تقارير وملفات إضافية

سر انحياز الإمارات للسعودية في حرب النفط ومخاطرتها بإغضاب بوتين

جاء إعلان الإمارات انحيازها للسعودية في حرب تحطيم أسعار النفط مع روسيا ليعزز التكهنات بأن هذه الحرب هي جزء من استراتيجية أمريكية واسعة لمحاربة روسيا اقتصادياً، وليس مجرد عناد بين الرياض وموسكو، أو اختلاف تكتيكي في الروئ.

وأكّدت الإمارات، حليفة السعودية الرئيسية في المنطقة، أنّها على استعداد لزيادة إمداداتها من النفط بنحو مليون برميل يومياً في أبريل/نيسان المقبل، وذلك في خضم حرب تحطيم أسعار النفط بالمملكة وروسيا على خلفية فشل اتفاق لخفض الإنتاج.

وقالت مجموعة “أدنوك” الحكومية في بيان إنها “تمتلك إمكانية إمداد الأسواق بأكثر من أربعة ملايين برميل يومياً في أبريل/نيسان المقبل”، أي بأكثر من مليون برميل من معدل الإنتاج اليومي الحالي، كما ذكرت الشركة أنّها “تعمل على تسريع التقدم نحو هدفنا بالوصول إلى سعة إنتاجية تبلغ خمسة ملايين برميل يومياً”.

وجاء الإعلان عن الاستعداد لزيادة الإمدادات النفطية الإماراتية بعد يوم من إعلان السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، زيادة إنتاجها بشكل كبير إلى 12,3 مليون برميل يومياً، في أبريل/نيسان، من مستوى 9,8 مليون برميل الحالي. وتأتي الخطوة الإماراتية لتدعم موقف السعودية في حرب الأسعار التي تخوضها مع روسيا، عبر زيادة الإمدادات في الأسواق المشبعة بالخام.

وقررت أرامكو عملاق النفط السعودي، زيادة الإنتاج في وقت تشهد فيه الأسعار العالمية هبوطاً غير مسبوق منذ 16 عاماً، وبلوغها مستويات الـ30 دولاراً للبرميل الواحد، مع فشل صفقة تحالف أوبك ومغادرة روسيا لتجمع أوبك بلس.

وتوازي كميات النفط الإضافية التي ينوي الحليفان ضخها 3.6% من الإمدادات العالمية، وستدخل السوق في وقت من المتوقع أن ينكمش فيه الطلب العالمي على الوقود للمرة الأولى في عشر سنوات تقريباً، بسبب تفشي فيروس كورونا.

اللافت في موقف الإمارات هو فجاجة الإعلان بطريقة تشبه أجواء الحرب.

إذا كان الانحياز الإماراتي للرياض ليس غريباً في ضوء تحالف البلدين في العديد من الصراعات في المنطقة، فإن اللافت هذه المرة أن أبوظبي تصطف إلى جانب الرياض ضد موسكو، رغم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صديق لحكام الإمارات، وخاصة الشيخ محمد بن زايد، رجل الإمارات القوي.

إذ تعتبر الإمارات أقوى دول الخليج علاقة بموسكو، وهي علاقة بدأت قبل التنسيق الروسي مع أوبك، وقبل تعزيز العلاقات بين السعودية وروسيا قبل تدهورها الأخير.

ويشير الموقف الإماراتي الحاد والسريع إلى أن الدافع من وراء حرب تحطيم الأسعار السعودية أكبر من مجرد عناد سعودي أو غضب من موقف بوتين الرافض للتنسيق مع الرياض.

إذ إن حرب أسعار النفط، حسب تقارير غربية، ترتبط بخطط أمريكية ضد خصومها مثل إيران المحاصرة وفنزويلا المفلسة، والأهم روسيا المهيمنة على أسواق الطاقة الأوروبية.

وفي هذا الصدد تقول رولا جبريل، الأستاذة الزائرة بجامعة ميامي الأمريكية ومحللة شؤون السياسة الخارجية، في مقال نشر بمجلة Newsweek الأمريكية، العلاقة وثيقة بين محمد بن سلمان وآل ترامب، لدرجة أن أعداء ترامب هم أعداء محمد بن سلمان، والعكس.

وردت موسكو على السعودية بالإعلان إن الشركات الروسية ستعزز الإنتاج بما يصل إلى 300 ألف برميل يومياً، وقد ترفعه بما يصل إلى 500 ألف برميل يومياً.

وكان أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية قد قال في بيان، اليوم الأربعاء، إن الشركة تخطط لزيادة قدرة إنتاج النفط لديها إلى 13 مليون برميل يومياً، من 12 مليون برميل يومياً في الوقت الحالي.

ولم يذكر جدولاً زمنياً للخطة التي تتطلب استثمار مليارات الدولارات لزيادة القدرة على ضخ مزيد من النفط.

ولمحت روسيا، أمس الثلاثاء، لاستعدادها إجراء مزيد من المحادثات، لكن السعودية قالت إنه لا جدوى منها إذا كانت المحادثات ستؤكد فقط العجز عن إبرام اتفاق.

وبلغ خام برنت نحو 36 دولاراً للبرميل الثلاثاء، مرتفعاً من مستواه المتدني عند حوالي 31 دولاراً، لكنه يظل أقل 45% عنه في بداية العام.

وتكتسب السعودية معظم نفوذها على الساحة الدولية من دورها في سوق النفط الأشبه بدور البنك المركزي. وتملك المملكة كل الطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم تقريبا، فتستطيع زيادة الإنتاج وخفضه للتعامل مع أي نقص أو زيادة في المعروض.

وبعد الانتهاء من برنامج المملكة لإضافة طاقة بنحو أربعة ملايين برميل يومياً في 2009، تحدث المسؤولون السعوديون ومسؤولو شركات نفط عن إمكانية استهداف زيادة أخرى إلى 15 مليون برميل يومياً بحلول 2020، لكن هذه الخطط نحيت جانباً قبل عدة سنوات مع تباطؤ الطلب.

تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية يُرجح أن ينجم عن هذا القرار تأثيرات اقتصادية حادة على جانبي الخليج العربي، وباكستان، وعدة دول في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، التي تعوّل على الدعم المالي المُقدّم لها من دول الخليج العربي. سيضطر منتجو النفط الآخرون في الشرق الأوسط إلى بيع نفطهم الخام بالسعر السعودي، مما يوجّه ضربة قوية للخطط المالية.

وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف الائتماني قدّرت أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي ستحتاج إلى تمويل خارجي بنحو ما يصل إلى 300 مليار دولار لتلبية احتياجات الإنفاق من عام 2018 إلى عام 2022. قد تصبح تلك التقديرات ضئيلة مقارنة بالاحتياجات التمويلية الجديدة في حال استمرت حرب الأسعار على مدار العام. 

وسيؤدي تراجع الأسعار لتعثر الاقتصاد السعودي، وتهديد رؤية السعودية 2030 التي طرحها الأمير محمد بن سلمان، وبرزت أولى المشاكل في تراجع سهم أرامكو، جوهرة التاج السعودي.

منذ مطلع عام 2016، توصلت منظمة أوبك (الدول المنتجة للنفط بزعامة السعودية)، مع روسيا (أحد أكبر منتجي النفط في العالم لكنها ليست عضواً في أوبك) لاتفاق يهدف إلى السيطرة على أسعار النفط في العالم، بحيث تكون في مستوى 60 دولاراً للبرميل كمتوسط، بهدف الحفاظ على مصالح المنتجين والمستوردين والشركات والمستهلكين والاقتصاد العالمي بشكل عام.

ولكن مع تراجع الاقتصاد العالمي جراء فيروس كورونا، خاصة الصين التي تستورد كميات كبيرة من نفط السعودية، حاولت أوبك تخفيض الإنتاج.

غير أن الاجتماعات بين روسيا والأوبك التي جرت في جنيف على مدار الأسابيع الماضية شهدت رفضاً روسياً قاطعاً لتخفيض الإنتاج، وانهارت المفاوضات بالفعل الجمعة الماضية 6 مارس/آذار، وهو اليوم الذي شهد انخفاض الأسعار بنسبة 9% في يوم واحد.

الموقف الروسي سببه المباشر هو شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكية، والقصة هنا أن الولايات المتحدة أصبحت الدولة الأولى عالمياً في إنتاج النفط خلال العام الماضي، بعد تخفيض أوبك وروسيا للإنتاج، وهذا الأمر بالطبع لا يروق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ويعتقد صانع القرار الروسي أنّ انخِفاض أسعار النّفط سيُؤدِّي إلى إفلاس شركات النّفط الصّخري بسبب ارتِفاع تكاليف إنتاجه، وخُروجها من دائرة المُنافسة بالتّالي.

يمكن وصف أسعار النفط بأنها سلم متدرج في كل مرحلة يوجد فائزون وخاسرون متغيرون.

ففي حال الأسعار المرتفعة يستفيد الجميع بما فيها السعودية وروسيا، ولكن المشكلة بالنسبة للدولتين أن السعر المرتفع يساعد على زيادة إنتاج النفط الصخري، الذي يأخذ من حصص روسيا والسعودية وبقية دول أوبك الملتزمة باتفاقيات تخفيض الإنتاج.

ووفقا لآخر تقديرات صادرة عن صندوق النقد الدولي، تحتاج السعودية إلى سعر 83.6 دولار للبرميل حتى تتعادل الموازنة، وروسيا بحاجة إلى 42.4 دولار، بينما إيران تحتاج رقماً خيالياً يصل إلى 194.6 دولار للبرميل، ثم بعد ذلك الكويت 54.7 دولار، والإمارات 70 دولاراً، والعراق 60 دولاراً للبرميل.

يعني ذلك أسعاراً متوسطة، الأقل تضرراً هي روسيا، ويمكنها الاستفادة من زيادة متوسطة في الإنتاج لتعزيز حصتها السوقية.

ولكن هناك رقم لا يقل أهمية هو سعر تكلفة النفط.

استخراج النفط الصخري أعلى تكلفة من النفط التقليدي، ووفقاً للتقديرات في عام 2018، سعر تعادل التكلفة بالنسبة لحقول النفط الأمريكية الأخرى تدور بين 43 و48 دولاراً للبرميل.

يجعل هذا سعر 50 دولاراً للبرميل مناسباً للولايات المتحدة، يعني ذلك تحقيق أرباح معقولة للنفط الصخري تجعله يتوسع، وفي الوقت ذاته فإن السعر يكون مناسباً للمستهلك الأمريكي.

أرادت روسيا إفساد المعادلة بتخفيض سعر النفط والحفاظ على مستوى الإنتاج القائم للحفاظ على نصيبها من السوق.

هدف روسيا إخراج النفط الصخري من السوق، وفي الوقت ذاته فإنه موسكو قادرة على الحفاظ على التعادل في ميزانيتها عند مستوى 42 دولاراً.

وتملك موسكو فوائض في صندوق الثروة القومي الروسي تبلغ 150 مليار دولار، وتقول روسيا إنها تستطيع التعامل مع النفط الرخيص لمدة تتراوح بين 6 و10 سنوات عند مستويات 25 – 30 دولاراً للبرميل، ولكن هذا سيعني أن روسيا بدلاً من أن تنفق على خطط التوسع والإصلاح الحكومي، فستنفق ذلك لتعويض أثر الانخفاض في أسعار النفط.

 السعودية من جانبها متضررة من هذا المستوى الذي تسعى إليه روسيا.

إذ تحتاج السعودية إلى سعر 83.6 دولار للبرميل حتى تتعادل الموازنة، مقابل 42.4 دولار لروسيا. 

وفي مواجهة التعنت الروسي لجأت السعودية لاستراتيجية الصدمة والرعب، وغيرت تحالفاتها من موسكو إلى واشنطن.

فرفع حجم الإنتاج يؤدي إلى مزيد من التخفيض في الأسعار، وهو الأمر الذي يضغط على النفط الروسي لأنه تكلفة استخراجه أعلى من السعودي.

ويبدو أن صانع القرار السعودي يراهن أنّ روسيا ستصرخ أوّلاً، لأنّ تكاليف إنتاج البرميل الروسي ضعف، أو أكثر من إنتاج نظيره السعودي، ولكنّه الواقع أنّ روسيا تملك اقتصاداً أكثر تنوُّعاً، وتعتمد على النّفط وعوائده بنسبةٍ أقل من السعودية التي تُشَكِّل العوائد النفطيّة حواليّ 90% من الدّخل الوطنيّ.

أفادت وكالة “بلومبيرغ” الامريكية نقلاً عن مصادر سعودية أن “قرار رفع الإنتاج يأتي بعد خصومات سعرية كبيرة قدمتها المملكة لزبائنها في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، بنسبة هي الأكبر منذ نحو 20 سنة، وأن الخطوة تهدف إلى جذب مزيد من الزبائن لشراء الخام السعودي”.

وقد يعني انخفاض أسعار النفط مع القدرات السعودية الفائضة الأكبر أنها تستطيع الأخذ من حصة روسيا من الأسواق، وبالتالي تعوض جزئياً خسارتها الهائلة جراء انخفاض سعر البرميل.

ومع أن التحرك السعودي يهدف إلى ممارسة ضغوط على روسيا ومنتجين آخرين لإرغامهم على العودة للمفاوضات للوصول لاتفاق جديد يدعم الأسعار، إلا أنه في الوقت ذاته يحقق أهدافاً أخرى غير زيادة حصة المملكة.

لا يمكن استبعاد أن يكون التحرك السعودي بإيعاز من الإدارة الأمريكية التي بدأت حرباً على إمبراطورية الطاقة الروسية، ظهرت في العقوبات التي فرضتها واشنطن على خط تورك ستريم الذي ينقل الغاز إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

وتسعى الولايات المتحدة نفسها إلى أن تكون مورداً بديلاً للغاز إلى أوروبا.

دخول الإمارات لهذه الحرب قد يؤشر إلى أن الأمر أكبر من السعودية، بل إن الأمر تم بإيعاز أمريكي.

فالتحالف الإماراتي السعودي ليس بالقوة التي تجعل الإمارات تدخل في خصومة نفطية مع موسكو، خاصة أن أبوظبي تركت الرياض عالقة في كثير من الأزمات مثلما فعلت بانسحابها من اليمن.

يبدو التحرك الإماراتي جزءاً من استراتيجية أمريكية لمحاربة إمبراطورية الطاقة الروسية.

وفي الوقت ذاته فإن الثمن الذي ستدفعه أبوظبي كعادتها محدوداً، إذ أن الإمارات قد تكون واحدة من أقل الدول المنتجة للنفط تضرراً من إنخفاض الأسعار، لأنها تمتلك واحداً من أكبر الصناديق السيادية في العالم، وعدد سكانها أقل كثيراً من السعودية وروسيا بطبيعة الحال.

المشكلة أن أسعار النفط المنخفضة قد تسعد المستهلك الأمريكي، ولكنها تؤذي شركات الطاقة الغربية، والأسوأ أنها ستضر النفط الصخري الذي تعتبر الولايات المتحدة أكبر منتجيه، وهو ما يفسر إفلاس عشرات الشركات الأمريكية عندما انهارت أسعار النفط بين عامي 2014 و2016.

ولكن يمكن التكهن أن إدارة ترامب تراهن على قوة الموقف المالي لبعض الشركات المنتجة للنفط الصخري وتحسن أساليبها الفنية.

فخلال الأعوام 2014 ــ 2016 انخفض سعر البرميل، من نحو 100 دولار إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل. وتوقع البعض أن يتقلص إنتاج النفط الصخرى بانخفاض سعر النفط الخام. إلا أن الذى حصل هو رغم حالات الإفلاس، فقد تمكنت الشركات من تخفيض كلفة الإنتاج باستعمال تقنيات جديدة ذات تكلفة أقل. واهتمت بعض الشركات النفطية الأجنبية غير الأمريكية بهذه الصناعة الجديدة فاشترت الشركات الصغيرة التى بدأت مسيرة إنتاج النفط الصخري. ثم بدأت الشركات الأمريكية النفطية العملاقة تبدي اهتماماً بهذه الصناعة، فبدأت تساهم هي بدورها في اكتشاف وإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، حيث أخذت تلعب دوراً مهماً فيها.

كما أن شركات الطاقة الكبرى بدأت تتبع استراتيجيات أكثر حذراً في التعامل مع النفط بعد تكبدها خسائر كبيرة في الأزمات السابقة.

ولكن في كل الأحوال فإن حرب أسعار النفط ستلحق الأضرار بالجميع، بما في ذلك المستهلكون الذين سيعانون من تضرر أسواق المال من هذه الحرب، وتراجع إنفاق الدول المنتجة للنفط التي تمثل مستهلكاً مهماً لصادرات الدول الصناعية، وفي الوقت ذاته لن يثني تراجع النفط الحكومات الغربية على خططها للاستغناء عن الوقود الأحفوري، وستواصل برامجها لإيجاد البديل رغم النفط الرخيص.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى