الأرشيفتقارير وملفات

” شهادات ” فانية… ” وشهادة ” باقية..!؟

من روائع الأديب الكاتب

السعيد الخميسى k

السعيد الخميسى
* يقضى الإنسان منا ما يقرب من اثنتا عشرة سنة يكد ويجتهد ويسهر الليالي ويكابد مر الزمان وصعوبة الامتحان حتى يحصل على “ شهادة ” الثانوية العامة . ثم ما يلبث أن يلتقط أنفاسه , حتى يبدأ المرحلة الجامعية , فيظل يذاكر ويجتهد ويبذل قصارى جهده أربع أو خمس سنوات كاملة , فضلا عن إنفاق الأموال والجهاد بالوقت والمثابرة حتى يحصل على “ شهادة ” الليسانس أو البكالوريوس . ولاينتهى الأمر ويتوقف عند هذا الحد , فيدفعه طموحه العلمي أو الأدبي إلى مواصلة رحلة الكفاح وطلب العلم , فيقضى مايقرب من ثلاث أو أربع سنوات أخرى حتى يحصل على ” شهادة ” الماجستير . ومن ثم لايمكن التوقف عند تلك المرحلة  , فيظل يكافح ويجاهد ويذاكر ويكد ويجتهد ويتحمل عبء الإنفاق وثقل الرسالة وعبء الأمانة ليقضى مايقرب من أربع سنوات أخرى حتى يحصل على “ شهادة ” الدكتوراه . ثم يجمع كل هذه ” الشهادات ” ويضعها فى ملف خاص ويتقدم بها إلى الجهة المختصة للحصول على عمل يناسب تلك الشهادات الرفيعة التى حصل عليها طيلة رحلة حياته العلمية .
* وتلك ” الشهادات” السابق ذكرها يتركها الإنسان فى بيته عند خروج الروح ودخوله أول ليلة فى قبره  ولا تفيده فى كثير أو قليل أمام الله إن لم يكن نفع بها قضية الحق . غير أن هناك ” شهادة ” أخرى غير تلك الشهادات السالف ذكرها , يغفل عنها كثير من الناس . تلك  ” الشهادة ورثناها أبا عن جد , ولم نعمل أو نبذل أى مجهود للحصول عليها . ألا وهى ” شهادة ” أن لا اله إلا الله , وأن محمدا رسول الله . تلك ” الشهادة ” هى الحد الفاصل بين الكفر والإيمان , بين الحق والباطل . بين النور والظلام . بين الجاهلية والإسلام . والأسئلة الحائرة التى تطرح نفسها دائما هى : كم من مجهود بذلنا وأعمال فعلنا حتى نثبت جدارتنا بحمل تلك الشهادة ..؟ هل هى ” شهادة ” ورثناها عن أبائنا وأجدادنا دون وعى أو فهم . هل نحن على قدر تكاليف تلك الشهادة ..؟ هل نحن على قدر الأمانة التى رفضت حملها السموات والأرض والجبال وحملها الإنسان ..؟ هل نحن نعى ونستوعب ونفهم حيثيات ومتطلبات وتكاليف تلك ” الشهادة ” ..؟ أم نحن نسير فى الركب كالأعمى والأصم فى الجنازة لايدرى من الميت ولا من هم المشيعون ..؟
* هل تساءلنا فى لحظة مراقبة ومحاسبة للنفس , كم من موقف وقفنا فيه ننصر حقا وندحض باطلا انتصارا لتلك ” الشهادة “..؟ كم من موقف تجردنا فيه من ذواتنا , وتخلصنا فيه من ثقل مطامعنا وخلودنا إلى الحياة الدنيا , فدافعنا عن حق ونصرنا مظلوما..؟ كم من موقف وقفنا فيه ضد ظالم باغ مستبد انتصارا لتلك ” الشهادة “..؟ كم من موقف فقهنا فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم ساعة قال ” قولوا لا إله إلا الله تملكوا بها العرب والعجم ” ..؟ هل قلناها بفهم وعمل وجد فملكنا بها العرب والعجم ..؟ أم ضيعناها فأضعنا العروبة وشوهنا الإسلام  , وتحكم فينا العجم ..؟ هل تساءلنا : كم من ساعة أو يوم أو شهر أو عام قضيناها لنصرة تلك ” الشهادة “..؟  إن مفهوم تلك ” الشهادة ” هو الحد الفاصل بين الحرية والعبودية , بين الديمقراطية والديكتاتورية , بين الأحرار والعبيد , بين أن أعيش إنسانا حرا , وبين أن أعيش فى حظيرة العبودية  عبدا مملوكا لا أقدر على شئ..!؟

* ألا تستحق منا تلك ” الشهادة ” ألا نقف على الحياد بين الحق والباطل ..؟ ألا تستحق منا أن نكون أوفياء أتقياء لانصفق لباطل أو نؤيد ظلما ..؟ ألا تستحق منا ألا نغض الطرف عن جرائم يندى لها جبين البشرية مقابل كسرة خبز يرميها الأسياد للعبيد مقابل بلع ألسنتهم فلا يتلفظون ببنت شفة ..؟ ألا نستحق منا تلك ” الشهادة ” أن نضحي بكل غال وثمين لرفعة شأن هذا الدين وتقدم هذا الوطن , وتثبيت أوتاد الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ..؟ ألا تستحق منا تلك الشهادة ” أن ندافع عن كل مظلوم , ونمد يد العون لكل مقهور , ونساند كل مصاب , ونرد الحق لكل صاحب حق ..؟ ألا تستحق منا تلك ” الشهادة ” أن نحملها فوق رؤوسنا , قبل أن نحملها فى بطاقة الرقم القومي بالرسم والشكل والصورة فقط ..؟ ألا تستحق منا تلك ” الشهادة ” أن نقول الحق ولو كان مرا ..؟ ألا تستحق منا تلك الشهادة أن نقول للظالم أنت ظالم , مهما بلغ مركزه وقوته وسلطانه وعدوانه ..؟

الخميسى
* ثم يطرح السؤال الأكثر خطورة وأهمية نفسه على الجميع  : لقد قضينا ما يقرب من نصف أعمارنا فى تحصيل ” شهادات ” دنيوية ربما انتفعنا منها وبها , وربما لم ننتفع بها واقتصر دورها على تعليقها فى غرفة الجلوس كزينة للناظرين . ألا يجدر بنا أن نسأل أنفسنا سؤالا واضحا متجردا خالصا لوجه الله لا تشوبه شائبة  : كم قضينا من أعمارنا وحياتنا نعمل من أجل إعلاء ورفعة “ شهادة ” أن لا اله إلا الله , وأن محمدا رسوا الله..؟ ولا أقصد بالإجابة عن السؤال من صلاة وصيام وزكاة وحج وكل صور العبادات , لأن تلك فرائض لابد من أدائها . لكنى أقصد فى المقام الأول كم من موقف اتخذناه لقول الحق ولو كان مرا ..؟ كم من موقف رفضنا وعارضنا فيه باطلا ولو كان فيه مصلحتنا الدنيوية ..؟ كم من موقف اتخذناه نصرنا فيه ديننا فى وقت تخلى عنه الكثير , إما خوفا أو جبنا من ذى سلطان ..؟ كم من موقف شهدنا فيه شهادة حق وأدحضنا فيه شهادة زور ..؟ كم من موقف لبسنا فيه ثوب الشجاعة ورفعنا فيه راية الحق ونكسنا فيه راية الباطل..؟ ألا تستحق منا تلك ” الشهادة ” ذلك بل أكثر ..؟
* ألم يقل ربنا عز وجل “ وقفوهم إنهم مسؤولون ..؟ ” فنحن جميعا مسؤولون عن تلك ” الشهادة ” أمام الله عز وجل , كل حسب مركزه وعمله ومسؤوليته . لن يفلت أحد من الوقوف أمام الله والسؤال عن مدى جهده وعمله لتحقيق مفهوم تلك الشهادة فى حياته الدنيا . لن ينفعنا ما حصلنا عليه من شهادات دنيوية أمام الله , بل لعلها تكون سببا فى ثقل وعبء السؤال لأنك بها ازددت معرفة وعلما وفقها. وكل إنسان يحاسب حسب علمه . إن حمل  تلك ” الشهادة ” ليس نزهة خلوية تحت ضوء القمر فى ليلة صافية هادئة . بل حملها يزيد من مسؤوليتنا أمام الله فى زمن ضاع فيه الحق وانتفش فيه الباطل . ولنعلم جميعا أن تلك هى  “الشهادة ” الوحيدة التى ندخل بها قبورنا فلنحسن كتابتها ولنجمل خطها . ستفنى كل الشهادات وتبقى تلك ” الشهادة ” شاهدة لنا أو علينا . والله من وراء وراء القصد والنية . والله أعلى واعلم .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى