آخر الأخبار

خطة ترامب تُلاقَى بالاشمئزاز في الأردن.. فلسطينيون يحتفظون بمستندات ملكيَّتهم لأراضي آبائهم ويرعون تقاليدهم القديمة حتَّى العودة

نشر مايكل صافي، مراسل صحيفة The Guardian البريطانية، تقريراً تحدَّث فيه عن اشمئزاز الناس في الأردن من خطة ترامب لمستقبل فلسطين.

يقول صافي إن خطَّة سلام الشرق الأوسط التي طرحها ترامب قوبلت بالرفض داخل المخيَّمات الأردنية، حيث يقيم مئات الآلاف من الفلسطينيين حتى اليوم، حافظين مستندات ملكيَّتهم في فلسطين وراعين تقاليدهم القديمة حتَّى يُسمَح لهم بالعودة.

حصلت الخطة المقترحة، التي سلَّمت إسرائيل السيادة على القدس وأغلب الضفة الغربية، على دعمٍ فاتر من حكومات السعودية، ومصر، والإمارات، حيث تراجعت أهمية القضية الفلسطينية في مقابل مخاوف استراتيجية مشتركة بين الدول العربية والدولة اليهودية، خاصةً تجاه إيران.

لكن بالنسبة لكثيرين في الأردن، والذين يرتبط مصيرهم بمصير الفلسطينيين على نحوٍ فريد، فإنَّ نهاية حل الدولتين يمثِّل لهم خطراً وجودياً.

وقال الملك عبدالله الثاني، حاكم الأردن، في تعليقاتٍ موجزة صرَّح بها قبل الإعلان عن الصفقة: «إنَّ موقفنا (حيال خطة ترامب) معروف. لا نوافق. هذا واضحٌ للجميع».

إنَّ مرأى الأعلام الفلسطينية مشهدٌ متكرر عبر العاصمة الأردنية، عمَّان، حيث ما زال عديد من سكَّانها يقدِّمون أنفسهم على أنَّهم قادمون من مدن وقرى على الجانب الآخر من الحدود، لم يروها في حياتهم.

يقول صلاح أبو عطوية (31 عاماً)، وقد عاش حياته كلَّها في مخيَّم البقعة المشيَّد لاحتواء اللاجئين من حرب الأيام الستة عام 1967: «حتى اليوم أعلِّم ابني البالغ من العمر خمس سنوات، أن يردِّد الهتافات الفلسطينية مرة أسبوعياً، حتى يعرف أنَّ له وطناً، وأنَّه موجود وأنَّه سيعود إليه».

يقول مراسل الغارديان إنه التقى ليلى أبو كشك، التي سألته تحت لوحةٍ منسوجة لفلسطين ما قبل التقسيم معلَّقة في غرفة معيشتها: «هل تصدِّق ما يحدث؟». قلَّبت ليلى بين أوراق صفراء مهترئة تثبت ملكية عائلتها لأرضٍ في يافا، المدينة الساحلية التي فرَّت منها منذ 72 عاماً، لكنَّها ما زالت تصرُّ أنَّها موطنها. قالت: «بعد كل ما قاسيناه، يريد أن يسلبها منَّا ببساطة!».

أدَّى النزاع بين إسرائيل والدول العربية على مدار الأعوام السبعين الماضية، إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الأردن، حيث يُعتقَد أنَّهم يمثِّلون الآن أكثر من نصف تعداد السكَّان. مُنِح أغلب الفلسطينيين اللاجئين الجنسية الأردنية ودُمِجوا في المملكة، لكن إلى الآن تغلي صداماتٌ من حينٍ إلى آخر بين سكَّان «الضفة الشرقية» الأصليين والوافدين من الضفة الغربية لنهر الأردن.

كذلك حلَّت على الأردن موجاتٌ جديدة من اللاجئين القادمين من العراق، وسوريا، ومناطق من إفريقيا في السنوات الأخيرة. ينمّي هذا، مصحوباً باقتصادٍ راكد، حساً بفقدان الأمان السكَّاني لدى بعض الأردنيين.

حسن براري، وهو أستاذ مساعد للعلاقات الدولية في جامعة الأردن، قال إنه «لا أحد يفكّر جدياً في ردّ الفلسطينيين إلى بلادهم، لكنَّا نريد أن نمنع وفود مزيد منهم إلى الأردن».

يطارد قيادة البلاد شبحُ «الخيار الأردني»، وهي فكرة حظت بشعبية لدى اليمين الإسرائيلي، تقترح ضمّ الأردن وفلسطين في دولة واحدة. يتذمَّر بعض قاطني الأردن قائلين إنَّ هذا كان الهدف بعيد المدى لبناء المستوطنات وغيره من السياسات الإسرائيلية التي ضربت احتمالات حلّ الدولتين، ربما في مقتل.

وقال براري: «يخشى الأردنيون حدوث انتقالٍ تدريجي وناعم للفلسطينيين إلى الأردن، بخلق ظروف معيشةٍ مستحيلة لبقاء الفلسطينيين، وإذن يأتي هؤلاء إلى الأردن ويزيد عددهم على السكَّان الأصليين للأردن».

بحسب كيرتس ريان، الذي يدرس سياسات الأردن في جامعة منطقة أبالاشيا بولاية نورث كارولاينا، فإنَّ خطة ترامب، ومعها مقترحاتٌ قدَّمها مؤخراً بنيامين نتنياهو ومنافسه الأبرز على منصب رئاسة وزراء إسرائيل، بيني غانتس، للاستيلاء على أغلب الضفة الغربية، تدقُّ نواقيس الخطر في الأردن.

يضيف ريان: «ما زالت الدولة الأردنية ترى أنَّ نموذج حلّ الدولتين هو البديل الوحيد القابل للتطبيق، فضلاً عن سياساتٍ وحشية من شأنها ألَّا تُسفر عن حرمان الشعب الفلسطيني لدرجاتٍ أبعد فحسب، بل إنَّها قد تهدّد وجود الأردن كدولةٍ مستقلة».

يوقِع السخط المحليّ على ترك إسرائيل حلَّ الدولتين ضغوطاً على معاهدة السلام التي عقدتها الأردن مع جارتها إسرائيل. وقال الملك عبدالله في مقابلةٍ صحفية، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، إنَّه يعتبر العلاقة بين الدولتين قد وصلت إلى أسوأ مراحلها على الإطلاق.

وفقاً لاستطلاع رأيٍ أُجري العام الماضي، فإنَّ 7 من بين كل 10 أردنيين يريدون الحدّ من العلاقات مع إسرائيل، وأثار اتفاقٌ تجاريّ بين الدولتين لبدء استيراد الأردن الغاز الإسرائيلي هذا الشهر (يناير/كانون الثاني)، احتجاجاتٍ ورفضاً نادراً إجماعياً من برلمان البلاد، الذي يُرَى عادةً بمثابة ختم موافقةٍ تلقائي

في أحد البيوت الخرسانية منخفضة الارتفاع بمخيَّم البقعة، وجَّهت ليلى أبو كشك فجيعتها وغضبها إلى نسخةٍ من أغنية، قالت إنَّ عائلتها غنَّتها وهي تغادر يافا عام 1948. قالت: «حفظها أولادي وأولادهم».

استمع حفيدها راشد (17 عاماً)، بلا مبالاةٍ، للَّحن الحزين. قال راشد إنَّ مقترح ترامب جعله «غاضباً وحزيناً. لا أشعر بأنَّا سنعود يوماً. الوضع يسوء».

لكنَّه اعترف أخيراً: «لا أرى فلسطين إلا في الأنباء. إنَّها جزءٌ مني، لكنِّي قضيت عمري كله هنا».

من وقتٍ إلى آخر يبحث راشد عبر محرِّك البحث جوجل عن صورٍ لفلسطين، قال إنَّ ذلك «لأرى كيف تبدو». لكنَّ هدفه الأقرب هو أن يتأهل إلى مكانٍ في جامعةٍ أوروبية لدراسة الطب.

قال راشد: «بعد ذلك سأرجع إلى هنا وأطوِّر بلدي الأردن».

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى