الأرشيفكتاب وادباء

رسالة القلم بين التنوير والتنويم …!

من روائع الأديب الكاتب
السعيد الخميسى
* إذا كان الناس يكبون على وجوههم فى النار بسبب حصائد ألسنتهم كما جاء فى الحديث الشريف مع أن اللسان يفنى ويموت بموت صاحبه  , فما بالكم  بخطورة ما يسطره القلم والحبر لا يفنى والحروف لاتبهت والكلمات لا تموت  ؟ لذا فإن القلم فى يد السفهاء أخطر من الخنجر فى يد المجنون الذى لاعقل له , لأن الأول يقتل أمة والثانى يقتل فردا . ولقد قيل : القلم مثل الشمس له نور , ومثل القمر له ضياء , ومثل السيف له حد , ومثل الجواد له عنان , ومثل البحر له موج , ومثل الإنسان له شرف . ومن يكذب بالقلم كمن يقتل بالسيف ويحرق بالنار ومن يبيع قلمه بثمن بخس كمن يبيع شرفه بلا ثمن. كان القلم وسيظل وسيبقى صوت المظلومين وأنين المكلومين , وصوت المعذبين فى الأرض شاء من شاء وأبى من أبى . وكم من كتاب ماتت أجسادهم ولكن ماسطروه بأناملهم سيبقى على قيد الحياة حيا إلى أن يرث الله  الأرض ومن عليها , إن كان خيرا فخير , وإن كان شرا فشر .
*  ولخطورة وأهمية  رسالة القلم المقدسة ,فقد ذكر الله تعالى ” القلم ” فى ثلاث سور فى القران الكريم : القلم والعلق ولقمان . بل إن هناك سورة كاملة فى القران تسمى باسم ” القلم “. ولخطورة وأهمية دور القلم فى التعليم والتثقيف وتوجيه الرأي العام , أقسم الله به , فقال ” نون والقلم وما يسطرون ” . إن أول ماخلق الله على هذه الأرض هو ” القلم” جاء فى الحديث الشريف ” إن أول ما خلق الله القلم ثم قال: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة “. ولجلالة دوره وعظمة مقامه جعله الله عز وجل وسيلة التعليم المهمة والمؤثرة فقال ” الذي علم بالقلم .” هل هناك شرف أكبر من هذا..؟ هل هناك تكريم أرفع من هذا ..؟ ليس التكريم والتذكير بالمقام الرفيع من جهة رسمية بشرية , ولكنه من خالق البشرية عز وجل . القلم شجرة ثمرتها الألفاظ . وإذا طابت هذه الشجرة , طابت ثمراتها , وإذا خبثت , خبث منبتها وأصلها وفرعها فضلا عن ثمرها . ” قل لا يستوى الخبيث والطيب ” لايستوى القلم الطيب الذى يحق الحق ويبطل الباطل , والأقلام الخبيثة التى  تزين الباطل فى ثوب الحق فيراه الناس حسنا جميلا وهو فى الأصل قبيح دميم .
* هناك أصحاب أقلام مأجورة يشبهون ملاك الشقق المفروشة التي يعرضونها للإيجار لمن يدفع أكثر بصرف النظر عن سلوك وخلق من يستأجر تلك الشقق . فهم على دين ملوكهم وأرباب نعمتهم وأصحاب الفضل فيما وصلوا إليه . أصحاب تلك الأقلام لا يرقبون فى مؤمن إلا ولا ذمة , ولا يراعون حرمة لدين أو وطن أو أخلاق . هاهم أولاء  , وعلى شاكلتهم الكثير , قد رفعوا راية التنوير والتثقيف بإلقاء أطنان القمامة المتراكمة على صفحات جرائدهم , ليتجرؤوا بها على ثوابت الدين , وأمن سلامة المجتمع , ويتدلى من أفواههم وأقلامهم السموم الناقعات . فينشرون الرذائل , ويخفون الفضائل . ووصل بهم حد التطاول إلى منتهاه , فى زمن كنا نتمنى ألا نكون قد رأيناه أو عشناه . يطالبون بحرية زواج المثلين , وحرية الجهر بالإفطار فى نهار رمضان , وحرية تراخيص بيوت الدعارة , وحرية العرى فى الأماكن العامة , وحرية تشبه الرجال بالنساء والعكس , وحرية تراخيص ملاهى الميسر والخمور والسفور والرقص وتبادل الزوجات حتى مطلع الفجر . وحرية المرأة فى أن تجمع بين أكثر من زوج مساواة بالرجل..!؟ تلك حريتهم ومدينتهم.
لقد قال البلغاء الحكماء عن القلم ودوره المجيد :” هو أصم لكنه يشعر ويسمع بألم البشر . هو أخرس , غير أنه يفصح بالشكوى . هو جماد , لكنه يعلم الفحوى والمغزى . إن عقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم . وتعظيما لمقامه الرفيع , قالوا : من لم يكتب بالقلم فيمينه يسرى . بالقلم , تتحطم صحائف الأشرار , وبه تعلو صحائف الأخيار . هو الصاحب وقت الكربة , والوطن فى الغربة . هو دليل العقل والمروءة . وكان أهل الهجاء قديما يفضلون هجاء القلم على رمى السيف لان جراحات
الطعان لها التئام  , ولا يلتئم ما جرح اللسان  . قال ابن أبي دؤاد‏:‏ ‏”‏القلم سفير العقل، ورسوله الأنبل، ولسانه الأطول وترجمانه الأفضل‏”‏‏.‏ لولا القلم ما عرف الناس سيَر آبائهم وأجدادهم وأسلافهم، وما حُفظت الكتب والمدونات، فبالقلم حُفظت الأنساب وحُفظت العلوم. فالقلم هو من أهم مصادر التلقي والتعليم، فبه يعمّر الناس دنياهم، وبه يتعلمون أمور دينهم . فهل مثل هولاء أحسنوا استخدام القلم وسخروه لخدمة قضايا الخير والحق والحرية ..؟ أم أنهم جعلوه مطية يركبونها ويوجهونها إلى حيث يريدون..؟
*  ولأهمية دور القلم وتأثيره على عقول البشر قال ابن القيم رحمه الله :” وتأمل حالك وقد أمسكت بالقلم، وهو جماد، ووضعته على القرطاس وهو جماد، فتولد من بينهما أنواع الحكم، وأصناف العلوم وفنون المراسلات والخطب والنظم والنثر، وجوابات المسائل، فمن الذي أجرى فَلَكَ المعاني على قلبك، ورسمها في ذهنك ثم أجرى العبارات الدالة على لسانك، ثم حرك بها بنانك حتى صارت نقشا عجيبا، معناه أعجب من صورته، فتقضي به مآربك، وتبلغ به حاجة في صدرك، وترسله إلى الأقطار النائية والجهات المتباعدة، فيقوم مقامك، ويترجم عنك، ويتكلم على لسانك، ويقوم مقام رسولك، ويجدي عليك ما لا يجدي من ترسله، سوى من علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم؟ ”  فهل رسالة القلم اليوم مقدسة أم أنها موجهة ؟
* يقول أحد الكتاب العظام : لا يضيرنى ألا يكون على رأسي تاج , مادام فى يدي قلم . وقال آخر : إذا لم تكتب اليد فهى رجل . وصاحب القلم لابد أن يتصف بالعدالة والإنصاف ولا يلبس الرذيلة ثوب الفضيلة , والباطل ثوب الحق . ولربما حرف وكذب وخدع وغش وقلب الحقائق وأشعل الحرائق فكان كمن وصفهم الله عز وجل ” تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ” إن اللسان يفنى ويموت صاحبه , ومع ذلك يكب الناس فى النار على وجوههم بسبب حصائد ألسنتهم . فما بالكم بالقلم الذى يخلد مداده ويبقى آثاره حتى وإن مات صاحبه..؟ إن الذنب هنا أعظم , والجريمة أخطر , والمصيبة أفدح . إنه القلم الثرثار المتفيهق المتشدق الذى يكتب قبل أن يفكر , ويرمى قبل أن يبصر , ويتهم قبل أن يتبين , ويكذب قبل أن يتحرى . المهم أن يروى ظمأه من الزور والبهتان والغش والتزوير لنفس خبيثة من فصيلة مردة الشياطين . لن تنسى صفحات التاريخ كتابا عظاما ملأوا الدنيا من عبق ماسطروه علما ونورا وعطرا  . ولن ينسى التاريخ أيضا من باعوا دينهم ووطنهم وقلمهم مقابل الشهرة والمنصب والجاه . فهل يستويان مثلا….؟
والله من وراء القصد والنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى