اخبار المنظمةالأرشيف

حقائق تاريخية للقضية الفلسطينية ” الجزء الثانى “

بقلم الإمام 

محمد عبده حسن

– فرض الاحتلال البريطاني على فلسطين:

قامت بريطانيا باحتلال القدس الشريف وجنوب ووسط فلسطين سنة 1917، وهو احتلال يجمع بين البعدين الاستراتيجي الاستعماري، والديني؛ وهذا ما تؤكده القولة الشهيرة لقائد الجيش البريطاني “ألِنبي” الذي خطب في القدس قائلا: “والآن، انتهت الحروب الصليبية”، التي انطلقت قبل 800 عام خلت. وأتمت بريطانيا احتلال باقي الأراضي الفلسطينية في العام الموالي 1918. كما استصدرت قرارا دولية من عصبة الأمم سنة 1922 يعطيها شرعية الانتداب، وضمنته وعد بلفور أيضًا.

جريدة

– العمليات الاستيطانية الصهيونية:

بدءا من أواخر سنة 1922، وضعت بريطانيا فلسطين تحت إدارة مندوبين سامين يهود، كان أولهم هربرت صامويل (1920-1925) الذي شرع في تنزيل المشروع الصهيوني على أرض الواقع، وكان وزيراً للداخلية البريطانية ومتعاطفاً مع الصهاينة… وكان أشرسَ المندوبين وأنجَحهم في تطبيق المشروع الاستيطاني هو “آرثر واكهوب” (1931-1932).

وطول الوقت كانت بريطانيا تضيق على الفلسطينيين سبل العيش وتضطهدهم وتذكي الانقسامات العائلية والطائفية، كما حرصت على نزع تسليح الفلسطينيين على بساطته. كل ذلك مقابل تشجيع الهجرة اليهودية، حيث انتقل عدد اليهود بفلسطين من 55 ألفا (8% من السكان) سنة 1918 إلى 646 ألفا (31% من السكان) سنة 1948. كما عمدت بريطانيا أيضًا إلى تسليح اليهود وتدريبهم، إذ وصل تعداد الجيش الإسرائيلي 70 ألفا سنة 1948. وحرص الصهاينة على إقامة مؤسسات اقتصادية واجتماعية وتعليمية، وتأسيس البنى التحتية للدولة اليهودية المستقبلية بدعم من بريطانيا.

عمومًا تعرض الشعب الفلسطيني لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد على يد المستوطنين اليهود مدعومين من بريطانيا.

تاريخ-الصراع-على-القدس

– المقاومة الفلسطينية:

رغم اختلال موازين القوى بشكل واضح لصالح المستوطنين الصهاينة، فإن هذا لم يمنع الفلسطينيين من مقاومة الاحتلال والتصدي له بكل قوتهم، رغم أن أجواء الدعم العربي لم تكن في المستوى المأمول، بسبب وقوع أغلب الدول العربية تحت الاستعمار.

هكذا قاوم الشعب الفلسطيني الاحتلال البريطاني والمشروع الاستيطاني منذ بداياتهما، فتأسست المقاومة الفلسطينية مبكرا، ونمثل لها بجمعية “الفدائية” وهي جمعية سرية تأسست سنة 1918، وضمت عدداً من رجال الشرطة الفلسطينية، كما أن المقامة الفلسطينية لم تقتصر على الفلسطينيين فقط، بل احتضنت كل من رغب في الدفاع عن فلسطين، مثل الشيخ المجاهد عز الدين القسام الذي قدم إلى حيفا من سوريا بعد انهيار الثورة السورية ضد فرنسا، وأسس حركة من أقوى الحركات الجهادية…

وهكذا أقامت الحركة الفلسطينية مؤتمرها الأول عام 1919 بالقدس الشريف، وهو المؤتمر الذي حمل أبعادا عربية وحدوية، سواء من خلال تسميته: “المؤتمر العربي الفلسطيني”، أو من حيث ما خلص إليه من رفض للتقسيم الاستعماري لبلاد الشام، واعتبار فلسطين جزءا منها. كما طالب المؤتمر باستقلال سوريا في إطار الوحدة العربية، وتشكيل حكومة فلسطينية مستقلة، وقد استمرت مؤتمرات الحركة الوطنية تباعا.

سعود

وقد تميزت المقاومة الفلسطينية بتوجهها السلمي إلى حدود سنة 1929، وذلك لأسباب عدة: على رأسها افتقار إلى موارد وإمكانات مادية، وتهيب الفلسطينيين من القوة البريطانية وقدراتها العسكرية الضخمة، بالإضافة إلى بعض الخلافات الداخلية على تزعم الحركة، وهي الخلافات التي حرصت بريطانيا على على إذكائها.

غير أن هذا لم يمنع من قيام ثلاث ثورات عكست احتجاج الفلسطينيين على الوضع القائم، وإن كانت تلك الثورات صبت جام غضبها على اليهود، وتحاشت المستعمر البريطاني، رغم أنه من تولى إخماد هذه الثورات. ويتعلق الأمر بثورة “موسم النبي موسى” في القدس ( ما بين 4 و 10/4/1920)، وثورة يافا (من 1 إلى 15/5/1921)، وثورة البراق (ما بين 15/8 و2/9/1929). وقد أخذت هذه الثورات طابعًا إسلاميًا ساهم في تأجيج المشاعر الوطنية.

ومنذ سنة 1929، تصاعدت حدة المقاومة الجهادية التي بدأت توجه أسلحتها نحو المستعمر البريطاني أيضا؛ كما تأسست العديد من الأحزاب الوطنية وحركات المقاومة المنظمة والتنظيمات الجهادية العسكرية بدءا من سنة 1933؛ والتي كان نشاطها في تزايد مستمر توازى مع تزايد اليأس الفلسطيني من استرجاع حقوقهم بالطرق السلمية والدبلوماسية.

وحرصت المقاومة الفلسطينية دائما على البعد العربي في برامجها، وعملت على التنسيق مع زعماء الحركات العربية الأخرى. وفي عام 1931، أخذت المقاومة طابعا إسلاميا إثر المؤتمر الإسلامي العام المنعقد في القدس، والذي استضاف علماء وشخصيات إسلامية مرموقة، مثل محمد إقبال، وعبد العزيز الثعالبي والشيخ محمد رشيد رضا وغيرهم…

ثورة-البراق-عام-192

وتعد حركة “الجهادية” من أقدم الحركات السرية الجهادية، إذ تأسست مبكرا سنة 1925، وكان لها دور بارز في ثورة “البراق”، كما كانت المحرك الأساسي للثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936؛ حيث أعلن الفلسطينيون حينها الإضراب العام في 20 أبريل/نيسان، والذي دام حوالي ستة أشهر (178 يوما) وهو أطول إضراب في التاريخ يقوم به شعب كامل.

وعرفت الثورة مواجهات عنيفة بين الجهاديين الذين دشنوا عمليات قوية مثل نجاح القساميين في اغتيال الحاكم البريطاني سنة 1937، وبين البريطانيين الذين نهجوا إجراءات قمعية قاسية.

وقد دفع نجاح المقاومة المستعمر البريطاني إلى القيام بإجراءات كبرى، مثل إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة إلى فلسطين، تحت قيادة أفضل قادتها العسكريين؛ كما أعادت احتلال فلسطين من جديد، قرية قرية، لضمان القضاء على المقاومة… وهي الإجراءات التي نجحت في تخفيف حدة المقاومة تدريجيًا، رغم أن هذه الأخيرة نجحت بدورها في جر بريطانيا إلى طاولة الحوار، حيث اضطرت بريطانيا سنة 1939 إلى إعلان “الكتاب الأبيض” الذي يتضمن دعم بريطانيا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة يقتسم فيها العرب السلطة مع اليهود، بالإضافة إلى إجراءات أخرى لصالح الفلسطينيين.

وباندلاع الحرب العالمية الثانية، عمدت المقاومة الفلسطينية إلى التحالف مع ألمانيا وإيطاليا للحصول على دعمهما. لكن فوز الحلفاء في الحرب أفشل خطط المقاومة. على عكس ذلك، كانت أجواء الحرب لصالح المنظمات الصهيونية التي استغلت ما تعرض له اليهود بألمانيا وأوروبا الشرقية لكسب التعاطف، والتأكيد على ضرورة إقامة وطن قومي بفلسطين؛ كما ركز اللوبي الصهيوني ضغطه على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث فاز بكل الدعم المطلوب. ونجح الصهاينة على إثر ذلك في دفع البريطانيين إلى التخلي عن الكتاب الأبيض وما حفل به من وعود، وأدرجوا الولايات المتحدة كطرف أساسي وداعم لهم في كل ما يتعلق بمشروعهم الاستيطاني.

وسجلت سنة 1947 تحول القضية الفلسطينية إلى قضية دولية، حيث أصدرت الأمم المتحدة قرارها الجائر رقم (181) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وهو القرار الذي تم تمرير بعد موجة من الضغوط والإغراءات التي تعرضت لها الدول التي كانت ترفضه.

وإثره اندلعت الحرب التي خاضها الفلسطينيون لوحدهم لمدة ستة أشهر كاملة، حيث رفضت الدول العربية إرسال جيوشها قبل خروج بريطانيا. ورغم ضعف الدعم العربي وافتقار المقاومة الفلسطينية للسلاح والموارد فقد تمكنت هذه الأخيرة من الحفاظ على 82% من الأراضي الفلسطينية، وأرعبت الصهاينة، بل ودفعت الولايات المتحدة إلى التفكير جديا في التراجع عن فكرة التقسيم في مارس/آذار 1948.

ورغم صدق المجاهدين العرب، فإن مشاركة الجيوش العربية كانت أقرب إلى المأساة، إذ لم يتجاوز تعداد الجيوش العربية المكونة من سبعة دول 24 ألف مقاوم، مقابل 70 ألفا من جيش العدو الصهيوني. كما عانى المجاهدون العرب من الأسلحة الفاسدة والقديمة، وضعف التدريب والتنسيق، خصوصًا وأن الجيوش العربية ضمت 45 ضابطا بريطانيا ضمن قاداتها، نظرا لكون بعض الدول العربية كانت لا تزال تحت النفوذ البريطاني؛ هذا بالإضافة إلى أن بعض الجيوش العربية عمدت أحيانًا إلى نزع سلاح الفلسطينيين بدل تسليحهم، كما ضيقت بعض السلطات العربية على المشاركين في المقاومة من أبنائها.

فلسطين

في ظل هذا التهافت، تمكن الصهاينة من هزيمة الجيوش العربية، واستولوا على (77%) من الأراضي الفلسطينية، وأعلنوا قيام دولة إسرائيل بتاريخ (14-5-1948).

ومن النتائج المأساوية لهذه الحرب، قيام العصابات الصهيونية بتشريد (58%) من الشعب الفلسطيني بالقوة من أراضيهم، ودمروا 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية، وارتكبوا 34 مجزرة في حق المدنيين، من أشهرها مذبحة دير ياسين (9/4/1948). وإذا كانت المقاومة الفلسطينية قد نجحت لوحدها، وبجهودها الخاصة، ومواردها شبه منعدمة في التصدي لليهود الذين لم ينجحوا منذ قدومهم، وإلى حدود سنة 1948، في الاستحواذ إلا على (6%) من الأراضي الفلسطينية، وهي في معظمها أراض حكومية أو لإقطاعيين غير فلسطينيين؛ فإن حرب 1948 مزقت الشعب الفلسطيني واقتلعته من أرضه التي استقر بها آلاف السنين، وشتته ما بين مستعمَر مضطهد ولاجئ هائم.

– خاتمة: ما ينبغي تذكره من حقائق

– يحفظ التاريخ للدولة العثمانية، والسلطان عبد الحميد الثاني خصوصًا مواقف مشرفة للدفاع عن فلسطين وحمايتها والتصدي للمد الاستيطاني الصهيوني.

– في تأسيس الحركة الصهيونية تحايل على التحريم الديني لعودة اليهود إلى فلسطين، والمشروط بمجيء “المسيا” مسيح اليهود المخلص، لذا لقيت فكرة المؤتمر الصهيوني الأول معارضة شديدة من اليهود أنفسهم.

– لم تكن فلسطين الهدف الأول للحركة الصهيونية، بل هي خيار بين خيارات متعددة شملت الأرجنتين وأوغندا أيضًا، غير أن اختيار فلسطين كان منسجما مع المخططات الاستراتيجية للقوى الاستعمارية في المنطقة العربية.

– الاحتلال الصهيوني لفسطين، هو في العمق احتلال لحلم الوحدة الإسلامي، وإجهاض لأي نهوض حضاري مستقبلي للأمة الإسلامية، باعتبار فلسطين في نظر الغرب حاجزا بين الجناحين الآسيوي والإفريقي للعالم الإسلامي.

 

– احتلال القدس الشريف سنة 1917 يجمع بين البعدين الاستراتيجي الاستعماري، والديني؛ وهذا ما تؤكده القولة الشهيرة لقائد الجيش البريطاني “ألِنبي” الذي خطب حين دخوله القدس قائلًا: “والآن، انتهت الحروب الصليبية”.

– تميزت المقاومة الفلسطينية بتوجهها السلمي إلى حدود سنة 1929، غير أن هذا لم يمنع من قيام ثلاث ثورات عكست احتجاج الفلسطينيين على الوضع القائم، بعدها تصاعدت حدة المقاومة الجهادية.

– الإضراب العام الذي أعلنه الفلسطينيون في 20 أبريل/نيسان 1936، والذي دام حوالي ستة أشهر (178 يوما) هو أطول إضراب في التاريخ يقوم به شعب كامل.

– سنة 1947 أصدرت الأمم المتحدة قرارها الجائر رقم (181) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية.

– مشاركة الجيوش العربية في حرب 1948 كانت أقرب إلى المأساة: إذ لم يتجاوز تعداد الجيوش العربية المكونة من سبعة دول 24 ألف مقاوم، مقابل 70 ألفًا من جيش العدو الصهيوني، كما عانى المجاهدون العرب من الأسلحة الفاسدة والقديمة، وضعف التدريب والتنسيق. لذا هزمهم الصهاينة واستولوا على (77%) من الأراضي الفلسطينية، وأعلنوا قيام دولة إسرائيل بتاريخ (14-5-1948).

– قامت العصابات الصهيونية بتشريد (58%) من الشعب الفلسطيني بالقوة من أراضيهم، ودمروا 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية، وارتكبوا 34 مجزرة في حق المدنيين، من أشهرها مذبحة دير ياسين (9/4/1948).

المراجع المعتمدة:

– كتب:

– محسن محمد صالح، القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، لبنان، طبعة مزيدة ومنقحة، 2012.

– عبد الوهاب المسيري، مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي: جذوره ومساره ومستقبله، دار الفكر، دمشق – دار الفكر المعاصر، بيروت، إعادة الطبعة الأولى 2003.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى