دخولهم الحقيقية تتراجع ما أفقدهم المزيد من القوة الشرائية. وذلك ناجم إلى حد بعيد عن إصلاحات صندوق النقد الدولي، والتي دفعت الحكومة المصرية لأن ترفع أسعار الغاز والزيت المستخدمين في الطهي والكهرباء والمواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والحليب والعدس. 

 “تجميل الأرقام”

وحول التناقض في الأرقام بين بيانات البنك الدولي وتصريحات الحكومة المصرية، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، صلاح فهمي، إن الحكومة دائما تلجأ لتجميل الأرقام بهدف تهدئة الرأي العام، مضيفا: “لو تحدث المسؤولون عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية لثار الشعب ضدهم”.

واستطرد فهمي قائلا: “عندما تحدث وزير المالية عن أن حكومته سوف تضطر للاقتراض مرة أخرى من الخارج من أجل سداد الديون المستحقة، تم توبيخه، وتم منعه فترة من الحديث إلى الإعلام، بسبب صراحته، وهو ما دفعه حاليا إلى تجميل تصريحاته”.

 وأوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن “حديث الحكومة عن أن الموازنة العامة للدولة حققت فائضا أوليا، لا يعني أن عجز الموازنة العامة للدولة انتهى، بل هذا يعني أنها استبعدت من حساباتها قيمة أقساط وفوائد الديون، وبالتالي أظهرت الحسابات أن الإيرادات أعلى من النفقات”.

والشهر الماضي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفيإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد نما 5.6 بالمئة في السنة المالية 2018-2019، وبلغ الفائض الأولي لمصر اثنين بالمئة، بينما بلغ عجز الميزانية 8.2 بالمئة.

وأضاف فهمي: ” الحكومة في حساباتها تتحدث عن أرقام الدين، وتستبعد زيادة معدل خدمة الدين (الفوائد والأقساط)، وهو الأكثر خطورة على باقي بنود الموازنة العامة للدولة”.

وتابع: “كما أن حديث الحكومة عن تراجع نسبة الدين المحلي إلى الناتج المحلي إلى 60 بالمئة، لا يعني أن معدلات الدين انخفضت، وإنما نسبة زيادة الناتج المحلي أصبحت أكبر من زيادة الدين”، موضحا أن الحكومة عندما تتحدث عن معدل نمو في الناتج المحلي بنسبة 5.8 بالمئة، فهذا يعني أن معدل نمو الدين المحلي قد يكون 5 بالمئة أو أقل، ولا يعني انخفاضا في حجم الدين نفسه.

وتعتمد مصر على الاقتراض الخارجي والأموال الساخنة من الأجانب في أدوات الدين لتوفير الدولار بجانب المصادر الأساسية مثل إيرادات قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج، ولم تشهد الصادرات نموا ملحوظا، وهو ما يعزز من وجهة النظرة التي تشكك في تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري، وترى أنه “تحسن وهمي” و “إنجاز رقمي” مدفوع بالقروض و”فقاعة الأموال الساخنة”.

وكشف نائب وزير المالية المصري، أحمد كجوك، لرويترز، على هامش المؤتمر، عن أن صافي استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية “الأموال الساخنة” بلغ 19.2 مليار دولار منذ تحرير سعر الصرف وحتى منتصف حزيران/ يونيو الماضي.

 “فوائد الدين”

ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، في تصريحات سابقة لـ”عربي21″، إن مصر “إذا صارت في طريقها للاستدانة بنفس المعدل الذي تسير فيه بالوقت الحالي (زيادة في معدلات فوائد الدين بنحو 3 بالمئة كل عام) فإن مصر تحتاج إلى 50 عاما على الأقل حتى تكون هناك شبهة إفلاس، وكلما ارتفع هذا المعدل كلما اقتربنا من خطر الإفلاس والعكس صحيح، فإذا زاد إلى نحو 30 بالمئة على سبيل المثال فأنت تحتاج إلى 3 سنوات فقط للوصول إلى مرحلة الإفلاس”.

وأضاف: “المتابع لتفاقم أزمة الديون في مصر، سيجد أن مدفوعات الدين بالموازنة العامة تزيد بنحو 10 بالمئة كل عام، فسيصل إلى نتيجة مباشرة أن الاقتصاد المصري في طريقه للانهيار بعد سنوات قليلة. لكن تبقى هذه النظرة أحادية وتتجاهل جوانب أخرى مضيئة كزيادة تحويلات المصريين العاملين في الخارج (نحو 26 مليار دولار سنويا)، وبعض المشاريع الإنتاجية في مجال الزراعة التي تساهم في توفير احتياجات السوق المحلي، والتي ساهمت في تراجع أسعار بعض السلع بنحو 10 بالمئة مقارنة بالعام الماضي كاللحوم وبعض أنواع الخضروات كالطماطم والبطاطس”.

وأكد عبد المطلب أن “مصر لديها مشكلة في توفير مدفوعات الدين العام، والاعتقاد الحكومي بأن زيادة الديون الخارجية دليل نجاح يمثل أزمة حقيقية يجب الالتفات إليها. وفي نفس الوقت يجب ألا نتجاهل في قراءتنا لمؤشرات الاقتصاد المصري وخاصة المتعلقة بالدين العام، وجود زيادة في إنتاج بعض القطاعات”. 

وقال الخبير الاقتصادي: “البعض عندما ينظر إلى الدين الخارجي واستفحاله، ثم مدفوعات الدين العام (الخارجي والداخلي) يجد أن هذه المدفوعات تلتهم أكثر من 60 بالمئة من الإيرادات التي تحصل عليها مصر، وما يتبقى من إيرادات الدولة جزء صغير لا يفي بالاحتياجات المطلوب انفاقها على الصحة والتعليم والاستثمارات”.

وتابع: “الموازنة العامة الجديدة بها 211 مليار جنيه فقط موجهة للاستثمارات (10 ملايين دولار)، وهو مبلغ زهيد جدا، وفي المقابل تجد أن المبلغ المخصص لسداد الديون الخارجية والداخلية يقترب من 25 مليون دولار (أي أن المبلغ المخصص لسداد الديون في الموازنة الجديدة يعادل مرة ونصف المبلغ المخصص للاستثمارات)”.

وأوضح الخبير الاقتصادي، أن “البعض في قراءته للمؤشرات يتخوف من أن زيادة المدفوعات للفوائد تحرم الموازنة العامة من توفير الاستثمارات، وهو ما يؤدي إلى تراجع معدل النمو، وتراجع معدل النمو يؤدي إلى تراجع الدخل، وتراجع الدخل يقود إلى البطالة”. وفي المقابل يرى البعض الآخر، بحسب عبد المطلب، أن زيادة معدلات الفوائد السنوية ليست كبيرة بالقدر الذي يشكل خطرا يؤدي إلى عجز الدولة عن توفير الأموال اللازمة لسدادها وانهيار الاقتصاد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى