منوعات

ثعلب المخابرات الذي كشف شبكات تجسس إسرائيلية، وكرمه جمال عبدالناصر.. وفاة الفنان سمير الإسكندراني

أعلنت نقابة المهن الموسيقية وفاة الفنان سمير الإسكندراني، داخل منزله عن عمر يناهز 82 عاماً، ونعت النقابة في بيان نقلته صحيفة “المصري اليوم” “ثعلب المخابرات المصرية ضد الصهيونية”، إذ اشتهر المغني المصري بعمله مع المخابرات المصرية، وإسقاط أكثر من شبكة جواسيس إسرائيلية بعد خداع الإسرائيليين بأنه يعمل جاسوساً لصالحهم بإشراف من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر شخصياً.

في هذا التقرير، نستعرض أبرز المحطات في حياة الفنان المصري الراحل.

ولد الإسكندراني في حي الغورية في القاهرة (حي إسلامي أنشئ في عهد المماليك، يقع حالياً بالقرب من جامع الأزهر) بالعام 1938، ولد لأب يعمل تاجر موبيليا بسيطاً، لكنه كان محباً لأمسيات الأدب والغناء، وهو ما أورثه لنجله الذي أصبح مغنياً معروفاً بعد ذلك.

قررت أسرته الانتقال إلى حي آخر على بعد أقل من كيلومترين، لكن سمته لم يكن إسلامياً وتاريخياً، بل كان أكثر انفتاحاً على الجاليات الأجنبية، خصوصاً الإيطاليين واليهود، لذلك تعلم الإسكندراني الكثير عن ثقافات وعادات بل ولغات الأجانب، حيث أتقن 5 لغات، إضافة إلى لغته الأم؛ العربية.

تعدد اللغات والانفتاح الثقافي ساعد الإسكندراني في الحصول على منحة دراسية في إيطاليا قبل أن يكمل 20 عاماً، وكان تعلم الإيطالية أكثر أهمية لديه من غيرها من اللغات، إذ كان يحب فتاة إيطالية تدعى لويندا، كانت جارته في الحي الجديد، وأحب أن يتعلم لغتها لكي يتواصل معها، فكانت هي بمثابة الدافع الرئيسي لذلك.

سافر إيطاليا في العام 1958، حيث تعرف عليه شاب مصري يكبره بـ10 سنوات وكان يشاركه الخروج إلى المقاهي. لكنه بعد فترة اكتشف أن صديقه ينفق شهرياً ما يربو على 300 جنيه مصري رغم أن المنحة تعطيهم 50 جنيهاً فقط، وعندما سأله عن هذا المال قال إنه ترك الدراسة وعمل في تجارة الأسلحة، لكنه عرف عن طريق صديقة مشتركه أنه يحمل الجنسية الأمريكية، وهو أمر أثار ارتيابه وقتها وكان يعادل امتلاك جواز سفر إسرائيلي بالنسبة له. 

شعر الإسكندراني بالارتياب تجاه الشاب، حسب روايته التي حكاها أكثر من مرة في لقاءات تلفزيونية، لذلك ادعى أمامه أن جده الأكبر يهودي، وأسلم وتزوج جدته، ولكن أحداً لم ينس أصله اليهودي، مما دفع والده إلى الهجرة للقاهرة، حيث عرف أمه، ذات الطابع اليوناني، وتزوجها، وأنه أكثر ميلاً لجذوره اليهودية.

هنا تحديداً، اعترف الشاب المصري أنه يعمل ضابطاً لصالح الموساد الإسرائيلي، وحاول تجنيد الإسكندراني للعمل معهم لصالح منظمة إسرائيلية تدعى “منظمة الحبر الأبيض لمحاربة الشيوعية”، وعرفه على آخرين من جنسيات مختلفة حاولوا معرفة رأيه في حكومة عبدالناصر، وقال لهم إنه يكره مصر ونظام الحكم فيها، لكنها -حسب رواية الإسكندراني عن نفسه- كانت خدعة منه ليس إلا.

عُرض على الإسكندراني الكثير من المغريات للتجنيد، إذ قال إنه وُعد براتب شهري كبير ومكافآت عديدة، وبدأ بالفعل تدريبات مكثفة على طرق جمع معلومات عسكرية واستخدام الحبر السري، لكنه أطلع شقيقه الوحيد، سامي، على سره عندما زاره في إيطاليا.

وحكى أيضاً عن شخص ألماني يدعى جوناثان شميت قابله عن طريق الشاب المصري، وكان أول سؤال له هو عن رأيه في الحكومة، فأجاب الإسكندراني: “حكومة ديمقراطية”، وعندما جند كان شميت هو من يتواصل معه.

عاد سمير بعدها إلى مصر، وأخبر والده بما حدث، وأنه يريد التواصل مع الرئيس جمال عبدالناصر، وبالفعل تواصل مع خط الرئاسة والمسؤولين، ليستطيع في النهاية الحصول على موعد لدخول مبنى المخابرات المصرية، وهناك أصر أن يقابل الرئيس شخصياً، لأن “ثمن ما يدلو به من معلومات هو رقبته”، كما وصف وقتها.

عاد للمنزل، واستمر في زيارة قصر عابدين على مدار شهر ونصف عله يتمكن من لقاء عبدالناصر، وخلال تلك الفترة انقطع عن التواصل مع المخابرات الإسرائيلية، وفي النهاية تواصلت معه المخابرات المصرية وحددوا موعداً للقاء به في فيلا بسيطة بمنطقة مصر الجديدة.

هناك، قابل صلاح نصر مدير جهاز المخابرات العامة وقتها، كما دخل عليهم الرئيس جمال عبدالناصر، وأخبره سمير بما حدث، ليعطي عبدالناصر إشارة لنصر بالتعامل مع القضية، فيما أخبر سمير بالاستمرار في التواصل مع الاستخبارات الإسرائيلية. وتعتبر هذه اللحظة هي بداية تعامله مع المخابرات المصرية وتدريبه ولقائه بشكل سري.

“خدوني للرئيس في فيلا بسيطة بمصر الجديدة، ودخلنا صالون به صور للرئيس جمال عبدالناصر وأولاده وصورة للرئيس محمد نجيب، وبعد فترة أظنها لا تتعدى ربع ساعة دخل علينا الرئيس جمال عبدالناصر فهجمت عليه وبوسته وحاولت أبوس إيده ورفض، قلتله أنا محتاجلك وحكيت للرئيس كل ما تعرضت له في إيطاليا فأعطى إشارة البدء لصلاح نصر للتعامل معي، وكانت الوسيلة التي استقرت عليها المخابرات هي أن أستمر في العمل مع المخابرات الإسرائيلية” – سمير الإسكندراني عن لقاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

عاد تواصل الإسكندراني مع شميت، وكان يشكو إليه في خطاباته من احتياجه للمال، ويهدد بالتوقف عن العمل، وفي الوقت نفسه كان يرسل لهم عشرات المعلومات والصور، ثم طلب منه شميت استئجار صندوق بريد، ووصل إليه 3 آلاف دولار داخل عدة مظاريف كلها من داخل مصر، عرف عندها بوجود شبكة عملاء داخل مصر. 

عندما طلب شميت من سمير إرسال أفلام مصورة، أعلن خوفه خشية أن تقع في أيدي الجمارك ورجال الرقابة، عندها أرسل جوناثان رقم بريد في الإسكندرية، وطلب منه إرسال طرود الأفلام إليه، وبدأت خيوط الشبكة تتكشف.

قال الإسكندراني إنه تمكن من الإيقاع بـ 6 شبكات تجسس لصالح إسرائيل، واحدة استقال على إثرها مسؤولون بجهاز المخابرات الإسرائيلية، كما قال إن معلوماته ساعدت المخابرات المصرية على إفشال مخططات عديدة لاغتيال المشير عبدالحكيم عامر بعد أن فشلت محاولاتهم لنسف طائرة “اليوشن 14” عام 1956، وعرف بمحاولة تخطيطهم لاغتيال الرئيس جمال عبدالناصر عن طريق وضع سم طويل المدى في طعامه.

“أطلعت الرئيس على كل ما لدي وعلى تخطيطهم المتمثل في اغتيال المشير عبدالحكيم عامر بعد أن فشلت محاولاتهم لنسف طائرة اليوشن 14 عام 1956 في الجو، التي كانوا معتقدين أنه داخلها وكانوا يجندون لتلك العملية جاسوساً مصرياً اسمه إبراهيم رشيد، أما الأخطر فهو اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر عن طريق وضع سم طويل المدى في طعامه خاصة”  – سمير الإسكندراني عن لقاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

بعد عام ونصف من العمل لصالح المخابرات المصرية، عرفت المخابرات الإسرائيلية بعمله لصالح مخابرات بلاده، فقرروا الانتقام منه بقتل شقيقه سامي في النمسا، لكن المخابرات المصرية أعادته إلى مصر قبل ذلك.

وقد كرمه عبدالناصر، وعرف من وقتها في الصحف المصرية بلقب “ثعلب المخابرات المصرية”.

بعيداً عن حياة المخابرات، كان سمير محباً للفن، فكان محباً لأشعار بيرم التونسي، وألحان الشيخ زكريا أحمد، ودرس الفن في كلية الفنون الجميلة، كما أحب السباحة وشارك في بطولات عديدة بالسباحة في المسافات القصيرة، وفق موقع “مصراوي“.

عمل الإسكندراني في الإذاعة بالقسم الإيطالي، وغنى بالعربية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية والتشيكية، كما ظهر في مسلسل “الوليمة” عام 1979، و”فيلم دقات على قلبي” عام 1989، وشارك أيضاً بالغناء في مسلسلي الوليمة والطاحونة.

لم يثبت الإسكندراني على تقديم لون غنائي واحد في مسيرته الفنية، فغنى التواشيح والكلاسيكيات واللون الغربي بإيقاعات مختلفة، ومن أشهر أغنياته “طالعة من بيت أبوها”، التي كانت تراثاً غنائياً مصرياً يؤدى في الأعراس، كما غنى أيضاً “بنعاهدك يا غالية”، و”قولوا لحبيبي”.

كما لحن أيضاً أغنيتين لمحمد عبدالوهاب، وهما “لا تهجرني”، و”النيل الفضي”.

الإسكندراني الذي نعته وزارة الثقافة المصرية كان قد شارك في آخر عمل فني له في صيف 2018، إذ غنى في حملة دعائية تابعة لشركة الاتصالات الرسمية، لكنه بعد عام وتحديداً في يوليو/تموز 2019 خضع لعملية جراحية نتيجة تعرضه لاحتباس بولي، وبعض المشاكل في البروستاتا، واستقرت حالته نسبياً وقتها، ولم يظهر إعلامياً مرة أخرى حتى وافته المنية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى