الأرشيفتقارير وملفات

خطورة فوز دونالد ترامب على الولايات المتحدة الأمريكية والعالم

فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة قد يشكل خطراً كبيراً ليس فقط على الداخل الاميركي وإنما ايضا على العالم أجمع، وصولاً الى إعتبار هذا الفوز يشكل خطراً مماثلاً لما تشكله الجماعات الارهابية الكبرى وعلى رأسها تنظيم الدولة الاسلامية داعش. هذا الواقع أكدت دراسة أجرتها وحدة المعلومات التابعة لمجلة إيكونوميست البريطانية، والتي صنفت فوز المرشح الأوفر حظاً للإنتخابات الاميركية الجمهوري دونالد ترامب في المرتبة 12 في قائمة الاخطار التي يواجهها الاقتصاد العالمي.

تامب

حرب عالمية…
منذ إعلان ترشحه للإنتخابات شكلت تصريحات ترامب مادة دسمة للنقاش حول العالم، وصولاً الى إعتبار هذه التصاريح بمثابة إنذار حرب جديدة بين الولايات_المتحدة وعدد من الدول الكبرى في حال فوز الملياردي الاميركي بالانتخابات الرئاسية، مما أجبره على التراجع عن بعضها في الايام الماضية لتحسين صورته في الداخل وعلى الساحة الدولية، بعد أن أصبح المرشح الوحيد عن الحزب الجمهوري للإنتخابات الرئاسية الاميركية.
فقبل أشهر، دعا ترامب مثلاً لإسقاط المقاتلات لروسية إذا اقتربت من الطائرات الأميركية، كما استخدم الملياردير الأميركي صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شريط فيديو ترويجي له في إطار حملته الانتخابية، ما أغضب الكرملين بشدة. أما الصين، فكان لها حصة كبيرة في التصريحات النارية لترامب حيث اتهمها بـ “اغتصاب” الولايات المتحدة في ما يتعلق بالسياسة الصينية التجارية، وحمّلها مسؤولية عن أكبر عملية سطو في تاريخ العالم. كما اتهمها بالتلاعب بعملتها لتجعل صادراتها أكثر قدرة على المنافسة عالمياً، ما يلحق ضرراً كبيراً بالشركات والموظفين في الولايات المتحدة، داعياً الى تغير هذا الواقع.
ومع إقترابه أكثر من البيت الابيض، يبدو ان ترامب أصبحا مدركاً لكم التصريحات غير المناسبة التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، وها هو اليوم يسعى الى اعادة تصحيح ما دمّرته خطاباته التي يصفها البعض بـ “المتهوّرة”. ففي خطاب رئيسي له منذ ايام، تعهد دونالد ترامب تحسين العلاقات مع روسيا الصين حال انتخابه رئيساً، مؤكدا أنه يمكن “تخفيف التوتر في العلاقات مع روسيا من موقف قوة”. وقال ترامب أيضاً إنه سيستخدم الثقل الاقتصادي الأميركي لإقناع الصين بكبح جماح البرنامج النووي الكوري الشمالي، كما سيدعو إلى قمتين منفصلتين لحلف شمال الأطلسي ولحلفاء الولايات المتحدة في آسيا لمناقشة “إعادة توازن” الالتزامات المادية الأميركية للدفاع عنها.

هجوم على الإسلام والمسلمين
لم يغب العالم الاسلامي عن التصاريح النارية لترامب الذي أشعل العالم الاسلامي منذ أشهر حين قال “الإسلام يكره الأمة الأميركية” مشيراً إلى أنه يقصد كل المسلمين ولن يتراجع عن “قوله هذا”. وأصرّ على تصريحه مذكراً بـهجمات الحادي عشر من ايلول. وابرز التصريحات المعادية للإسلام التي أطلقها المرشح الجمهوري كانت نهاية العام 2015 بعد أيام من إطلاق النار الدامي في كاليفورنيا ، حين دعا الى حظر دخول المسلمين للولايات المتحدة.
وبدأ دونالد ترامب التركيز على المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة، أميركيين وغير أميركيين، منذ هجمات_باريس التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية ودعا يومها الى مراقبة المساجد وإنشاء قاعدة بيانات لتسجيل المسلمين. ونتيجة هذه التصريحات، قررت سلسلة متاجر ومحال في الخليج والدول المسلمة حول العالم وعلى رأسها “مجموعة لاندمارك” (من اكبر المجموعات التجارية في منطقة الخليج، وتملك 190 محلاً تجارياً في الشرق الاوسط وافريقيا وباكستان)، مقاطعة المنتجات شركة “ترامب هوم” التي يملكها الملياردير الاميركي، كما أعلن رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور عن إيقاف كل المشاريع المشتركة مع ترامب. واللافت أيضاً في تصريحات ترمب موقفه اليمني المتطرف في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط والإرهاب ، بما في ذلك الدعوة إلى قتل عائلات الإرهابيين والقيام بعملية برية في سوريا للقضاء على تنظيم داعش والاستيلاء على المنشآت النفطية التي يسيطر عليها.
أما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإنحياز المرشح الجمهورية الى إسرائيل لا لبس فيه، حيث أكد مراراً وتكراراً انه سينحاز إلى إسرائيل في أي مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وكان أكد في كلمة أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، وهي أقوى لوبي مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة ، مواصلة التحالف الأميركي قوي مع إسرائيل إذا ما انتخب رئيساً في تشرين الثاني”. وقال: “على الفلسطينيين أن يأتوا إلى طاولة المفاوضات، وهم يعرفون أن إسرائيل ستبقى إلى الأبد يهودية”. وأكد ترامب أن ” العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل غير قابلة للكسر”. وذهب ابعد من ذلك حيث أكد انه سيقاوم أي محاولة من الأمم المتحدة لفرض إرادتها على إسرائيل وسينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس في حال انتخابه، قائلاً: “لا يوجد من يؤيد إسرائيل أكثر مني. علينا حماية إسرائيل”. وأيضاً في إحدى مقابلاته مع موقع “إسرائيل اليوم” الإلكتروني وصف ترامب إسرائيل بـمعقل الأمل الأميركي في منطقة الشرق الأوسط”. واعتبر أن إسرائيل تواجه خطراً أكبر من أي وقت مضى بسبب الاتفاق النووي الذي عقده الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع إيران. واعتبر ترامب أن حبه لإسرائيل وسكانها “منذ وقت طويل جدا”، مؤكداً “أننا سنضمن أن تبقى إسرائيل في حالة جيدة جداً إلى أبد الآبدين”. والملف أيضاً تقديم فريق الموقع لترامب التهاني بمناسبة ولادة حفيده الثامن ثيودور، وذكَّره بأنه يحمل اسم مؤسس التيار الصهيوني ثيودور هرتزل.
أما الملف النووي الايراني فله حصة كبيرة في تصريحات دونالد ترامب، اذ أكد أنه سيسعى جاهدا، في حال فوز الى تقويض الاتفاق النووي الإيراني معتبراً أن هذا الاتفاق يشكل كارثة لأميركا وإسرائيل والشرق الأوسط”.

ثمن التصاريح خسائر بالمليارات
ويبدو ان الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تكبّدتها شركات ترمب في الخليج دفعته الى التراجع بعض الشيئ عن حدّة موقفه تجاه المسلمين، ومحاولة ظهوره أكثر اعتدالاً، وتوضيح تصريحاته المثيرة للجدل. حيث قال في الايام الماضية “لدي الكثير من الأصدقاء المسلمين، وهم على دراية بأن هناك مشكلة، وهم يريدون التخلص منها، فهي تؤلمهم وتضر بهم أكثر من غيرهم”. كما غازل الخليج قائلاً: “عند المقارنة بين مطارات بلادنا ومطارات السعودية وقطر والبحرين، فهي بالتأكيد أجمل مما لديها في اميركا بكثير”.
الى أميركا اللاتينية حيث ركز ترامب تصريحاته أيضاً ضد المهاجرين غير الشرعيين، ودعا الى بناء حائط على الحدود المكسيكية مع الولايات المتحدة لمنع تسلل من وصفهم بـ “المغتصبين” و”مدمني المخدرات”. وقال في إحدى المقابلات انه سيجعل المكسيك تدفع مقابل تنفيذ اقتراحه المثير للجدل بشأن بناء جدار حدودي بين البلدين من خلال وقف التحويلات المالية للمكسيكيين في الولايات المتحدة. وبموجب خطة كشفت عنها حملة ترامب، يقترح المرشح الجمهوري وضع قواعد بشأن التحويلات إلى خارج الولايات المتحدة من شأنها فعليا خفض التحويلات إلى المكسيك وإرغام السلطات المكسيكية على الاحتجاج. ولن تقبل إدارة ترامب، في حالة فوزه في الانتخابات، التراجع عن تنفيذ هذه الخطة، إلاّ إذا تحملت المكسيك تكاليف بناء الجدار الحدودي الذي يمثل حجر الزاوية في برنامج ترشح ترامب. وتقول الخطة “إنه قرار سهل بالنسبة الى المكسيك، أن تدفع مرة واحد مبلغ يتراوح ما بين خمسة وعشرة مليارات دولار لضمان استمرار تدفق 24 مليار دولار إلى البلاد سنة بعد سنة”.
الخطة الاقتصادية الكارثية!
الخطة الاقتصادية للمرشح الجمهوري للإنتخابات الاميركية دونالد ترامب غير واضحة المعالم حتى اليوم، ولكن إذا تم جمع كل تصريحاته منذ بداية الحملة الانتخابية وحتى اليوم يمكن إستخلاص بعض الخطوط العريضة لهذه الخطة التي قد يعتمدها في حال فوزه في الانتخابات منها:
– إلغاء العديد من اللوائح التنظيمية الاتحادية.
– إعادة تمويل الديون الأميركية الطويلة الأجل لدفع مقابل تطوير البنية التحتية.
– -تبسيط اللوائح الضريبية الاميركية
– خفض ضرائب الشركات لتحفيز التوظيف.
– معارضة رفع أسعار الفائدة حماية للشركات الاميركية.
– إعادة النظر بكافة المعاهدات والاتفاقيات التجارية الدولية التي تشارك فيها الولايات المتحدة
– إعادة النظر بالعلاقات التجارية الثانية بين الولايات المتحدة وعدد من الدول على رأسها الصين.
– إمكان وقف استيراد النفط من السعودية ما لم تشارك الاخيرة بجيشها في قتال تنظيم “الدولة الاسلامية” او تعوض الولايات المتحدة عن الجهود التي تبذلها في محاربة التنظيم.
– السعي للتوصل إلى اتفاق جيد مع الصين من شأنه مساعدة الشركات والموظفين الأميركيين على المنافسة.
– إقترح رفع الرسوم المفروضة على الواردات الصينية الى 45 بالمئة من قيمتها.
– إجبار الصين على الاعتراف بالتلاعب بعملتها ووضع نهاية لدعم الصادرات الصينية والتخفيف من وطأة المعايير البيئية والعمالية.
وتُظهر أحدث الأرقام الصادرة من الحكومة الاميركية أن عجز الميزان التجاري مع الصين بلغ مستوى غير مسبوق ليصل إلى 365.7 مليار دولار في العام 2015.
ولكن يبدو ان العالم الاقتصادي غير مطمئنن لوصول ترامب الى سدّة الرئاسة، حيث قد يرفع تطور مماثل من اخطار قيام حرب تجارية جديدة لكون المرشح الجمهوري اعلن صراحة عدائه لإتفاقيات التجارة الحرة بما فيها اتفاق نافتا اي اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، بالاضافة الى الحرب التجارية التي يمكن أن تندلع بين الولايات المتحدة والصين. كما يمكن لفوز ترامب ان يفسد اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ بين الولايات المتحدة و11 دولة أميركية وآسيوية أخرى والذي تم توقيعه في شباط الماضي.

تداعيات خطيرة
وفي سياق متصل، أظهرت دراسة أجراها مركز أمريكان أكشن فورام للأبحاث أن تعهد المرشح المحتمل لانتخابات للرئاسة الاميركية دونالد ترامب بحصر وترحيل المهاجرين غير المسجلين في حالة انتخابه رئيسا للبلاد قد يؤدي إلى انكماش الاقتصاد نحو 2% . وبحسب الإحصاءات الحكومية، أكثر من 11 مليون مهاجر يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية ويشغلون وظائف وقد تؤدي إزاحتهم إلى هبوط ناتج القطاع الخاص بين 381.5 مليار دولار و623.2 مليار دولار. كما أكدت الدراسة الى ان إخراج هؤلاء من سوق العمل قد يؤدي إلى ملايين الوظائف الشاغرة بسبب نقص القوى العاملة الشرعية التي ترغب في شغل تلك الوظائف. وبحسب البحث فإن من بين القطاعات صاحبة النصيب الأكبر من العمالة غير الموثقة قطاعات الزراعة والبناء والضيافة. وبحسب صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يبلغ حجم إنتاج الاقتصاد الأمريكي من السلع والخدمات نحو 18.7 تريليون دولار في 2016 ، وخطوة ترامب قد تحمل الاقتصاد خسائر نحو 400 مليار دولار. وفي سياق متصل، حذرت بدورها، وكالة التصنيف الائتماني موديز من العواقب الكارثية على الاقتصاد الدولي خاصة في الولايات المتحدة والصين والمكسيك، إذا فاز ترامب بالرئاسة، والتزم بتنفيذ برنامج حملته الانتخابية وخاصة ما يتعلق بالجزء الاقتصادي منها. وبحسب الدراسات التي قامت بها الوكالة ، فوز ترامب يعني ببساطة انكماشاً خطيراً لاقتصاد هذه الدول الثلاث، ومعها أيضاً تقلّص اقتصاد بقية دول العالم الأخرى، كما سيؤدي تنفيذ ترامب لخطته الاقتصادية الى فقدان ما يقارب الـ 4 ملايين أميركي وظائفهم بسبب الرد بالمثل من قبل الصين والمكسيك على الولايات المتحدة، كما سيعجز الاقتصاد الأميركي عن إحداث 3 ملايين وظيفة إضافية، كان من الممكن توفيرها إذا لم تدخل حرباً اقتصادية مع الصين والمكسيك بدفع من ترامب. وأيضاً تشير الدراسة التي قامت بها الوكالة الدولية الى ان أن الولايات المتحدة التي ستتخذ إجراءات ضريبية ضد شريكيها الكبيرين سيكون عليها انتظار إجراءات مماثلة لن تقل عن فرض ضرائب جديدة تتراوح بين 35 و45% على التوالي، من قبل بيجينغ ومكسيكو، ما يتسبب في عرقلة حركة التجارة والتبادل الحر بين الدول الثلاث، وينتهي بها إلى تقلص وانكماش اقتصادي كبير سيمتد تأثيره السلبي إلى الاقتصاد العالمي نفسه.
بإختصار، تؤكد العديد من المنظمات والمؤسسات الاقتصادية والنقدية والبحثية الدولية الى ان فور دونالد ترامب في الانتخابات الاميركية وتنفيذ خطته الاقتصادية، لن توقف تداعياته عند أبواب الولايات المتحدة فقط، بل ستتجاوزها لتشمل كل دول العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى