تقارير وملفات إضافية

حقيقة الجزيرة الصناعية التي تريد إسرائيل بناءها أمام غزة.. وسيلة لتخفيف الحصار أم التخلص من المقاومة؟

جزيرة صناعية أمام شاطئ غزة سيجرى تشييدها في البحر المتوسط.. يتجدد الحديث حول هذا الطرح الغريب من قبل إسرائيل في إطار محاولتها التخلص من مسؤولية قطاع غزة وضغوط فصائل المقاومة الفلسطينية لإنهاء الحصار.

فقد أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت تعليماته للجيش الإسرائيلي لفحص التبعات الأمنية لإقامة جزيرة صناعية قبالة شواطئ غزة، في ضوء الأحاديث المتزايدة حول التوصل إلى تسوية محتملة مع حركة حماس، وأعطى بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة موافقته الأولية لإقامة طواقم عمل من عدة وزارات لبحث تفاصيل المشروع.

وليست المرة الأولى التي تقترح فيها إسرائيل إنشاء جزيرة صناعية أمام شاطئ غزة تبنى في البحر، فقد سبق أن طرحه وزير الخارجية الحالي ووزير المواصلات السابق يسرائيل كاتس، وأعيد طرحه من جديد عقب الهدوء السائد في القطاع مؤخراً، وتوصل حماس وإسرائيل لما يشبه التفاهمات بعيدة المدى.

وترى إسرائيل في مشروع إنشاء جزيرة صناعية أمام شاطئ غزة حلاً لتوفير جميع احتياجات سكان غزة من العالم الخارجي، وتعبيد الطريق نحو الانفصال الإسرائيلي النهائي عنها، والحفاظ على حدود آمنة معها.

أسامة نوفل، مدير دائرة الدراسات بوزارة الاقتصاد الفلسطينية، قال لـ»عربي بوست» إن «مشروع الجزيرة يمثل ممراً بحرياً لغزة نحو العالم الخارجي أفضل من المعابر البرية، مع مصر وإسرائيل، التي تشهد تشديد القيود على إدخال البضائع للقطاع.

أما الجزيرة فلو قدر لها أن تخرج إلى حيز التنفيذ فستكون ضرورية لتصدير بضائع سريعة كالورود والفراولة، وتفتح أسواقاً خارجية، وتفسح المجال لبضائع تنافسية».

وأضاف أن «الجزيرة موضوع سياسي أكثر منه اقتصادي، لأنه سيعني إقامة اقتصادين فلسطينيين، في الضفة وغزة، لهما منافذ منفصلة للعالم الخارجي، دون تنسيق بينهما، وكل بقعة منهما ستصدر وتستورد بصورة انفرادية عن الأخرى، مما سيعزز الانقسام الفلسطيني، وصولاً إلى الفصل الكامل، وكان من الأولى لإسرائيل بدل طرح مشروع الجزيرة أن ترفع حصار غزة».

من الواضح أن هناك حراكاً إسرائيلياً متلاحقاً في موضوع إنشاء الجزيرة، فقد التقى بينيت مع أفيف كوخافي قائد الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، واتفقا على الدفع إلى الأمام بهذا المشروع، وبحث إقامة مطار جوي في غزة بتمويل دولي، كما التقى كاتس مع نتنياهو لإقامة طواقم عمل مشتركة من وزارتي الخارجية والحرب، بتعاون مع مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

يبدو أن إسرائيل تعول على أن مشروع الجزيرة كفيل بتخفيف الوضع الإنساني المتأزم في القطاع، من خلال مراقبة أمنية صارمة على الحركة البحرية قبالة غزة، كما أن هذه المبادرة من شأنها أن تخلي مسؤولية إسرائيل تدريجياً عن الشؤون الإنسانية والمعيشية للفلسطينيين في القطاع.

عبدالله علي، رجل أعمال فلسطيني، قال لموقع «عربي بوست» إن «ترحيبنا بمشروع الجزيرة الذي قد يسهل علينا الكثير من العقبات التي تواجهنا في معابر غزة البرية والموانئ الإسرائيلية، لا يخفي جملة إشكاليات إجرائية تحيط بمشروع الجزيرة، أولها الخشية الفلسطينية من تطبيق إسرائيل للإجراءات التعقيدية في الجزيرة، وثانيها منع استيراد البضائع المزدوجة الاستخدام بحجج أمنية، وثالثها بقاء السيطرة الإسرائيلية عليها، ورابعها التمويل الباهظ للمشروع، فليس معروفاً من سيقوم بتحمل تكاليفه، سواء من الدول الغربية أو العربية».

في الوقت الذي وافق فيه وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت على مشروع الجزيرة، فإن نظيريه السابقين؛ أفيغدور ليبرمان وموشيه يعلون، عارضا المشروع، لاعتبارات أمنية، وخشية من استغلال حماس لها لتهريب وسائل قتالية خطيرة.

ولتبديد هذه المخاوف فقد اشترط بينيت الحصول على ضوء أخضر من المنظومة الأمنية الإسرائيلية بأن هذا المشروع لا يشكل خطراً على إسرائيل.

وطلب بينيت من كبار الضباط في الجيش والمخابرات تقديم المؤشرات الخاصة بهذا المشروع خلال عدة أسابيع.

وفي الوقت ذاته، أجرى كاتس مباحثات مع مسؤولين أمريكيين دعموا المشروع، واعتبروه بديلاً عملياً لتحسين الوضع المأساوي في غزة.

محمد أبو جياب، رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية بغزة، قال لـ»عربي بوست» إن «مشروع إنشاء جزيرة صناعية أمام شاطئ غزة جزء من رؤية مستقبلية إسرائيلية لغزة، كي يكون ضمن رؤية في مراحل متقدمة من حالة الاستقرار السياسي في المنطقة.

ويوضح أن المشروع يقوم على إنشاء جزيرة في عمق خمسة كيلومترات من الساحل مع قطاع غزة، بمساحة تتجاوز 50 ألف دونم تحتوي على عدد من المشاريع الاستراتيجية مثل ميناء تجاري، وآخر لنقل الركاب، ومحطة طاقة كهربائية، ومحطات فحص واستقبال بضائع ومناطق تجارية، وشركات على أن ترتبط الجزيرة بساحل غزة من خلال جسر معلق، يخضع لإجراءات الفحص والحماية الأمنية الإسرائيلية بشكل مباشر».

وأضاف أن «إدارة الجزيرة ستكون للفلسطينيين بشكل مباشر إدارياً ومالياً وملاحياً، ومرتبطة أمنياً بالجانب الاسرائيلي، وفيما لو طبق هذا المشروع فسيكون النافذة الأكثر قوة واتصالاً واستقراراً مع العالم الخارجي بحرياً، وقد يتطور ليكون منفذاً جوياً من خلال إنشاء مطار مرفق بها، وستكون انعكاساتها الاقتصادية كبيرة وبشكل إيجابي على الفلسطينيين في غزة، وسينمو الاقتصاد الفلسطيني بشكل متسارع، لو تم الاتفاق مع مختلف الأطراف المحلية الفلسطينية والإسرائيلية والإقليمية على تشغيل هذه الجزيرة».

فور الإعلان الإسرائيلي عن مشروع الجزيرة الصناعية قبالة شواطئ غزة، خرجت ردود الفعل الفلسطينية، بين مؤيد ومعارض، ففيما أعلن حماد الرقب، القيادي في حماس، أن «مشروع الجزيرة يعود لحديث سابق عن ميناء كامل، ثم تبين أنه يحتاج زمناً طويلاً وإمكانيات هائلة، فأصبح الحديث عن ممر مائي يربط غزة بقبرص، ثم أوفدت السلطة الفلسطينية مبعوثين إلى قبرص للضغط عليها لرفض المشروع، وهو ما تم فعلاً، وأخيراً وصل الحديث إلى جزيرة صناعية قبالة شاطئ غزة، لعبور البواخر والسفن التجارية».

أما وزير الشؤون المدنية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ، فقال إن إقامة جزيرة صناعية أمام شاطئ غزة جزء من صفقة القرن التي ترتكز على دويلة مسخ في غزة، بالتعاون مع حماس، استمراراً لمشروعها الانفصالي»، حسب تعبيره.

فايز أبو شمالة، المحلل السياسي قال لـ»عربي بوست» إن «الطرح الإسرائيلي لإقامة الجزيرة يؤكد أن مرحلة التفكير الإسرائيلي الجدي بالتخلص من قطاع غزة ليست وليدة اللحظة، بل جاءت بعد أن ضاقت السبل بالمستوى السياسي والعسكري معاً، واصطدموا باستحالة تصفية المقاومة عسكرياً، واستحالة تغير الواقع في غزة عن طريق القوة المحضة، وهي تعبير عن التعامل الإسرائيلي مع الواقع الفلسطيني بموضوعية».

وأضاف أن «مقترحات الانفصال عن غزة، والجزيرة الصناعية، ومطار دولي، كلها أفكار إسرائيلية على نفقة المانحين العرب والدوليين، لكنه في الوقت ذاته إعلان جدي بأن الجيش الإسرائيلي عجز عن حسم المعركة مع المقاومة الفلسطينية ميدانياً، فلجأ إلى الحيلة، واختار الطريق الأسهل للتخلص من غزة».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى