تقارير وملفات إضافية

ثورة جياع قادمة.. ثلاثة سيناريوهات تواجه لبنان مع احتمالات الانهيار الاقتصادي

بعد أن وصلت البلاد لوضع اقتصادي كارثي بدأ المحتجون اللبنانيون يعودون إلى ساحات الحراك، وسط مخاوف من حدوث ثورة جياع في لبنان مع توقف النشاط الاقتصادي وقيام بعض المؤسسات بتسريح العمال.

وظنت قوى السلطة أن الناس قد أنهكت وأقتنعوا بالعودة إلى البيوت والتسليم بالأمر الواقع، ولكن الأزمة الاقتصادية التي تبدو بلا أفق، دفعت المحتجين للتوافد على أماكن الاحتجاجات التقليدية من أقصى الشمال في عكار مروراً بطرابلس وحتى العاصمة بيروت.

ويزداد الوضع سوءاً جراء فضائح لبنان الخارجية وآخرها حرمانه من حق التصويت في الأمم المتحدة لعدم دفع مستحقاته والتي قد لا تساوي رحلة خارجية لرئيس البلاد مع عائلته وصهره ومستشاريه. 

وفيما تتقاذف وزارتا المال والخارجية الاتهامات عن مسؤولية كل طرف عن الأزمة منع لبنان من التصويت، تتسابق الليرة مع هذه الفضائح لتسجل أعلى مستوى من الانهيار المالي والاقتصادي.

وتتفاقم أزمة المصارف التي تحتجز أموال الناس، حيث يقف المواطنون طوابير على أبوابها لا للتسول، بل ليحصل على حقه المشروع في الحصول على ودائعهم الأسيرة بين صراعات المصرف المركزي مع المصارف الخاصة.

والخاسر الوحيد هنا هو المواطن اللبناني غير القادر على سحب مرتبه وقوت عياله وحقوقه. 

ومع كل تلك السقطات يخرج حسان دياب رئيس الحكومة المكلف عن صمته.

فقد أعلنها مدوية أن جبران باسيل يسعى لفرض إرادته، معززاً هذا النفوذ بدعم صهره الرئيس. 

وترد الرئاسة على رئيس الحكومة المكلف على لسان وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي وتعلنها أن رئيس الجمهورية ليس ساعي بريد أو صندوق اقتراع في عملية التكليف والتسمية.

وبين كل تلك المسارات، ضاق صدر الناس وكأن لا ثورة خرجت ولا حكومة سقطت والتجاهل سيد الموقف وفي إطار التراشق والتراشق المضاد تشي مصادر رئيس الحكومة المكلف أن الرئيس ميشال عون «أرسل إلى رئيس الحكومة المكلف حسان دياب الوزير سليم جريصاتي، ليبلغه بأنه لم يُعد مرغوباً فيه كرئيس مكلّف، لكن دياب بقي على موقفه بعدم الاعتذار». 

وللمفارقة وليس صدفة في ظل هذه الأجواء أن يستقبِل عون النائب فؤاد مخزومي، وهو اسم مُرشّح لأن يكون بديلاً من دياب في حال اعتذر الأخير..

كان عام 2019 عام الإفلاس اللبناني كما يصفه البعض.

كبرى الشركات صرفت آلاف العاملين فيها نتيجة تراجع الوضع المالي والاقتصادي وحركة البيع والشراء.

وذكرت صحيفة «اللواء» أن أكثر من 140 ألف لبناني فقدوا أعمالهم في الأسابيع الماضية.

وكشف وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال كميل أبو سليمان، عن أكثر من 60 شركة تقدمت بطلب صرف جماعي في أقل من أسبوع، قائلاً: لا نقبل بأي صرف جماعي عشوائي، بل على الشركات إظهار بياناتها المالية، وبأنها تأثرت فعلاً بالوضع الاقتصادي.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من 35% نتيجة تراجع صرف الليرة وعدم تمكن التجار من الحصول على الدولار من الأسواق بسبب غلاء سعر الصرف، ورفض المصارف تزويدهم  بالدولار إلا بمعدلات طفيفة لا تساعد على شراء البضائع بالجملة من الخارج.

في حين بقيت التحويلات الخارجية تصرف بالليرة اللبنانية على سعر صرف مصرف لبنان أي 1515 ليرة للدولار الواحد في حين أن سعرها في السوق وصل إلى 2500 ليرة للدولار ما ينبئ بتصعيد محتمل سينعكس في الشارع مجدداً.

يتحدث أحمد وهو موظف مصروف من إحدى المصانع اللبنانية أنه تلقى إنذاراً بالصرف من وظيفته، نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول، المنصرم على الرغم من أن إدارة المصنع بدأت بخصم 50% من المرتبات قبل شهر من الإنذار.

يرفض أحمد اتهام المصنع بالمسؤولية عن أزمته ويؤكد أن ما يجري نتيجة استهتار السلطة بمصائر الناس والاستمرار بالتغطية على الهدر والفساد والسرقات.

ويقول أنه وخلال فترة وجيزة تم تصوير أن المسؤول عن الانهيار هي الانتفاضة في حين أنها ساهمت في وقف النزيف البطيء وجعلت السلطة ترتبك ما أدى لتلك النتائج.

يضيف قائلاً «السلطة مجرمة وسافلة ويؤكد أنه سينضم إلى جموع المتظاهرين في الساحات العامة وأمام الإدارات الرسمية والمصارف، لأننا نحلم أن تؤدي هذه الانتفاضة إلى محاسبة هؤلاء المجرمين ولو كانت على حسابنا لمدة معينة، ففي النهاية السكوت سيولد ألماً أكبر.

وسبق أن قالت حنين غدار، الباحثة بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، في تقرير لمجلس النواب الأمريكي: أن إفلاس الدولة اللبنانية أقرب من المتوقع.

إذ تقول: «لن تتمكن الدولة من دفع رواتب الموظفين في القطاع العام، ومن ضمنهم عناصر الجيش والقوى الأمنية. وسوف تكون المساعدات الخارجية ضروريةً لإنقاذ البلاد من الانهيار الكامل والفوضى التامة، ولكن لا يجدر تقديم هذه المساعدات دون شروط تضمن سيادة الدولة ووصول طبقة سياسية جديدة غير فاسدة إلى الحكم».

ويبدو أن استئثار إيران بالنفوذ في لبنان عبر حزب الله وضع الحزب في مواجهة هبّة لقطاع كبير من الشعب اللبناني بقيادة غير طائفية تحمل عقوداً من الكراهية لهذا النظام.

والأسوأ أنها بهذا الاستئثار منعت منافسيها اﻵخرين الذين كانوا يتقاسمون معها النفوذ في لبنان مثل فرنسا والسعودية وأمريكا، من التدخل لإنقاذ الاقتصاد اللبناني، في وقت لا تستطيع فيه إيران إنقاذ حتى اقتصادها.

تمتد الأزمة لتصل حتماً لتلك العائلات التي تعيش تحت خط التهميش والاستهتار الرسمي.

ففي طرابلس عاصمة لبنان الثانية نزحت مجموعة من العائلات الفقيرة لتنصب خيم في باحة معرض طرابلس الدولي والذي تمت إنشاؤه أصلاً لإقامة معرض تجاري دولي يهدف لتشغيل ذوي الدخل المحدود من المدينة.

تبرر هذه العائلات سبب نزوحها أنها غير قادرة على دفع إيجارات منازلها في ظل الأزمة المتراكمة ومنهم من يهدد منزله بالسقوط على رأس أولاده.

نكبة هؤلاء مضاعفة أصلاً، حيث يعيشون تحت خط الفقر في مدينة يتزعمها أثرى الشخصيات اللبنانية من أصحاب المليارات ويقطنها العديد من رؤوساء الحكومات والوزراء والنواب ممن صدروا أنفسهم كحماة الطائفة السنية وأسودها. 

لكن يبدو أن شجاعة هؤلاء لا تخرج إلا لتصيب ناخبيهم.

يتذكر هؤلاء الزعماء فقر سكان المدينة فقط كل 4 سنوات حيث يستخدمونهم عند استحقاقات انتخابية.

تمارس السلطة عليهم سياسة إعطاء السمكة بدلاً من شراء الصنارة للصيد، حتى يبقوا تحت كنف تيارات تمتهن استضعاف الناس.

نصب هؤلاء الخيم وأشعلوا الحطب للتدفئة وباتوا حديث الإعلام وسلطت كاميرات الشاشات اللبنانية عليهم، لكن الدولة في غيبوبة لا تبدو الصحوة منها قريبة.

وعلى خط الأزمات المعيشية الخانقة دعت قوى الحراك لتحركات واسعة تعيد للانتفاضة زخمها المعهود في محاولة لإعادة مشهد 17 أكتوبر/تشرين الأول وما بعده. 

بدأت التحركات منذ 5 فجراً بقطع الطرقات في كل المساحة اللبنانية، فيما صمدت مجموعات أخرى أمام المصرف المركزي بعد محاولة اقتحامه أمس.

وشهدت مدينة صيدا الجنوبية تصعيداً بين الجيش اللبناني والمتظاهرين. 

وأمام ترقب جماعات السلطة لانتفاضة الجياع، برزت خطوات تصعيدية طالت مجموعة من الوزراء والنواب من مختلف ألوان الطيف، حيث تجمهر الناس أمام مجموعة من المطاعم والمقاهي التي يرتادها هؤلاء وقاموا بطردهم ومنعهم من الجلوس مرتاحي البال بينما العائلات اللبنانية لا تتمكن من الحصول على قوت أبنائها اليومي.

هذا الحدث شكل عامل ضغط مستمر على أحزاب السلطة وعرابيها فيما بدا أنه رسالة مفادها «أنكم لستم في مأمن ولن تهنأوا بطعامكم طالما الواقع يزداد سوءاً».

بعد محاولات تدجينها تحت شعارات ضرورة الحفاظ على العام الدراسي، خرجت التحركات الطلابية مطلع الأسبوع الجاري من مختلف الجامعات الرسمية والخاصة والمدارس لتجوب شوارع المدن والقرى اللبنانية.

وتؤكد مجموعة من الناشطين في التحركات الطلابية أنها عائدة وبقوة وأن الحراك الطلابي سيكون العمود الفقري للانتفاضة الشعبية. 

وتشدد في الوقت نفسه أنها تتعرض للضغوط والتهديدات من الإدارات لمنعهم من الاستمرار في حلم العبور بلبنان نحو الأفضل. 

ويؤكد الناشطون أن الحديث عن خوف من تعطل العام الدراسي «مضحك» فمستقبل طلاب لبنان مجهول مع هذه السلطة المأزومة.

يرى المعارضون للنظام الحالي أن اللبناني يدفع حالياً ثمن سكوته 30 عاماً عن ممارسات الأحزاب التي كانت ميليشيات خلال الحرب الأهلية لترتدي بعد اتفاق الطائف بدلات زعامة الطوائف، ها هو اليوم يدفع ثمن السكوت في لقمة عيشه ومدخراته المصرفية الأسيرة دون معرفة زمان إطلاق سراحها.

وفي الأصل، كانت ميزتا لبنان الحديث النظام السياسي الفريد والنظام المصرفي. 

هذه الثنائية التي قام عليها لبنان انهارت اليوم. فالنظام الديمقراطي الذي نشأ عليه «سويسرا الشرق» أصبح أشبه بنظام قمعي مغلف بالديموقراطية التوافقية. 

وهي عبارة عن قاعدة سياسية يفرضها الطرف الأقوى، جسّدها حزب الله منذ عام 2006 إلى اليوم. بينما النظام المصرفي انهار أمام سياسات الهدر والمحاصصة.

في حين تمتنع الدول الصديقة عن دفع دولار واحد نتيجة عدم الثقة وإيمانها أن السلطة تبتلع الهبات غير آبهة بتعهدات ومشاريع خدماتية، إضافة إلى أن هذه الدول الصديقة أغلبها معاد لإيران وحزب الله، وتعتبر أن لبنان أصبح رهينة لهما.

وبينما حزب الله يمسك زمام البلد كتيار جارف يعاونه الوزير جبران باسيل كغطاء مسيحي إلزامي. 

لكن الأكيد أن لبنان لن يقوم بسهولة ومن دون عملية جراحية استئصالية. وهذا يفرض ثلاثة احتمالات لا بديل عنها: أن تستمر القوى السياسية الحاكمة (حزب الله والتيار العوني تحديداً) بقمع الثورة الشعبية والرهان على منطق القوة وأمر الواقع كعقلية فرضتها إرادة السلاح ليمثل تعزيزاً للسيناريوهات التي عاشها اللبنانيون منذ خروج الوصاية المخابراتية لنظام الأسد. 

وفي هذا الاحتمال ستكون النتيجة التسليم بوصاية حزب الله على البلد لتكريس هذا الوجه المستمر للاستبداد. وقد يرتضي المجتمع الدولي هذا السيناريو باسم الاستقرار.

ولكن يبدو أن الولايات المتحدة والسعودية وبصورة أقل فرنسا تراهن على تفاقم الوضع المالي، للحصول على تنازلات في أمور يعتبرها الحزب خطاً أحمر.

أما الاحتمال الثاني، هو اعتراف  القوى الحاكمة بما اقترفته وتسببت به، والموافقة على تشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات والدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة تكون الحكَم بين السلطة والشعب.

بينما الاحتمال الثالث، أن يستعيد الشباب اللبناني زخم انتفاضته في الثورة لإعادة فرض قواعد جديدة، يتمكن من خلالها من انتزاع حقوقه بيده، وعدم ترك فرصة للقوى التي أدت إلى انهيار لبنان لتستعيد قوتها مجدداً. 

وهذا يفترض الاستعداد لصراع طويل على غرار تجارب كثيرة.. المشكلة أن هذا السيناريو قد لا يخلو من احتمالات العنف أو الفوضى، الأسوأ أنه قد يعني مزيداً من الانهيار الاقتصادي.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى