آخر الأخبارالأرشيف

شباب يرفضون الخدمة العسكرية فى الجيش المصرى .. لن نكون عبيدا عند السادة الجنرالات

«أمير عيد» هو واحد من مئات الآلاف الذين خرجوا لشوارع القاهرة ومدن مصرية أخرى خلال ثورة يناير/ كانون الثاني عام 2011.

وهو شخص ذكي وصاحب فكر، ويعمل مهندس معماري حر بالقاهرة، وقد شهد بنفسه عشرات الأشخاص الذين تعرضوا للهجوم أو قتلوا خلال الاحتجاجات التي اندلعت بالبلاد في الـ 5 سنوات الأخيرة.

وقد شارك «عيد» في الصيف التالي للثورة، في برنامج مدرسي صيفي مع معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، واشترك في مجموعة (لا للخدمة العسكرية) وهي مجموعة ضد الخدمة الإلزامية العسكرية التي يتعرض لها كل الذكور في مصر.

وفكّر «عيد» أنّه مجبر على الانضمام للجيش مرات عديدة، لكنّ انضمامه للمعهد جعله يعيد التفكير.

وقال «عيد»: «كيف يمكنك أن تكون جزءً من منظمة لا تدعمها؟». وأضاف: «أنا عن نفسي لا أتخيل حملي للسلاح وإطلاق النار على شخص ما».

و«عيد» واحد فقط من بين 9 شباب في مصر، التي يبلغ تعدادها نحو 92 مليون، المعروفين أنّهم قد رفضوا الخدمة الإلزامية في الجيش في السنوات القليلة الماضية.

سوسو

ومصر واحدة من البلاد التي يحظى جيشها، تقليديًا، بكثير من الدعم. والخدمة العسكرية ملزمة للرجال من سن 18 عامًا إلى 30 عامًا، لمدة عام إلى 3 أعوام، وفق مستوى التعليم. والاستثناءات تكون على أساس طبي، أو إذا كان الابن الوحيد، أو مزدوج الجنسية، أو يعول والديه.

ويحظر القانون الدولي إجراء عقاب بالحبس والاحتجاز لمن يرفضون الإلزام العسكري، لكن في مصر، يتعرض المتهربون من الخدمة العسكرية للسجن. وتخطي التجنيد غير مألوف في مصر.

«حاولت في البداية بالطريق السهلة، لكنّها لم تعمل»

يتحدث «عيد» بهدوء في مقهى بالقاهرة، موضحًا صعوبة قصته، لنعرف منه ما يلي:

لقد تخرج من كلية الهندسة بجامعة القاهرة منذ عامين، وكان يحدوه الأمل في الحصول على إعفاء من الجيش من ضمن الأعداد القليلة جدًا من الطلاب الذين يحصلون على إعفاء يسمح لهم باستكمال دراسات ما بعد التخرج في خارج مصر (ولا يعود أكثرهم إلى مصر قبل الوصول لسن الـ 30).

وعندما تقدم للخدمة العسكرية في شهر مايو/ أيار عام 2015 كما هو مطلوب، أرفق مع الطلب أسبابه الشخصية عن عدم رغبته الالتحاق بالجيش. لكنّ المسؤولين أوقفوا عملية تجنيده، ثم قاموا معه بتحقيق مطول.

وبعد 18 شهرًا من الانتظار، والتي لم يسمح لعيد خلالها بالعمل أو الدراسة أو السفر، جاء القرار أخيرًا بوجوب تقدمه لبدء الخدمة العسكرية خلال أسبوعين.

وقال «عيد»: «لقد حاولت بالطريقة السهلة، لكنّها لم تعمل. لذا قررت أن أسلك المسار الصعب، وصرّحت باعتراضي علانية».

وفي بيان الرفض الذي نشره على شبكة الإنترنت يوم 15 من أكتوبر/ تشرين الأول، قال: «أنا لست ضد الجيش ككيان، ولكنّي أرفض حقيقة أنّ الجيش كمنظمة يمكنها استغلالي فيم هو ضد مبادئي وأخلاقياتي وإيماني بالسلام».

وبعد أسبوعين من نشره للبيان العلني، تلقى اتصالا تليفونيا من ضابط بالجيش يسأله عن سبب عدم توجهه لمركز التجنيد في الوقت الذي حدّد له.

أخبره «عيد» أنّه رافض للخدمة العسكرية.

ورد عليه الضابط بوجوب تقديم تقرير للجيش خلال يومين وإلّا سيعدّ «هاربًا».

وردّ عيد أنّه لا يمكن أن يكون هارب في القانون لأنّه لم ينضم بعد للجيش.

وسأله الضابط عمّا يخطط له وما ينوي فعله.

وقال «عيد» أنّه سيرسل خطابات لرئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الجمهورية، لطلب الإعفاء من الخدمة العسكرية.

كيف تعيش في عالم النسيان

الحديث عن التجنيد هو من المحرمات في مصر. وهؤلاء الذين قضوا خدمتهم يرفضون الحديث عن قصتهم خوفًا من بطش الجيش. وحتى جمعيات حقوق الإنسان في البلاد تعتبر الجيش وأموره خطًا أحمر لا يجب تجاوزه خوفًا من السجن والإجراءات التعسفية (رفضت جمعيات حقوق الإنسان في مصر مناقشة الأمر مع ميدل إيست آي). أمّا في الإعلام والصحافة، فالحديث عن هذا الأمر يعد تجاوزًا لا يستطيعون تحمّل تبعاته.

ولكن رغم ندرتها، فحالة «عيد» ليست الأولى من نوعها. فالرافض الأكثر شهرة هو «مايكل نبيل»، الناشط الإلحادي من أصل قبطي، والذي أسس مجموعة (لا للخدمة العسكرية) عام 2009. وهو أول مصري يرفض حضور الخدمة العسكرية الإجبارية، وتم احتجازه ليوم واحد قبل الإفراج عنه بداعي عدم سلامة قواه العقلية. وقد تعرض للسجن في عدد من المناسبات بسبب نشاطه السياسي، والآن يعيش في المنفى في الولايات المتحدة الأمريكية.

ثم هناك حالة «مارك نبيل سند» و«مصطفى أحمد السعيد» اللذان تمّ إعفاؤهما من الخدمة العسكرية بشكل نهائي بعد عام من الكفاح للاعتراف بهم كمعترضين، لكنّ وزارة الدفاع لم تعترف بهم وقررت مع ذلك إعفاءهم من الخدمة.

و«سمير الشرباتي»، مثل «عيد»، في طي النسيان القانوني. لقد قدم طلبًا بالإعفاء من الخدمة في مارس/ آذار من هذا العام، والأمر الآن تحت التحقيق ولم يتلقَّ إجابة بعد.

ووضح الأمر قائلًا: «يحاول الآلاف من المصريين الالتفاف على الخدمة العسكرية كل عام».

لكنّ الجيش لا يرد على رافضي الخدمة العسكرية لمدة أشهر أو حتى لسنوات إن كان تمّ إعفاؤهم أم لا. يتم استدعاءهم بشكل منتظم للجيش، ويواجهون العديد من الاستجوابات. ويتم تقييد حريتهم في الحركة مثل ما حدث مع «عيد».

وكتب «الشرباتي» في إحدى المرات: «لا أعرف كيف من المفترض أن نعيش نحن رافضو الخدمة العسكرية».

ويعتبر «عيد» تلك القيود مخالفة صريحة للمعايير الدولية. وبثقة، استشهد بالتشريعات الدولية والوطنية التي تؤكّد على حرية المعتقد والضمير، بما في ذلك المادة 64 من الدستور المصري، والتي تضمن حرية المعتقد لكل المواطنين بلا حدود، والمادة 18 من الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان والتي تنص على أنّ «لكل إنسان الحق في حرية الفكر والضمير والدين».

تم قبول «عيد» للدراسة في إيطاليا لكن لا يستطيع المغادرة.

رفضت عائلة «عيد» في البداية فكرة رفض الخدمة العسكرية، ثم وافقوه بعد ذلك. وكان أصدقاؤه داعمين له بشدة، من منهم داخل الجيش أو خارجه، وشجعوه كما قال للمضي قدمًا في قضيته.

ويرفض «عيد» أن يعمل بالسخرة في شركات اقتصادية يديرها الجيش لمدة 14 أو 15 ساعة يوميًا، مثل أصدقائه، ويعتبرها نوعًا من «العبودية».

وقال «عيد»: «أخبرني العديد من الأشخاص أنّهم يتمنون لو كانوا تحلوا بشجاعة كافية للإعلان عن أنفسهم كرافضين للخدمة العسكرية. وقال لي أحد الأصدقاء الذي يؤدي خدمته العسكرية، أنّ له الحق في الانسحاب، حيث لا يجد أي خير فيما يقوم به يوميا».

ويراقب العديد من أصدقاء عيد قضيته لاستلهام الفكرة إذا ما أتت القضية بنتائج إيجابية.

ومع إدراكه لإمكانية ذهابه إلى السجن بسبب رفضه، لا يزال «عيد» متفائلًا بالحصول على الإعفاء. وكان قد تم قبوله بجامعة في ميلانو للحصول على درجة الماجستير، وكان من المفترض بدء الدراسة في سبتمبر/ أيلول، لكنّه لم يستطع مغادرة مصر.

لكنّه لا يزال يحتفظ بالنظرة الإيجابية، ويدرس معتمدًا على نفسه ويضغط من أجل نجاح قضيته، قائلًا: «سأستمر في إخراج قصتي إلى النور، وأطالب بحقوقي، حتّى لو اضطررت إلى اللجوء للمحكمة».

المصدر

 ميدل إيست آي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى