ثقافة وادب

حكَم 72 عاماً وسُمّيت ولاية أمريكية باسمه.. ملك فرنسا الذي اعتبر نفسه «إله الشمس»

كان في
الرابعة من عمره فقط حين توفِّي والده، ومع شعورٍ متضخّم لدى الطفل بأنّه ملك
فرنسا «الكبرى» في ذلك الوقت، يمكننا الآن أن نتخيّل شخصيّة ونفسية
الطفل الصغير الذي أصبح أحد أطول الملوك حكماً في التاريخ: لويس الرابع عشر.

توفّى والده في سنّ الأربعين، وفجأة أصبح هو «الملك
الشمس» وهو طفل لا يكاد يتكلّم. استطاعت والدته الملكة آن القويّة  أن
تحفظ لابنها ملكه، فقد عيّنت جدّ لويس نفسه – الكاردينال جول مازاران – رئيساً للحكومة.
كانت الدولة تُدار من قِبل أمّه ورئيس الحكومة، وحين وصل لسنّ الخامسة عشرة بدأت
مراسم التتويج الملكيّة للويس الذي لم يحكم بنفسه حتّى بعد مراسم التتويج.

وبعد سبع سنوات من تتويجه توفِّى مازاران، فانتقلت السلطة كاملةً
ليد الملك الشاب، الذي تعلّم على يد جدّه ورئيس حكومته. يمكننا أيضاً تخيُّل نفسية
وشخصية الشاب الذي أصبح في يده مقاليد الحكم في بلدٍ هو الأهمّ في أوروبا في ذلك
الوقت. في هذا الموضوع نستكشف معاً بعضاً من جوانب حياته وفق ما نشره موقع Biography الأمريكي.

اعتبر لويس نفسه «إله الشمس» ففرنسا تتمحور حوله،
وأوروبا كلّها تتمحور حول فرنسا القويّة كما تتمحور الكواكب حول الشمس. ولكنّ قصّة
لويس ليست فقط مع الشمس وخلافاته في أوروبا، فهو الذي بنى قصر فرساي العظيم، ليس
فقط من أجل الفخامة وإبراز الثراء الملكي، وإنّما لكي يحافظ على ملكه بعيداً عن
المؤامرات والانقلابات التي حيكت ضدّه في باريس.

كانت أوروبا تموج بالكثير من الحركات والصراعات في ذلك الوقت، خرجت
فرنسا من حربٍ مع إسبانيا تسبّبت في اقتتالٍ فرنسيٍّ داخلي، وبدا أنّ النبلاء في
فرنسا غير راضين عن وجود لويس الرابع عشر على رأس الحكم، وبدأوا في حياكة
المؤامرات ضده.

خرج ذهن الملك الشاب بفكرةٍ عجيبة: أن ينقل الصراع من باريس إلى منطقةٍ أخرى، وبدءاً من عام 1661 نقل الملك بيت الصيد الملكي إلى منطقة فرساي، وبعد حوالي 20 عاماً، بالتحديد سنة 1682، انتقل لويس الرابع عشر رسمياً إلى قصره الفخم بفرساي، على بعد 13 ميلاً (21 كم تقريباً) من باريس. وأصبح ذلك القصر بعد ذلك أعظم قصور أوروبا، ومركز قوة سياسية، ورمزاً لهيمنة الملك وثرائه، ومركز الحكم للملكية الفرنسية حتّى وصلت الثورة الفرنسية وقضت عليها تماماً. 

وبالإضافة إلى البلاط الملكي، ضمّ القصر المكون من 700 غرفة، مساكن
النبلاء الذين جلبهم لويس الرابع عشر إلى قصره، إلى جانب الآلاف من الموظفين
اللازمين لصيانة القصر.

ورغم الصعوبات التي مرّ بها لويس الرابع عشر كي يشيِّد قصره الضخم،
ورغم اعتراض العديد من خصومه النبلاء فإنّه تخلّص منهم جميعاً، واستطاع تحويل
السلطة في مملكته إلى سلطةٍ مركزية، تدور حوله هو فقط، وقاد عهداً من الرفاهية غير
المسبوقة أيضاً، وأصبحت فرنسا خلاله القوة المهيمنة في أوروبا والرائدة في الفنون
والعلوم.

ومع ذلك، ففي السنوات التالية لحكمه، الذي استمر 72 عاماً كما
ذكرنا، بدأت سلسلة الحروب التي شنَّها الملك تطال آثارها فرنسا؛ وأدّت إلى هزائمَ
كبيرة في ميدان المعركة أيضاً، وديونٍ مُرهِقة، ومجاعة. وزاد سخط المواطنين حتى
إنهم سخروا من لويس الرابع عشر خلال موكب جنازته.

كانت ماري مانشيني، هي أوّل حب حقيقي للويس الرابع عشر أثناء
مراهقته، وهي ابنة شقيقة رئيس حكومته الكاردينال مازاران، لكنّ الملكة آن
والكاردينال نفسه رفضا هذه العلاقة. وفي النهاية زوّجا لويس الرابع عشر من أجل هدف
هو اتحادٍ سياسي، وليس رومانسياً، عندما اقترن بابنة حاكم إسبانيا الملك فيليب
الرابع، ماري تيريز في عام 1660. وضَمَن هذا الزواج، الذي جمع بين لويس الرابع عشر
وابنة عمومته المباشرة، المصادقة على معاهدة سلام سعى مازاران لتوثيقها مع إسبانيا
بقيادة آل هابسبورغ.

لكنّ لويس المُفعم بشبابه، الذي وجد نفسه ملكاً فجأةً، وممنوعاً
أيضاً من الاقتران بحبيبته، كان له رأيٌ آخر بخصوص زواجه السياسيّ. كان لدى لويس
الرابع عشر عشيقات كثيرات طوال سنوات حكمه الطويلة، بل كان له أطفالٌ غير شرعيين
من عشيقاته وقد أضفى الشرعية على معظم أطفاله هؤلاء في السنوات التي أعقبت ولادتهم.

أنجبت زوجته ماري تيريز ستّة أطفال، لكن لم يبقَ منهم على قيد الحياة
بعد عمر الخامسة إلا واحدٌ فقط، هو لويس. ومع ذلك فقد أنجب أكثر من عشرة أطفال غير
شرعيين من عدد من عشيقاته؛ إذ أنجبت عشيقته لويز دي لا فاليير خمسة أطفال للملك،
لكن لم ينجُ منهم سوى طفلين، في حين أنجبت منافستها مدام دي مونتسبان، التي أصبحت
في نهاية المطاف عشيقة الملك الرسمية، سبعة من أطفاله.

استغرق والد لويس ووالدته أكثر من عقدين لينجباه، وهو أول
أطفالهما. ومع شعورهما الكبير بالارتياح لحصولهما على وريثٍ مباشرٍ للعرش، عمَّد
الزوجان الملكيان الولد وسمياه «لويس ديودوني»، بمعنى «هبة
الرب».

وإذا كان الاسم وحده لم يمنح لويس الرابع عشر إحساساً متضخِّماً
بالذات، فقد غرس رئيس حكومته مازارين في عقله الصغير أيضاً فكرة أنّ الملوك
يُختارون بشكلٍ إلهيّ. وبناءً على هذا الاعتقاد، فقد اعتبر لويس الرابع عشر أن
أيَّ عصيانٍ لمراسيمه يعدُّ خطيئةً دينيّة، وتبنّى الشمس شعاراً له؛ لأن فرنسا
تتمحور حوله كما تتمحور الكواكب حول الشمس. 

وفيما يتعلّق بآرائه الدينيّة، فقد دخل لويس في صراعٍ كبير مع
الرعايا الفرنسيين البروتستانت. كان جده هنري الرابع قد منح البروتستانت في فرنسا
حرياتٍ سياسية ودينية كبيرة في مرسومٍ عام 1598، ولكن بعد حوالي ثمانين سنة من هذا
المرسوم اعتقد حفيده لويس الكاثوليكي أنّ إيمانه ينبغي أن يكون هو دين دولته
الوحيد.

وبعد سنواتٍ من اضطهاد البروتستانت والتضييق على حقوقهم، ألغى
الملك الكاثوليكي المرسوم في عام 1685 من خلال إصدار مرسوم فونتينبلو، الذي أمر
بتدمير الكنائس وإغلاق المدارس البروتستانتية، وبالتعميد القسري وتعليم الأطفال
الإيمان الكاثوليكي. وأدى ذلك المرسوم إلى فرار 200 ألف أو أكثر من البروتستانت
الفرنسين، بحثاً عن الحرية الدينية في مكان آخر في أوروبا أو في المستعمرات
الأمريكية.

ونختم هذا التقرير بمعلومةٍ طريفة، وهي أنّه عندما ادعى الرحالة
الفرنسيّ رينيه روبير كافالييه سور دو
لا سال
،
ملكية بلاده للمناطق الداخلية من أمريكا الشمالية، أطلق عليها المستكشف اسم
«لويزيانا» تيمُّناً بلويس الرابع عشر. وأصبحت ولاية لويزيانا ملكية
أمريكية بعد شراء الولايات المتحدة لها في 1803، وانضمت الولاية إلى الاتحاد في
1812.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى