لايف ستايل

«زوجتي تضربني والمجتمع يُشكّك في رجولتي».. قصص رجال أصبحوا ضحايا للذكورية والنسوية في آن واحد

ما أَمَرَّ قهر الرجال يا سيدتي!
كلما تحولت إلى غول أتضاءل وأتحوَّل إلى حشرة، إلى حشرة يمكن أن تدعسها قدما الغول
بكل سهولة، الغول -يا سيدتي- هو زوجتي، زوجتي التي تُهينني في كل مرَّة أقصِّر
فيها مادياً، زوجتي التي تُعنِّفني لفظياً كلما تهاونت في دفع مصاريف البيت
والأولاد، لا أبخل عليهم بشيء، ولكن -كما يقال- اليد قصيرة.

رجال كثيرون مثل محمد صاحب الشهادة
أعلاها، رجال تعرضوا للعنف اللفظي والإهانة، ويمكن أحياناً أن يصل إلى العنف
المادي دون أن يجرؤ بعضهم على تقديم شكاية إلى السلطات المختصة؛ خوفاً من السخرية،
رجل تُعنِّفه امرأة! إنها فضيحة وعار يُورِّثه لأبنائه وأحفاده.

عندما اشتكيت زوجتي لأهلى -يواصل
محمد حديثه لي- قالت لي أمي: «يا بابا، راك راجل»، أي إنك رجل وإن هذه
الشكوى ليست من حقك، إنها جملة مبطنة بكمية احتقار رهيبة فهو تسليم ضمني: لا يمكن
أن تعنّف المرأة الرجل، بل عليها أن تنصاع له وتأتمر بأوامره حتى وإن بلغت أعلى
الرُّتب العلمية والعملية، هذا أمر لا نقاش فيه، ويمكن أن توصم زوجته بـ
«عيشة راجل»، أي إنها قوية مثل الرجال، لقب يجرّدها من أنوثتها ويُلحقها
بصفوف الذكورة.

هكذا يتعامل المجتمع العربي ذو
المرجعية الثقافية الذكورية مع الرجل، فهو يُلبسه لبوساً رمزياً مُثقَلاً بالقيم
الذكورية، هو الفحل ورَبُّ الأسرة وصاحب زمام المبادرة، وإن حدث وخسر شيئاً من
فحولته الجنسية أو الرمزية فسيُخلَع عنه لقب رجل وسينضم إلى قطيع الحريم.

تنطلق صورة الرجل في المخيال
الاجتماعي العربي من رؤية نمطية، تنطلق أساساً من الثقافة الذكورية التي أزاحت
المرأة من أدوار القيادة إلى أدوار الخضوع والتسليم بقدرة الرجل على تسيير الحياة،
وهو «ما أَمَرَّ قهر الرجال!» هكذا تحدَّث لي محمد، جملة تختزل في عمقها
موقفاً ذكورياً بحتاً تجاه تراجع ذكورته الفاعلة أمام الأنوثة المنفعلة حسب مخياله
طبعاً، هو أمر لم يستوعبه فعوَّضه بجملة من الأمثال الشعبية الرائجة التي تنتصر
دائماً للرجل على حساب المرأة.

حرَّر الحراك النسوي الناشئ في دولنا
المرأة بشكل نسبي، بل نجح إلى حد ما، في سن بعض القوانين التي تحمي المرأة من
غطرسة الرجل. خرجت المرأة إلى الفضاء العام للتحصيل الدراسي، وأيضاً للعمل في
أعمال كانت حكراً على الرجال زمناً طويلاً، ورغم ذلك ما زالت المرأة حبيسة
التصورات الذكورية.

للأسف ما زالت قضية المرأة قضية
معطوبة وصالحة للمتاجرة السياسية، فحتى إني أذهب إلى أن الرأسمال الذكوري هو
المنتفع الأكبر من قضية المرأة، ليجدد بذلك صلاحياته في النيل من الداعين إلى
تحرير المرأة.

في كتابه «مقدمات لدراسة
المجتمع العربي»، أشار هشام شرابي إلى البنى السلطوية التي يتصف بها المجتمع
العربي، فالخضوع لسلطة الأب-الرجل شرط أساسي في الثقافة العربية، «فصاحب
السلطة في المجتمع هو الذي يملك ويستفيد، في حين تقبل بقية الناس وتخضع وتمتثل.
والكبير في مجتمعنا هو دوماً الذي يتسلط ويحكم ويسيطر.. وليس الكبير صاحب السلطة
والمركز إلا صورة مكبرة للأب في العائلة بتصرفاته ونظرته إلى نفسه وعلاقته بمن هم
دونه». خلقت هذه البنى السلطوية علاقات عمودية مبنيَّة على الخضوع والهيمنة،
لصالح الرجل على حساب المرأة.

«عندما تم إيقافها بمركز الأمن
بتهمة الاعتداء بالعنف الشديد، كان أعوان الأمن يتهامسون من حولي، رأيت السخرية في
أعينهم، أحدهم قال إني متزوج بـ «رامبو»، وهي تسمية تطلق على أصحاب
الفتوَّة، واصل سالم حديثه، لم يتعاملوا مع الشكوى التي قدَّمتها بجدّية، لقد
أصروا على سحب الشكوى، بتعلَّة حفظ رجولتي وليس من أجل المحافظة على العائلة، هكذا
تحدَّث سالم وهو يروي لي قصة اعتداء زوجته عليه، فهو قد أُهين مرَّتين، مرَّة
عندما عنَّفته زوجته ومرَّة أخرى عندما سخِر منه الأعوان وأصروا على الصلح، حتى لا
يصبح محل سخرية في المجتمع.

ولكن تعالوا لنعكس الصورة، ماذا لو
اشتكت زوجة سالم زوجها إلى الأمن، طبعاً سيكون الأمر عادياً، بل يمكن أن تنال به
تضامناً في صفوف الرجال والنساء على حد سواء. إنَّ عنف المرأة ضد الرجل مستهجن
اجتماعياً، بل مرفوض، في حين أنه مقبول بالنسبة للرجل الذي يمارسه ضد المرأة، بل
يمكن أن يبرَّر في سياقات مختلفة، وأهمها من ق الزوج تأديب زوجته.

في السنة الماضية تم تأسيس الجمعية
التونسية للنهوض بالرجل والأسرة والمجتمع، وتهدف الجمعية إلى الدفاع عن حقوق
الرجال الذين تعرضوا للعنف من طرف زوجاتهم، وقد سبق أن تقدمت الجمعية بشكايات إلى
المحاكم لرجال تعرضوا للعنف، وقد أثار هذا في صفوف فئات كبيرة من المجتمع تعجباً
وسخرية، وهذا طبيعي في مجتمع ما زال يرزح تحت طائلة الثقافة الذكورية حتى وإن بدا
في ظاهره قد تخلى عنها نسبياً.

 بعد خروج المرأة إلى سوق
العمل، وقد أهَّلها هذا التحرر النسبي للخروج من منطقة الهامش التي ظلَّت أسيرة له
قروناً، الهامش الذي حدد حركتها في الفضاء العام. وبعد التقدم الكبير بقضية
المرأة، لا سيما في العقود الأخيرة، سُمح لها باكتساح مجالات عدة، بل يمكننا
الحديث عن قطاعات مهنية مؤنثة كقطاع التعليم والفلاحة والتمريض، وقد أدى خروج
المرأة لسوق العمل إلى اختلال في الأدوار الجندرية التقليدية، فتراجَع دور الرجل
في القوامة لصالح المرأة، التي أصبحت تساهم بقسط كبير -إن لم يكن كله- في مصاريف
البيت، ويستعدي نسبة مهمة من الرجال تحرُّر المرأة وخروجها إلى العمل بأنه تهميش
لدورهم الأساسي وإقصاء لهم من الأسرة والمجتمع.

يبدو أن مسألة المساواة في المجتمع
التونسي مسألة قشورية، فما زال المجتمع في عمقه مستبطناً لأدوار الرجال الأساسية،
وهو ما سماه هشام شرابي بالنظام البطريركي، الذي استطاع أن يكيّف نفسه ويطوّر
قدراته، من أجل استمرار العلاقات السلطوية رغم التحولات التي شهدها بعد انتشار قيم
الحداثة.

ما زال المجتمع في عمقه يستبطن أن
الأدوار الرئيسية من حق الرجل، أي قيادة الأسرة مادياً ومعنوياً، ومنح الحق للرجال
في العنف ضد النساء حتى وإن كانت ترسانة القوانين تمنع هذا العنف وتُعاقب عليه،
وهو ما ينعكس سلباً على الرجال الذين يعانون بسبب قلة مواردهم المالية، فمن العيب
أن تحتكر المرأة مصاريف البيت، ويفقد الرجال الذين يتعرضون للعنف الاحترام والحظوة
في المجتمع، فقد ضمّن المشرّع قوانين على مقاس النساء اللواتي يتعرضن للعنف من طرف
الرجال دون أن يتطرق إلى أن العنف المنزلي يمكن أن يتعرض له النساء والرجال على حد
سواء. 

في الحوادث التي تعرضت لها المرأة
العاملة في المجال الفلاحي، تعالت أصوات المناصرين لها ولقضيتها بأنها ضحية
الحكومة، وأيضاً ضحية زوجها الذي يجلس في المقهى يلعب الورق، في حين أنها تعمل من
أجل تحصيل لقمة عيش أسرتها، فما زالت الصورة الذهنية في المخيال الاجتماعي ترفض أن
تستأثر المرأة بدور القوامة المادية، بل من واجب الرجل أن يشاركها، في حين يتغاضى
البعض عن المرأة العاملة بالبيت والتي يصرف عليها زوجها، دون أن تتوجه لها سهام
النقد كما تتوجه إلى الرجل العاطل عن العمل والذي تعمل زوجته من أجل تحصيل مصاريف
البيت.

إننا أمام صورة مشوهة حقاً بتناقضات
النسوية والذكورية أيضاً؛ وهو ما أدى إلى أن تكون الضحية في هذه الحالة الرجل
والمرأة في وقت واحد، فما زال كلاهما يرزح تحت طائلة الثقافة المجتمعية، وأيضاً
المفهوم النسوي الذي لم يصل إلى مرحلة أن تكون المرأة فاعلاً أساسياً في غياب
الرجل وفي حضوره أيضاً، وليست مجرد ضحية للرجل والمجتمع.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى