تقارير وملفات إضافية

حماس أوقفت التصعيد في غزة هذه المرة، لكن لماذا على إسرائيل أن تدفع المقابل؟

عَلِقَ الإسرائيليون وأهالي غزة في جدال هذا
الأسبوع، إذ حاول الجانبان وقادتهما تخمين ما إذا كانت حركة حماس ستنضم إلى
العملية العسكرية ضد حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، ومتى سيحدث ذلك. ومرت سنوات
منذ أن فصلت إسرائيل هذا الفصل الحاد بين هاتين الحركتين، إذ تصنف إسرائيل كلتيهما
بأنهما «منظمتان إرهابيتان»، وتخوض حرباً شاملة ضدهما. وتُحمِّل إسرائيل
«حماس» باستمرار مسؤولية كل ما يحدث في قطاع غزة.

لكن هذه المرَّة، تأمل الحكومة والجيش و (الشاباك) والإسرائيليون
أنفسهم أن تتدخل «حماس» وتهدئ «الجهاد الإسلامي«، أو على الأقل
تجعلها توقف إطلاق النيران. وإذا واصلت «حماس» سياسة ضبط النفس ولم توسع
نطاق القتال -بما سيجعله يتصاعد لمستوى أخطر بكثير- فسيتعين على إسرائيل إعادة
النظر في قواعد اللعبة المُتبَعة في مواجهتها مع «حماس»، بحسب تقرير
لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، قد يعني التغيير في
قواعد هذه المواجهة السماح لـ «حماس» باستخدام أدوات التحكم والإدارة،
والأهم من كل ذلك، التمويل؛ بحيث يمكن أن تضطلع الحركة بمهام مكانتها بوصفها نظام
حكم محلي أكثر استقلالاً، على النحو الذي سيجبرها على أخذ احتياجات إسرائيل
الأمنية في الاعتبار دون التخلي عن أيديولوجية المقاومة المسلحة. بتعبير آخر، ستظل
الحركة متمسكة بهذه الأيديولوجية على أنها شعارها، لكن التنفيذ سيحدث «بطرق
أخرى»، كما قال قادة «حماس» في السنوات الأخيرة.

وتُعزى المكانة البارزة التي تتمتع بها
«حماس» بقطاع غزة إلى أكثر من مجرد الأسلحة التي في حوزتها
والتأمين الشرطي المكثف للسكان. فباعتبارها فاعلاً مؤثراً في عديد من الساحات
الدولية، تتبنى «حماس» أجندة سياسة خارجية مستقلة كما لو كانت دولة.

ومنذ عام 2012، عندما غادرت قيادة الحركة العليا
سوريا بسبب موقفها المعارض لنظام الأسد، وهي الخطوة التي أدَّت إلى تعثُّر طويل في
العلاقات مع إيران، كان على الحركة أن تبحث عن مصادر أخرى للدعم والتمويل. وفتحت
رئاسة محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، أبواب مصر أمام الحركة، في حين أعطتها تركيا وقطر إطاراً مالياً قوياً.

ورغم أنَّ حركة الجهاد الإسلامي انضمت إلى المعسكر
المناهض لسوريا في العام نفسه، فقد حافظت على علاقاتها مع إيران حتى نهاية عام 2015، حين خفضت طهران مساعداتها للمنظمة بنسبة 90%،
وأبلغتها أنها لم تعد شريكاً حيوياً، ذلك لأنَّ «الجهاد الإسلامي»
امتنعت عن التعبير عن دعمها للحوثيين في اليمن، ورفضت إرسال قوات مساعدة
ومُدرِّبِين عسكريين إلى الساحة اليمنية. ومن وجهة نظر إيران، يضع هذا
«الجهادَ الإسلامي» مباشرةً ضمن صفوف الائتلاف السعودي، الذي شن حرباً
شاملة في اليمن، مع اعتلاء الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود العرش في السعودية.

وعكس «حماس»، لم تتمكن حركة الجهاد
الإسلامي من بناء شبكة من العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة؛ بل
اعتمدت فقط على التبرعات الخاصة والمساعدات الهزيلة التي تواصل إيران تزويدها بها
إلى الآن. إلى جانب أنها لا تتحمل بالتأكيد القدر نفسه من الأعباء المالية التي
تتكبدها «حماس»؛ فهذه الأخيرة مسؤولة عن إدارة الخدمات المدنية في غزة.
وحين أطيح بمرسي من الحكم، وتولى عبدالفتاح السيسي رئاسة مصر في يوليو/تموز 2013،
أُغلِق الخط الرسمي لضخ المال والإمدادات من مصر إلى هناك.

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، وجدت «حماس»
نفسها في مواجهة سلطة معادية بالقاهرة، التي أعلنت حرباً شاملة على «الإخوان
المسلمين» عقب الانقلاب العسكري في 2013، وضمن ذلك «حماس»
والمنظمات الإرهابية بسيناء. وفي مواجهة إغلاق مصر معبر رفح، وبذل جهود مستمرة لتدمير أنفاق التهريب بين
سيناء وقطاع غزة، وإقامة حاجز بري واسع النطاق، وكذلك الحصار الذي فرضته إسرائيل
على القطاع والحرب على غزة في صيف عام 2014، وجدت «حماس» نفسها عالقة في
جمود سياسي وشلل اقتصادي، أثارا انتقادات واحتجاجات مدنية داخل القطاع.

وبعد ذلك بعامين، وبوساطة من حزب الله، تحسنت
العلاقات بين إيران و «الجهاد الإسلامي»، التي أعطتها طهران نفحة مالية
جديدة، رغم أنها لم تكن كبيرة كما كانت قبل فترة انقطاع العلاقات. وفي الوقت نفسه،
احتضنت إيران حركة «الصابرين» الشيعية، بقيادة هشام سالم، الذي انشق عن
«الجهاد الإسلامي» في عام 2010، بسبب خلافات شخصية وأيديولوجية.

وسعت إيران لاكتساب موطئ قدم
أخرى في قطاع غزة؛ نظراً إلى ارتيابها في مدى ولاء «الجهاد الإسلامي»،
بعد أن انضمت إلى «حماس» في تحركاتها السياسية بأعقاب حرب 2014 على غزة.
وحاولت إيران إجبار «الجهاد الإسلامي» على الانضمام إلى حركة «الصابرين«،
واشترطت تعيين قيادييها في مناصب عليا، لزيادة حجم مساعداتها، لكن
«حماس» تدخلت وشنَّت حملة للقضاء على المنظمة الصغيرة من جذورها.
واعتقلت «حماس» قائدها هشام سالم وعديداً من الموالين له، وأُغلِقت
المنظمة الخيرية التي يرأسها والتي كانت المصدر المُموِّل لنشاطه. وبهذا خدمت
«حماس» مصالح «الجهاد الإسلامي»، التي خشيت أنَّ تحاول إيران
استبدال حركة «الصابرين» بها، أو على الأقل تسعى لإيجاد بديل لها إذا
تبيَّن أنَّ «الجهاد الإسلامي» ليست مطيعة
لطهران.

ومن الواضح أنه كان هناك بعض الأساس لهذا الخوف؛
إذ بدأت بالفعل تعلو أصوات من داخل صفوف «الجهاد الإسلامي» تعارض
العلاقة الوثيقة مع إيران. ومن ثم، ينبغي إعادة النظر في الإصرار الإسرائيلي على
أنَّ «الجهاد الإسلامي» وإيران هما في الأساس شيء واحد، بحسب الصحيفة
الإسرائيلية.

وفي هذه الأثناء، واصلت «حماس» تطوير
علاقاتها مع مصر، والتي وصلت إلى أفضل حالاتها مع إعادة فتح معبر رفح بالكامل
تقريباً. ودُعي وفدٌ من «حماس» إلى القاهرة، لعقد اجتماعات مع كبار
مسؤولي المخابرات المصريين، ومن ضمنهم اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة
المصرية ومسؤول الرئاسة المصرية عن الشأن الفلسطيني.

وتقول «حماس» إنَّ هذه الاجتماعات لم
تقتصر على مناقشة إطلاق الصواريخ من غزة والصراع مع إسرائيل، إذ قال مصدر من
الحركة: «عقد الجانبان كذلك محادثات سياسية موسعة، تتعلق بأشياء مثل علاقات
حماس مع تركيا وقطر، وفرص المصالحة بين حماس والسعودية، والأهم من كل ذلك كيفية
وقف النفوذ الإيراني في غزة». وشعرت قيادة «حماس» بأنَّ مصر تتعامل
معها ليس باعتبارها منظمة ذات أجندة محلية فحسب، بل بوصفها إحدى المنظمات التي
يمكن أن تساعد الأجندة السياسية الإقليمية لمصر. ومن هنا، شكَّل تَعهُّد قيادة
«حماس» بعدم السماح للمسلحين من الجماعات الإرهابية في سيناء بالمرور
إلى غزة، وتفتيشها الصارم كلَّ من يدخل القطاع أو يغادره عبر معبر رفح، شيئاً يشبه
الاتفاقية الأمنية بين «حماس» ومصر، رغم الانتقادات التي وجهتها
المنظمات السلفية في غزة إلى «حماس»، ووصفها بأنها أصبحت دورية تأمين
للحدود المصرية، في الوقت الذي حافظت فيه مصر على تعاون أمني وثيق مع إسرائيل.

«حماس» أخبرت مصر بأنها لا تستطيع زعزعة
العلاقات بين حركة الجهاد الإسلامي وإيران، لعدم وجود بديل لإيران بالنسبة لحركة
الجهاد الإسلامي، ولكنها اقترحت أيضاً على القاهرة تعزيز علاقاتها مع حركة الجهاد
الإسلامي والنظر إليها بمثابة شريك، بسبب أهمية ذلك بالنسبة لـ «حماس»
وقدرتها على بسط نفوذها وسلطتها على قطاع غزة. المفارقة أن هذا التقارب في المصالح
بين مصر و «حماس» جعل إسرائيل حليفة لـ «حماس» في حربها ضد
إيران، إذ أدرك كل من مصر وإسرائيل ضرورة الحفاظ على قيادة «حماس»،
لأنها أكثر الطرف فاعلية في كبح نفوذ إيران المتصاعد بالمنطقة، حتى إن مصر وافقت،
مُكرَهة، على نقل ملايين الدولارات من قطر إلى غزة، لتتمكن «حماس» من تعزيز
سلطتها واستقرار حكومتها، التي كانت على وشك الانهيار؛ على أثر الاحتجاجات المدنية
المحلية تحت شعار «نريد أن نعيش».

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، استمرت
«حماس»، طوال الوقت، في الحفاظ على علاقاتها مع القيادة الإيرانية،
وأرسلت في شهر يوليو/تموز الماضي، وفداً كبيراً إلى طهران بقيادة صالح العاروري
نائب إسماعيل هنيّة، ولكن العاروري كان حريصاً، في تصريحاته العلنية، على ألا
يصوّر هذا الاجتماع على أنه نقطة تحوُّل في العلاقات، إذ قال: «هذا الاجتماع
ليس ضد أي دولة عربية أو إسلامية. الروابط التي تجمعنا بإيران ما هي إلا جزء من كل
الروابط التي تجمعنا بالدول التي تعارض المشروع الصهيوني».

وعند المقارنة مع زيارة زياد نخالة، الأمين العام لحركة الجهاد
الإسلامي، لإيران في ديسمبر/كانون الأول 2018، إذ حصل على ترحيب رسمي من الدولة
فضلاً عن التزام عملي من حسين أشتري، قائد الشرطة الإيرانية، يبرز استعداد إيران
لتدريب الفصائل الفلسطينية. ورداً على ذلك، قال نخالة إن حركة الجهاد الإسلامي تقف
بصف إيران في كفاحها ضد الغرب والعدو الصهيوني. وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول، عندما
وصل وفد حركة الجهاد الإسلامي إلى القاهرة (وكان بهاء أبو العطا ضمن هذا
الوفد أيضاً)، لمناقشة وقف إطلاق النار مع إسرائيل، تطرقت المناقشات إلى الشأن
الإيراني أيضاً. ويبدو أن القيادة المنتخَبة للمجلس السياسي لحركة الجهاد الإسلامي
في 2018، أكثر قيادة استعداداً لمناقشة ومراجعة علاقة الحركة بإيران، أو على
الأقل، القيادة التي ليس لديها إجماع في وجهات النظر بشأن إيران.

وفي سبيل ذلك بحسب الصحيفة الإسرائيلية، وافقت
مصر على مكافأة حركة الجهاد الإسلامي ببادرة مهمة من خلال الإفراج عن 25 سجيناً من مقاتلي «الجهاد الإسلامي«، الذين عادوا إلى غزة
بصحبة وفد من الحركة. وبينما يبدو نخالة مؤيداً وداعماً لعلاقة الحركة بإيران،
يقول محللون فلسطينيون إنه ليس تابعاً لأي دولة. ولكن الشخص الذي يعارض العلاقات
الحصرية مع إيران هو محمد الهندي. ورغم عدم تعيينه نائباً لنخالة بسبب الضغوط
الإيرانية، لا يزال شخصية بارزة وصديقاً مقرباً لنخالة، ويدعو إلى توسيع علاقات
الحركة لتشمل تركيا وقطر ودولاً أخرى. ويضم المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي
11 عضواً؛ 5 من سكان قطاع غزة، وواحد من الضفة الغربية، وواحد يمثل السجناء. في
السابق، لم يكن يمثّل قطاع غزة سوى عضوين. ربما هذه الزيادة في نسبة التمثيل
الداخلي قد يكون لها تأثير معتدل بشأن علاقات الحركة بإيران.

هذه الاعتبارات الدبلوماسية لها تأثير كبير على
التطورات بالمنطقة، وضمن ذلك نطاق تصعيد أعمال العنف الأخيرة. «حماس»،
التي قدَّمت نفسها على مر السنوات بوصفها لاعباً دبلوماسياً إقليمياً، لا يمكنها
تحمُّل تبعة قرارات حركة الجهاد الإسلامي. هذه المرَّة، وللمرة الأولى، تبعث
«حماس» برسالة إلى حركة الجهاد الإسلامي، تقول فيها إن «الأُخوّة
في المقاومة» ليست عمياء أو تلقائية، وإنه، من دون «حماس»، يستحيل
على حركة الجهاد الإسلامي الصمود وحدها في هذه المعركة.

ما رأيناه كان عرضاً مهماً يُبرز القوة السياسية
لـ «حماس» ورسالة واضحة إلى إيران. هذا الموقف قد يخدم «حماس»
جيداً خلال انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني المقبلة، وسوف تصر
«حماس» أيضاً على نيل تعويض مستحق من مصر وإسرائيل على حد سواء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى