تقارير وملفات إضافية

تهدِّد استمرار الحكومة.. ماذا وراء تصاعُد الخلافات بين مكونات الائتلاف الحاكم في تونس؟

تصاعدت في الفترة الأخيرة وتيرة خلافات بين مكونات الائتلاف الحاكم الرئيسية في تونس، مما يعكس صعوبات قد تهدد استمرار الحكومة، التي نالت ثقة البرلمان في 27 فبراير/شباط الماضي.

يتشكل الائتلاف من أربعة أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية، هي: حركة النهضة (إسلامية – 54 نائباً من 217)، والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي- 22 نائبًا)، وحركة الشعب (ناصري – 15 نائباً)، وحركة تحيا تونس (ليبرالي – 14 نائباً)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية – 16 نائباً).

وتعود أسباب الخلافات، وفق خبراء، إلى عوامل أيديولوجية بالأساس وأخرى تتعلق بالتباين حول الرؤية الجيواستراتيجية لتونس، من حيث التحالفات الخارجية للأحزاب.

يقول المحلل السياسي الحبيب بوعجيلة إن “الائتلاف الحاكم يمر بصعوبات، وهو أمر متوقع منذ البداية”. وأضاف: “كان متوقعاً باستمرار بروز خلافات بين أطراف الائتلاف، فهناك عديد القضايا لم تحسم في ما نسميه المعركة السياسية بتونس”.

وتابع: “هناك اختلافات تتعلق بتصوّر هذه الأحزاب للموقع الجيواستراتيجي لتونس وتحالفاته في المنطقة من منطلق تقديرات مختلفة لطبيعة الصراع الذي يدور في المنطقة العربية، خاصة في سوريا واليمن، وأساساً في الجارة ليبيا”.

وأردف: “هناك إرث متوتر في مستوى العلاقة بين هذه الأطراف السياسية في الخماسية الماضية، فالتيار والشعب كانا في المعارضة، بينما النهضة كانت في الحكم”.

ورأى أن “التجربة التونسية تبقى دائماً محلّ ضغط وتوجّس من عديد من الأطراف الإقليمية والعربية بالأساس، التي يمكن أن تتقاطع مع نوايا خاسرين في الانتخابات يعملون قدر الإمكان على توتير وضع الائتلاف”.

في الاتجاه نفسه، ذهب هشام الحاجي، وهو باحث اجتماعي، بقوله إن الاختلافات داخل الائتلاف أكدها رئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، عندما قال في تصريح إعلامي الأسبوع الماضي إن “التماسك والتضامن والتناغم بين الفريق الحكومي لم يبلغ الدرجة المطلوبة”. وتابع الحاجي: “هناك تجاذبات وتغليب بعض الاعتبارات الأيديولوجية، وهذا يطرح أكثر من سؤال حول قدرة الفريق الحكومي على الإنجاز والأداء”.

واستطرد: “إذا تواصلت الأوضاع على ما هي عليه حالياً، من ضعف التضامن والانسجام، فستؤثر على مستقبل الفريق الحكومي”.

في السياق، أكدت قيادات حزبية في الائتلاف أيضاً وجود اختلاف، حيث قال العربي الجلاصي، قيادي بالتيار الديمقراطي: “أصبحنا نرى تصريحات مضادة بين قيادات حزبية ونواب بالائتلاف الحاكم”.

إلا أن الجلاصي أكد، في تصريح للأناضول، وجود “تضامن مطلق داخل الفريق الحكومي، والوزراء يضعون اختلافاتهم على الطاولة، ويقبلون بتحكيم رئيس الحكومة، وهذا ما يهم التونسيين”. ولفت الجلاصي إلى “انفراط في عقد التضامن بين بعض النواب في الائتلاف الحكومي وبين بعض القيادات الحزبية”.

بوعجيلة قال إن “ثقل التاريخ” حاضر في خلفيات اشتداد الصراع بين حركة “الشعب” الناصرية وحركة “النهضة” الإسلامية. وأضاف أن ذلك “ذكّرنا بالصراعات التقليدية التي تصورنا في وقت من الأوقات أننا تجاوزناها بين التيار الإسلامي والتيار القومي في العالم العربي”.

ورأى الحاجي أن هذين “التيارين نظرياً هناك الكثير مما يقرب بينهما أيديولوجياً، لكن فعلياً وعملياً هناك توترات في قراءة الأحداث، سواء على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي”.

وتابع: “حالياً انعكاسات قراءة ما يحدث في المستوى الإقليمي تنعكس على العلاقات بين الحركات الإسلامية والحركات القومية”.

وأردف: “لا ننسَ ما يحدث في ليبيا وسوريا”، في إشارة إلى ما يتداول في الساحة الإعلامية عن مساندة حركة الشعب للأنظمة ومساندة “النهضة” لثورات الربيع العربي.

حمل نور الدين البحيري، رئيس الكتلة البرلمانية لحركة “النهضة”، مسؤولية تصاعد الخلافات داخل الائتلاف الحاكم لحركة “الشعب”. وقال البحيري للأناضول: “هناك طرف واحد بالائتلاف الحاكم، وهو حركة الشعب، لم يحترم ما يقتضيه التحالف والتشارك في حكومة واحدة، وفي وطن واحد قبل كل شيء، من التزامات”.

ورأى أن الخلاف “انطلق بعد تطورات الأحداث في ليبيا”، في إشارة إلى هزائم ميليشيا الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر، في الغرب الليبي حتى حدود تونس، أمام قوات الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.

وتساءل البحيري: “لم نفهم ما العلاقة بين ما يقع في ليبيا وحملة في تونس ضد رئيس الحركة (رئيس البرلمان راشد الغنوشي) ومحاولة إرباك العمل النيابي، وحملة ضد حركة النهضة بصفة عامة (؟!)”.

واعتبر ذلك عملاً “غير مسؤول، وفيه تجاوز في حق التونسيين جميعاً، في وقت نحتاج فيه لموقف موحد على قلب رجل واحد.. ما يحدث في ليبيا، وما يحدث في أي بلد، لا يجب أن يؤثر على مستقبل الحياة السياسية في تونس”.

وتابع البحيري: “هناك من لم يفهم أننا لسنا طرفاً في الصراع الليبي- الليبي، وموقفنا متماهٍ مع الموقف الرسمي والدولي”، في إشارة إلى اتهامات من حركة “الشعب” لـ”النهضة” بالانحياز إلى طرف ليبي (الحكومة الشرعية).

واستطرد: “أن تكون في الحكومة لا يعني أن نغلق أسماعنا عن الناس، والمعارضة جزء من البلاد وكذلك المستقلين والنقابات والمنظمات.. أن نوجد في الحكم لا يعني أن ننفرد بالقرار”.

زهير المغزاوي، أمين عام حركة “الشعب”، نفى وجود أي خلفية تاريخية أو أيديولوجية للاختلافات مع حركة “النهضة”، بقوله للأناضول: “ليس لنا صراع مع أي طرف لأسباب تاريخية أو أيديولوجية”.

وبخصوص ليبيا، قال: “لا نطلب من الحكومة أن تذهب إلى هذا الحلف أو ذاك.. نحن مع مقاربة رئيس الجمهورية (قيس سعيد) التي تمثلنا.” وتابع: “نحن مع حل ليبي- ليبي مع مختلف الفرقاء الليبيين، ومع خروج ليبيا من حالة اللادولة إلى حالة الدولة، ونحن مع محاصرة الجماعات الإرهابية التي تحاول أخذ ليبيا موقعاً تنطلق منه إلى دول الجوار”.

واعتبر المغزاوي أن “هناك ادعاء بأن حركة الشعب تساند حفتر”. وأرجع الاختلاف إلى “عدم وجود تفاهمات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية مسبقة بين أعضاء الائتلاف”.

أضاف أن “حركة النهضة تريد الجلوس على كرسيين، واحد في الحكم في القصبة (مقر الحكومة) وكرسي المعارضة في البرلمان، هي في تحالف مع قلب تونس (ليبرالي – 28 نائباً) وائتلاف الكرامة (ثوري – 9 نواب)”، معتبراً أن “الالتقاء أو الاختلاف هو مصلحة البلاد، وحول مقاربات سياسية واقتصادية وكيفية الخروج من الأزمة وحل مشكل التشغيل (توفير فرص عمل)”.

من جهته حذر البحيري من أنه “لو استمرت هذه التجاوزات في حق مؤسسات الدولة لأصبحت المؤسسات في خطر، وليس الائتلاف فقط”، في إشارة إلى مخاطر انفراط عقد الائتلاف.

لكن بوعجيلة بدا متفائلاً بقوله: “هناك لقاءات تتم بين رئيس الحكومة من ناحية ورؤساء الأحزاب من ناحية أخرى وعلى مستوى الكتل المختلفة ولقاءات بين رئيس البرلمان (الغنوشي) مع رؤساء أحزاب أخرى، ولقاء بين الغنوشي والتيار”. وأضاف: “هناك حديث عن إمكانية صياغة ميثاق أو عهد سياسي وأخلاقي بين أطراف الائتلاف الحاكم”.

تابع: “جميع الأحزاب المشاركة بالحكومة تدرك أن انفراط عقد الائتلاف سيفتح البلاد على الغموض، وربما على فراغ وفشل لا تتحمله الأحزاب”. ونبّه بوعجيلة إلى أن “المواطنين لا يقبلون اليوم استمرار الصراع الحزبي الضيق، ويطالبون الطبقة السياسية بأن تتفق وتنجز اجتماعياً واقتصادياً”.

وتوقع أن “تدفع الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية، بفعل تداعيات (جائحة) كورونا، أطراف الائتلاف الحاكم إلى البحث عن المشترك، والصراع الحالي هو صراع تحسين شروط التوافقات التي ستأتي في المستقبل القريب”، مشدداً على أنه “إلى حد الآن ليست هناك مؤشرات تترك انفراط الائتلاف خياراً للأحزاب، العكس هو الذي تقوله الأحزاب، الجميع يقول لا نريد التفريط في الائتلاف، فقط ندعو إلى تحسين شروط التوافق وتدعيم منسوب الثقة داخله، والانطلاق في الإنجازات الحقيقية، لكن كل شيء وارد في أي لحظة”.

وذهب الحاجي في الاتجاه ذاته بقوله إن “الائتلاف سينجح في تجاوز هذه الهزات، على الأقل في المدى القريب، شريطة ألا تتكرر، لأنه لابد من الاتفاق حول ملفات، خاصة ليبيا”. لكنه حذّر من تتالي الاختلافات داخل الائتلاف، فعندها ستكون “هذه الحكومة هي حكومة الأزمات المتتالية”.

وتابع: “في صورة ما إذا انفجر الائتلاف سيكون هناك لجوء إلى حكومة جديدة سيصعب تشكيلها، وقد نكون أمام إعادة الانتخابات”. كما اعتبر الجلاصي أن الأزمة “في طريق الانحلال”. وهو ما أكده المغزاوي بالقول إن “هناك أملاً في تجاوز الاختلاف أو أن البلاد ستغرق”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى