كتاب وادباء

جففوا نهر الفساد قبل أن تغرق البلاد…!؟.

جففوا نهر الفساد قبل أن تغرق البلاد…!؟.

بقلم الأديب الكاتب

السعيد الخميسى

السعيد الخميسى

* يقول الحق عز وجل ” ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون . ” ولخطورة الفساد على أي مجتمع فقد جاء ذكر ه فى القران الكريم فى خمسين موضعا كلها مشتقة من مادة ” فسد “. والفساد في الأرض هو مرادف الظلم والكفر والكذب على الله . أما الفساد بمفهومه السياسي فله معاني شتى منها إساءة استخدام السلطة وعدم تطبيق مبدأ العدالة والمساواة بين الناس , لأن هناك قاعدة عامة مفادها أن أي نظام سياسي مطلق هو معرض في الأساس إلى الممارسات السياسية الفاسدة، وهذه الممارسات تتنوع أشكالها وصورها بين الرشوة والعمولات والمحسوبية واستغلال النفوذ وغسيل الأموال ومصادرة حق الشعب فى الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية . فالحكم المطلق هو فساد مطلق . والفساد المطلق هو سوس ينخر فى جسد المجتمع لايتركه إلا عظاما نخرة واهية . وهذا بداية انهيار المجتمعات .

* يقول ” الضحاك “”  كانت الأرض خضرة لا يأتي ابن  آدم شجرة إلا وجد عليها ثمرة ، وكان ماء البحر عذبا وكان لا يقصد الأسد البقر والغنم ، فلما قتل قابيل هابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحا زعافا وقصد الحيوان بعضها بعضا .” فماذا لوعاش الضحاك ليومنا هذا وشاهد دماء المصريين وهى تسيل جهارا نهارا فى الشوارع والميادين والطرقات..؟ . إن القتل بغير حق هو أبشع صور الفساد اليوم . كما أن الطغيان هو توأم الفساد فقد قال الله عز وجل ” الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ” فالطغيان والفساد متلازمان لاينفصلان وحدث ولاحرج عن 30 سنة كاملة اعتقل فيها نظام الفاسد مبارك شعب مصر وطغى عليهم وجعل أعزة أهلها أذلة . حتى صارت مصر تتسول رغيف خبزها وعلبة دوائها وما يستر عورة أهلها .

* سأل طفل والده عن الفساد السياسيفأجابه : لن أخبرك يا بني لأنه صعب عليك في هذا السن ، لكن دعني أقرب لك الموضوع , أنا اصرف على البيت لذلك فلنطلق علي اسم “الرأسمالية” , وأمك تنظم شؤون البيت لذلك سنطلق عليها اسم “الحكومة” , وأنت تحت تصرفها لذلك فسنطلق عليك اسم” الشعب” . وأخوك الصغير هو أملنا فسنطلق عليه اسم” المستقبل” . أما الخادمة التي عندنا فهي تعيش من ورائنا فسنطلق عليها اسم” القوى الكادحة” . فاذهب يابنى وفكر عساك أن تصل إلى نتيجة . وفى الليل ذهب الطفل يفكر فى الموضوع  ولم يستطع أن ينام  فقام قلقا من فراشه فلما سمع أخاه الصغير يبكى ذهب إليه فوجده بدون حفاضة وذهب ليخبر أمه فوجدها غارقة فى النوم ولم يجد والده . فذهب ليبحث عنه فى أرجاء البيت فسمع صوته يضحك مع الخادمة فذهب إلى فراشه . وفى الصباح قال لأبيه : لقد عرفت معنى الفساد السياسي , عندما تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحة وتكون الحكومة نائمة فى سبات عميق عندها يصبح الشعب تائها ومهملا ويصبح المستقبل غارقا فى القذارة  . تعجب الأب كيف وصل ابنه لهذه النتيجة….!؟.

* إن صور الفساد فى مصر عتيقة وقديمة ومركبة . هل يعقل أن كبار المسؤولين فى وزارة التربية والتعليم يجلسون فى مكاتب فخمة وضخمة ومكيفة ومحاطة بالأشجار والنخيل والحدائق من كل جانب وكأنهم فى ملهى ليلى , وفى الوقت ذاته فإن الطلاب محشورون فى الفصول كعلب السردين المعلبة يتنفسون الأتربة والغبار ويجلسون القرفصاء على الأرض . إن كبار المسئولين في الدولة يعالجون خارج مصر بملايين الجنيهات , وفي المقابل معظم المواطنين لا يجدون ثمن العلاج ، ومعظم مستشفيات الحكومة لا تتوفر فيها الإمكانيات والخدمات التي لا يمكن مقارنتها بالعلاج على نفقة الدولة في الخارج . ولا يخفى على أحد وسائل المواصلات التي تسخرها الدولة لهؤلاء الوزراء بينما بعض موظفي الدولة لا زال يركب الدواب . كما لاننسى كبار الموظفين الذين يتقاضون الملايين فى الوقت الذى يتقاضى فيه صغار الموظفين الملاليم . فكل هذا فساد في الأرض وكان أجدر بمشايخنا الذين صدعونا بالحديث عن النقاب والحجاب ورضاع الكبير أن ينطقوا بالحق ويظهروا حقائق الإسلام من القرآن ويوقفوا هذا الفساد في حق البلاد والعباد ، لكي يأخذ كل مصري حقه في ثروات بلده لنعيش جميعا في عدل ومساواة.

* إن من أكبر صور الفساد أن يشعر الناس بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية .  وأنهم غرباء فى هذا الوطن . لايتمتعون بأبسط حقوقهم الآدمية من مأكل وملبس ومشرب وعلاج وعمل وحرية . إن هذا الإحساس يفقد المواطن الانتماء لوطنه لأنه لايحقق له العيش الكريم طيلة حياته , هذا فضلا عن الإحساس بأن الوطن فيه تمييز عنصري وطبقي , وأن شبكة القانون لاتنصب خيوطها إلا على الضعفاء , أما الأقوياء فهم كسمكة القرش الذين يمزقون شبكة القانون بأنيابهم ويخرجون من كل تهمة وجريمة خروج الشعرة من العجين . مادام الأمر كذلك فان الفساد صار يتمتع بجنسية هذا الوطن ولا يستطيع أحد مهما علا شانه أن ينزع عن الجنسية المصرية عن هذا الفساد التي حصل عليها بحكم الاقدمية..!؟.

* لقد أكد حقوقيون، أن فاتورة الفساد في مصر تبلغ نحو 800 مليار جنيه ، يهدرها الفساد سنويا ، مشيرين إلى أنه ليس في مصر خطة واضحة لمكافحة الفساد، مستبعدين إمكان إعادة الأموال المهربة، في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك . ففي 26 سبتمبر 2009 جاء ترتيب مصر 115 على مستوى 180 دولة، متراجعا عن عام 2007 الذي كان 105 وعن عام 2006 الذي كان 70. وكشفت صحيفة الجار ديان  البريطانية عن ثروات هائلة بعشرات المليارات للرئيس المخلوع حسني مبارك وعائلته قدرتها بنحو 70 مليار دولار أمريكي، تتركز غالبيتها في أرصدة في بنوك بريطانية وسويسرية وعقارات في لندن ونيويورك ولوس أنجلوس، فضلاً عن امتلاك مساحات راقية واسعة في مدينة شرم الشيخ على شواطئ البحر الأحمر . فمن يحاسب هولاء اللصوص ..؟.

*   وتقدر الصحيفة ثروة مبارك الشخصية بـ”15 مليار دولار” أغلبها من عمولات في صفقات سلاح وصفقات عقارية مشبوهة في القاهرة ومناطق الاستثمار السياحي في الغردقة وشرم الشيخ، وتشير إلى أن ثروة مبارك بلغت في العام 2001 نحو عشرة مليارات دولار أغلبها أموال سائلة في بنوك أميركية وسويسرية وبريطانية . وتؤكد مصادر الصحيفة أن جمال مبارك يملك وحده ثروة تقدر بـ17 مليار دولار موزعة على عدة مؤسسات مصرفية في سويسرا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا . أما سوزان مبارك فتقول الصحيفة نقلا عن تقرير سري تداولته جهات أجنبية عليا، أنها دخلت نادي المليارديرات عام 2000، وتتراوح ثروتها بين 3 و5 مليارات دولار معظمها في بنوك أميركية، إلى جانب عقارات في عدة عواصم مثل لندن وفرانكفورت ومدريد وباريس ودبى . فمن يحاسب هولاء الذين نهبوا البلاد وأذلوا العباد..؟.

** ياقومنا .. أفيقوا من سباتكم العميق لأن بلدكم مصر غارقة حتى أذنيها فى بحر متلاطم الأمواج من الفساد الأسود الذي لم يترك شبرا واحدا فى هذا الوطن إلا ورتع فيه . إن كل مؤسسات الدولة وبلا استثناء تغلغل فى أحشائها جرثومة الفساد . ولايمكن تطهير هذا الفساد وغلق مؤسساته واقتلاع جذوره إلا بإصلاح سياسي يبدأ باحترام إرادة الشعب وحريته فى اختيار من يحكمه . وأن يقف المواطنون سواسية أمام القانون . وأن تسن قوانين لتجريم الفساد وتزوير الانتخابات والانقلاب على إرادة الشعب . إن لم تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد إلى حين . وستعيش الأجيال القادمة تحت خط الفقر تعانى الأمية والجهل والتخلف , وستعود مصر إلى الوراء آلاف السنين كعهد قدماء المصريين . الحل أن تعود تلك الدولة إلى شعبها ليكون هو صاحب الريادة والسيادة دون وصاية خارجية من أعداء الوطن الذين يتربصون به ليل نهار .
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى