الأرشيفتقارير وملفات

صراع العروش بين آل سعود من يكسب رضاء امريكا هو الملك والسؤال الأكثر غموضًا .. من هو ملك السعودية القادم؟

ربما يجوز لنا أن نطلق اسم هذا المسلسل الشهير “صراع العروش” على ما يدور الآن داخل العائلة المالكة في السعودية من صراع على العرش بين الأمراء، بعد موت الملك سلمان المنتظر في أي لحظة. وأقوى المتصارعين وأقربهم للعرش هما الأمير “محمد بن نايف” ولي العهد الحالي ووزير الداخلية وابن أخ الملك سلمان، والأمير “محمد بن سلمان” وزير الدفاع ورئيس مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية بالمملكة وابن الملك سلمان.

الملك

كيف يتم تعيين الملك في السعودية في العادة ؟ وما الذي حدث؟

عيّن عبد العزيز بن سعود نفسه سلطانًا على منطقة “نجد” وملحقاتها، وبعث كتابًا إلى المفوض السامي البريطاني يخبره بذلك، واعترفت الحكومة البريطانية، في 27 ذو الحجة 1339هـ / 2 سبتمبر 1921م، لابن سعود، ومن يخلفه من ذريته، بلقب “سلطان نجد”. ثم تم إعلان قيام المملكة العربية السعودية.

منذ إعلان المملكة حتى تعيين سلمان ملكًا خلفا لأخيه عبد الله، كان نظام توارث الحكم يتم بشكل أفقي داخل العائلة المالكة. فعبد العزيز كان يملك حوالي 44 ابن معترف بهم كان يتم توارث الحكم بينهم. فمع تعيين ملك جديد يتم تعيين وليا للعهد يخلف الملك بعد موته. فيرث الأخ ملك أخيه. واستمر الأمر هكذا حتى تولي عبد الله بن عبد العزيز المُلك، واستحدث منصبا جديدا وهو “ولي ولي العهد” وأنشأ ما يسمى بهيئة البيعة، التي تضم عددا من الأمراء وأعضاء آل سعود. حتى وصلنا لمرحلتنا الحالية: انتهاء جيل أبناء ابن سعود وبداية انتقال الحكم إلى جيل الأحفاد.

في الحقيقة، لم يكن من المفترض أن نصل لمرحلة تولي الأحفاد للحكم الآن، فلا زال الأمير “مُقرن” أخو الملك سلمان وأصغر أبناء عبد العزيز (70 سنة) على قيد الحياة، وكان من المفترض أن يخلف سلمان بعد موته في الحكم حيث كان هو ولي العهد. ولكن سلمان قام بعزله عن ولاية العهد فور جلوسه على العرش، وقام بتعيين محمد بن نايف وليا للعهد وابنه محمد بن سلمان وليا لولي العهد، واضعًا بذلك جيل الأحفاد في التسلسل الوراثي للمُلك.

من هما الأميرين ” آل سعود “؟

الامير

محمد بن سلمان

تتناول الصحف الأجنبية محمد بن سلمان بوصفه الأمير الطموح أو الأمير المتعجل، حيث توضح تحركاته داخل المملكة أنه يمهد ليكون الملك القادم خلفًا لأبيه، ومحاولًا إقصاء ابن عمه نايف عن المشهد. فقد صعد نجم ابن سلمان سريعًا وتولى مناصب مهمة في المملكة، حيث تم تعيينه وزيرًا للدفاع وكذلك رئيسًا لمجلس الشئون الاقتصادية والتنمية للمملكة، وأيضا رئيسًا للديوان الملكي، فأصبح بيده سلطة قوية في أقل من سنة من بروزه على الساحة. وقد تلقى تعليمه داخل المملكة على عكس باقي الأمراء الذين تم إرسالهم للتعلم في الجامعات الغربية وبالأخص الأمريكية.  وهو يمثل الجيل الشاب في المملكة السعودية الذي يسعى إلى التحرر وفرض نفسه على حكم العَجَزة الذين يحكمون المملكة منذ قيامها.

محمد بن نايف

اوباما

أما محمد بن نايف فهو وزير الداخلية، الذي يسمى في أوساط القيادة الأمريكية ب” أمير مكافحة الإرهاب”. فهو من واجه الحملة التي قادتها القاعدة في السعودية للإطاحة بحكم آل سعود بين العامين 2004 و 2006، حيث تم مهاجمة القنصلية الأمريكية وبعض المنشآت النفطية.  وقد تم إرساله إلى الـ “اف بي أي” ومقر جهاز الشرطة البريطانية “سكوتلاند يارد” ليتعلم سُبُل واستراتيجيات مكافحة الإرهاب. ويتم تصنيفه كأحد أهم الخبراء في مجال مكافحة الإرهاب على مستوى العالم. وقد تعرض لأربع محاولات اغتيال لكنها باءت بالفشل. كما يحظى بمكانة في العائلة المالكة وفي أوساط الدولة السعودية ككل. و يمثل الدولة العميقة والفكر التقليدي في هذا الصراع الدائر ويسيطر بقوة على جهاز الأمن الداخلي السعودي.

صراع العروش، من يرضي الغرب فهو الملك؟

يتحرك ابن سلمان الآن نحو تهميش ابن نايف وكسب التأييد له بين أفراد العائلة، وعند القادة الغربيين خصوصا داخل البيت الأبيض. حيث قام بدمج ديوان ولي العهد الخاص بابن نايف مع الديوان الملكي في ديوان واحد هو المسئول عنه. فأصبح بذلك المتحكم-إلى حد ما-في المقابلات التي يجريها بن نايف، وبالأشخاص الذين يقابلهم أو يمتنع عنهم. ولا يُستبعد أن يكون  وراء عزل أهم مساعدي بن نايف من منصبه. وقد طرح بن سلمان رؤيته لاقتصاد المملكة تحت مسمى “السعودية 2030″، حيث يسعى لتعديد مصادر الدخل السعودي بدلا من الاعتماد على النفط فقط. كما أنه يسعى إلى “غربنة” السعودية وتحريرها لتكون أكثر انفتاحا على العالم. وستتضمن إصلاحاته إنشاء دور سينما ومتاحف و”مدينة إعلامية”.

كذلك سيتم فتح المجال أمام القطاع الخاص بشكل أكبر وسيتم خصخصة الشركات الكبرى المملوكة للدولة مثل شركة أرامكو للنفط. ويمكن اختزال ما يسعى ابن سلمان إليه بمقولة الكاتب “دايفيد اغناطيوس” عنه في صحيفة “واشنطن بوست” بأنه:

يطمح لنقل المملكة المغلقة الحذِرة إلى دولة تشبه الإمارات العربية المتحدة بناطحات سحابها واقتصادها الحر. ويعترف الأمير بأن التحول الاقتصادي هذا لن يحدث بدون تخفيف التقاليد الدينية المتشددة

ويقف ابن نايف والأمراء المتضررين من ابن سلمان ضده فيما يسعى. حيث يرون أن الدخول في صدام مع الهيئات الدينية قد يُفقد العائلة المالكة شرعيتها أمام الشعب السعودي مما يدعم أي حركة تمرد أو ثورة تقوم على حكم آل سعود. وقد عبر اغناطيوس في مقالته عن ذلك قائلا:

قد يرتدي السعوديون الزي البدوي لكن قلوبهم على ما يبدو في يد الغرب. وقد يكون هذا السبب وراء دعم الأمراء البارزين للقادة الدينيين الكبار، لحرف الانتباه عن حقيقة القيادة المتغربنة

جهود سلمان لتوليه ولده

سعود

شك أن الملك سلمان يسعى لتولية ابنه الملك من بعده ويعمل على ذلك، ويتضح ذلك من تلك المناصب التي ولاه إياها وجعلت جزءًا كبيرًا من السلطة في يده في أقل من سنة. لكنه مع ذلك لا يمكنه عزل محمد بن نايف من منصب ولي العهد وتعيين ابنه بدلا منه كما فعل مع “مُقرن”. فخطوة كهذه تُخرج الصراع إلى العلن وقد تدفع ابن نايف إلى التحرك علانية بدعم من العديد من أفراد العائلة المالكة وبدعم جهاز الأمن الذي يسيطر عليه، مما يهدد بسقوط حكم آل سعود كله. ويمكن لسلمان أن يتنازل عن المُلك لابنه ولكن لا يمكن ضمان ما سيترتب على ذلك من نزاعات داخل العائلة ورفض الأمراء كبار السن أصحاب السلطة أن يكونوا تحت حكم شاب لم يتجاوز عمره ال 34 عاما بعد.

الموقف الأمريكي

ظل الموقف الأمريكي حذرا تجاه الصراع الدائر على العرش، محاولين الحفاظ على استقرار المملكة وعدم خروج هذا الصراع إلى العلن مما قد يزعزع هذا الاستقرار. وهو آخر ما تتمنى أمريكا حدوثه في ظل سقوط الدول في الشرق الأوسط وانتشار التيار الجهادي وسيطرته على بعض تلك المناطق، حيث قد يستغل الجهاديون هذه الثغرة لإسقاط حكم آل سعود، مما سيتسبب في خسارة أقدم وأفضل حليف لأمريكا في الشرق الأوسط. ولكن رغم غياب الدعم الصريح لأحد الطرفين، إلا أن مسئولين أمريكيين ينصتون لتصريحات ابن سلمان ويحادثونه بواقع أنه يمتلك سلطة ويؤثر فعليًا في القرارات داخل المملكة.

تناول الصراع في مراكز الفكر الأمريكية

تم تناول الصراع بين الأميرين في الندوات ومراكز الفكر الأمريكية ومناقشة أي الأميرين أفضل في هذه المرحلة للولايات المتحدة. وأبرز هذه النقاشات كانت تلك التي تمت في معهد “بروكنجز” التي تولى عرض القضية فيها الباحث “بروس ريدل”. وهو المستشار لأربعة رؤساء أمريكيين منذ رئاسة بوش الأب وحتى أوباما حاليا.

أيد بروس دعم محمد بن نايف للوصول للعرش. واصفًا إياه بأنه “أكثر الأمراء السعوديين المؤيدين لأمريكا في جيله”، بل وزاد على ذلك قوله:

لوعدتم للوراء وصولًا للملك فهد لتجدوا شخصا يتمتع بنفس الميل الفطري الشديد لدعم المصالح الأمريكية كذلك الذي يوجد لدى محمد بن نايف، فلن تجدوا

موضحًا أنه يعد الخيار الأفضل لمواجهة الإرهاب المنتشر على مقربة من السعودية بحكم خبرته في مكافحته. ودعم قوله بفشل ابن سلمان في الحرب التي ورّط السعودية فيها في اليمن دون تحقيق نتائج إيجابية.

من تختار الإدارة الأمريكية أخيرًا ملكا للسعودية 

سيعتمد دعم أحد الأميرين للوصول إلى العرش على الإدارة الأمريكية التي ستتولى زمام الأمور. فالثابت الوحيد الذي يحكم السياسة الأمريكية الخارجية هو مصلحة الولايات المتحدة فقط. ويتضح هنا أن كِلا الأميرين يمشون جنبًا إلى جنب مع المصالح الأمريكية. وبناءً على هذا سيكون اختيار أحد منهما مبني على أسلوب الإدارة الأمريكية وقناعاتها في البيت الأبيض.

ففي حالة فوز “ترامب” مثلا، من المؤكد أنه سيدعم وصول ابن نايف. حيث تقتصر رؤيته على استخدام القوة المسلحة والبطش الأمني لمواجهة الإرهاب والأخطار التي تهدد الولايات المتحدة وهو ما يجيده ابن نايف. على العكس إذا ما كانت هناك إدارة مشابهة لإدارة “أوباما”، تواجه المخاطر بحرب فكرية تجفف منابع تلك الأفكار وتزرع أفكار مضادة له كالتعايش، وعلمنة المجتمع، وإغلاق المؤسسات التي تنشر الأفكار الجهادية، وتغيير الخطاب الديني، دون بطشة أمنية قوية تشكل حاضنة للأفكار الجهادية، فسيقع الاختيار على محمد بن سلمان لما يتمثله من تلك الأفكار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى