آخر الأخبارتقارير وملفات

دين الكراهية فى الولايات المتحدة الأمريكية”عبادة الشيطان”

تقرير إعداد الإعلامى

هشام محمود

عضو مجلس الإدارة

التحذير الشديد من الشيطان

قال الله تعالى لآدم وحواء (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ) (الأعراف: 22)، وقال سبحانه (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) (الأعراف: 27)، وفي آية أخرى قال سبحانه (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) (البقرة: 208) وقال جلّ في علاه (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) (النساء: 60). في هذه الآيات من بين آيات أخرى عظيمة، يحذرنا الله سبحانه وتعالى بشدة من الشيطان الرجيم ومن عدائه المبين، ولا ننفك نشاهد حقيقة هذا العداء في الدنيا تمامًا كما تصفه آيات الذكر الحكيم، ورأينا كيف أضلّ الشيطان من البشر من يعبده علانية ويفسد في الأرض بتفانٍ مريض.

ولأن الأمر على أهمية كبيرة لاتصاله الوطيد بالصراع بين الحق والباطل، بل هو أساس هذا الصراع منذ عصيان إبليس اللعين لربه العظيم، وما أظهره من حسد لآدم وتربصٍ به، دعونا نسبر أغوار هذه الظاهرة التي تفشت بين صنف فاسد من البشر، ونُميط اللثام عن حقائق لا تظهر في قنوات الإعلام إلا لمامًا. خاصة مع ازدياد الإقبال على عبادة الشيطان واتساع دائرة الجرائم المتصلة بها في العالم باستقطابها الأتباع قسرًا وطوعًا. ويكفي النظر في تلك الأخبار الصادمة التي تظهر بين الحين والآخر في بلاد المسلمين عن جرائم مؤلمة من قتل وانتحار ودمار إنسان، ومصادرة مواد دعائية للترويج للأفكار الكفرية يقف خلفها “عبدة الشيطان”.

 وافقت المحكمة العليا في ولاية بوستن بالولايات المتحدة الأمريكية على إقامة “الصلوات السوداء”، في معبد بوسطن لعبادة الشيطان، في الذكرى الـ10 لتأسيسه، ضمن احتفالية تستمر ثلاثة أيام، من 28 وحتى 30 أبريل (نيسان) الجاري.

يعتبر لوسيان غريفز المؤسس والناطق باسم المعبد الشيطاني، أن الأمر يعتبر احتراماً للتعددية وحرية الناس في اختياراتها، وأنه ليس من حق أي أحد أن يكبل أو يقيد القدرات المدنية لأي فصيل أميركي، مهما كانت اختياراته.

المتابعون للشأن الأميركي يتساءلون: هل ما يجري هو نتاج للتوجهات الديمقراطية اليسارية، التي باتت حاكمة في البلاد؟

مرد السؤال، هو أن هذه الجماعة عينها، حاولت في عام 2016، وفي وقت رئاسة دونالد ترمب، المعروف هو والمحافظين من الأميركيين، برفضهم هذه التوجهات، أن تحصل على تصريح يتيح لها الاحتجاج أمام مجلس مدينة بوسطن، فإن الأمر قوبل بالرفض، ما دعا غريفز عينه إلى أن يصف الأمر بـ”الفساد الواضح من جانب مجلس مدينة بوسطن، لانتهاكه الحريات الدينية لعبدة الشيطان”، وتالياً ذهب في طريق مقاضاة مجلس المدينة الأميركية الشهيرة التي رفضت طلبه لإقامة صلوات شيطانية.

واللافت في أمر هذا التجمع الشيطاني، هو أنه على الراغبين المشاركة فيه، أن يرتدوا الأقنعة الواقية من فيروس “كوفيد-19″، على الرغم من إلغاء جميع القيود واختفاء المرض، ما يحمل على تأويلات وتفسيرات غامضة.

ولعل التساؤل الأولي الذي يطرح على موائد النقاش: هل عبادة الشيطان حق طبيعي من حقوق حرية الرأي أو العبادة، ومن هذا المنطلق، وافقت المحكمة العليا في البلاد لتجمع بوسطن بإقامة فعالياته؟ ولماذا كانت في السابق، وبالتحديد عام 2014 ترفض مثل هذه الفعاليات، وكلنا يتذكر قصة القداس الأسود، الذي كانت تلك الجماعة عينها تتطلع لإقامته في جامعة هارفرد بولاية ماساشوستس عينها، التي تقع فيها مدينة بوسطن حيث يقام التجمع المشار إليه؟ ثم وهذا هو الأهم في هذه القصة: ماذا عن عبادة الشيطان هذه، وتاريخها في الداخل الأميركي، وكيف تجري ممارساتها، وعديد من التساؤلات ضمن هذه السطور المقبلة.

بوسطن في التاريخ الأميركى

مثيرة جداً هي الأقدار التاريخية التي تجعل من بوسطن اليوم موقعاً وموضعاً لتجمع عباد الشيطان، مع أنها أقدم البلديات الأميركية التي أنشأها المستوطنون البيوريتانيون، أي المؤمنين بشدة وغالبيتهم كانوا من التيارات الإنجيلية البروتستانتية، الهاربة من جحيم التشدد الديني في أوروبا القرون الوسطى.

شهدت بوسطن عدداً من الأحداث البارزة في زمن الثورة الأميركية، كمذبحة بوسطن وحادثة حفلة الشاي ومعركة بانكر هيل وحصار بوسطن.

بعد الاستقلال الأميركي عن بريطانيا العظمى، بقيت المدينة ميناء مهماً ومركزاً للتصنيع فضلاً عن كونها مركزاً للتعليم والثقافة.

مع أوائل القرن الـ19، امتلأت مدينة بوسطن بالمهاجرين من أعراق مختلفة، فقد هيمن المهاجرون الإيرلنديون أول الأمر على سكانها ثم لاحقاً عرف طريقها مهاجرون من لبنان وسوريا والعراق تلاهم هجرات من كندا وفرنسا، وبنهاية القرن الـ19 كان الإيطاليون الكاثوليك هم المهيمنين عددياً على سكان طرفها الشمالي، كما استقر فيها يهود روس منذ عقود طويلة، واليوم يشكل الكاثوليك أكبر طائفة دينية، ومن أشهر العائلات البارزة التي عرفتها بوسطن، عائلة كيندي وتيب أونيل وجون فيتزجيرالد.

كيف وجد عباد الشيطان طريقهم إلى بوسطن، على الرغم من هذه الجذور الإيمانية المسيحية الطهرانية؟

هل أنطون ليفي بداية عبادة الشيطان؟

إحدى علامات الاستفهام التي لا تزال حائرة موصولة بجذور هذه العبادة الشيطانية، وكيف نشأت، وهل هي حديثة العهد، كما يذهب البعض أم أن لها جذوراً عميقة تعود إلى تيارات ماورائية بعينها، أسهمت في تشكيل صورة أميركا المعاصرة على هذا النحو؟

هناك من يرجع تاريخ هذه الجماعة إلى المؤلف والموسيقار الأميركي الشهير أنطون ليفي المولود لأبوين يهوديين، في مدينة شيكاغو عام 1930، وقد كان محباً للخوارق الطبيعية وقام بتأسيس أول معبد لعبادة الشيطان في مدينة سان فرانسيسكو (مدينة القديس فرنسيس)، على الساحل الغربي، بولاية كاليفورنيا الأميركية.

غير أنه من المقطوع به، وجود سوابق تاريخية في الداخل الأميركي، تعود لجماعات سرية أسهمت في نشأة البلاد، وبعضها ارتبط باسم “بافوميت” (الماعز السبتي) وهو رمز للشر والشيطان عند عديد من الجماعات التي تؤله الشر وتقدس الشيطان.

في أوائل السبعينيات، وتحت ضغوط الفشل الأميركي الذريع في فيتنام، انتشر في الداخل الأميركي أمران متناقضان، الأول تصاعد المد الديني المسيحي الذي اتخذ مسحة يهودية وعرف باسم المسيحية اليهودية أو المسيحية الصهيونية، وإن كان كلاهما غير دقيق، وكان التبرير وقتها أن الله ساند إسرائيل في حروبها ضد العرب عام 1967، في حين أنه تخلى عن أميركا في مستنفعات سايغون.

أما التيار الثاني، فهو انتشار المخدرات كنوع من الهرب من الواقع الأميركي المأزوم، وبجانبها زاد الاهتمام بالسحر والشعوذة والحديث عن الأمور الخفية، ما عزز فكرة السعي وراء الشيطان كإله وسيد لهذا العصر.

نشرت مجلة “تايم” الأميركية في ذلك الوقت عدداً كاملاً، خصصته لفكرة العبادات الشيطانية، وفيه أوضحت كيف أن فكرة الشيطان سابقة على التوراة، وموجودة في الحضارات والأديان السابقة لليهودية وبقية الأديان التوحيدية الإبراهيمية، كما توقفت صفحات العدد على التطور الفكري واللاهوتي لمفهوم الشيطان في المسيحية.

كما أسهم عدد من العوامل في زيادة الاهتمام والخوف من السحر والتنجيم خلال أواخر الستينيات والسبعينيات، وتوجت عملية عبادة مانسون، وهو طائفي ومجرم وقاتل أميركي شهير، في تلك الفترة بسلسلة من جرائم القتل الجماعي، التي صدمت الأمة الأميركية، ووضعت القتل الشعائري المنظم في الدماغ.

هل هناك كنيسة للشيطان والشياطين؟

يعود لفظ كنيسة إلى الأصل اليوناني εκκλησια إكلسيا بمعنى “تجمع”، وفي اللغة السريانية ܟܢܫܐ كنشا التي تعني حشداً من البشر، وقد بدأت مع نشأة المسيحية في القرن الأول الميلادي، واستخدمت في سفر أعمال الرسل، من العهد الجديد بنوع خاص.

من هنا لا يمكن بحال من الأحوال أن توجد علاقة ما بين لفظة كنيسة، وعباد الشيطان، الذين عمدوا إلى سرقة هذا المفهوم.

كان أنطون ليفي، مصدر هذا الشر الحديث الذي عرفته الولايات المتحدة الأميركية، وهو من أسس منظمة عباد الشيطان، التي أطلق عليها بعض الإعلاميين الأميركيين، لفظة “كنيسة الشيطان”، بعد أن كتب ليفي، ما يعرف بـ”الإنجيل الشيطاني”، وفيه جعل من نفسه “الكاهن الأعلى” لجميع الملحدين والمنحلين، الذين لا يؤمنون بالله ولا بالقيامة والحياة بعد الموت، ولهذا فإنه عليهم أن يستمتعوا بحياتهم في هذا الدهر الحاضر، وألا يقيموا وزناً لفكرة الأخرويات.

هل سرق ليفي بعضاً من فكرته من فلسفات يونانية قديمة؟

ذلك كذلك قولاً وفعلاً، فقد عرف طريقه إلى مذهب الأبيقوريين، الذي ينسب إلى الفيلسوف اليوناني “أبيقور” (340ق.م-270ق.م)، وقد لخص مذهبه في عبارة “فلنأكل ولنشرب، فإنا غداً نموت”، أي أن يعيش المرء بهدف اللذة الحسية فقط في هذا العالم، بوصفها الخير الأسمى، وأن الألم هو وحده الشر، ولهذا فإن الهياج العاطفي، هو من يمكن المرء من الحياة، من دون أي حدود أو ثوابت أخلاقية أو روحية.

كانت أفكار “أنطون ليفي” تتشكل الهوينا قبل أن ينشئ معبده الشيطاني هذا في نهاية الستينيات، ففي خسمينيات القرن الماضي، كون مجموعة سماها “الترابزويد”، التي مع مرور الوقت، أصبحت المكون الرئيس لجماعة الشيطان، ومن المفاجأة المثيرة نوعية الأسماء التي شاركته تأليف هذه الجماعة ومنها:

** البارونة كارين ديبليزن التي نشأت في القصر الملكي في الدنمارك.

** د. سيسيل نيكسون، الساحر الغامض وصانع الأطراق البشرية.

** رسل ولدن، مساعد مستشار المدينة.

** دونالد ويربي، أحد ألمع المقاولين في مدينة سان فرانسسكو.

** مايكل هارنر، الإنثروبولجي الشهير.

** شانا ألكسندر، الكاتبة الأميركية.

إضافة إلى عدد كبير من كتاب الخيال العلمي، وأحفاد رؤساء أميركيين سابقين، مثل حفيد الرئيس فرانكلين روزفلت.

هذه الجماعة، لديها نوعان من الأعضاء، أعضاء مسجلين، وأعضاء ناشطين.

وليكون العضو نشيطاً يجب عليه أن يرفض الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والعضوية النشطة تنقسم إلى خمس درجات هي:

الدرجة الأولى: شيطاني.
الدرجة الثانية: مشعوذ أو ساحر.
الدرجة الثالثة: كاهن أو كاهنة.
الدرجة الرابعة: كاهن أعلى أو كاهنة أعلى.
الدرجة الخامسة: ماجوس أو ماجا.

كانت أول صلاة شيطانية رسمية، عرفت باسم “القداس الشيطاني” قد أقيمت في السادس من يونيو (حزيران) من عام 2006، وقد جرت علناً في مسرح “ستيف آلن” في مدينة لوس أنجليس، وتمت كما هو مكتوب وموضح في كتابين منحولين هما “الإنجيل الشيطاني” و”الطقوس الشيطانية”، وقاد تلك الشعائر المغشوشة الكاهن الأبوكريفي براين موور، والكاهنة هايثر سينز.

ما هو القداس الأسود أو القداس الشيطاني؟

القداس كلمة سريانية عبرية دخلت اللغة العربية، والجمع قداديس، قداسات. والكلمة تعني التقديس وهي الليتورجية والأنافورا، أي الصلوات التي تقال أثناء القداس الإلهي، عند الطوائف المسيحية الكبرى لا سيما الكاثوليكية، ومن بعدها الأرثوذكسية، ولا توجد صلاة قداس عند الطوائف الإنجيلية وعموم البروتستانتية، وإن وجدت اجتماعات صلاة وقراءة من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.

اختلس عباد الشيطان بدورهم هذا المفهوم، وجعلوه دلالة على خدمة الظلمة والشيطان، كما أنه لا طقس ثابت له طرفهم، فيما الهدف الوحيد منه هو تقديم العبادة للشيطان بالطريقة التي يرتضيها ويفرضها على أتباعه من خلال طقوس مملوءة بالعنف والدم، الإباحة والشذوذ الجنسي.

في هذا القداس الأسود، يقدمون البخور المتصاعد من النباتات السامة المحروقة، ويوقدون الشموع السوداء، التي لها رائحة القار (الزفت)، وغالباً ما يجتمعون في أماكن مظلمة كريهة الرائحة، مثل الأدوار التي تحت مستوى الأرض، وأحياناً يقدمون هذه العبادة النافرة في كنائس قديمة مهجورة، وأحياناً أخرى في أماكن فاخرة.

يرتدي كاهن الجماعة عباءة سوداء وقلنسوة سوداء، ويضع على رأسه قرنان صغيران، ويغطي المذبح بالقماش الأسود، ثم تنام عليه فتاة عذارء عارية تماماً، يعلوها صليب معقوف، لتبدأ من ثم الترانيم مع الموسيقى الصاخبة، ويتجرد الواقفون من الجزء الأعلى من ملابسهم ويرقصون ما يدعونه “رقصة الخلاص”، بينما يستمر ترتيل المفاتيح السبعة لاستحضار الشيطان.

وللقارئ أن يتخيل بقية الممارسات الشيطانية التي تجري من ممارسة جنس وسفك دماء وأكل أجزاء من القلوب البشرية، غير أن المقاطع التي تتردد خلال تلك الممارسات، تمثل أعلى سقف ممكن من التجديف على اسم الله ومنها:

** يا سيد كل افتراء… يا مانح كل مكافآت الجرائم العظيمة والرذائل الحقيرة.

** يا إبليس… إننا نعبدك… أنت لك إدراك، اقبل دموعنا المزيفة.

** أنت تهمس بخطط صالحة للانتقام وبجرائم مؤكدة النجاح وعديد من تلك العبارات المشابهة.

ولعل أقرب قصة من قصص ذلك القداس الأسود، هي تلك التي جرت بها المقادير في مايو (أيار) من عام 2014 في جامعة هارفرد، حين أراد فصيل من عباد الشيطان إقامة هذه الشعائر، غير أن غضبة القائمين على الجامعة، وفي مقدمتهم رئيستها درو فوست، التي اعتبرت الأمر مهيناً بشكل كبير وتحريضياً على فعل الشر، ألغت إقامة المحفل، وانتقل أصحابه به إلى أماكن أخرى، وبالتحديد أحد الملاهي الليلية في منطقة كامبريدج.

وفي توجه مناف ومجاف، ولترسيخ العمق الديني والإيماني الكاثوليكي الذي يسعى هذا الفصيل للسخرية منه والازدراء به، أكدت مديرة جامعة هارفرد وقتها أنها تخطط لحضور “ساعة إفخارستيا مقدسة” في كنيسة حرم الجامعة مساء ذلك اليوم الذي كانت ستجري فيه تلك الشعائر الشيطانية، بغية انضمام آخرين في تأكيد لهوية أميركا الدينية والإيمانية.

مؤمنون يرفضون حفل بوسطن الشيطاني

هل يعني حدث بوسطن أن الولايات المتحدة الأميركية، دولة شيطانية، يخيم عليها الضباب الأسود، وأسلمت روحها مرة وإلى الأبد للقوى الشيطانية، وأن أبواب الجحيم مفتوحة عليها، وهذه هي نهايتها من الناحية الدينية والإيمانية؟

الشاهد أن علامة الاستفهام المتقدمة تقودنا مرة جديدة إلى عمق الجدل الدائر من حول الهوية الأميركية، وهي دولة علمانية بالمطلق، لا مكان فيها للدين ولا للأريحية الإيمانية، أم إنها دولة ذات جذور بيوريتانية طهرانية، سيما أن المهاجرين الأوائل كانوا يعتبرونها أرض كنعان الجديدة، في حديث لا يخلو من المقاربة بين هجراتهم من أوروبا، وهجرة بني إسرائيل من أرض مصر إلى فلسطين في زمن موسى النبي؟

المؤكد أن الدخول في عمق هذه المناقشة، أمر يحتاج إلى قراءة قائمة بذاتها، لكن الخلاصة هي أن الولايات المتحدة الأميركية، دولة علمانية الهوية، كما يحدد ذلك الدستور، ويقطع بضمان حرية الإيمان والمعتقد لكل مواطن، لكنها في حال التطبيق العملي، تبقى دولة مغرقة في الهوى الديني، على العكس من القارة الأوروبية التي تمضي وراء نهج علماني متصاعد، تكاد تضمحل معه الروح الإيمانية.

هنا كان لمؤمني ولاية ماساشوستس موقف واضح، تمثل في بيان صدر عن مؤتمر أساقفة الولاية بشخص الكاردينال شون باتريك أومالي، الذي دعا إلى الصلاة بالاتحاد مع المؤمنين والصلاة خصوصاً على نية من هم في بوسطن وفي الولاية جمعاء.

أما الأسقف المساعد في إبرشية بوسطن المطران ماركاوكونل فقد كتب رسالة نزولاً عند طلب الكاردينال أومالي، كجواب للمؤمنين، ومن أبرز ما جاء فيها قوله: “إنه من المهم بالنسبة إلى أبرشية بوسطن أن يكون لها جواب بما أن عديدين تضايقوا، فإن جوابنا يجب أن يكون متزناً ومرتكزاً على الصلاة”. وأضاف، “التوازن هو بين مواجهة المقصد الشيطاني ولفت الانتباه إليه وجعله بارزاً، لذا نطلب تشجيع أبناء الرعية على عدم الاعتراض أو تنظيم تظاهرة، فهذا سيؤجج حقد الداعمين وسيغذي وسائل الإعلام بالصور، وبدل الاعتراض نأمل أن نملأ السماوات بالصلاة”.

على أن هناك مخاوف تظل باقية، لفت إليها الأسقف أوكونل، تتعلق بالوعي في توزيع سر المناولة بحسب المفهوم الكاثوليكي، ذلك أنه قد ينضم بعض عباد الشيطان إلى الكنائس الكاثوليكية في محاولة منهم للحصول على القربان المقدس، الذي يتم انتهاكه لاحقاً في الطقوس الشيطانية، الأمر الذي يمكن أن يثير ثائرة المؤمنين كاثوليكاً وإنجيليين، ويدفع إلى حدوث مواجهات عنيفة تراق فيها الدماء، من جراء التناحر الدوغمائي الممكن حدوثه في مثل تلك الأوقات.

أما رئيس المقسمين (طاردو الأرواح الشريرة) في العالم الكاثوليكي الأب فرانشيسكو بامونتي، فقد طلب من المؤمنين حول العالم التسلح بالتوبة والتكفير عن الخطايا والذنوب المميتة وسد الأبواب في وجه سيد الظلام.

هل كانت الولايات المتحدة الأميركية في حاجة جديدة لصراعات روحية إلى جانب ما تعيشه من أزمات دنيوية؟
ربما تكون هذه بعضاً من إرهاصات ما قبل الاضمحلال الإمبراطوري.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى