تقارير وملفات إضافية

سيطرة المتشددين على برلمان إيران يعيد المصالحة مع الغرب إلى نقطة الصفر، لكن ماذا يعني ذلك؟

كما كان متوقعاً أحكم المتشددون قبضتهم على الشؤون الداخلية وسيطروا بشكل مطلق على البرلمان الإيراني، فهل يعني ذلك بالضرورة أن المواجهة المسلحة مع الغرب أصبحت هي السيناريو الوحيد المطروح؟ ربما يكون الواقع مختلفاً في ظل هيمنة البراغماتية على صناع القرار في طهران.

موقع وكالة بلومبيرغ الأمريكية نشر تقريراً بعنوان: “الانتخابات الإيرانية تعيد عقارب الساعة إلى الوراء فيما يخص المصالحة مع الغرب”، ألقى الضوء على السيناريوهات المتوقعة في ظل نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

إن انتصار المتشددين في الانتخابات الإيرانية يعيد البرلمان إلى أيدي أولئك العازمين على العودة بالزمن في المصالحة مع الغرب، فمن المتوقع أن يتراجعوا عن الالتزامات بالاتفاق النووي المفرغ من مضمونه في الوقت الذي ينزف فيه اقتصاد الجمهورية الإسلامية من هجمة العقوبات الشرسة للرئيس دونالد ترامب.

يقول عدنان طبطبائي، المحلل الإيراني والمؤسس المشارك لمركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق في مدينة بون الألمانية: “النتائج التي نراها في الانتخابات البرلمانية هي باختصار تجسيد لما يحدث منذ أوائل الصيف الماضي، عندما بدأت إيران نهجاً أكثر تحدياً في سياستها الخارجية، وهذا يزيد من صعوبة الأمور فيما يتعلق بحماية الاتفاق النووي”.

وفي الوقت نفسه، ولأن المحافظين يتمتعون الآن بمثل هذا التمثيل القوي في الحكومة، “ستكون المحادثات مع واشنطن مسألة حسابات استراتيجية، وليس توازن السلطة المحلية”، حسبما قال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية الاستشارية، وقال إن هذا يعني أن المحادثات ستزداد صعوبة، لكن مصيرها ليس الفشل بالضرورة.

وهيمنت الفصائل المحافظة الموالية للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والمتمسكة بالمثل العليا الدينية للثورة الإسلامية التي اندلعت في إيران عام 1979 على تصويت يوم الجمعة 21 فبراير/شباط، وكان هذا التصويت رفضاً لسياسات الرئيس حسن روحاني، الذي خفف من حدة المواجهة الإيرانية التي طال أمده مع القوى العالمية، لكنه لم يتمكن من بناء حقبة جديدة من الرخاء في الداخل بسبب عقوبات الولايات المتحدة التي قيدت الاقتصاد.

وفي ظل المزاج الرافض للاتفاق النووي لعام 2015 وزيادة شعور الغرب بالغضب، خاصة بعد أن قتلت الولايات المتحدة جنرالاً إيرانياً بارزاً في غارة بطائرة مسيرة في يناير/كانون الثاني، أُطلقت يد مجلس صيانة الدستور القوي لإقصاء معظم المعتدلين والوسطيين من الترشح في الانتخابات. وشهدت عمليات الاستبعاد، إلى جانب ظهور تقارير عن زيادة عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا في إيران هذا الأسبوع، انخفاض الإقبال إلى مستوى قياسي بلغ 42.5% وتسليم خامنئي هيئة تشريعية مطواعة.

وبعد أربع سنوات من رئيس وبرلمان معتدلين، يسيطر المحافظون المتشددون الآن على معظم فروع الدولة للمرة الأولى منذ نهاية رئاسة محمود أحمدي نجاد عام 2013، ورغم أنه من المرجح أن يتراجع الصراع الداخلي العنيف الذي اتسمت به فترة روحاني، فسيحدث ذلك على حساب الدعم الشعبي لنظام سياسي يواجه بالفعل معارضة واضطرابات، وتأتي هذه الانتخابات البرلمانية قبل انتخابات العام المقبل لاختيار رئيس جديد.

وقد يقلل هذا التمثيل الزائد لشخصيات أمنية سابقة في البرلمان -منها شخصيات من الحرس الثوري الإيراني القوي- من قبول إجراء مناقشات حول المجتمع المدني والحريات الاجتماعية وحرية الإعلام، ومع ذلك، قال طبطبائي إن المشرِّعين الجدد ليسوا بالضرورة متجانسين في تفكيرهم، ومنهم أيضاً عناصر ذات عقلية إصلاحية.

جاءت الانتخابات التي أُجريت يوم الجمعة وكانت في صالح المحافظين بعد أشهر من احتجاجات دامت أربعة أيام ضد الحكومة وأطلقت أعنف حملة قمعية منذ ثورة 1979. إذ قُتل فيها أكثر من 300 شخص، وفقاً لتقديرات جماعات حقوق الإنسان.

وقد دعا خامنئي، الذي اتهم الأوروبيين الموقّعين على الاتفاق النووي بالتحالف مع الولايات المتحدة ضد إيران (ترامب انسحب من الاتفاق عام 2018)، إلى دور محوري في “اقتصاد المقاومة”. وستقوم خطته على تقليل الاعتماد على السلع المستوردة إلى جانب الاعتماد على الصين وروسيا في نقل الاستثمارات والتكنولوجيا. بيد أن العقوبات ليست سوى جزء من المشكلة في اقتصاد تنخفض فيه الإنتاجية ويتسم قطاعه الخاص بالضعف.

وقال طبطبائي إنه سيتعين على الهيئة التشريعية الجديدة أن “تتعامل مع مشكلات البرلمان الحالي نفسها، وهي مشكلات اقتصادية واجتماعية واقتصادية تمس عامة الشعب، وسيكون عليهم أيضاً تقديم حلول لها”.

وقد تبتعد السياسة الاقتصادية الإيرانية عن أوروبا تماماً، بعد أن فشلت في إيجاد طريقة لتفادي العقوبات الأمريكية والسماح بتدفق صادرات النفط الإيرانية المهمة. ومن الممكن أن يتبع ذلك المزيد من الجهود الحثيثة لتوسيع وتعميق العلاقات التجارية مع الصين وروسيا. ومن المرجح أن يُكلَّف الحرس الثوري، الذي يساهم بجزء كبير بالفعل في أعمال المقاولات والتشييد، بالمزيد من مشاريع البنية التحتية المحلية، نظراً لأن العقوبات قضت على معظم السبل للاستثمار الأجنبي المباشر.

وفي ظل هذا المجلس التشريعي الذي أصبح أكثر محافظة، فقد يقاسي روحاني للتصديق على أي تشريع مهم خلال عامه الأخير في منصبه، ومن ذلك الجهود الرامية إلى إدراج البنوك الإيرانية ضمن المعايير الدولية لتمويل مكافحة الإرهاب. ومن المحتمل أن تتصاعد المحاولات الجارية لإقالة بعض الوزراء الرئيسيين، مثل وزير النفط بيجن نامدار زنكنه.

وفي تذكير جاء في وقته بالطريقة التي يؤثر بها المتشددون في السياسة الاقتصادية، أعلنت مجموعة العمل المالي في باريس، يوم الجمعة، أن النظام المصرفي الإيراني سيعاد إلى ما يسميه بقائمته السوداء للبلدان بعد فشله في التصديق على التشريعات اللازمة ليصبح القطاع متماشياً مع معايير تمويل مكافحة الإرهاب ومكافحة غسل الأموال.

وعرقل المتشددون هذا التشريع المؤيد لمجموعة العمل المالي الذي دعمه روحاني، وقال فايز، من مجموعة الأزمات الدولية، إنه رغم كل هذه العوائق، فقد لا تغلق إيران أبوابها في وجه الغرب بالكامل، وأضاف: “إذا كان الماضي مقدمة، فإن التعامل مع المتشددين الإيرانيين سيكون أصعب على الغرب. والبرلمان الجديد ملزم بتبني مقاربة أكثر تشدداً في السياسات الخارجية والنووية. لكن في نهاية المطاف، من المرجح أن تستمر الدولة العميقة في إيران في دراسة الأمور من منظور براغماتي لتضمن الحفاظ على نفسها”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى