ثقافة وادب

حارب الكنيسة وغيّر مذهب إنجلترا لأجلها، ثم أعدمها.. قصة حب الملك هنري وآن بولين

تزوج هنري الثامن 6 مرات، وكان له عدد من العشيقات، لكنه لم يفعل في سبيل إحداهن كما فعل في سبيل آن بولين.

فقد قاده هوسه بها إلى مخالفة التعاليم الدينية المسيحية وتحدّي سلطة الكنيسة الكاثوليكية، وإعلان بطلان زواجه من كاثرين زوجته الأولى، وعدم الاعتراف بشرعية ابنته منها، والتخلي عن ابنه الذي أنجبته إحدى عشيقاته.

لكن الغريب أن علاقة العاشقين تدهورت بسرعة قياسية بعد الزواج، ووجه الملك اتهامات خطيرة لآن مثل ممارسة السحر الأسود وزنا المحارم والخيانة العظمى، فكيف وصلت الأمور بينهما إلى هذا الحد؟ تعالوا نروِ لكم القصة من البداية:

كان هنري الثامن الذي تربع على عرش إنجلترا ما بين عامي 1509 و1547 جذاباً وبارعاً في الخطابة، وقبل أن يقع في غرام آن بولين كان متزوجاً من كاثرين الأرغوانية وله منها ابنة تدعى ماري.

إلى جانب البرود الذي أحاط بعلاقة الملك وزوجته، كان هنري الثامن يرغب بشدة بإنجاب ذكر يرث عرشه لاعتقاده أن البنات لا يصلحن للحكم والمحافظة على وحدة أسرة تيودور وفرض السلام الذي تحقق بعد حرب الوردتين.

وقد فشلت كاثرين في تحقيق مراده، إذ توفي جميع أطفالها الذكور إما أثناء الولادة أو بعد إنجابهم بأيام، الأمر الذي دفعه لاتخاذ عشيقة تدعى “ماري بولين”، شقيقة آن الكبرى.

كانت ماري بولين وصيفة للملكة كاثرين زوجة هنري الثامن ما بين عامَي 1519 و1529، وفي حين كانت ماري تستطيع أن تصل إلى مراتب عالية في قلب الملك – كما فعلت شقيقتها – ارتضت لنفسها بدور العشيقة.

وقد أنجبت ماري طفلاً يعتقد أنه من هنري الثامن، إلا أن الملك لم يعترف به مطلقاً، وتقول بعض الروايات إن ذلك كان بسبب آن شقيقة ماري التي استحوذت على قلبه وتفكيره.

ففي الوقت الذي كان فيه هنري على علاقة بماري بولين، قابل شقيقتها الصغرى آن في بلاطه وافتتن بها، فقد كانت شديدة الجمال، قوية الحضور ومتعددة المواهب.

ومنذ ذلك الحين، أهمل الملك ماري تماماً، وبدأت مساعيه المحمومة للحصول على قلب آن، التي لم تكن لترضى بدور العشيقة كما فعلت أختها، وكان شرطها الوحيد للقبول بالملك الذي بقي فترة طويلة يتودَّد إليها محاولاً إيقاعها بشباكه هو أن تصبح ملكته.

هام هنري الثامن بآن بولين منذ أن قابلها أول مرة في عام 1525، لكنها كانت تصده في كل مرة يحاول فيها أن يتقرب منها.

وربما كان هذا الرفض هو السبب الذي جعل هنري الثامن يتعلق أكثر بآن بولين، ويفعل المستحيل ليتمكن من الحصول عليها.

لكن آن لم تكن تريد أن ينتهي بها المطاف بأختها التي حملت بطفلين غير شرعيين من الملك، ولم تقبل أن  تخضع لرغباته إلا في حال فسخ زواجه من كاثرين وتنصيبها ملكة على عرش إنجلترا.

إلا أن إلغاء زواجه من زوجته الأولى أو حتى الزواج مرة ثانية يعتبر مخالفة صريحة لتعاليم الكنيسة الكاثوليكية، الأمر الذي وضع هنري الثامن في مأزق، إذ كان عليه أن يختار ما بين ولائه للكنيسة وحبه لآن بولين.

حسم هنري الثامن أمره وقرر أنه سيتزوج آن بولين مهما كان الثمن، وفي سبيل ذلك ضغط على ممثلي الكنيسة في إنجلترا لإصدار قرار ينص على أن زواجه من كاثرين يعتبر باطلاً وأنه بناء على ذلك يستطيع الزواج بأخرى.

لكن الكنيسة الكاثوليكية في روما عارضت هذا القرار، الأمر الذي ترتب عليه انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين روما وإنجلترا وانفصال كنيسة إنجلترا عن السلطة البابوية وحل الأديرة وتعيين هنري لنفسه رأساً لكنيسة إنجلترا.

وبالرغم من أن الملك مؤمن في قرارة نفسه بالتعاليم الدينية الكاثوليكية، فإن حبه لآن أعماه لدرجة لم يمانع معها من مخالفة تعاليم الكنيسة التي أقرت بعدم شرعية زواجه من بولين واعتباره باطلاً.

ولم يعترف كذلك كثير من العامة بصحة هذا الزواج، إذ اعتبروه باطلاً دينياً، ومن جهة أخرى رفض بعض النبلاء والأساقفة هذا الزواج، لمخالفته للتعاليم الدينية.

لكن سرعان ما تم قمع المعارضة لسياسات هنري الدينية في إنجلترا، فقد تعرض عدد من الرهبان المعارضين للتعذيب، ثم قطعت رؤوسهم في برج لندن بعد إدانتهم بتهمة الخيانة العظمى، الأمر الذي أرهب بقية المعارضين ودفعهم لالتزام الصمت والاعتراف بشرعية هذا الزواج.

بعد أن تمت تنحية كاثرين ونفيها من القصر، حلت آن بولين مكانها كملكة لإنجلترا وتوِّجت بتاج القديس إدوارد الذي كان يستخدم لتتويج الملوك.

كانت آن حتى قبل زواجها من الملك صاحبة سلطة سياسية في إنجلترا، فقد كانت لها سلطة قبول الالتماسات ومقابلة الدبلوماسيين، والتوسّط لدى الملك، كما منحت لقب “ماركيزة بيمبروك”، لتصبح بذلك من أغنى وأهم النساء في المملكة.

وبعد أن أصبحت ملكة باتت تتدخل حتى في سياسات إنجلترا الخارجية، إذ سعت إلى توطيد العلاقة مع فرنسا بعد عهد من الاضطرابات بين البلدين، كما كانت لها سلطة واسعة مكّنتها من التخلص من جميع أعدائها السياسيين.

وقد كان العامة يصفونها بـ “عاهرة الملك”، إذ يلقون باللوم عليها في سياسات زوجها الظالمة من جهة، وفي بذخها وتبديدها للأموال من جهة أخرى، على الرغم من أنهم تعاطفوا معها في نهاية الأمر، بعد المصير الذي لقيته من زوجها.

بالرغم من الحروب التي خاضها هنري للحصول على آن كزوجة له، فإن الزوجين استمتعا بفترة قصيرة فقط من الهدوء قبل أن تشتعل المشاكل بينهما.

لم يكن الملك والملكة سعيدين في حياتهما الزوجية، فبعد أن أنجبت آن بولين ابنتها الأولى إليزابيت أجهضت مرتين كانت تحمل صبياً في إحداهما.

وتزايُد الضغوط عليها لإنجاب وريث ذكر جعلَها سريعة الانفعال وحادة الطباع، الأمر الذي أثر سلباً على علاقتها بالملك.

وقد وصل بينهما الأمر إلى أن الملك اعتبر عجزها عن إنجاب وريث خيانةً له، وبدأ يناقش فرص تركه لها دون الاضطرار للعودة إلى زوجته السابقة.

واتخذ هنري الثامن في هذه الأثناء عشيقة جديدة تدعى جين سيمور، الأمر الذي زاد التوتر بينه وبين زوجته إلى درجة أنه أعلن أن آن دفعته إلى هذا الزواج عن طريق السحر الأسود، وكان ذلك مبرراً ليقوم بدعوة عشيقته الجديدة لتسكن معه في القصر الملكي.

هناك عدة روايات حول نهاية آن بولين واتهامها بالزنا، وزنا المحارم، فبعض المؤرخين يقولون إن هذه الاتهامات التي وُجهت لها ما هي إلا مكائد نسجها وزير الملك آنذاك، توماس كرومويل.

فبالرغم من أن العلاقة كانت طيبة بين آن بولين وكرومويل في البداية، فإنهما اختلفا حول سياسة إنجلترا الخارجية، إذ كانت آن تميل إلى توطيد العلاقات مع فرنسا على عكس كرومويل، الذي يفضل توطيد العلاقات مع روما.

كما اختلف الاثنان بحسب المؤرخين على طريقة تقسيم ثروات الكنيسة، فبينما كانت آن بولين تميل إلى توزيع المال على المؤسسات الخيرية والتعليمية، كان كرومويل يفضل تكديس الأموال في خزانة الدولة، كي يتسنى له الحصول على جزء منها.

وبما أن آن كانت تشكل تهديداً مباشراً لوزير الملك، سعى كرومويل إلى تشويه صورتها بأعين الملك بعد تلفيق تهم الزنا لها مع أحد النبلاء المقربين منها، وموسيقي وشاعر، ومع سائس الملك الخاص، بالإضافة إلى وجود علاقة محرمة بينها وبين أخيها جورج بولين.

إلا أن بعض المؤرخين يجدون أنه لا علاقة لوزير الملك بتلك الاتهامات التي كانت مجرد دراما زوجية ملكية، من تأليف هنري الثامن، دفعت آن بولين حياتَها في النهاية ثمناً لها.

وفي 2 مايو/أيار 1536، اعتقلت الملكة، ثم اقتيدت إلى برج لندن، واحتجزت هناك إلى أن تم قطع رأسها أمام حشد من الناس.

وقد خفَّف الملك الحكم على زوجته السابقة، إذ إن عقاب التهم الموجهة إليها كان الحرق حتى الموت، إلا أنَّ هنري الثامن اكتفى بقطع رأس آن بولين.

وقد ذكر أنتوني كينغستون، حارس البرج، أنَّ آن كانت تبدو سعيدة للغاية، وعلى استعداد للموت.

وبعد مقتل الملكة، حكم على خمسة رجال بالإعدام، بمن فيهم جورج بولين، بتهمة الزنا والخيانة العظمى والتخطيط لقتل الملك مع آن بولين، بالرغم من عدم وجود أدلة مقنعة.

فيما بعد نسجت العديد من الأساطير حول بولين، فقد قيل إنها كانت تعمل بالسحر، وإنها كانت دميمة الوجه، ولديها 6 أصابع في يدها اليمنى، لكن استخدامها للسحر كان سبباً في وقوع الملك في غرامها.

كما خلدت ذكراها لاحقاً في العديد من الأعمال الفنية والمسرحيات والأفلام، ولعل أبرز عملين تناولا حياتها هما فيلم The Other Boleyn girl، بطولة نتالي بورتمن، وفيلم The Tudors من بطولة نتالي دورمر.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى