آخر الأخباراقتصاد

دستور الحالم بالحكم الفردى “قيس سعيد” يعيد تونس للظلام

متابعات بقلم رئيس التحرير

سمير يوسف

رئيس منظمة “إعلاميون حول العالم”

استفتاء تونس: مسار جديد في محطات انقلاب سعيّد

يواصل قيس سعيّد نفسه تعميق الانقسامات داخل المجتمع التونسي باختلاق نظريات المؤامرة وتأجيج العواطف الشعبوية.

الفصل 139 من مشروع الدستور الجديد ينص على أن بنوده تدخل حيز التنفيذ فور إعلان نتائج الاستفتاء بصرف النظر عن الموافقة أو الرفض.

تشهد الحقوق المدنية والحريات العامة مرحلة سوداء في استئناف أنساق من القمع وانتهاك القانون بعضها أسوأ مما كانت عليه قبل ثورة 2011.

نتيجة الاستفتاء لن تخرج عن توصيف وحيد يليق بها كمرحلة على طريق نظام استبدادي بدأ في 25 يوليو الماضي بينما يتابع سعيّد محطاته الانقلابية.

تعيش تونس أسوأ أوضاعها اقتصاديا ومعيشيا وصحيا وتعليميا وتجابه معدّل تضخم تجاوز 8%، ونحو مليون أسرة تعيش على أقلّ من 5 دنانير (1,5 دولار يوميا).

عملية الاستفتاء ليست سوى ممارسة شكلية تزيد حدة الاستقطاب في قلب الشارع التونسي، وتسبغ شرعية شكلية على قرارات الرئيس الانقلابية، وإهدار المال العام.

دستور على مقاس قيس

“هذا الدستور المصاغ بطريقة متهورة والمؤلف بطريقة منفردة، إهانة لكرامة التونسيين والإنجازات الديمقراطية التي تحققت بشق الأنفس”.

تمرير دستور سعيّد، ينهي الديمقراطية للأبد في تونس وسننتظر إن كان الذين انتفضوا سابقا، سيطيحون بدكتاتورية جديدة، صنعوها بأنفسهم هذه المرة.

مصير أهم تجربة حكم ديمقراطي بالعالم العربي على المحك بعد استفتاء سعيّد. وتمرير الدستور يعني رسالة مشؤومة لكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الطبيعة المتعجلة لاستفتاء فاسد، وعدم التنظيم لدى لجنة انتخابات سعيّد، قادت لاقتناع عام بأنه سيتلاعب به لصالح “نعم” ويعيق جهود تنظيم حملات ومراقبة وتصويت بـ”لا”.

* * *

وصفت أستاذة سياسة الشرق الأوسط بجامعة نيويورك- فرع أبو ظبي، د. مونيكا ماركس، الاستفتاء الذي نظّمه الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الإثنين على الدستور الجديد، بأنه “يوم أسود للديمقراطية”.

وقالت في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن مصير أهم تجربة في الحكم الديمقراطي بالعالم العربي، على المحك بعد استفتاء سعيد. ورأت أن تمرير الدستور يعني رسالة مشؤومة لكل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث لا يزال الحكام المستبدون متمكنين.

وأشارت في سياق مقالها إلى الانتفاضة التي اندلعت في تونس عام 2011 والتي أشعلها محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه، وقادت للإطاحة بالديكتاتوري زين العابدين بن علي. وحفّزت أحداثُ تونس، انتفاضاتٍ أخرى صارت تعرف بالربيع العربي. ومضت تونس في طريق متعثر وإن كان واعدا لتحقيق الديمقراطية، وظهرت آلاف من منظمات العمل المدني ومئات الأحزاب السياسية وعشرات من وسائل الإعلام الجديدة.

وفي عام 2014، مرر البرلمان المنتخب، مسودة دستور شاملة تمت مناقشتها بدقة خلال عاميْن، وشملت على ضوابط لحماية حقوق الإنسان والتوازنات وغير ذلك من أعمدة الحكم التمثيلي.

ولبلد كان الدكتاتور “يفوز” بانتخابات مرتبة وبنسب تثير السخرية مثل 99%، فحقيقة عقد تونس انتخابات ديمقراطية شاركت فيها عدة أطراف، كانت أمرا فوق العادة.

وتقول الباحثة: “صحيح أن حكومات تونس ما بعد الثورة لم تستطع بناء اقتصاد فاعل وإصلاح أمن الدولة الفاسد أو إنشاء محكمة دستورية. ورغم تلك الإخفاقات الواضحة، إلا أن خطوات تونس الواثقة نحو حرية التعبير والحكم الديمقراطي، دفعتها للحصول على أعلى الدرجات في مؤشرات الديمقراطية “بوليتي 4″ و”فريدم هاوس””.

وكانت رمزية هذا، هو أن بناء ديمقراطية عضوية ومتجذرة في القواعد الشعبية أمر ممكن في العالم العربي، وكان ذلك بمثابة رد مضاد على الجدل من الحكومات المستبدة والمتطرفين. ومنح مثالُ تونس، أملا لكل المنطقة.

واليوم تقول الكاتبة إن سعيد، الرجل القانوني الذي لم يكن يعرفه أحد قبل فوزه في انتخابات عام 2019، باعتباره الحصان الأسود والمرشح الشعبوي، مصمم على عكس كل الإنجازات. ففي 25 تموز/ يوليو 2021، قام بتنفيذ انقلاب رئاسي أطاح بالديمقراطية الناشئة في البلد. وأطّر حركته بأنها “تصحيح المسار” ووسيلة لبداية الإصلاحات الضرورية. ووصف سعيد كل الطبقة السياسية، بمن فيها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية، بأنها وسيط فاسد يحول بينه وبين الشعب.

وأغلق سعيد البرلمان المنتخب بالدبابات، واستولى على مفاصل الحكم الثلاث، وأخذ يحكم عبر الأوامر الرئاسية. وجرّ نقاده السياسيين إلى المحاكم العسكرية، وهاجم النواب في البرلمان الذين عقدوا اجتماعا افتراضيا واتهمهم بمحاولة تنظيم “انقلاب” وهاجم استقلالية القضاء، وسيطر على هيئة الانتخابات.

و”بالنسبة لرجل بنى سمعته على الزعم بخبراته كمحام دستوري، فإن هجومه غير الدستوري على المؤسسات كان مفارقة تراجيدية. ولم يرتدع من نقاده الذين يضمون الآن كل الأحزاب السياسية وكل منظمات المجتمع المدني تقريبا، وهو يندفع بسرعة نحو نظام رئاسي مفرط في الاستبداد، قد يكون أسوأ من سابقه” وفق الكاتبة.

وأصدر سعيد نسخة الدستور في 30 حزيران/ يونيو، قبل أسابيع من استفتائه المغرور. وصدرت هذه النسخة أولا بعدة أخطاء نحوية، وجعلت الدولة التونسية بشكل مدهش المفسّر الوحيد والأفضل لقوانين الشريعة ولكل المسلمين.

والأهم من كل هذا، فقد محا سعيد كل المتطلبات الرئيسية للحكم الديمقراطي، وهي الفصل بين السلطات، والرقابة بين الفروع. وبعد أيام من نشر المسودة، تبرأت لجنة الدستور التي اختارها سعيد بنفسه منها.

وقالت إن “هذا الدستور المصاغ بطريقة متهورة والمؤلف بطريقة منفردة، إهانة لكرامة التونسيين والإنجازات الديمقراطية التي تحققت بشق الأنفس”.

وتقول الكاتبة إن التونسيين الذي شعروا بالغثيان من عدم شرعية العملية الانقلابية التي بدأها سعيد، قرروا مقاطعة الاستفتاء، ومَن صوّت لصالح الدستور الجديد، فإنهم فعلوا ذلك بسبب وعود سعيد التي لا يوثق بها، ولكنه يمثل لهم بديلا عن النظام البرلماني العاجز والمماحكات التي فشلت في توفير المنافع الاقتصادية.

وأضافت أن الطبيعة المتعجلة لهذا الاستفتاء الفاسد، وعدم التنظيم لدى لجنة انتخابات سعيد، قادت لانتشار مفهوم عام بأنه سيحاول التلاعب به لصالح “نعم” وإعاقة كل الجهود لتنظيم حملات ومراقبة والتصويت بـ”لا”.

ويبدو أن معظم التونسيين متعبون من المعاناة الاقتصادية، “نحن نمشي مثل النيام نحو الأيام السود الماضية”، كما قال زهير خليفي (39 عاما) في مقهى ببلدة الرديف القريبة من الحدود مع الجزائر. وأضاف: “أريد أن أهزّ الناس وأوقظهم، ولكنني لا أستطيع. الكثير منهم جوعى ومتعبون جدا ونسوا كم كانت ثورتنا ثمينة”.

وترى الكاتبة أن غياب الحد الأدنى من المشاركة في الاستفتاء -وهو اختلاف مثير للدهشة عن المعايير الدولية الملزمة للاستفتاءات- يعني أن دستور سعيد سيمرر حتى لو بمشاركة متدنية. ولو حصل هذا، فستنتهي التجربة الديمقراطية للأبد في تونس، وسننتظر ما إذا كان نفس الناس الذين انتفضوا سابقا، سيطيحون بديكتاتورية جديدة، صنعوها بأنفسهم هذه المرة، وفق قول مونيكا ماركس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى