تقارير وملفات إضافية

توسيع حظر الحجاب ومنع الأطفال من الطعام الحلال.. لماذا يتناقض قانون ماكرون ضد المسلمين مع العلمانية؟

“ماكرون يستهدف المسلمين” بهذه الكلمات وصف عدد من المثقفين وممثلي المنظمات غير الحكومية في فرنسا مشروع قانون للرئيس إيمانويل ماكرون، يجري إعداده حالياً، بشأن ما سمّاه بـ”محاربة الأفكار الانفصالية والانعزالية”، واستهدافه للإسلام من خلال وصفه للمسلمين بـ”الانعزاليين”.

وأثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجدل بعد أن قال في خطاب له إن “الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم”، وعلى باريس التصدي لما وصفها بـ”الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية”.

جاء ذلك بالتزامن مع استعداد ماكرون لطرح مشروع قانون ضد ما يسميه “الانفصال الشعوري”، بدعوى “مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية”.

ويبدو أن توجهات الرئيس الفرنسي ستُطلق موجةً من العداء للإسلام في البلاد، وتشجيع اليمينيين المتطرفين على التحرك ضد الدين الإسلامي، والمسلمين.

وفي هذا الإطار طالبت فاليري بيكريس، رئيسة المجلس الإقليمي لـ”إيل دو فرانس” (منطقة باريس)، في رسالة وجَّهتها لوزير الداخلية الفرنسي، بإصدار قرار ينصّ على عدم استخدام الحجاب في صور اشتراكات المواصلات بعموم البلاد، وأن يكون الشعر مكشوفاً.

جدير بالذكر أن منطقة “إيل دو فرانس” تُطبّق القيود التي تحدَّثت عنها بيكريس في رسالتها المذكورة.

وتهدف خارطة ماكرون إلى التصدي إلى محاولة المسلمين ترسيخ الهوية العربية الإسلامية لدى أبنائهم، من خلال عدد من الإجراءات التي تمثل انتهاكاً واضحاً للحريات منها:

ـ إجبارية الدراسة بالمدرسة ابتداء من سن الثالثة، لمنع المسلمين من تعليم أبنائهم اللغة العربية والدين الإسلامي في المنازل.

ـ تقوية سلطات المُحافظ أمام قرارات العمدة، لمنع العمد المنتخبين من تقديم الأكل الحلال للطلاب المسلمين في مقاصف المدرسة، أو قرارات أخرى في صالح الجاليات المسلمة.

ـ التضييق على تعليم اللغات الأجنبية ومن ضمنها اللغة العربية.

ـ تشديد المراقبة على تمويل المساجد والجمعيات الإسلامية.

ـ توسيع حظر ارتداء الحجاب إلى القطاع الخاص.

تجدر الإشارة إلى أن حزب ماكرون (الجمهورية إلى الأمام) تعرّض للهزيمة في الانتخابات البلدية الفرنسية، التي عقدت بمثابة تصويت على سياسات وشخص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

والمفارقة أن قوانين ماكرون ضد الهوية الإسلامية تتزامن مع تقاربه اللافت مع الكنيسة الكاثوليكية، بدعوته إلى إصلاح العلاقة بين الدولة والكنيسة، وفتح حوار بينهما، وكان ذلك في خطاب طويل ألقاه عام 2018 أمام المئات من القساوسة الفرنسيين، مدشناً بذلك حقبة جديدة في تاريخ الكنيسة والدولة، منذ أن اعتمدت الدولة الفرنسية في العام 1905 القانون الشهير حول الفصل بين الطرفين، وتكريس عدم تدخل الدولة في الشؤون الدينية والتزام الحياد.

لعب ماكرون في ذلك الخطاب دور المرشد الذي سيُعيد ترميم العلاقة المهتزة بين الدولة الفرنسية والكنيسة، منتقداً الطبقة السياسية التي أهملت الفئات الكاثوليكية، حسب تعبيره، أو جعلت منها مجرد خزان انتخابي للتوظيف في المناسبات السياسية، أو تعاملت معها باعتبارها “أقلية مناضلة”، لكنها تسيء إلى “الإجماع الجمهوري”.

وتُعرب عدة هيئات وجمعيات ممثلة للمسلمين في فرنسا عن مخاوفها من أن تُسهم تصريحات ماكرون ومشروع القانون المرتقب، في انتشار خطاب الكراهية ودفع البعض إلى الخلط بين الدين الإسلامي وتصرفات المتطرفين.

تجدر الإشارة الحزب الحاكم في فرنسا (حزب الجمهورية إلى الأمام) الذي أسسه ماكرون، هزم في الانتخابات البلدية الفرنسية في يونيو/حزيران 2020، واعتبرت النتيجة بمثابة تصويت على سياسات وشخص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

 الناشط الفرنسي في مجال حقوق الإنسان ياسر اللواتي، قال إن “خطاب ماكرون في قضية الهوية كان هزيمة وفشلاً كاملين”. 

وأضاف أن “إثارة ماكرون لقضية مثل مكافحة الأفكار الانفصالية هدفها التغطية على الإخفاقات في السياسة الخارجية والداخلية، ومكافحة وباء كورونا وإنعاش الاقتصاد”.

وأشار إلى أن “ماكرون الذي تراجعت شعبيته مؤخراً وضع أجندة مصطنعة قبل الانتخابات بعام ونصف العام، واختار المسلمين ككبش فداء للتنصل من مسؤولياته، فمشكلة الانعزالية أو الانفصالية وفق تعبيره هي مشكلة مصطنعة وغير موجودة على أرض الواقع، ولا توجد منظمة أو جماعة أو منطقة في فرنسا لديها مطالب انفصالية”.

وشدّد على أن مصطلح “الانفصالي” هو مصطلح “كان يُطلق في حقبة فرنسا الاستعمارية على الشعوب المُستعمَرة، وأن الرئيس الفرنسي يهدف من خلال هذا الخطاب الذي يستهدف العرب والأفارقة والآسيويين الذين يعيشون في البلاد، إلى الإصرار على دمج الأشخاص الذين يرفضون الاندماج”.

أوضح اللواتي، الناشط الفرنسي، أن “النخبة الفرنسية لا يمكنها قبول اندماج الأتراك والعرب والأفارقة في المجتمع، وأن يكون لهذه المجتمعات نفس الحقوق مع الفرنسيين في إطار المواطنة”.

وأشار إلى أن “طرح ماكرون لهذا الموضوع والترويج له في وسائل الإعلام بعد المظاهرات المناهضة للعنصرية في فرنسا ما هو إلا محاولة للتغطية على العنصرية الموجودة في البلاد”.

وأكد: “اليمين المتطرف في فرنسا ارتكب العديد من الجرائم بحق الأجانب والمسلمين، وأن ماكرون لا يتطرق للخطر الرئيسي الذي يواجه فرنسا، والمتمثل في اليمين المتطرف”.

وأوضح أن ماكرون يسعى إلى زيادة الضغط على الجمعيات الإسلامية، وقال: “عندما تطفو قضايا التحرك في الكنائس لا يلقي الرئيس الفرنسي باللائمة على المسيحية، أو عندما ينظر إلى فظائع إسرائيل في فلسطين لم يشر ماكرون لوجود مشكلة في اليهودية”.

ومقابل ذلك، شدَّد “اللواتي” على أن “المسلمين يريدون أن يُعامَلوا كمواطنين متساوين في فرنسا، وأن يعيشوا دون التعرض لعنف الشرطة والتمييز، ورغم مطالباتهم هذه يقوم الرئيس الفرنسي باتهامهم بالانفصال”.

وأشار: “الدولة الفرنسية العلمانية لا تتدخل في المؤسسات البروتستانتية والكاثوليكية، ولا تتدخل في شؤون الاتحادات اليهودية، ولكن ماكرون يعمل على زيادة الضغط على الجمعيات الإسلامية، وعدم السماح للمسلمين هنا برعاية شؤونهم والتعبير عن أنفسهم”.

وتابع: “من الضروري أن تسعى الجالية المسلمة في البلاد لتعليم وتخريج أئمة وخطباء للعمل في المؤسسات الدينية، على الرغم من أن الأئمة القادمين من الخارج مجهزون تجهيزاً جيداً، إلا أن العقبة الأكبر التي تواجههم هي عدم معرفتهم بفرنسا والفرنسية إلى حد ما”.

كما أكد “اللواتي” أن “الدولة الفرنسية تحاول إملاء منظمات واتحادات ومؤسسات معينة على المسلمين، وأن هذا لن يتم قبوله”.

بدوره، قال إبراهيم ألجي، نائب رئيس المجلس الإسلامي الفرنسي، إن عدداً من المثقفين المسلمين التقوا مع الرئيس الفرنسي، مساء 30 سبتمبر/أيلول الماضي، وعبروا له عن امتعاضهم من استخدامه كلمة “انفصالي” التي لا توحي بالإيجابية. 

وأضاف أنهم “أبلغوا الرئيس الفرنسي حاجة الشعب الفرنسي إلى العمل المشترك، من أجل إعلاء قيم الأخوة ونبذ العنصرية”. 

ولفت إلى أن “المجتمع التركي في فرنسا لا يواجه عموماً أي مشاكل مثل التطرف، إلا أن الإدارة الفرنسية دأبت على عزل المواطنين والمقيمين”، مشيراً إلى أن “المجتمع التركي في فرنسا يعمل على إعداد أئمة محليين، ممن يتحدثون الفرنسية والتركية”.

وزاد “مسودة مشروع قانون محاربة الأفكار الانفصالية ستطرح عليهم، في 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وأنهم سيبحثونها، وأنهم سيعملون على تناول المسودة بطريقة تصب في مصلحة المسلمين في فرنسا”.

كما أشار إلى أن “خطاب ماكرون نفسه متناقض مع قيم العلمانية في فرنسا، من خلال التركيز في التصريحات على موضوع الإسلام”، لافتاً أن الهجمات الإرهابية التي ينفذها مسلمون يجب أن توصف بـ”الإرهابيين”، وليس بـ”المسلمين”.

أما أستاذ الفقه والعلوم الإسلامية، الفرنسي من أصل باكستاني، شاكيل صدّيق، فقال إن “ماكرون يسعى لإنشاء نظام سلطوي في فرنسا”. 

وأضاف: “الغرض من استهداف ماكرون للمسلمين في فرنسا من خلال تصريحاته هو حثهم على ألّا يكونوا مختلفين عنه، فهو يريد من الجميع أن يفكر بطريقته”.

وشدد صديق على أن “الرئيس ماكرون يحاول وضع أجندة مصطنعة للتغطية على إخفاقاته، وإبقاء الفرنسيين الذين نزلوا إلى الشوارع بسبب المتاعب الاقتصادية والأزمة الوبائية داخل نطاق سلطته”.

ونصح صديق المسلمين بالتركيز على التنوير والمبادئ في الإسلام، بدلاً من التركيز على القضايا الخلافية، مشيراً إلى أن “خطاب ماكرون يتناقض مع مبادئ العلمانية التي تحدث عنها وعن أهميتها في كل جملة”.

وختم بالقول: “ماكرون يريد أن يتعلم المسلمون في فرنسا الدين من خلال المؤسسات التي تحددها الدولة، وأن هذا الوضع يتناقض في الواقع مع مبادئ العلمانية في فرنسا، وفصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى