تقارير وملفات إضافية

رئيس برتبة ملك.. كيف يوظف ترامب سلطاته للتنكيل بخصومه؟ تسريب مراسلات كلينتون نموذجاً

دونالد ترامب الآن مرشح للرئاسة يسعى للفوز بفترة ثانية، ولا يحق له أن يستغل منصبه كرئيس في اتخاذ قرارات تضر بمنافسه وترفع من حظوظه للبقاء في البيت الأبيض، فذلك الأسلوب معمول به في الدول الاستبدادية وليس في ديمقراطية راسخة، فكيف وصلت الأمور لتلك الدرجة؟

صحيفة New York Times الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “ترامب يحذو حذو الحكام المستبدين، ويستغل سلطة الدولة ضد خصومه السياسيين”، ألقى الضوء على قرارات الرئيس الموجهة ضد منافسه جو بايدن ورموز الحزب الديمقراطي لأغراض انتخابية لا تراعي اعتبارات الأمن القومي للبلاد.

لا شكّ أنّ ترامب انتقل برئاسته إلى آفاقٍ جديدة بأوامره لوزير خارجيته أن يرفع السرية عن آلاف رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون، إلى جانب إصراره على أن يُصدر وزير العدل لوائح اتّهام ضد باراك أوباما وجو بايدن. وهي آفاقٌ اعتدنا أن يشغلها زعماء بأسماءٍ مثل بوتين وشي.

وطالب ترامب منذ وقتٍ طويل -علناً، وعلى تويتر عادةً- بأن يستغل كبار أعضاء حكومته سلطة مناصبهم لملاحقة الخصوم السياسيين، لكن مطالباته الأسبوع الجاري كانت صارخةً بشدة بدرجةٍ دفعتنا إلى النظر للدول الاستبدادية بحثاً عن أوجه المقارنة، وذلك إثر تأخّره الكبير في استطلاعات الرأي ويأسه من أجل تحويل الحوار الوطني بعيداً عن فيروس كورونا.

ولطالما كانت رؤية ترامب للرئاسة تميل إلى استخدام السلطات المطلقة للرئيس، في نسخةٍ مُصغّرة عن شركة العائلة التي يترأسها، إذ قال للشباب العام الماضي خلال قمةٍ لمنظمة Turning Point USA اليمينية، في إشارةٍ إلى جزئية الدستور التي تتعلّق بسلطات الرئيس: “لدي المادة الثانية، التي تمنحني الحق لفعل ما أُريده كرئيس، لكنّني لا أتحدّث عن ذلك حتى”.

لكنّه بات يتحدّث عن الأمر الآن، وبشكلٍ شبه يومي، إذ يُوضح بكل صراحة أنّ الملاحقات القضائية، مثلها مثل لقاحات فيروس كورونا، لن تُفيده في حال جاءت بعد الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني. كما أعلن دون دليل أنّ هناك بالفعل الكثير من الأدلة بأنّ أوباما، وبايدن، وهيلاري، وغيرهم كانوا يُؤجّجون الاتهامات بأنّ حملته لها علاقاتٌ بروسيا، في ما يصفه بـ”الخدعة الروسية”. إلى جانب ضغطه على وزير خارجيته من أجل الموافقة على نشر المزيد من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهيلاري قبل الانتخابات، مُكرّراً إصراره المستمر منذ سنوات رغم هزيمته لها قبل أربعة أعوام.

ويقول المؤرخون الرئاسيون إنّه لا توجد حالة في العصر الحديث استخدم فيها الرئيس سلطاته بهذا الشكل الصارخ لإبعاد خصومه السياسيين عن الساحة، أو كان متحمّساً بهذه الدرجة لتقليد سلوكيات الحكام المستبدين. إذ كتب المؤرخ الرئاسي مايكل بيكلوس على تويتر، بعد عودة ترامب من المستشفى إثر تلقيه علاج كوفيد-19 وخلعه قناعه، رغم أنّه كان ما يزال مُعدياً، أثناء التلويح من شرفة البيت الأبيض: “في أمريكا، اعتاد رؤساؤنا بشكلٍ عام تجنُّب مشاهد الشرفات الخاصة بالحكام المستبدين، فهذا أمرٌ متروكٌ للدول ذات الأنظمة الاستبدادية”.

ولطالما كان بومبيو يُباغت حين يسأله المراسلون عن ما يجب أن يعتقده الناس عند قراءة تغريدات ترامب الأكثر استبدادية. فيُجيب بأنّ ما يُميّز الولايات المتحدة هو أنّها دولة “سيادة قانون”، ثم يقلب الطاولة على المراسلين ويتّهمهم بأنّ مجرد إثارة هذا السؤال يكشف عن حزبيتهم وأنّهم ليسوا صحفيين ولا يُريدون سوى إحراج ترامب والولايات المتحدة.

لكن فورات الغضب تكون عادةً بمثابة درعه، الذي يحميه من مواجهة السؤال الحقيقي علناً: وهو كيف يُمكن لواشنطن مواجهة الحكام المستبدين حول العالم -وخاصةً في الصين- حيال سوء استخدام سلطات الدولة، في حين أنّ رئيس الولايات المتحدة يدعو إلى ملاحقات قضائية على أساسٍ سياسي ورفعٍ للسرية عن ملفات حساسة لأغراضٍ سياسية؟

بينما قال الدبلوماسي المخضرم ويليام بارنز، الذي شغل منصب السفير الأمريكي إلى روسيا ونائب وزير الخارجية، إنّ ما أمر به ترامب هو “نفس السلوك الذي شهدته كثيراً لدى الحكام المستبدين على مرّ سنوات عملي الطويلة كدبلوماسيٍ أمريكي. والنتيجة ستكون تدهور مؤسساتنا في الداخل، والتآكل العميق لصورتنا ونفوذنا في الخارج”.

وبالنسبة للقضايا الراهنة، فلم يتضح بعد ما إذا كان ترامب سينال مسعاه، أم سيُحاول المعيّنون الذين يدينون له بالولاء التباطؤ في تحقيق طلباته. وهناك بعض الأدلة التي تُشير إلى أنّهم بدأوا في البحث عن سُبل الفرار بالفعل.

ومن الواضح أنّ بومبيو، المنظّر الأيديولوجي الأبرز للإدارة والمحامي الأكثر وضوحاً في ولائه لترامب، قد صُدِمَ حين أعرب الرئيس عن استيائه قائلاً إنّه “ليس سعيداً”، لأنّ وزارة الخارجية لم تنشر رسائل البريد الإلكتروني المُرسلة عبر خادم الإنترنت في منزل هيلاري حتى الآن.

إذ قال الرئيس لقناة Fox Business الأمريكية في مقابلةٍ أجراها الأسبوع الجاري: “أنت تدير وزارة الخارجية، وأنت المنوط بنشرها. علينا تناسي حقيقة أنّها سرية. هيا بنا. ربما سيعثر عليها مايك بومبيو أخيراً”.

وقال أحد مُساعدي بومبيو إنّ وزير الخارجية وجد نفسه في مأزق. فقبلها بأيامٍ فقط، كان الرئيس قد أعلن على تويتر إنّه سيستخدم سلطاته التنفيذية لرفع السرية عن الرسائل دون تنقيح.

ورد بومبيو عبر قناة Fox News الأمريكية قائلاً: “لدينا رسائل البريد الإلكتروني، وسنعمل على نشرها. وسنُخرِج تلك المعلومات إلى الملأ حتى يتمكّن الشعب الأمريكي من رؤيتها”.

وربما يُواجه ويليام بار تحدّياً أكبر في إرضاء الرئيس. إذ لم يسبق لأي وزير عدل منذ جون ميتشيل، الذي كان يعمل في إدارة ريتشارد نيكسون ووجه اتهامات بالتآمر ضد منتقدي حرب فيتنام، أنّ تلاعب بوزارة العدل لمصلحة الرئيس. ولكن في فبراير/شباط، قال بار لشبكة ABC News  الأمريكية إنّ ترامب “لم يطلب مني فعل أي شيء في قضية جنائية”. ولكنه اشتكى في الوقت ذاته من أن تغريدات الرئيس عن وزارة العدل “تجعل أداء وظيفتي مستحيلاً”.

والآن، بات من الواضح أن الرئيس طلب من بار التصرّف في قضيةٍ جنائية، وليس عبر مكالمةٍ هاتفية هادئة. بل تقدّم بطلبه عبر تويتر وشبكة Fox News الأمريكية، مُعرّباً عن خيبة أمله في وزير عدله الثاني لنفس الأسباب التي دفعته إلى إقالة وزير العدل السابق جيف سيشنز: الولاء الأعمى غير الكافي.

إذ قال ترامب على قناة Fox Business: “ما لم يُوجّه بار لوائح الاتهام إلى هؤلاء الأشخاص بتهمة ارتكاب جرائم -وأكبر جريمة سياسية في تاريخ بلادنا- فلن أشعر بالرضا إلّا في حال فوزي بالانتخابات. وفي حال عدم فوزي، فسوف أرفض الأمر برمته”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى