تقارير وملفات إضافية

رحل البشير، وجلس البرهان مع نتنياهو.. والآن تم رفع العقوبات رسمياً عن الخرطوم. فهل ستنتهي معاناة السودانيين؟

الآن وبعد مرور أكثر من
عام ونصف على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التنفيذي رفع العقوبات الاقتصادية
عن السودان، تلقى البنك المركزي السوداني خطاباً رسمياً من مكتب العقوبات بوزارة
الخارجية الأمريكية، يفيد برفع العقوبات عن 157 مؤسسة عاملة في البلاد.

يأتي هذا في ظل تغيرات
كبيرة وقعت في السودان، فقد أطاح السودانيون بالرئيس السابق عمر البشير المطلوب
للمحكمة الجنائية الدولية بعد حراك ظل في الشوارع لمدة أشهر. بعد ذلك فوجئ
السودانيون بجلوس رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح برهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو استعداداً لما قيل إنه تطبيع العلاقات.

هذا القرار الرسمي وما
سبقه من قرار تنفيذي فتح شهية العديد من العلامات التجارية العالمية للدخول إلى
السوق السوداني. كان آخر هذه العلامات شركة “فيزا” للبطاقات الائتمانية.

كيف يمكن إذاً أن يتغير
الوضع في السودان بعد تطبيق قرارات رفع الحظر الاقتصادي؟ وكيف سينعكس هذا الأمر
على المواطن السوداني؟

أشار المحلل السياسي محمد
علي فزازي أن العقوبات الأمريكية المتعلقة بحظر النظام المصرفي وتدفق الاستثمارات
كان لها أثر سلبي واضح في تدهور الاقتصاد السوداني.

وذكر أن المثال على هذا
يظهر من خلال إحجام رجال الأعمال عن الدخول إلى السوق ووقف الصادرات السودانية.

وتتعلق العقوبات
الاقتصادية بمنع التحويلات المالية، فقد سبق أن تم تغريم بنك فرنسي مبلغ 7 مليارات
دولار نتيجة تعامله مع السودان في ظل العقوبات المفروضة. وتسببت العقوبات في منع
دخول الاستثمارات من كافة الدول ومنع القروض والمنح ومحاسبة أي جهة أو مؤسسة تمويل
ومنع دخول التقنية الحديثة والأجهزة الطبية وقطع غيار الطائرات وسكك الحديد.

وأسهمت العقوبات في تدمير
كل القطاعات المختلفة وانهيار البنية التحتية بالبلاد وتراجع معدل النمو وزيادة
التضخم وارتفاع قيمة الدولار وتراجع عوائد الصادرات.

وأوضح المحلل الاقتصادي
السوداني أبو القاسم إبراهيم، أن بقاء السودان خارج المنظومة الاقتصادية العالمية
والتعاملات المصرفية ومجال التحويلات المالية وفتح الاعتمادات وحرمانه من
الاستفادة كانت سبباً في نمو الفساد الناتج عن التعاملات التجارية بين السودان
والوسطاء والسماسرة من الداخل والخارج.

وذكر أن خسارة السودان
جراء هذه المعاملات وصلت إلى 35 – 40% من إجمالي الواردات والصادرات، فإذا كان
الحديث عن 10 مليارات دولار سنوياً من الصادرات والواردات، فإن السودان يخسر قرابة
4 مليارات دولار بسبب اتباع الطرق الملتوية، وهو ما تستغله دول معينة، على حد
تعبيره.

وقال إن السودان عجز عن
الاستفادة من إمكانياته وموارده بالشكل الأمثل وهو ما كبده خسائر خلال 20 تجاوزت
500 مليار دولار على أقل تقدير، على حد تقديره.

وأوضح إبراهيم أن المواطن
السوداني شعر بنتائج العقوبات الأمريكية خلال السنوات الماضية خاصة على الصعيد
الاجتماعي فيما يتعلق باستخدام التطبيقات الذكية الإلكترونية للتواصل وخدمات الدفع
الإلكتروني (فيزا كارد) والتي كانت مقيدة.

وتعمل حالياً شركة فيزا
مع 3 بنوك في السودان لتقديم منتجات الدفع الخاصة بها، وتُعد الشركة أحدث علامة
تجارية غربية تسعى إلى دخول الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، بعد رفع العقوبات
الأمريكية عنها، والإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

وإذا ما تم رفع العقوبات
بالفعل، سيستفيد المواطن السوداني من انخفاض سعر الصرف وتحسين المضاربات وتقليل
حدة المضاربات في مجال النقد الأجنبي وتقصير الفجوة بين السعر الرسمي للعملات
الأجنبية وسعر السوق السوداء.

وأوضح أبو القاسم إبراهيم
أن هذا سينعكس على أسعار السلع الاستهلاكية للمواطن وتسهيل الصورة العامة في مجال
التنقل والسفر والحصول على التأشيرات في كثير من الدول المقاطعة للتعامل مع
السودان.

وذكر أن المواطن يستطيع
في هذه الحالة فتح حسابات مصرفية بالعملات الأجنبية في المصارف الإقليمية
والدولية، معتبراً أن وجود السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب سيعرقل تحقيق
كل هذه المميزات.

وأكد أن رفع العقوبات
يساعد في تعافي الاقتصاد ويسهم في عملية الاندماج الدولي للسودان.

وقال إن الأوضاع لن تتحسن
أيضاً ما لم تحل المشاكل الداخلية والتي تضمن -حسب رأيه- عدم وجود رؤية اقتصادية
لمعالجة الاخفاقات من قبل الحكومة الانتقالية التي تدير الشأن الاقتصادي.

نفس الأمر ذهب له المحلل
الاقتصادي عاصم إسماعيل الذي دعا الحكومة إلى ضرورة عمل برنامج عمل حقيقي
للاستفادة من الدعم الخارجي وتوجيهه إلى مشاريع تنموية حقيقية والتضييق على مسألة
تهريب الذهب.

وأشار إلى أن عائدات
الصادرات ستخفف من حدة التضخم مما يؤثر في تراجع أسعار السلع وتزيد الرواتب مما
يحقق آمال وتطلعات الشعب السوداني، لكن الأمر يحتاج إلى خطة واضحه المعالم يمكن أن
يصل مداها إلى سنوات، على حد وصفه.

هذا الأمر يمكن أن ينعكس
إيجابياً على زيادة تدفقات النقد الأجنبي وثبات سعر الدولار بالبنك المركزي وربما
يحدث العكس ويرتفع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار.

لكن المحلل السياسي محمد
علي فزاري أوضح أن موقف المواطن من التأثر بالعقوبات لن يكون واضحاً خلال الفترة
الحالية، لكن في المدى المتوسط سيبدأ المواطن البسيط في الشعور بالآثار الإيجابية
لرفع العقوبات.

واعتبر المحلل السياسي
أبو القاسم إبراهيم أن السودان دفع ثمناً غالياً للوصول إلى رفع هذه العقوبات.

وذكر أن السودان لعب
دوراً في احتواء الجماعات الإرهابية، كما قطع علاقته بإيران وخفف من الوجود
الإيراني على أراضيه.

كما أن مشاركته في حرب
اليمن أيضاً تمثل “ثمناً غالياً يدفعه السودان للمجتمع الدولي
والأمريكان”، على حد تعبيره.

وأوضح أن حكومة حمدوك
الآن بدأت تدفع استحقاقات ذلك الثمن، وأول ذلك التطبيع مع إسرائيل، وكذلك عبور
الطائرات الإسرائيلية في الأجواء السودانية والذي كان بمثابة عربون المحبة.

يأتي هذا في وقت رأى فيه
البعض أن هذه الخطوة تجاه إسرائيل كانت مهمة وفقاً للظروف السياسية الراهنة
للتمهيد لرفع العقوبات الأمريكية عن البلاد، ويخدم المصلحة السودانية في رفع
العقوبات الأمريكية، وفي مقدمتها رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

واعتبر هؤلاء أن الخطوة
ستفتح الطريق لإعفاء ديون السودان، وإعادة علاقات السودان بمؤسسات التمويل الدولية
لتمويل التنمية الاقتصادية، وتحقيق السلام في السودان، والاستفادة من التقنيات
الزراعية الإسرائيلية في تطوير قطاع الزراعة والري في البلاد.

لكن إبراهيم استدرك
قائلاً إن الأمور قد لا تتحسن للسودان ما لم يشهد الطرفان تطبيعاً بشكل عملي،
خصوصاً أن أمريكا لديها مصالح في السودان مثل شركة شيفرون للنفط، ويجب على الحكومة
أن تعي ذلك حتى تشجع أمريكا لرفع الحظر.

لكن محمد علي فزازي لا
يتفق في هذا الشأن، نافياً أن يكون السودان قد دفع أي ثمن إلا سقوط النظام السابق
الذي يحمله المسؤولية عن الهوة التي حدثت مع العالم.

أما إسرائيل -على حد
قوله- فهي في رأيه تريد أن تحقق مكاسب، خاصة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي
يريد أن يجد كرتاً انتخابياً ليس إلا.

وأضاف أبو القاسم إبراهيم
أن الحكومة الانتقالية في السودان لم تتحدث عن أي قرار يتعلق بتسليم الرئيس
المخلوع عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ويعتقد أن مثول البشير
سيكون أمام القضاء داخل السودان أو عن طريق محكمة مختلطة عبر وفد دولي يصدر
الأحكام من الخرطوم.

وأوضح أن نقل البشير إلى
لاهاي قد “يخلق فتنة وتطرفاً ويهدد الأمن السوداني”، وهو ما قد يؤثر
سلباً على المنطقة والدول المجاورة.

ويرى أبو القاسم إبراهيم
أن عدم جدية الولايات المتحدة في السابق في رفع العقوبات، كان يرجع إلى كون
السودان عمل على توفير الدعم للجماعات المتطرفة والارهابية والتي شنت ضربات موجعه
لأمريكا خاصة إيواء أسامة بن لادن.

وأضاف أن هناك مبررات
منطقية وواقعية لأمريكا بوضع السودان على هذه القائمة، مثل محاولة اغتيال 
الرئيس الراحل حسني مبارك، الرئيس الأسبق لمصر.

وتوقع أن تكون جدية
الولايات المتحدة تجاه رفع الحظر من خلال سعي الحكومة لإنجاح ملف السلام وقضايا
دارفور والنيل الأزرق والمساعدة في تحقيق السلام في الجنوب ومكافحة الإرهاب
ومكافحة الهجرة غير الشرعية، كلها عوامل قد تساعد الحكومة إذا نفذتها في رفعها من
القائمة.

ويتعلق إدراج أو إزالة
اسم السودان من القائمة بإجراءات معينة يتدخل فيها الكونغرس الأمريكي، وليس لوزارة
الخارجية أو الرئيس تدخل مباشر فيها.

وأوضح المحلل السياسي
محمد علي فزاري أنه لا يوجد سقف زمني لرفع العقوبات على السودان، فالأمر مربوط
ببعض الإجراءات التي ينبغي أن تقوم بها الحكومة السودانية.

واعتبر الخبير الاقتصادي
عاصم إسماعيل أن هنالك جدية من الولايات المتحدة لرفع العقوبات، لكن قائمة الإرهاب
تمثل عقبة أمام تنفيذ بعض الإجراءات مثل التحويلات المالية وتنشيط عمل المراسلين
بالخارج.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى