تقارير وملفات إضافية

شوارعها تحوي نصف سلاح العالم ولديها رئيس مثير للانقسام.. هل اقتربت أمريكا من الحرب الأهلية؟

فقد تم إجراء أكثر من 3.7 مليون فحص للأسلحة النارية من خلال نظام الفحص الأمني لمكتب التحقيقات الفيدرالي، في مارس/آذار 2020، أي بزيادة بنسبة 80% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وهو أعلى رقم مسجل منذ أكثر من 20 عاماً، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وعندما فرضت حكومات الولايات إجراءات إغلاق لمواجهة تفشي المرض، تظاهر المواطنون المعترضون على ما اعتبروه تقييداً لحرياتهم بأسلحتهم مثلما حدث في ولاية ميتشغان الأمريكية.

بدت هذه التصرفات غريبة بالنسبة للعالم، الذي ينظر لأمريكا باعتبارها مركز التحضر في العالم، ولكن عندما وقعت الاحتجاجات على مقتل فلويد، وما رافقها من أعمال نهب وانقسام غير مسبوق في المجتمع الأمريكي، طفت على السطح أسئلة كثيرة عن مستقبل هذا البلد.

فقد أثيرت تساؤلات من قبيل: لماذا يكدس الأمريكيون كل هذه الأسلحة، هل يمكن أن تقع حرب أهلية في أمريكا بسبب كل هذه الأسلحة؟

تحتل الولايات المتحدة المركز الأول من حيث عدد الأسلحة لكل مواطن، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.

إذ يوجد في الولايات المتحدة 112.6 سلاح ناري لكل 100 شخص، ويحتل اليمن المركز الثالث، بمعدل 54.8 لكل مئة مواطن.

الرقم الأكثر إثارة للصدمة أن تضم الولايات المتحدة 4.4% من سكان العالم، إلا أنّ حوالى نصف عدد الأسلحة النارية حول العالم موجود بحوزة المدنيين في أمريكا.

يعتبر امتلاك السلاح في الولايات المتحدة من بين الحقوق التي أقرها الدستور الأمريكي، وبالتالي فالولايات المتحدة الأمريكية تسمح لمواطنيها بحمل السلاح حتى في الشوارع، وذلك انطلاقاً من مبدأ احترام الحرية الفردية.

ويستند مؤيدو حمل السلاح إلى التعديل الثاني للدستور الأمريكي، والذي يكسبه البعض طابعاً مقدساً.

وتمت صياغة نص التعديل الثاني عام 1791، عند كتابة دستور الولايات المتحدة، وترجع أهميته لكونه ضمن وثيقة الحقوق، والتي تضم 10 مواد تتعلق بالحريات الشخصية للأفراد.

ويذكر نص التعديل الثاني أنه “لا يجوز التعديل” على حق الأشخاص في حمل الأسلحة النارية، ما يضمن للمواطنين الأمريكيين شراء وحمل الأسلحة النارية.

وتختلف التفسيرات بشأن التعديل الثاني، فبينما يرى البعض أنه صالح لكل زمان، يعتقد آخرون أنه كان ملائماً لظروف الولايات المتحدة وقت كتابة الدستور، إذ كانت قد استقلت للتو من المملكة المتحدة، وتعمل على توحيد الولايات تحت صفوفها، ما جعل توفير السلاح للأفراد للدفاع عن أنفسهم وعن ولاياتهم أمراً منطقياً.

وتختلف القوانين المتعلقة ببيع الأسلحة من ولاية إلى أخرى، ففي ولاية تكساس مثلاً يستطيع الشخص حمل السلاح دون ترخيص لأن القانون يسمح بذلك. الإحصاءات تشير إلى أنّ أكثر من 30% من الأمريكيين يملكون أسلحة خاصة بهم.

ويستطيع الأشخاص في الولايات المتحدة اقتناء الأسلحة والذخيرة بأسعار متدنية عبر مواقع الإنترنت التي تعد سوقاً ضخمة، كما تنشط تجارة تهريب الأسلحة عن طريق الحدود المكسيكية والعصابات المسلحة التي تنشط في الاتجار بالمخدرات. وبالتالي تختلف الأسلحة المنتشرة في الولايات المتحدة من حيث الكمّ والنوع.

 وأدى تزايُد أعمال العنف التي خلّفتها الحوادث الفردية لإطلاق النار في أمريكا لتعالي الأصوات لوضع حدّ للعنف، ومراجعة التشريعات الخاصة بحيازة الأسلحة.

 ورغم أنَّ بعض الرؤساء مثل الرئيس السابق باراك أوباما حاولوا عدة مرات اعتماد إجراءات لوضع أطر محددة لبيع الأسلحة، فإن جميع مساعيه باءت بالفشل بسبب اعتراض لوبي الأسلحة النارية، الذي يتمتع بقوة كبيرة، فقد تمكن من قطع الطريق على مختلف مشاريع القوانين التي دعت إلى تشديد الرقابة على الأسلحة النارية.

المشكلة تبدو أعمق من لوبي السلاح؛ إذ تترسخ فكرة امتلاك السلاح بعمق في الثقافة الأمريكية، خاصة ولايات الجنوب والغرب الأوسط، كما أنها فكرة مرتبطة أكثر باليمين الأمريكي الذي يمثله الحزب الجمهوري.

ومع وصول الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين إلى مرحلة غير مسبوقة خلال أزمة كورونا، إلى درجة تحريض ترامب لأنصاره، ولاسيما أعضاء أقصى اليمين، على التمرد على أوامر الإغلاقات التي أصدرها المسؤولون الديمقراطيون، ومع قيام بعض اليمينين بالتظاهر بالسلاح احتجاجاً على الإغلاقات، بدا مشهد حضور السلاح في الحياة السياسية الأمريكية صادماً للعالم.

وزاد الأمر سوءاً مع انفجار الاحتجاجات ضد مقتل فلويد، حيث خرج الأفارقة والأقليات والديمقراطيون واليساريون في مواجهة الرئيس الأمريكي الذي أراد سحق الاحتجاجات بل دعا الجيش إلى التدخل، وهو الأمر الذي رفضه وزير الدفاع الحالي مارك إسبر.

إذ لم يستجب لرغبة ترامب في نشر وحدات جديدة للجيش داخل الولايات.

وقال في مؤتمر صحفي إنه لا يدعم استخدام القوات العاملة لقمع الاحتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وإنه يجب استخدام هذه القوات فقط في دور إنفاذ القانون كملاذ أخير، في معارضة واضحة لرغبة الرئيس ترامب.

 كما أن وزير الدفاع السابق ماتيس هاجم ترامب بشدة قائلاً “هو أول رئيس أراه في حياتي لا يحاول توحيد الأمريكيين، ولا يحاول حتى التظاهر بالقيام بذلك، عوضاً عن ذلك هو يحاول أن يُفرقنا”.

في المقابل فإن بعض السياسيين الجمهوريين تمادوا في تأييد ترامب، حتى إن نائباً جمهورياً طالب بسحق الاحتجاجات.

ومع انسحاب الاشتراكي المخضرم بيرني ساندرز من سباق الانتخابات بدا نجم الحركات اليسارية الاحتجاجية يتصاعد في مواجهة يمين متطرف، لتظهر على سطح الأحداث الأخيرة التي أعقبت مقتل جورج فلويد حركة إنتيفا -سيأتي ذكرها لاحقاً- لتظهر في المقابل تصريحات على شبكات التواصل الاجتماعي لأنصار ترامب، أبدى بعضهم خلالها استعداداً تاماً للنزول إلى الشوارع وإنهاء حركات الاحتجاج خلال 24 ساعة، في تهديد واضح باستخدام القوة.

تهديد تلقّاه الجميع بقلق شديد تزامن مع تصاعد نبرة الحديث للتيار اليميني في وسائل الإعلام، كما يظهر من تصريحات جاريد تايلور، محرر مجلة “النهضة الأمريكية” ذات التوجه العنصري.

وبعد أن كانت أمريكا هي بوتقة انصهار الثقافات والمعارف المختلفة للمهاجرين، تضاءلت اللُّحمة الاجتماعية وتعاظَم الانقسام المجتمعي، وأصبح العدو داخلياً مع تصاعد الخطاب العنصري، والذي يُتهم ترامب بشكل أساسي أنه المتسبب فيه، إلى جانب عوامل متعددة ساهمت في تراجع تأثير الطبقة الوسطى المتعلمة التي كان يعول عليها أي مرشح للرئاسة في مقابل تنامي التطرف اليميني.

رغم انجراف الحركات الاحتجاجية لعنف محدود، ورغم اتهامات ترامب للحركات اليسارية بالمسؤولية عن هذا العنف، فإنه يظل من المعلوم أنه إذا كانت ثقافة الاحتجاج في أمريكا يسارية الطابع، فإن ثقافة حمل السلاح يمينية الطابع.

وبينما تمثل المظاهرات والاحتجاجات، وأحياناً أعمال الشغب، وسيلة الاحتجاج لسكان المدن من الأقليات والليبراليين، فإن تاريخ الولايات شبه الريفية في الغرب والغرب الأوسط والجنوب مليء بحركات التمرد والعنف المسلح المحدودة.

ولم تشهد الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية تمرداً أهلياً واسع النطاق، ولكن هذه البلاد اضطرت لتخوض واحدة من أكثر الحروب الأهلية في التاريخ لتؤكد وحدتها، عندما رفض إبراهم لنكولن إعلان الولايات الجنوبية الاستقلال، وقرر إرسال قوات الجيش لإعادتها للحظيرة الأمريكية.

واليوم مازال الاستقطاب الذي أشعل الحرب الأهلية موجوداً بين ولايات محافظة، انتخبت رئيساً برنامجه الرئيسي كان العنصرية، وبين ولايات ليبرالية تمقته بشدة.

والأسوأ أن هذا الاستقطاب توسّع جغرافياً، فنطاق الولايات المحافظة التي انتخب فيها ترامب لم يعد يشمل الجنوب العنصري، الذي قرر الانفصال عن البلاد قبل بـ150 عاماً بسبب رفضه لإلغاء العبودية، بل إن الولايات المحافظة تشمل عدداً كبيراً من ولايات الغرب الأوسط والشمال الشرقي، بينها ولايات فيها مراكز حضرية قديمة كانت دوماً غير يمينية وقريبة من الديمقراطيين، حتى إن ترامب كان أول رئيس جمهوري منذ عام 1980 يفوز بولايات حضرية عريقة مثل ميتشغان ويسكاونسن (غرب أوسط) وبنسلفانيا (شمال شرقي).

ولكن الأخطر أن أنصار ترامب سبق أن هددوا بإشعال حرب أهلية عندما حاول الحزب الديمقراطي المضي “دستورياً” في محاكمته، وعزله بسبب فضيحة أوكرانيا.

بل إن ترامب نفسه، حرّض على الحرب الأهلية في ذلك الوقت.

إذ غرّد منذراً بها، في 29 سبتمبر/أيلول 2019، قبيل بدء جلسات مجلس النواب بالقول “في حال نجح الديمقراطيون في عزل الرئيس فسنشهد اندلاع حرب أهلية من شأنها تقسيم بلادنا، لن تستطيع التغلب عليها”.

ومع أن الديمقراطية مرت بظروف تاريخية صعبة وأحداث عنصرية، فإن الرئيس في الأغلب لم يكن محور الخلاف، كما أنه حتى عندما كان تصرف الرئيس محور الأزمة مثلما حدث مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيسكون، فإن الحزب الجمهوري الذي كان ينتمي إليه الرئيس ترفّع عن الاستقطاب الحزبي.

أما اليوم فإن انجراف الحزب الجمهوري نحو اليمين، مع وجود رئيس يهدد بحرب أهلية يضع الديمقراطية الأمريكية في اختبار حقيقي، ويجعل احتمال الحرب الأهلية أكبر من مجرد سيناريو خيالي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى