آخر الأخباركتاب وادباء

ديستوبيا فيروس كورونا…ولماذا يجب تعليق الحراك الشعبي في الجزائر؟

بقلم الكاتبة الجزائرية المتخصصة في قضايا الفكر،السياسة وحقوق الإنسان

الأستاذة بادية شكاط

رئيسة فرع منظمة “إعلاميون حول العالم”فى الجزائر

عضو مؤسس فى المنظمة

يقول الفيلسوف السياسي سلافوي جيجك:“الطاعة الحقيقية الوحيدة …هي طاعة خارجية:الطاعة المستمدة من القناعة ليست طاعة حقيقية،لأنها متأثرة بموضوعيتنا-أي أننا حقيقة لانطيع السلطة-لكننا ببساطة نتبع حكمنا الذي يخبرنا بأنّ السلطة تستحق الطاعة لأنها جيدة،حكيمة ومحسنة”.

فما يحدث في الجزائر،أنّ الشعب المعارض للنظام،لم يعد يرى هذا النظام جيد ولا صاحب حكمة، فالقرارات يراها مؤامرات،وأخبار الإعلام محض إشاعات،وفي ظل أزمة وباء عالمية،الشعب الجزائري مازال متردّد بين تعليق أو استمرار الحراك،لأنه يرى نفسه ضحية لنظام سلبه الحرية،ولايريد الإلتزام بضوابط تخضعه لأي حتمية،كما أنه يرى في قوة الحراك التشاركية وإن أورث الفناء،مايضاهي أي انقسام وإن أورث البقاء،فالموت بقهر بيولوجي صار بالنسبة للجزائري خير من الموت بقهر ايديولوجي،ففكرة الهيمنة التي يفرضها المجتمع السياسي من خلال الإعلام والمؤسسات الدينية أو مايدعوه الفيلسوف الإيطالي غرامشي وسائل “القمع الناعم” في تصوره هي  صورة أخرى من صور الديكتاتورية،التي ينبغي منها الإنفلات،فالنظام يراه جالبًا لكل الأخطار،ولايملك الشعب أمام ذلك إلا حرية الإختيار،فإن سلّمها للنظام صار متواطئًا مع الخطر بشكل أكبر،تمامًا كمن رُمي زجاج بيته بحجر،فقدّم لمن رماه حجرًا أكبر.ومازاد الأمر تعقيدًا هي الإجراءات الحكومية التي تجري على استحياء في وقت لايعرف فيه فيروس كورونا الإستبطاء،فالرحلات الجوية والبحرية علّقت مع دول وخفضّت مع أخرى رغم أنها جميعًا متساوية في الوباء،أما المستشفيات فلا تملك أدنى الإمكانات.

إنما هل يبرّر كل ذلك عدم تعليق الحراك الشعبي في الجزائر؟

أثناء إحتدام المعركة الإنتخابية على رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2004 بين جورج بوش وجون كيري،قام فريق من الباحثين يقوده العالم النفساني “دور وستون” بجامعة إموري بجعل أنصار كلا من الحزبين الأمريكيين”الجمهوري والديمقراطي” يطّلعون على مقتطفات كل من المرشح الجمهوري “بوش” والديمقراطي” كيري” وفيها يناقض المرشح نفسه بشكل صارخ،ورصد العالم وستون وفريقه نشاط المخ لدى أولئك الأنصار إذ حاولوا تفسير التناقضات،فلم يجدوا أي نشاط متزايد في مناطق المخ التي يقع عليها العبء أثناء التقييم،بل كان منطلقه المبدئي في دوائر المخ المتعلقة بالإنفعال وحل النزاع،وكما استخلص وستون فإنّ كلا من دوائر المخ المرتبطة بالتفكير الواعي قد جرى بصفة خاصة إعمالها،فبدا وكأنّ الأنصار يديرون كجهاز الشرائح الفوتوغرافية الملونة،الذي يديرها على محوره في اتجاه ضوء ما،ليتأملها مستخدم الجهاز الإدراكي واحدة تلو الأخرى،ويصلوا إلى الإستنتاجات المطلوبة،فيبدو الأمر تمامًا كما قال الكاتب والفيزيائي الأمريكي “مارك بوكانان” في كتابه “الذرة الإجتماعية :“الناس يغربلون الواقع على نحو إنفعالي،كي يحافظوا على جماعة يشعرون بالإرتباط بها،ويساندونها”

ومثل هذا الأمر ينطبق على الحراك الشعبي في الجزائر،فاللاوعي قد يقودنا إلى طريق مسدودلمجتمع الخيار” فهناك إستثمارات ايديولوجية متعددة في الحراك الشعبي،وقد نوهِم أنفسنا بأننا بالإستمرار في الحراك مهما كانت الظروف هو امتلاك لحرية الخيار،وبالتالي الظفر بالحرية،في حين الحرية الحقيقية هي مسؤولية،إنّ مايمر به الحراك الشعبي في الجزائر هو مايسميه الفيلسوف والناقد الإجتماعي الدانماركي”سورين كيركغور” بحالة القلق الوجودي،وهي أشبه بمن يقف على جرف،أين يمكن القفز نحو الموت أو التشبث بنقطة الوقوف،كنقطة لاتقف عندها الحياة،وهو القلق نفسه الذي يصيبنا عندما يتعلق الأمر باختياراتنا الحياتية،فإدراكنا لمدى الحرية التي نمتلكها يجعلنا نشعر بالدوار،فكل فعل نقوم به تتحمله مسؤولية اختياراتنا نحن،لا اختيارات غيرنا.

فعلى الحراك الشعبي تحمل مسؤولية إختياره،فالحق في الحرية لايُنال بحرية بلا حق،وهذا لاينفي عدم إلتزام المتحكمين بالقرار في الجزائر بكل الإجراءات لحماية الشعب الجزائري من هذا الفيروس،فهذا الكائن المجهري لايحسن الإختيار ولن يؤثر الحاكم على المحكوم،إنما نحن جميعًا وعلى السواء من نملك حرية الإختيار في دحره أو نشره،وإجراءات مواجهة الفيروس لم تعد تخفى على أحد،إنما تطبيقهاهو   ماينبغي أن يلتزم به كل أحد.

فكما يقول المفكرة الفرنسية دي بوفوار:“الجمود هو الوجه الآخر للموت”.

بادية شكاط كاتبة في قضايا الفكر،السياسة وحقوق الإنسان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى