كتاب وادباء

تماثيلٌ من الشمع

تماثيلٌ من الشمع
بقلم
شكر عبد السلام
المستشار عماد أبوهاشم رئيس محكمة المنصورة
يبدو أنَّ المصريينَ قد مستهم لعناتُ الخوفِ الأسطورىِّ من الفرعونِ الحاكمِ ، ربما عًدنا لأزمنةِ السحرةِ والكهنةِ والعرَّافين ، ربما عادت تعاويذُ وتساليطُ الجنِّ والأبالسةِ التى استرهبَ سحرةُ فرعونَ الناسَ بها ؛ لتُخرسَ كلَّ الألسنةِ وتُعطِّلَ جميعَ العقولِ ، فأصبحنا نرى البعضَ – من الرهبةِ والخوفِ – بلا عقولٍ تَعى وبلا فلوبٍ تحُسُّ ، بل أصبحوا بلا عيونٍ ترى وبلا آذانٍ تسمعُ وبلا أُنُوفٍ تَشُمُّ وبلا جُلودٍ نُحٍسُّ ، تحوَّلُوا إلى تماثيلَ مِنَ الشَّمعِ ، وحوَّلُوا مصرَ – رغم قلَّةِ عددِهم – إلى أكبر مُتحفٍ لتماثيلِ الشِّمعِ فى العالمِ كلِّه .
لقد أصبحَ الغباءُ فى تلك الفئةِ سِباقًا يتنافسُ فيه الحاكمُ والمحكومُ أيُّهُما أغبى من الآخرِ ، الحاكمُ أغبى بحماقاتِه التى لا يُصدِّقُها عقلٌ أم أنَّ المَحكومينَ أغبى مِنه لأنَّهم صَدَّقوا ما لا يُصدِّقُه عقلٌ ، أم أنَّ كِليهما أغبى من الآخرِ ، لذلك فإنَّ العلاقةَ بينهما تسعصى على التحليلِ المنطقىِّ للعلاقاتِ السَّويَّةِ بين البشرِ بعضِهم البعض ، لأنَّ العلاقاتِ الإنسانيةَ بين الأغبياءِ لا ترتكزُ على العقلِ أوالمنطقِ ، ولا تتساندُ إلى نِظامٍ أو قاعدةٍ تحكُمُها ، فلا يُمكنُ الوقوفُ على أبعادِها وتحلِّلُ بواعِثِها والوصولُ إلى أهدافِها ومرامِيها ؛ لأنها تكادُ تخلو من مُعطيَاتٍ ثابتةٍ يمكن أن نهتدىَ بها إلى نتائجَ ملموسةٍ ، إنها علاقاتٌ همجيّةٌ لا تستندُ إلى عُرفٍ أو قانونٍ أو دستورٍ ، بل إنَّ العشوائيَّةَ هى قاعدتُها الأولى والأخيرة ، والعشوائيَّةُ لاتنتجُ نظامًا يمكن أن نصوغً منه نظريّاتٍ أو قواعدَ أو مسلَّماتٍ ، لذلك فإنَّ حكم مصر – بمعاونةِ تلك الفئة – غالبًا ما يأتى ويستمرُ وفقًا لعواملِ الحظ ، لا لقواعد وأسس الحكم المُتبَعةِ فى دولِ العالم .
سحرة
إنَّ هؤلاءِ المُنبطِحِينَ أبدًا دائمًا ما يُلبِسونَ الحاكمَ ثيابَ الكمالِ ، ويُغمِضونَ أعينَهم عن عيوبِه ونواقصِه ، يُكَذِّبونَ أنفُّسَهم فى جَلىِّ عيوبِه و فادحِ أخطائِه ، ويَردّونَها إلى قُصورِ عقولِهم وخطئِها فى فهمِه ، إنهم يَرَونَ الحاكمَ تابوهًا مُقدّسًا مُنزّهًا عن الخطأ والنقصِ ، لذلك يؤمنونَ أن الكمالَ المُطلقَ له ، أما النقصُ فلأنفسِهم ، حتى إذا ماتَ ذلك الحاكمُ أو أفَلَ نجمُه ، أصبحوا لا يَرونَ مِنْ أثرِه ألا العيوبَ والأخطاءَ والنقائصَ ، بل إنَّهم يُعلِّقون على شماعتِه كُلَّ مصيبةٍ وَقعتْ ، ويَلتمسون بمساوئِه الأعذارَ لخليفتِه الذين خلعوا عليه ثوب الكمال من جديد ، وهكذا لا يخرجونَ مَنْ تلك الحَلَقَةِ المُفرغةِ أبدًا .هؤلاء هم مَنْ يُسَمُّونَ الإنقلابَ ثورةً ، ويحاكِمون القَتلى أنَّهم قَتَلوا أنفسَهم بوقوفِهم ضدَّ الظُّلم فاضطُرَّ الحاكمُ المُنقلِبُ لقتلِهم ، ويَنْصِبُون المشانقَ لأقرانِهم أنّهم دَفَعُوا بهم وتركوهم حتى قَتَلهم ، ومنهم مَنْ يتهمُ أهليهم أنَّهم قتلوهم ليُورِّطوا الحاكمَ الرقيقَ فى قتلِهم ويُحَمِّلوه وزر دمِهم ، هؤلاءِ يذكِّروننى بالرجلِ الأحمقِ الذى ذهبَ بامرأتِه إلى الطبيبِ ، فلمَّا رآها الطبيبُ وراقتْ له أمَرَه أنْ ينتظرها خارجَ عرفةَ الكشفِ وفعل معها ما يفعل الزوجُ بزوجته ، فلمَّا تأخَّرَتْ نظر الأحمقُ من ثقبِ البابِ فوجدَ الطبيبَ جاثمًا عليها وقد أسلمته نفسَها ، فقالَ لِمّنْ معه : لولا أننى أعلم أن الطبَّ تقدَّمَ لقلتُ إنً الطبيبَ يضاجعُ زوجتى ، الآن أُدرِكُ أنَّ الطبَّ الذى يقصدُه ذلك الأحمقُ قد تقدَّم فى مصرَ إلى أقصى درجاتِه ، وهو ما يجعلُ الحمقى يبررونَ للطبيبِ أخطاءَه ونزواتِه مهما كانتْ ، ولو أنَّهم حاولوا أنْ يعرفوا ماذا يفعلُ الطبيبُ أو حتى سألوا مَنْ يُفهِمَهم لعرفوا أنَّ الطبيبَ يسرقُ منهم شرفَهم أمام أعينِهم ؛ لأنهم لا يفهمون .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى