تقارير وملفات إضافية

تناقضات ممالك الخليج.. كيف أصبحت السعودية والإمارات تدعمان أحزاباً كردية عراقية مقربة من إيران، نكاية في تركيا؟

لا يحدث كل يوم أن تدعم الإمارات العربية المتحدة وإيران الجانب نفسه. لكن الإمارات يبدو أنها تتودد إلى الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو حزب عراقي كردي معارض لديه روابط تاريخية وثيقة مع إيران. والشهر الماضي، أرسلت الإمارات جواً ستة أطنان من مساعدات مواجهة فيروس كورونا إلى معقل الاتحاد الوطني الكردستاني في مدينة السليمانية العراقية، لتحوز بذلك امتنان الحزب.

يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي للدراسات الاستراتيجية: “يبدو أن المساعدات تهدف إلى تحجيم نفوذ تركيا في كردستان العراق. فقد ذُكر أن الحكومة العراقية الكردية المدعومة من تركيا حظرت نقل الأموال من الإمارات دون الحصول على موافقة خاصة، في وقت سابق من الشهر”.

ويبدو أن لعبة شد الحبل هذه حول فرض النفوذ على كردستان العراق جزء من حرب باردة أوسع نطاقاً بين تركيا وكتلة الممالك التي تقودها المملكة العربية السعودية، وهي منافسة شرق أوسطية عادةً ما يخيم عليها في واشنطن الصراع السعودي-الإيراني فقط، في حين يتعامل صناع السياسات والمحللون الأمريكيون الذين انصب تركيزهم على إيران، مع الحرب الباردة السعودية-التركية بوصفها إلهاءً، أو حاولوا ضمها إلى الصراع مع طهران. 

لكن التنافس السعودي-التركي ليس صراعاً هامشياً. فقد سحقت قوات حكومة الوفاق الليبية المدعومة من تركيا، قوات خليفة حفتر المدعومة إماراتياً في مواجهة عسكرية دموية، وتشير وسائل إعلام إلى أن أنقرة يمكن أن تحوّل انتباهها إلى اليمن تالياً، كما يقول الموقع الأمريكي.

يقول الموقع الأمريكي إن واشنطن سوف تفاجأ بمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، في حال لم تأخذ الصراع السعودي-التركي على محمل الجد مثلما تفعل مع التنافس السعودي-الإيراني. إن إيران وتركيا والكتلة الخليجية الموالية للسعودية جميعهم منافسون بالمنطقة في حد ذاتهم، ولدى ثلاثتهم صراعات خطيرة بين بعضهم البعض يمكن أن تتحول إلى أخرى دموية.  

يمكن أن يكون تمييز هذا التنافس الثلاثي الأطراف صعباً، لأن تركيا والكتلة الموالية للسعودية كلاهما يُفترض أنه على جانب الولايات المتحدة نفسه.

فالعلاقات الوثيقة التي تربط السعودية وواشنطن معروفة جيداً، وتظل المملكة أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية.

وتركيا أيضاً جزء مهم من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالمنطقة بوصفها حليف الناتو الموجود في أقصى الشرق. فقد أصبحت قاعدة إنجرليك العسكرية، التي تستضيفها بها تركيا أسلحة ردع نووية أمريكية منذ ستينيات القرن الماضي، مركزاً لوجيستياً رئيسياً للعمليات الأمريكية في العراق التي بدأت عام 1991. 

أثناء هذه الفترة كلها، ساعد الدعم الأمريكي تركيا على الفوز في صراعها مع المتمردين الأكراد. إذ قدمت الولايات المتحدة لتركيا نحو 10.5 مليار دولار في صورة أسلحة في الفترة بين عامي 1984 و1999، إلى جانب الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي. 

انضمت قطر إلى تركيا بوصفها مركزاً عسكرياً رئيسياً للولايات المتحدة بعد حرب عام 1991، ببناء قاعدة العديد الجوية التي تطورت لتصبح المقر الرئيسي للقيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية.

بدأ تفكك هذه الكتلة الموالية للولايات المتحدة أثناء الربيع العربي. فقد ألقت قطر وتركيا بثقلهما دعماً للقوى الإسلامية في عديد من البلدان، بينما دعمت السعودية والإمارات المستبدين القابعين على رأس الحكم المطلق الراسخ في تلك البلدان. احتدت التوترات لكن في هدوء حتى عام 2017، عندما فرضت دول عربية تقودها السعودية، حصاراً على قطر. 

أدى الدعم الأمريكي طويل الأمد لكلا الجانبين إلى أن يرى البعض في واشنطن التنافس السعودي مع تركيا وقطر بصفته أزمة مؤقتة في جبهة موحدة معادية لإيران. 

يقول مايكل دوران، الباحث الأقدم بمعهد هدسون الذي يبدو أن آراءه أثرت على إدارة ترامب، إن “مهمة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هي جمع إسرائيل والسعودية وتركيا معاً في إطار رؤية عامة للنظام في المنطقة بهدف المضي قدماً في (هدفها الأول) المتمثل في إضعاف إيران”.

تبدو هذه الرؤية هي سياسة إدارة ترامب، التي حاولت مراراً دفع تركيا إلى مواجهة مع روسيا وإيران في سوريا. وبالمثل حاول المسؤولون الأمريكيون تهدئة الصراع السعودي-القطري، بالضغط على السعودية لإنهاء حصارها لقطر المستمر منذ سنوات. 

لكن التوترات الأمريكية-التركية التي وقعت العام الماضي، زادت صعوبة إظهار تركيا بمظهر الشريك القوي للولايات المتحدة. اشترت تركيا تقنيات عسكرية حساسة من روسيا وهاجمت الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا العام الماضي، دافعة بذلك عديدين في الكونغرس إلى الدعوة إلى فرض عقوبات عليها. 

ووصل الحد ببعض المحللين الأمريكيين إلى اعتبار تركيا “حليفاً متمرداً” لواشنطن، متحالفاً كلياً مع إيران في الوقت الراهن بالمنطقة. وكانت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، التي عمِل خبراؤها مع البيت الأبيض على حملة الضغط الأقصى ضد إيران، ولا تزال في طليعة الدافعين بوجهة النظر تلك. 

وأعرب المدير التنفيذي للمؤسسة، مارك دوبوفيتز، عن وجهة النظر تلك بالطريقة الأكثر صراحة، في منشور على موقع تويتر، قائلاً: “جمهورية أردوغان الإسلامية في تركيا مثل جمهورية خامنئي الإسلامية في إيران”.

يقول الموقع الأمريكي مستدركاً: “لكن الاختلافات بين إيران وتركيا ليست هامشية هي الأخرى. هاجمت القوات التركية مراراً مواقع إيرانية أثناء التصعيد العسكري التركي-السوري في مارس/آذار، وأسست أذربيجان الحليف المقرب لتركيا، علاقات أمنية مع إسرائيل، وهو الأمر الذي يترك إيران تشعر بالتهديد.  وتعاونت إيران وتركيا ضد ميليشيات الأكراد في أوقات مضت. وأيضاً، لم تتوطد علاقتها كلياً مع روسيا. على الرغم من كل تهديدات تركيا بالحرب، تستمر في كل من دعم المظلة النووية الأمريكية والاستفادة منها”.

في غضون هذا، عملت السعودية والإمارات مع روسيا ورئيس النظام السوري بشار الأسد، في محاولتها لضرب الدور التركي والقطري في ليبيا.

ومثلما تُظهر الأحداث الأخيرة في كردستان العراق، فربما تكون السعودية والإمارات على استعداد للتواصل مع الفصائل الموالية لإيران في مواجهة “التهديد التركي المشترك”. ربما تكون تركيا رابع أكبر شريك تصدير لإيران، لكن الإمارات تحتل المرتبة الرابعة.

هناك نظير لتركيز صقور السياسة الأمريكية على إيران لدى الحمائم، الذين يركزون على الدعم الأمريكي للسعودية باعتباره محركاً لعدم الاستقرار في المنطقة.

وأحرز الديمقراطيون التقدميون مثل بيرني ساندرز ورو خانا، تقدماً كبيراً في الدفع إلى وقف مشاركة الولايات المتحدة في اليمن، وهي المشاركة التي مكنت السعودية من الاستمرار في حملاتها العسكرية الجوية والبرية التي  تخضبت بالدماء.
وواصلت مختلف الجماعات التقدمية الأمريكية الحديث العام عن التفويض المطلق من الولايات المتحدة للسعودية والإمارات، اللتين تتدخلان في أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لوقف الديمقراطية وتعزيز الديكتاتورية.

وتشكّل قطر وتركيا في الوقت الراهن كتلة منفصلة، ليست متوافقة كلياً مع مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ولا تعارضها أيضاً كلياً. وتعتبر اهتمامات هذه الكتلة، ومعارضوها، لا ترتبط غالباً بالصراع السعودي-الإيراني.

بمعنى آخر، الشرق الأوسط ليس عالقاً في أرجوحة ثنائية، ولكن صراع ثلاثي الأطراف.

وأي استراتيجية أمريكية إزاء الشرق الأوسط، سواء كانت من الصقور أو الحمائم أو اليسار أو اليمين، يجب أن تتعامل مع الأطراف الثلاثة باتزان، وأي شيء دون ذلك سينهار تحت ثقل الأطراف المهمشة من تلك الاستراتيجية، كما يقول الموقع الأمريكي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى