اخبار إضافيةكتاب وادباء

حركة تحرير المرأة الوجه الآخر معركة الحجاب من المرقصية إلي الإسماعيلية

بقلم المحلل والناقد السياسى

شوقي محمود
فيينا – النمسا

تناول كثير من الباحثين والكُتاب خلفيات استهداف المرأة المسلمة من قبل رموز العلمانية وأزلام الاحتلال وتلامذة المستشرقين، والعنوان الأبرز في تلك المعركة كان “الحجاب”، وصدرت كثير المؤلفات تفند تفاصيل تلك المعركة، منها: “الإسلام والحضارة الغربية” للدكتور/ محمد محمد حسين، “واقعنا المعاصر” للأستاذ/ محمد قطب”، “معركة الحجاب والسفور” الجزء الأول من كتاب “عودة الحجاب” للشيخ/ محمد إسماعيل المقدم.

وفي هذا المقال أتناول الموضوع من زاوية مختلفة، وأحسب أنه لم يسبق لأحد تطرق إليها، فقد مرت “معركة الحجاب” بمحطات رئيسية لا يعلم خلفياتها كثير من الناس… وتلك هي أبرز المحطات:

محطة كرومر!!

لعب المندوب السامي البريطاني اللورد كرومر دوراً كبيراً في تسميم الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية بمصر – من خلال صالون الأميرة نازلي فاضل- واستطاع كرومر من تجنيد مجموعة من دعاة التغريب، أطلق عليهم “رواد الحركة الإصلاحية”، راجع مقال: “سعد زغلول صنيعة كرومر”:
https://www.facebook.com/shawky.mahmoud.5445/posts/2375004289251109
جاهر كرومر بعدائه للإسلام، واعتبره سبب تخلف المجتمعات الشرقية، وما أسماه “المكانة المزرية للمرأة المسلمة”!!
وكما جاء في كتاب “مصر الحديثة Egypt Modern” قوله:
“إن مكانة المرأة في مصر، والدول المحمدية عموماً، هي عقبة قاتلة أمام تحقيق هذا الارتفاع في الفكر والشخصية التي يجب أن تصاحب الحضارة الغربية”.
“The status of women in Egypt, and Muhammadan countries in general, is a fatal obstacle to achieving this rise in thought and personality that must accompany Western civilization”.

وبناء علي ذلك تحركت أذرع كرومر تحشد أسلحتها لتحرير “المرأة المسلمة”!!

كرومر يعادي المرأة البريطانية!!

“مكافحة منح المرأة حق الاقتراع Anti-suffragism” حركة سياسية كانت تتكون من رجال ونساء، ونشأت في أواخر القرن التاسع عشر بهدف منع منح المرأة حق التصويت في الانتخابات!!
وانتشرت هذه الحركة في كل من المملكة المتحدة (بريطانيا العظمي) وأيرلندا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.

وفي الوقت الذي كان فيه اللورد كرومر يذرف الدمع علي “حقوق المرأة المسلمة” في مصر، كانت المرأة في بريطانيا العظمي محرومة من كافة حقوقها، وكان كرومر حاضراً في المشهد!!

فبعد قرار حكومته إنهاء مهامه في مصر-عقب حادثة دنشواي- تفرغ كرومر لقيادة حملة ضد النساء البريطانيات، وقام بعدة خطوات في هذا الصدد:

– في ديسمبر 1908 أسس في لندن “لجنة الرجال لمناهضة حق المرأة في الاقتراع”.
The Men’s Committee for Opposing Woman Suffrage

– في 19 يناير 1909 أنشأ كرومر “رابطة الرجال لمعارضة حق المرأة في التصويت بالانتخابات” The Men’s League for Opposing Woman Suffrage

– في 21 يوليو 1818 تأسست الرابطة الوطنية النسائية لمكافحة منح المرأة حق الاقتراع” The Women’s National Anti-suffrage League

– في ديسمبر 1910 تم تأسيس: “الرابطة الوطنية لمعارضة حق المرأة في التصويت بالانتخابات في المملكة المتحدة” برئاسة اللورد كرومر.
The National League for Opposing Woman Suffrage

تأسيس هذه الرابطة تم بدمج “الرابطة الوطنية النسائية لمكافحة تصويت المرأة بالانتخابات” مع “رابطة الرجال المضادة للمرأة”!!
وتوسعت رابطة كرومر لتطالب بإلغاء كافة حقوق النساء المنصوص عليها في النظام السياسي بالمملكة المتحدة!!

مقال هاريسون!!

كانت صحيفة “التايمز” البريطانية منذ عام 1906 وحتي 2007 الصوت الأعلى للمعارضين للمساواة بين الرجال والنساء!!
عضو الرابطة الوطنية النسائية لمكافحة الاقتراع السيدة/”اثيل بيرثا هاريسون”Ethel Bertha Harrison كتبت مقالاً بـ”التايمز” في 22 يوليو 1908 تحت عنوان “تقسيم المهام” تبين فيه أن وظيفة المرأة الأساسية في رعاية بيتها، وقالت: “تقسيم المهام هو حجر الزاوية في الحضارة، وينبغي على النساء الامتناع عن الانضمام إلى المطالبين بمنح التصويت، المرأة سوف تفشل في عملها الخاص”.
A ‘division of functions’ is ‘the keystone of civilisation’, and women should refrain from entering wanted. the vote – women would fail in their „own special work“
…………………………….

ظل وضع المرأة في بريطانيا علي حالة حتي وفاة اللورد كرومر في 29 يناير عام 1917، ثم بدأت مرحلة إصدار القوانين تأييداً لأنصار المساواة!!

– في 6 فبراير 1918 أصدر البرلمان “قانون تمثيل الشعب”
Representation of the People Act
وينص علي: “منح المرأة حق التصويت في الانتخابات إذا بلغت 30 عاماً، وللرجل إذا كان عمره 20 عاماً”!
– وفي 2 يوليو 1928 صدر قانون “تمثيل الشعب – الامتياز المتساوي”
“Representation of the People -Equal Franchise Act”
ومنح النساء حق التصويت ابتداء من21 سنة أسوة بالرجال!!

محطة قاسم أمين

في عام 1893 نشر الدوق الفرنسي دي دركور Duc de Darkore كتاب (مصر والمصريين Egypte et les Egyptiens) سخر فيه من أحكام الإسلام في الحجاب وتعدد الزوجات،الاختلاط بين الرجال والنساء!!
فرد عليه قاسم أمين في كتاب بعنوان: “المصريون” فند فيه تلك الأراء:
– الحجاب وعدم الاختلاط: “إن ديننا أوصى بأن يكون للرجال مجتمعهم الذي لا تدخله امرأة واحدة، وأن يجتمع النساء دون أن يقبل بينهن رجل واحد، لقد أراد بذلك حماية الرجل والمرأة مما ينطوي عليه صدرهما من ضعف، والقضاء الجذري على مصدر الشر” .
وأضاف: “إن لنا نظاماً يرسخ من الاتحاد بين الزوجين، فلا نعرف نساءً غير نسائنا، كما لا تعرف زوجاتنا رجالاً غيرنا، وهذا ما يجعلنا أزواجاً متفاهمين”.
– عن تعدد الزوجات: “نستطيع أن نخلص -كما رأينا- إلى أن تعدد الزوجات قد أقر ليضمن المأوى للمرأة والأبوة الأكيدة الدائمة للأبناء”.
– عن الطلاق: “إن حرية الطلاق شيء حسن، وإنها توثق روابط الزواج بدلاً من إضعافها”.

قاسم أمين ينقلب علي عقبيه!!

غضبت الأميرة نازلى فاضل (الذراع الأيمن لكرومر) علي ما جاء في كتاب “المصريون”، لأنه يهدد مخططات اللورد!!
هنا تدخل محمد عبده “الشيخ المعمم” وأمر قاسم أمين بتصحيح “خطأه”، بتأليف كتاب ينبذ فيه تلك الأفكار، فانصاع قاسم أمين، وأصدر كتاب “تحرير المرأة” الذي طُبع علي نفقة نازلي، وجاء فيه:

– المرأة مساوية للرجل في كل شيء، وإن تفوقه البدني سببه استعمال العضلات.
– الانتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات الإسلامية لا للتعبد ولا للأدب، بل هما من العادات القديمة السابقة على الإسلام والباقية بعده، وهي عادة عرضت على المسلمين من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين منها براء،!!
وأضاف: الحجاب ليس عائقاً عن التقدم فحسب بل هو مدعاة للرذيلة وغطاء للفاحشة في حين أن الاختلاط يهذب النفس ويميت دوافع الشهوة.

ثم ألف قاسم أمين كتابه الثاني (المرأة الجديدة) وركز فيه علي ضرورة خلع المرأة المسلمة حجابها، فقال: “ليس من الممكن أن تصل المرأة إلى هذه المنزلة الأدبية مادامت في الحجاب ولكن من السهل جدا أن تصل إليها بالحرية كما وصلت إلي غيرها من النساء الغربيات”!!

محطة الكنيسة المرقصية الأرثوذكسية

في فيلم “بين القصرين” قصة نجيب محفوظ واخراج حسن الإمام كان الترويج لقسيس أرثوذكسي يدعي “مرقص سيرجيوس”، باعتباره رمز للوحدة الوطنية!! سيرجيو أحد زعماء الكنيسة المرقصية الأرثوذكسية، وكان يشغل منصب وكيل مطرانية سوهاج، وهو أول قسيس يعتلي منبر الأزهر، وكان يستهل خطبه بالبسملة “بسم الله الرحمن الرحيم”، وهو صاحب شعار “يحيا الهلال مع الصليب” والذى تبناه حزب الوفد شعاراً له!! وأطلق سعد زغلول علي سيرجيوس لقب “خطيب الثورة الأول”!!

أبرز ما جاء في خطب سرجيوس:
> “إذا كان الإنجليز يتمسكون ببقائهم في مصر لحماية الأقباط، فليمت الأقباط وليعش المسلمون أحراراً”!!
> “إن الوطن لله، وإن عبادة الوطن هي وعبادة الله سواء”!!

وبعيداً عن المواقف الدعائية لـ “سرجيوس”، إلا أن الكنيسة المرقصية كانت داعماً رئيسياً للحركة النسوية المعادية للإسلام، ومثال ذلك:

* في 8 يناير سنة 1920 استضافت الكنيسة مؤتمراً للنساء المتمردات علي الحجاب، بمقر بابا النصاري الأرثوذكس بالقاهرة!!
وتمخض هذا المؤتمر عن تأسيس مايسمي بـ “حركة تحرير المرأة” برئاسة نور الهدى محمد سلطان(هدي شعراوي)، وكانت هذه الحركة تطالب بالأتي:
– التخلص من الحجاب لأنه رمز التخلف
– منح النساء كافة الحقوق اسياسية وخاصة حق التصويت بالانتخابات
– أن يكون الطلاق بيد القاضي وليس الزوج
– تعدد الزوجات يكون بإذن من المحكمة
– الحد من سلطة الولي
– مطالبة المجمع اللغوي بالقاهرة ونظيره في البلاد العربية بحذف “نون النسوة” من اللغة العربية.

* بتأييد من الكنيسة أصدر المحامي النصراني مرقص فهمي كتاب “المرأة في الشرق” طالب فيه بمنع الحجاب وإباحة الاختلاط وتقييد الطلاق، ومنع الزواج بأكثر من واحدة، وإباحة الزواج بين المسلمات وغير المسلمين!!

محطة ميدان الإسماعيلية

أنشأ “الخديوي إسماعيل” ميدانا بوسط القاهرة تتفرع منه الشوارع الرئيسية، يحاكي ميدان “دى ليتوال Place de l’Étoile” في باريس، وأُطلق عليه “ميدان الإسماعيلية” تخليداً لاسم الخديوي!!

وفي 20 مارس 1919 انطلقت مظاهرة نسوية “مريبة” تقودها هدي شعراوي وصفية مصطفي فهمي (زوجة سعد زغلول) إلي ثكنات الجيش الإنجليزي (حالياً مقر جامعة الدول العربية وفندق الهيلتون والمقر السابق للحزب الوطني) احتجاجاً علي الاحتلال الإنجليزي!!
ولكن المتظاهرات نزعن حجابهن (النقاب) ودهسوه بأقدامهنَّ ثم اشعلن فيه النار!!
هكذا كان ” تحرير المرأة” بحسب المتظاهرات… ولهذا سُمي الميدان فيما بعد بـ”ميدان التحرير”!!

محطة سعد زغلول

رغم أن “هدي شعراوي” – ومن سار علي خطاها- قد نزعت الحجاب منذ ذاك الوقت، إلا أنها عادت وارتدته عام 1921، لتكرر مشهد ميدان الإسماعلية، ولكن بإخراج جديد!!
فقد كان هؤلاء النسوة في استقبال سعد زغلول بمحطة مصر، قادماً من الاسكندرية بعد عودته من “المنفى”، فقام “الزعيم” بنزع حجاب المرأة المتمردة، وهي تهلل فرحاً وتصفق، وتبعتها باقي النساء فنزعن حجابهن أيضاً!!

قبل هذا المشهد، أمر سعد زغلول زوجته صفية بنزع حجابها!!
يقول العقاد: “وكان سعد زغلول رجلًا له رأي في المرأة، وفيما ينبغي أن تكون عليه، ومن ذلك أنه أعانَ قاسم أمين صديقَه الحميم على إظهار كتابه: “في تحرير المرأة”، وتشجيعه على تحمُّل ما لَقِي في سبيله من سخط وعناء
كل هذا وأنت ترى كتب التاريخ وتتصفحها لا ترى فيها ذكر لأي من مثالب هذا الرجل”. (كتاب سعد زغلول ص 527)

حرب مستعرة علي الحجاب!!

أطراف عدة ساهمت في دعاوي التبرج والسفور، منهم:
– رفاعة رافع الطهطاوي: بعد زيارته لباريس تشبع الطهطاوي بأفكار التغريب، فدعا إلي السفور في كتاب «المرشد الأمين للبنات والبنين»!!
– أحمد لطفي السيد رئيس الجامعة المصرية (جامعة القاهرة حالياً) سمح للطالبات بالسفور والاختلاط بالطلاب.
– الشاعر ولي الدين سري يكن كتب قصيدة قال فيها:
أزيلي الحجاب عن الحسن يوماً …. وقولي مللتك يا حاجبه
فلا أنا منك ولا أنت مني….. فرح ذاهباً ها أنا ذاهبة

دعوات السفور ذهبت أدراج الرياح!!

رغم الدعم والمساندة لدعوات السفور ونزع الحجاب من الاحتلال الإنجليزي والكنيسة والسياسيين والكتاب والأدباء ، إلا أن هذه الدعوات مُنيت بهزيمة ساحقة، وبرز ذلك في الأتي:

* المفكر والاقتصادي الشهير طلعت حرب شارك في الذود عن الحجاب، مذكراً بأنه فرض من الله تعالي علي المرأة المسلمة، وأن الحجاب حماية للمجتمع من البغاء والرذيلة. جاء ذلك في كتابي طلعت حرب: “تربية المرأة والحجاب”، “فصل الخطاب في المرأة والحجاب”.

* انتشار الحجاب والنقاب في أصقاع الأرض، فلم يعد الحجاب مقتصراً علي ربات البيوت فقط، بل غزا كافة الطبقات وأعرق الجامعات علي سبيل المثال (في بلاد اللورد كرومر): أوكسفورد، وكمبريديج ولندن الملكية”!!

* سن قوانين حظر النقاب في معظم الدول الأوروبية، دليل علي عودة الحجاب وانتشاره في معقل السفور والإباحية !!

* فشل تكرار مظاهرة امتهان الحجاب في القاهرة، والتي دعا إليها الكاتب العلماني شريف الشوباشى في 12 أبريل 2015 فطالب النساء بالتظاهر في ميدان التحرير لخلع الحجاب أسوة بهدي شعراوي!!
جاء ذلك في تغريدة للشوباشى علي “فيس بوك”، ولكن المظاهرة أُلغيت قبل أن تبدأ، بسبب ردود الفعل الغاضبة التي اجتاحت مصر علي هذه الدعوة المشبوه، ولم يجد الشوباشي مناصراً له سوي صديقة الملحد سيد القمني!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى