تقارير وملفات إضافية

خسرت معركة النفط والسلاح.. هل تصبح إسرائيل الممر الوحيد للسعودية لإبقاء تحالفها مع أمريكا؟

تتعالى الأصوات في واشنطن التي تتحدث عن تراجع أهمية السعودية بالنسبة لأمريكا، فهل هذه الدعوات مجرد سحابة صيف أم تعبير عن تغيير استراتيجي دائم؟

كان واضحاً أن دويّ الأصوات المشككة في جدوى التحالف التاريخي بين الرياض وواشنطن مرتفعاً في الكونغرس أكثر من أي مضى.

إذ تتعرض سياسات الإدارة الأمريكية في علاقتها مع الرياض لانتقادات واسعة من المشرعين في الكونغرس، ومعظمهم من المدافعين السابقين عن الأخيرة، حيث تعتبر الشريك والحليف الأوثق للسياسات الأمريكية في المنطقة.

السبب قد يكون مركباً؛ فالبعض في واشنطن يؤمن بـ”تراجع أهمية السعودية بالنسبة لأمريكا”، وفي الوقت ذاته فإن تكلفة التحالف الأمريكي مع السعودية تزداد على واشنطن خاصة من الناحية الأخلاقية، فالسعودية تحولت من مملكة محافظة، إلى دولة متهورة في عهد الأمير محمد بن سلمان، وما ترتب على ذلك من مشكلات مثل حرب اليمن واغتيال الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي.

لمعرفة حقيقة تراجع أهمية السعودية بالنسبة لأمريكا، حالياً، ومستقبلاً يجب فهم ركائز العلاقات السعودية الأمريكية التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية، وكيف تغيرت هذه الركائز.

العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والسعودية بُنيت على ضمان التدفق الحر الآمن للنفط السعودي طيلة عقود من الحاجة الأمريكية له.

وفيما يتعلق بالنفط تحديداً هناك حقائق ومتغيرات أزاحت الصورة النمطية للعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية والتي ظلّت سائدة لعدّة عقود، حيث بات النفط السعودي أقل أهمية للولايات المتحدة التي أصبحت أكبر منتج له في العالم عن 12.9 مليون برميل يومياً منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

في حقيقة الأمر أصبحت السعودية وأمريكا متنافسين لدودين في عالم النفط المأزوم حتى قبل أزمة كورونا.

ومع تفشي وباء كورونا وزيادة حدّة حرب أسعار النفط مع روسيا وتضرر قطاع النفط الصخري الأمريكي، زادت مستويات الانتقادات من منطلق أن مصالح واشنطن يجب أن تُقدّم على ما سواها، وأن الرياض تسببت بأضرارٍ بالغةٍ بالاقتصاد الأمريكي.

وتحدثت مصادر إعلامية أمريكية، الخميس 7 مايو/أيار، عن خلافات سعودية أمريكية حول إنتاج النفط وعزم الأخيرة سحب حوالي 300 جندي مع بطاريتي صواريخ “باتريوت” دون الأخذ بالحسبان استمرار التوترات بين السعودية وإيران.

ويتساءل مشرعون أمريكيون عن “جدوى الاحتفاظ بنحو 2500 جندي أمريكي في السعودية ومنظومات دفاع جوي للدفاع عن النفط هناك في ذات الوقت الذي يعلنون فيه الحرب على نفطنا”، في إشارة إلى الأضرار التي تسبّبت بها حرب الأسعار بين السعودية وروسيا أدت إلى تراجع أسعار النفط الأمريكي إلى “أقل من 37 دولاراً بالسالب للبرميل الواحد” في 11 أبريل/نيسان الماضي، في هبوط غير مسبوق.

ويطالب أعضاء في الكونغرس بتغيير نمط علاقة التحالف الاستراتيجي بين بلادهم والسعودية المسؤولة عن الأضرار التي لحقت بقطاع نفط بلادهم.

وفي الحقيقة، فإن الرئيس الأمريكي ربط بين وجود قوات بلاده في السعودية وحرب الأسعار إلى الحد الذي يعتقد فيه بعض المراقبين أنّ السعودية أرغمت على إعادة النظر في سياساتها النفطية بما يتلاءم مع المصالح الأمريكية دون المساس بعلاقة التحالف العميقة بين البلدين.

فقد شكلت حرب الأسعار بين السعودية وروسيا في الأسابيع الماضية منعطفاً في موقف ترامب من الرياض والتساؤل فيما إذا كانت بلاده لا تزال بحاجة لحماية النفط السعودي الذي يباع معظمه الآن إلى الصين ودول آسيوية أخرى وليس إلى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، كما كان عليه الحال سابقاً.

تمثل صادرات السلاح واحدة من أواصر العلاقات السعودية الأمريكية، تمثل هذه الصادرات قناة تدفع عبرها السعودية بشكل غير مباشر تكاليف الحماية الأمريكية.

كما تمكن السعودية من التغلغل في المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وتعزيز أصدقائها في أروقة السياسة والدفاع والشركات الأمريكية.

وبالنسبة للجانب الأمريكي فإن هذه الصفقات بالإضافة إلى أنها تمثل مصدراً لنفوذ مباشر على المؤسسة العسكرية السعودية، فإنها أيضاً مصدر ربح وفير لشركات السلاح، خاصة في ظل تساهل دولة الخليج عامة وبالأخص الرياض في شروطها المالية والفنية في صفقات السلاح.

والسعودية هي أكبر مشترٍ للأسلحة والمعدات الأمريكية، إضافة لاستمرار حاجة الرياض لمدربين ومستشارين عسكريين لبيان كيفية استخدام تلك الأسلحة والمعدات باهظة الثمن.

ووفقاً لتقرير خدمة أبحاث الكونغرس، أبرمت الولايات المتحدة والسعودية اتفاقيات بيع أسلحة بلغت 139 مليار دولار بين عامي 2009 و2016.

في عهد أوباما أبرمت الرياض واحدة من أكبر صفقات السلاح في التاريخ بقيمة 60 مليار دولار.

وجاء ترامب فأراد المزايدة على ما يبدو في هذا الاتجاه، خاصة أن هناك تصريحات منسوبة له قبل توليه السلطة يتحدث فيها عن ابتزاز السعودية والتخلص منها إذا لم تعد مفيدة لأمريكا، وحتى بعد توليه السلطة فإن الرجل يباهي أمام أنصاره بأنه يقايض المملكة بالحصول على أموالها مقابل الحماية الأمريكية.

ولذا أبرم ترامب مذكرات تفاهم صفقات غير مسبوقة مع الرياض.

واختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، السعودية كأول دولة يزورها مُنذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2017 وقّع خلالها صفقة بقيمة 100 مليار دولار مقابل صفقة سلاح وخدمات دفاعية، وثانية بقيمة تصل إلى 370 مليار دولار خلال 10 سنوات قادمة.

لكن يجب ملاحظة أنه على عكس صفقة أوباما التي دخلت حيز النفاذ، فإن صفقات ترامب كانت مذكرات تفاهم في أغلبها ولا يعرف ما تحول منها إلى صفقات فعلية.

بل على العكس فإنه مع تفاقم الأزمة المالية السعودية، فإن حجم قدرتها على تنفيذ صفقات مليارية مع واشنطن سيتراجع.

وحتى عام 2018، كانت السعودية تحتفظ بثالث أكبر ميزانية دفاعية في العالم، تراجعت للخامسة عام 2019.

وتخصص السعودية ما يعادل 8% من ناتجها المحلي الإجمالي، أي ما يصل إلى 28% من ميزانيتها السنوية العامة للإنفاق على القطاع العسكري، مع محاولات تبذلها الحكومة للانسحاب من بعض الصراعات المكلفة، مثل الحرب في اليمن، لتقليل الإنفاق العسكري والاتجاه نحو زيادة الاستثمار في القطاعات الحيوية الأخرى.

ووفقاً لتقارير غربية، فإن السعودية تُنفق ما يصل إلى 4 مليارات دولار شهرياً على حربها في اليمن، ما يؤثر على قدراتها في تقديم الدعم لعدد من دول المنطقة، مثل مصر والأردن، لضمان الاستقرار الأمني في المنطقة.

ومع عدم وجود أرقام رسمية، فإن بعض التقارير الإعلامية الغربية تتحدث عن أنّ تكلفة الحرب خلال السنوات الثلاث الأولى تعدت 100 مليار دولار مع خسائر في الأرواح والمعدات العسكرية.

الإنفاق السعودي الهائل على مبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة كان من بين أهم عوامل تمسك ترامب بعلاقات بلاده مع المملكة رغم الاعتراضات الشديدة التي واجهها في عدة محطات، منها اغتيال خاشقجي.

لكن مع إعلان السعودية رسمياً توجهها لسياسات تقشفية، هل تستطيع مواصلة تمويل هذه الصفقات في وقت يتآكل رصيدها المالي بشكل غير مسبوق.

فقبل تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز الحكم في السعودية عام 2015، بلغ إجمالي احتياطات المملكة من النقد الأجنبي نحو 732 مليار دولار، انخفضت إلى 499 مليار دولار نهاية العام الماضي، وفق صندوق النقد العربي السعودي.

وتراجعت الاحتياطيات السعودية الخارجية، وفق وكالة “رويترز” في 29 أبريل/نيسان الماضي، بأسرع معدل لها خلال 20 عاماً على الأقل، وإلى أدنى مستوى لها منذ عام 2011، مع عجز في الميزانية بنحو 9 مليارات دولار في الربع الأول من العام جراء انهيار سوق النفط.

وتشير تقارير غربية إلى انخفاض في صافي الأصول الأجنبية لصندوق النقد العربي السعودي بأكثر من 5% خلال مارس/آذار الماضي بحيث وصل المخزون إلى 464 مليار دولار فقط، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2011.

ويربط محللون غربيون بين اتجاه السعودية إلى تقليص الإنفاق العام، حسب تصريحات وزير المالية الأخيرة، وتداعيات ذلك على الإنفاق العسكري الذي تستحوذ واشنطن على النسبة الأكبر منه، وبين النظرة الأمريكية الجديدة لطبيعة العلاقات مع السعودية ومستقبل هذه العلاقات.

قام التحالف السعودي الأمريكي التاريخي على ركيزة هامة هي وجود أعداء مشتركين للطرفين.

كان الاتحاد السوفييتي والأنظمة القومية العربية المعادية للملكية والرأسمالية هي العدو المشترك للسعودية، والولايات المتحدة، وكان دور السعودية في استغلال طبيعتها الدينية وأموالها في هذا الصراع لصالح الولايات المتحدة أمراً مهماً للسياسة الأمريكية.

وفرت السعودية التي جمعت بين المذهب الوهابي والنفط، المال والشرعية الدينية لمحاربة أعداء أمريكا في العالم الإسلامي.

لكن اليوم الأمور ليست على نفس المنوال، يتشارك الطرفان العداء لإيران، ولكن يبدو أن واشنطن على استعداد لتوريط حلفائها الخليجيين في تبعات هذا العداء دون أن تحميهم من الانتقام الأمريكي، مثلما حدث مع حالة الهجوم على منشأة أرامكو السعودية وأهداف إماراتية.

وفي حالة روسيا التي كانت عدواً مشتركاً للطرفين خلال الحرب الباردة عندما كانت شيوعية، فإن هناك شعوراً بوجود كيمياء شخصية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمير محمد بن سلمان لأن كلامها ينتمي لنادي المستبدين حسب وصف الصحافة الغربية، رغم أن هذه الكيمياء تبددت على ما يبدو في الخلاف الأخير حول خفض إنتاج النفط.

لكن النقطة الخلافية الحقيقية بين الولايات المتحدة والسعودية، هي العلاقة مع الصين.

ترفض الولايات المتحدة على ما يبدو أن تحتفظ الرياض بعلاقة حميمية مع بكين في وقت لدى السعودية كل الأسباب لتحاول تعزيز علاقتها مع التنين الشرقي، الذي هو فعلياً أكبر مشترٍ للنفط السعودي، إضافة إلى وزنه الاقتصادي والتكنولوجي المتزايد.

إذ طوّرت دول الخليج العربية عامة روابط وثيقة مع بكين، على الرغم من علاقاتها طويلة الأمد مع حليفتها الرئيسية الولايات المتحدة، مع سعي هذه الدول إلى رأس المال والتكنولوجيا لتنويع موارد اقتصاداتها بعيداً عن عائدات الطاقة.

ومع تصاعد الخلاف الأمريكي الصيني على خلفية أزمة كورونا، تم إرسال رسائل أمريكية صارمة إلى الخليج.

إذ نقل عن مسؤول أمريكي قوله إن على دول الخليج العربية أن تأخذ علاقتها بالولايات المتحدة بعين الاعتبار عند التعامل مع الصين، وذلك في وقت يشهد تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين بسبب وباء فيروس كورونا.

وقال ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى: “على هذه الدول (الخليجية) أن تفكر في قيمة شراكتها مع الولايات المتحدة”. وأضاف في حديث مع رويترز عبر الهاتف: “نريد أن تبذل الدول الشريكة لنا العناية الواجبة”.

بينما اختفت أهمية السعودية كمورد للنفط للولايات المتحدة، وتتضاءل قدرتها على شراء السلاح الأمريكي، وتبدو كعبء على أمريكا في الصراع مع إيران، إضافة إلى حربها في اليمن تمثل عبئاً أخلاقياً على الإدارة الأمريكية، وقدرتها على منح فرص أعمال للشركات الغربية عامة تتضاءل مع انهيار أسعار النفط.

يبدو أن هناك جبهةً ما زالت السعودية تتمتع فيها بميزة نسبية، وهي دورها في ترويج التطبيع مع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط بفضل ثقلها الديني والمعنوي والسياسي.

فقبل عقود قال وزير مصري: “إذا أردنا علاقة جيدة مع واشنطن، فعلينا أن نقضي الليلة في تل أبيب”.

الوزير كان القيادي اليساري البارز إسماعيل صبري عبدالله الذي كان وزيراً للتخطيط في عهد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات في السبعينات، وقال هذا الكلام في معرض تفسيره لمحاولة مصر التقارب مع إسرائيل.

واليوم أصبحت إسرائيل الجبهة الأرخص تكلفة بالنسبة للتقارب مع أمريكا بعدما تراجعت أرصدة المملكة المالية التي كانت تمول هذه العلاقة في السابق.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى