الأرشيفتقارير وملفات

سماسرة وأقزام… أعين لا تنام …!

من روائع الأديب الكاتب

السعيد الخميسى k

السعيد الخميسى
* يقول نزار قباني :” لأنني لا أمسح الغبار عن أحذية القياصرة , لأنني أقاوم الطاعون فى مدينتي المحاصرة , لأن شعري كله حرب على المغول والتتار والبرابرة , يشتمني الأقزام والسماسرة .” ويقول فى موضع آخر :” حين تصبح بلدة بأسرها مصيدة والناس كالفئران , وتصير الجرائد الموجهة أوراق نعى تملأ الحيطان , يموت كل شئ , يموت كل شئ . حين يصير الناس فى مدينة ضفادع مفقوءة العيون فلا يثورون ولا يشكون ولايغنون ولا يبكون ولا يموتون ولا يحيون , تحترق الغابات والأمطار والإزهار , ويصبح الإنسان فى موطنه أقل من صرصار . المسرح انهار على رؤوسكم متى سترحلون . والناس فى القاعة يشتمون يبصقون . وكل ما نملك أن نقوله : إنا لله وإنا إليه راجعون . والناس من صعوبة البكاء يضحكون ونحن قانعون بالحرب , قانعون بالسلم , قانعون بالحر , قانعون بالبرد , قانعون بالعقم , قانعون بالنسل , قانعون وكل ما نملك أن نقوله إنا لله وإنا إليه راجعون . احترق المسرح من أركانه ولم يمت بعد الممثلون ..!؟

* المقطع السابق لنزار قبانى هو تصوير حقيقى لمشهد سماسرة السياسة وأقزامها الذين لا يجيدون غير مسح الأحذية ولعق ترابها للتبرك بها . تلك الشريحة من المجتمع تراهم فى كل مكان , فى العمل , فى الشارع , فى المواصلات , فى الأسواق , فى الأحزاب , حتى فى المسجد ..!. شعارهم “ ليس فى الإمكان أحسن مما كان ” . رضوا بان يكونوا مع الخوالف , فى صفوف القاعدين غير أولى الضرر . ولم يكتفوا بهذا بل أطلقوا ألسنتهم وأيديهم بالسوء لكل صاحب رأى وكل صاحب موقف وكل صاحب قضية . هم لا يجيدون غير استخدام فرش تلميع الأحذية لأسيادهم وأرباب نعمتهم . رضوا بأن يكونوا ذيولا وأذنابا تهش الذباب من على رؤوس الأسياد . وقد ابتلينا فى مجتمعنا بمثل هولاء القوم . يعشقون الجلوس تحت ظلال السقوف , ومكانهم دائما فى ذيل الصفوف . لا يملكون غير السنة حداد أشحة على الخير . هم كالورم الخبيث فى جسد هذا المجتمع وفى جسد هذه الأمة التى ابتليت بهم وبأمثالهم . إنهم سماسرة السياسة وأقزامها فى كل مكان وزمان .

الخميسى

* هولاء السماسرة والأقزام حولوا المجتمع إلى مصيدة كبيرة , وفخخوا الوطن بألغام متفجرة كالبركان لاتبقى ولا تذر . لا تترك شيئا أتت عليه إلا جعلته كالرميم . حولوا شرائح كثيرة فى المجتمع إلا مجرد فئران لا يهمهم ولا يشغل بالهم سوى البحث عن جحور كى يختبئوا فيها ويحتموا بها . ليس لهم غاية يسعون إليها ولا هدفا يعملون ويكافحون من أجله . لم يكتفوا بهذا بل حولوا الصحف والمجلات والمقالات إلى كذب وتضليل وقلب للحقائق وغسل للأدمغة بالماء والصابون وكل أنواع المطهرات التى تستخدم فى دورات المياه لتنظيفها . حتى صارت الرؤوس والعقول قاعا صفصفا لا ترى فيها شيئا صحيحا جادا يمكن العمل به . غيروا ثقافة الناس وطريقة تفكيرهم بطرق سحرية شيطانية , حتى صارت شرائح من المجتمع كالرماد الخامد المنطفئ تدوسه الأقدام وتركله فلا يتحرك خطوة للإمام , بل يزداد انغماسا فى الوحل والطين فى عمق الأرض السابعة .

اعلام

* لقد جعل هولاء السماسرة والأقزام قيمة المواطن , لا أقول لا يساوى درهما أو دينارا , بل أقل من قيمة الصرصار كما يقول نذار . لا أقول كما يقول نذار حرقوا الغابات والأمطار والأزهار , ليت شعرى لو أنهم فعلوا ذلك واكتفوا . بل ذهبوا لما هو أبعد من ذلك وأعمق وأشد تأثيرا على المدى الطويل . لقد حرق هولاء السماسرة الأرض من تحت أقدام الشعب , وملؤوها بالمتفجرات والحمم البركانية القابلة للاشتعال فى أى وقت يريدونه , لان فتيل تلك المتفجرات فى أيديهم يحركونها حسب الأوامر الصادرة إليهم من أسيادهم فى الداخل والخارج . تشدقوا بنصوص الديمقراطية , وغنوا نشيدها , ورقصوا على ألحانها , وجعلوها كالأدعية والمأثورات يرددونها صباح مساء . فلما جاءتهم الديمقراطية بما لا تشتهى أنفسهم , انقلبوا عليها ورجموها بحجارة من سجيل حتى جعلوها كعصف مأكول لا أثر عين لها . وإنا لله وإنا إليه راجعون . إنهم يكذبون كما يتنفسون , لاعهد لهم ولا كلمة لهم ولا ميثاق . وهل نثق بعد ذلك فى أقوام كذبوا على الله , وعلى الناس , وعلى أنفسهم…؟ كلا وألف كلا , فلا يلدغ المؤمن جحر مرتين . فما بالكم وقد لدغنا منهم عشرات المرات وليس مرة أو مرتين…!

* إن هولاء السماسرة والأقزام لهم أعين لاتنام , لكن فى الكذب والغش والتزوير وقلب الحقائق وتضليل الرأي العام والتبرك بسلطة صاحب المقام . لهم أحزاب سياسية كرتونية شكلية لا تضر ولا تنفع لزوم الديكور السياسي . ليس لهم وزن ولا قيمة غير ضجيج الفضائيات وصياح الميكرفونات . خربوا السياسة , ورضوا بان يكونوا ذيولا فى مؤخرة أي نظام تهش الذباب من على وجهه فقط . هل أتاكم نبأ هذا الماركسي وهو رئيس لإحدى الأحزاب الشيوعية فى مصر والذي كرس حياته لمحاربة الإسلام والمسلمين ..؟ . لقد عينه الطاغية مبارك عضوا لمجلس الشورى لعشرات السنين ..؟ كانوا يطلقون عليه لقب ” الدكتور ” وأتحداه أن يكون معه شهادة “ محو الأمية ” فى أى فرع من فروع العلم..! هذا مثال واحد من أمثال هولاء السماسرة والأقزام , ولدى عشرات الأمثلة التى لا يتسع المقام ولا المقال لذكرها . نهبوا ثروات البلاد وخيراتها وجعلوا أعزة أهلها أذلة من الفقر والجوع والهوان . ولابد من تخلية المجتمع من مثل هولاء قبل تحليته بقيم الحق والعدل والمساواة والحرية والديمقراطية . لابد من غلق الماسورة الملوثة التى تقذف بالقاذورات فى عمق البحر فتلوث ماءه وتجعله عكرا ملوثا لايصلح للاستخدام الآدمي , يجب ذلك قبل مجرد التفكير فى تطهير البحر , لأنه لا قيمة لأى عملية تطهير وتنظيف والماسورة تقذف بأطنان الملوثات كل لحظة فى مياه النهر.

* إن أسوا مافى الأمر وأخبث مافى القضية , أن هولاء السماسرة تجاروا بمستقبل الوطن , وعرضوه للبيع فى مزاد علني لمن يدفع أكثر . ولئن سألتهم عن ذلك , قالوا إنما نحن مصلحون , نريد إصلاح المجتمع . وهل يمكن أن يصلح الفاسد شيئا ..؟ إن فاقد الشئ لا يعطيه . وهولاء مردوا على النفاق والكذب والغش والتدليس والتزوير , فلا يمكن أن يكونوا أدوات للبناء , لأنهم معاول للهدم . إن رفع وعى المجتمع هو الحل لفضح هولاء السماسرة على رؤوس الأشهاد . وإن غدا لناظره قريب . وسوف يدفع هولاء الثمن غاليا لأنهم ما تركوا شاذة ولا فاذة فى المجتمع إلا وأفسدوها . إن الفساد يطول عمره إذا انسحب الشرفاء من الميدان ولن يحدث ذلك أن شاء الله . وسيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى