آخر الأخبارالأرشيف

تونس المهمشة: معقل المرشحين للجهاد

تونس المهمشة.. معقل المرشحين للجهاد

La Tunisie de l’intérieur, foyer de départ de candidats au djihad

لوموند

لم يكن علي الشاذلي على علم بمشروع ابنيه عندما رحلا إلى سوريا حيث لقيا حتفهما: “كانا يصلّيان كما اعتادا ولم ألاحظ أمرًا مريبًا عنهما“.

دعانا الرجل العجوز إلى الجلوس بالقرب من شجرة العنب في مزرعتها الصغيرة في ريف منطقة سيدي علي بن عون. وصلنا إلى هناك بعد السير في طريق حجرية تحدّها أشجار التين الشوكي والزيتون، في سهل بالقرب من جبال سيدي عايش الشهيرة حيث يشير سكّان القرية إلى عصابات مسلّحة تقيم بين كهوف الجبال.

على بعد 250 كيلومترًا جنوب تونس العاصمة، يعدّ هذا المعقل السلفي في ولاية سيدي بوزيد عالمًا آخر؛ إذ إنّ هامشًا شبابيًّا هنا يحلم بالجهاد في العراق أو في سوريا أو في ليبيا وبدأ البعض في إدارة غضبهم نحو بلدهم.

التجنّد في تنظيمات متخاصمة

بدأت الأمور تأخذ منحى آخر بالنسبة إلى علي الشاذلي عندما تلقّى مكالمة من تركيا في عام 2012؛ إذ اتّصل به محمد ليسأله عن أخباره، ففهم المزارع أنّ ابنه الأكبر “لم يتوجّه إلى تركيا للسياحة“.

بعد أن أنهى تعليمه الجامعي، وجد محمد عملًا في تونس كحارس شخصي ويبدو أنّه اندمج في عمله الجديد؛ ممّا أذهل والده عند اختفائه في تركيا – قبل أن يمرّ إلى سوريا. لم تكن هذه آخر معاناة المزارع العجوز. فبعد عام، أتى دور ابنه الثاني راقي ليتصل به بعد أن اختفى لأيام. اتّصل من ليبيا. ثم أتت المكالمة الثانية بعد بضعة أسابيع، ولكن كان راقي هذه المرّة في سوريا وتحديدًا في الرّقة، “عاصمة” تنظيم الدولة الإسلامية؛ “ربّما لتأثّره بأخيه الأكبر” وفقًا للأبّ.

ومن السخرية أنّ الأخوين انضمّا إلى تنظيمين متخاصمين: انضمّ محمد إلى جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة، في حين التحق راقي بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية ولم يعودا مرتبطين، وعندما قتل محمد في يوليو 2013، أخبر راقي والده بالأمر ثمّ قتل راقي في غارة أمريكية على الرقّة في يوليو 2014، وعلم المزارع العجوز بوفاته بمكالمة هاتفية من صديق ابنه.

استياء من عدم الوفاء بالوعود

فقط في هذه القرية في سيدي علي بن عون، غادر بين 15 و20 شخصًا في السنوات الأخيرة تحت راية الجهاد إلى الجبهات الخارجية ولم تتوقّف هذه الظاهرة؛ إذ تظهر تونس الداخلية -المهمّشة والمحرومة من التنمية الاقتصادية على عكس الساحل المزدهر- أكثر توافقًا مع الإغراء الجهادي؛ ففي بداية شهر يوليو، أثار نبأ عبور 30 شابًا من قرية الرمادة (الجنوب الشرقي) من بينهم 3 عسكريين سويّة الحدود الليبية ضجّة في الرأي العام التونسي.

تعدّ تونس اليوم من أهم الدول المصدرين للمرشحين للجهاد، ووفقًا لتقرير أوّلي صادر عن مجموعة العمل التابعة للأمم المتّحدة حول “استخدام المرتزقة في تونس” الّذي نشر يوم 8 يوليو، يبلغ عدد التونسيين الملتحقين بساحات القتال خارج البلاد بـ 5500 شخص، في رقم أكبر بكثير من الـ 3 آلاف المتّفق عليهم حتّى الآن. أمّا الجديد في الموضوع، فيتمثّل في أنّ عدد الّذين توجّهوا إلى ليبيا يتراوح عددهم بين ألف و1500 شخص.

هذا التيّار مقلق على وجه خاصّ في تونس؛ لأنّها مستهدفة مباشرة من قبل فيلق المواطنين المدربين في ليبيا، فالهجومان على متحف باردو يوم 18 مارس 2015 وعلى سوسة يوم 26 يونيو ارتكبا من قبل أشخاص مدرّبين في ليبيا، وأشارا إلى حجم الخطر غير المسبوق. ومن أجل الحدّ من هذا الخطر، قرّرت الحكومة التونسية منذ شهر مارس الحدّ من مغادرة التونسيين الّذين تقلّ أعمارهم عن الـ 35، حيث باتت السلطات تفرض عليهم الحصول على ترخيص أبوي عند التوجّه إلى ليبيا والجزائر والمغرب وتركيا.

وفي سيدي بوزيد، حيث يثير المعقل السلفي في سيدي علي بن عون نقاشًا حادًّا، يأتي ردّ الدولة أمنيًا بحتًا؛ ممّا يثير شكوكًا واسعة النطاق؛ إذ تستاء سيدي بوزيد -مهد الثورة التونسية الّتي انطلقت في ديسمبر 2010- من عدم الوفاء بالوعود الاقتصادية والاجتماعية، إذ يقول المناضل اليساري الأمين البوعزيزي: “هناك خياران أمام الشباب المحبط الراغب في الفرار: الهجرة غير الشرعية أو الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية“.

تقليد المجاهدين

يأسف المحامي والحقوقي خالد عواينية لأنّ “الكثير من الشباب من حملة الشهادات العليا المعطّلين عن العمل لا يرون مستقبلًا إلا في حمل السلاح ضدّ الدولة“، والمرور إلى الفعل يسير نظرًا لتقليد المجاهدين؛ إذ يضيف الأمين البوعزيزي: “كانت هذه المنطقة الواقعة بين قفصة والقصرين وسيدي بوزيد معقلًا للثوّار، سواء كانوا الفلاقة ضدّ فرنسا أو القوميين العرب الّذين حاربوا في فلسطين. وتزخر المنطقة بقصص أسطورية“.

ولئن ظهرت أسطورة جديدة “داعش” منذ وقت قصير، فإنّها لا تستأثر على التاريخ كاملًا وفي حالة سيدي علي بن عون، هناك تابوهات، حقيقة مخجلة لا أحد يتحدّث عنها بصوت عال: يرسل المقاتلون المال من سوريا، إذ يعترف العجوز علي الشاذلي بتلقّي “مبالغ صغيرة” من ابنيه ولكنّه يصرّ على الحدّ من أهميّتها.

في حين يؤكّد المقرّبون من القرية أنّ التدفّقات المالية أكثر أهمية ممّا يظهره المقيمون فيها: إذ تحسّنت معيشة مزارع غادر ابنه للقتال مع تنظيم الدولة الإسلامية منذ رحيله، حيث كبر منزله وقطيع غنمه ونصب شاشة تليفزيون مسطّحة كبيرة وسط صالون بيته. وهكذا يصبح الجهاد وملحمة وهامشًا اقتصاديًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى